موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الخامس: في وجوب اعتقاد أنه تعالى أحدث العالم كله من غير حاجة إليه ولا موجب أوجب ذلك عليه

وإنما علمه تعالى به سبق فلا بد أن يخلق ما خلق فهو تعالى غني عن العالمين فاعل

بالاختيار لا بالذات وموجود بذاته من غير افتتاح ولا انتهاء بل وجوده مستمر قائم بذاته سبحانه وتعالى هذا كلام المتكلمين ولنبسط الكلام على هذا المبحث بنقول الشيخ محيي الدين رضي اللّه تعالى عنه فنقول وباللّه التوفيق ذكر الشيخ في الباب التاسع والعشرين ومائتين من "الفتوحات" أنه لا يجوز أن يقال إن الحق تعالى مفتقر في ظهور أسمائه وصفاته إلى وجود العالم لأنه له الغنى على الإطلاق. قلت وهذا رد صريح على من نسب إلى الشيخ أنه يقول إن الحق تعالى مفتقر في ظهور حضرات أسمائه إلى خلقه ولولا خلقه ما ظهر ولا عرفه أحد وأجمع العقلاء كلهم على أنه تعالى لا يتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده لأن من شأن الإرادة أن لا تتعلق إل بمعدوم واللّه موجود ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممكن أو واجب بالغير واللّه تعالى واجب الوجود لنفسه انتهى. (فإن قلت) إذا كان الحق تعالى لا يجب عليه شيء فما معنى قوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] ونحو قوله:

وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] فإن ذلك مؤذن بأن الحق تعالى ليس له أن يخلف ما أوجب على نفسه من الرحمة والنصر للمؤمنين (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب السادس والسبعين وثلاثمائة أن للحق تعالى أن يوجب على نفسه ما شاء ولكن لا يدخل تحت حد الواجب على عباده من المنع من ترك ذلك الواجب لأنه تعالى يفعل ما يريد فله تعالى أن يخلف ما كتبه ويخذل من شاء من المؤمنين ولا يلحقه ذم ولا لوم لأن الواحد المختار لا يصح منه أن يلزم نفسه ولو ألزمها لا يلزمه الوفاء بخلاف العبد إذا أوجب على نفسه شيئا بالنذر يلزمه الوفاء به لدخوله تحت حد الواجب الشرعي ويأثم إذا لم يوف بنذره مع القدرة وذلك كالعقوبة له لكونه أوجب على نفسه ما لم يوجبه اللّه تعالى عليه وزاحم الحق في التشريع وأم قوله تعالى: وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] فالمراد به كما قاله الشيخ في الباب الثالث والثلاثين: إن العلم الإلهي إذا تعلق أزلا بما فيه سعادتنا كان ذلك الوجوب على النسبة من هذا الوجه أي لا بد من وجود تلك الطريق الموصلة إلى ذلك الأمر الذي تعلق به العلم وأطال في ذلك ثم قال: فعلم أن الحق تعالى لا يجب عليه شيء ولو أوجب هو على نفسه شيئا فله الرجوع عنه من حضرة الإطلاق فإن للحق تعالى حضرتين حضرة تقييد نحو قوله تعالى: إِنَّ

اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء: 116] فهذه لا يصح شرعا أن يخلف ما أخبر به منها وحضرة إطلاق نحو قوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [آل عمران: 129] ومذهب المحققين من أولياء اللّه تعالى أن يطلقوا ما أطلقه الحق تعالى ويقيدوا ما قيده الحق أدبا لفظيا ول يحملوا خاصا على عام ولا عاما على خاص انتهى. ويؤيد ما ذكره الشيخ أيضا في الباب الثالث والتسعين ومائتين في قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: 156] إلى آخر النسق وهو أن للحق تعالى جودين جود مطلق وجود مقيد قال وهذه الآية من الجود المطلق وأما الجود المقيد فهو نحو قوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] أي أوجب وفرض على نفسه الرحمة لقوم خواص نعتهم بعمل خاص وهو قول أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ [الأنعام: 54] الآية فهذا الجود تقيد بالوجود لمن هذه صفته بحكم الوعد السابق منه تعالى وهو عوض عن هذا العمل الخاص فإن التوبة والإصلاح من الجود المطلق وقد قابل جوده بجوده فما حكم عليه سبحانه سواه ولا قيده غيره فالعبد بين هذين الجودين كأنه عرض زائل ه. قال: وقد بان لك أن وجه الإطلاق مشروع ووجه التقييد معقول كما أنه تعالى حجر إطلاق نسبة الولد إليه وأدخله تحت حكم لو وكم حجر تعالى تبديل القول الإلهي بقوله: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: 29] .

* - قال الشيخ: والعقل يدل على الإحالة في الولد دلالة عقلية وفي نحو قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل: 9] دلالة عقلية وقد دلت لفظة لَوْ على أنه تعالى مخير في نفسه إن شاء أمر ما شاءه وإن شاء لم يشأ فقد رأيت ورود الأخبار الإلهية كما يرى ومع ذلك فالعقل يخيله وأطال في ذلك ثم قال فقد بان لك مما قررناه أن الحق تعالى إنما أوجب على نفسه بعض أمور تأنيسا لنا فيما أوجبه على أنفسنا لنا من الصلاة والقربات الشرعية فإن أوجبناه لربنا سبحانه وتعالى كالنذر أوجبه علينا لتميز عنه فنعصي بتركه ولو أنه تعالى ترك فعل ما أوجبه على نفسه لم يكن له هذا الحكم فما وجب علينا فعل ما أوجبناه على أنفسنا إلا من حيثم أوجبه الحق علينا لا من حيث إيجابنا ذلك على أنفسنا فإن لو لم يوجب تعالى علينا ما أوجبناه على أنفسنا لم نكن عصاة إذا تركناه وأما الحق تعالى إذا وفي بما أوجبه على نفسه فهو فضل منه ومنة ومكارم أخلاق (فإن قلت) هذا ظاهر فيما إذا كان الوفاء منه بما وعد من الخير فإن

كان بما توعد به العصاة من الشر فما حكمه (فالجواب) أنه ماثم شيء يصدر منه تعالى إلا وهو خير ولكن الخير على قسمين خير محض وخير ممتزج فالخير المحض هو الذي لا تكرهه النفوس والخير الممتزج هو الذي فيه ضرب من الشر كشرب الدواء الكريه فصاحب هذا الخير كالمعذب المرحوم يجد عذابه إذا تأمله رحمة وتأديبا هذا حكم عصاة الموحدين وأما من حقت عليه كلمة العذاب من الأشقياء فذلك في شر محض لا رحمة فيه بوجه من الوجوه نسأل اللّه تعالى اللطف.

وذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثالث والتسعين ومائتين أيضا ما يؤيد اعتقاد أهل السنة والجماعة من أن الحق تعالى لا يجب عليه شيء وهو أن سهل بن عبد اللّه التستري رضي اللّه تعالى عنه قال: لقيت إبليس مرة فعرفته وعرف مني أنني عرفته فوقع بيني وبينه مناظرة فقال لي وقلت له وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث إنه وقف ووقفت وحار وحرت فكان آخر ما قال لي يا سهل إن اللّه تعالى قال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] نعم ولا يخفى عليك أنني شيء ولفظة كُلَّ تقتضي الإحاطة والعموم إلا ما خص وشيء أنكر النكرات فقد وسعتني رحمته أنا وجميع العصاة فبأي دليل تقولون إن رحمة اللّه لا تنالنا قال سهل فو اللّه لقد أخرسني وحيرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية وفهمه منها ما لم أكن أفهمه وعلمه من دلالتها ما لم أكن أعلمه، فبقيت حائرا متفكرا وأخذت أردد الآية في نفسي فلما جئت إلى قوله تعالى: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ [الأعراف: 156] إلى آخر النسق فسررت بها وظننت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما تقصم ظهره فقلت له تعال يا ملعون إن اللّه تعالى قد قيدها بنعوت مخصوصة تخرجها عن ذلك العموم فقال فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ إلى آخر النسق فتبسم إبليس وقال يا سهل التقييد صفتك لا صفته تعالى ، ثم قال: يا سهل ما كنت أظن أن يبلغ بك الجهل باللّه ما رأيت ولا ظننت أنك ههنا ليتك سكت ليتك سكت ليتك سكت، قال سهل: فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي وما وجدت له جوابا ولا سددت في وجهه بابا وعلمت أنه طمع في مطمع وانصرف وانصرفت وو اللّه ما أدري بعد هذا ما يكون، فإن اللّه تعالى ما نص بما يرفع هذا الإشكال فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلقه لا أحكم عليه في ذلك إلا بما حكم به على نفسه من حيث وجوب الإيمان به انتهى كلام سهل.

* - قال الشيخ محيي الدين: وكنت قديما أقول ما رأيت أقصر حجة من إبليس ول أجهل منه فلما وقفت له على هذه المسألة التي حكاها عنه سهل رضي اللّه تعالى عنه تعجبت وعلمت أن إبليس قد علم علما لا جهل فيه فله رتبة الإفادة لسهل في هذه المسألة انتهى. فقد بان لك أن اللّه تعالى خلق العالم كله من غير حاجة إليه ول موجب أوجب ذلك عليه (وأما) وجه كونه تعالى غنيا عن العالمين فقد قال الشيخ رحمه اللّه في الباب الثاني والسبعين: إن اللّه تعالى لم يوجد العالم لافتقاره إليه وإنما الأشياء في حال عدمها الإمكاني لما طلبت وجودها ممن هي مفتقرة إليه بالذات وهو اللّه تعالى لا تعرف غيره فلما طلبت بفقرها الذاتي من اللّه تعالى أن يوجده قبل الحق تعالى سؤالها لا من حاجة قامت به إليها لأنها كانت مشهودة له تعالى في حال عدمها النسبي كما هي مشهودة له في حال وجودها سواء فهو يدركها سبحانه على ما هي عليه في حقائقها حال وجودها وعدمها بإدراك واحد فلهذا لم يكن إيجاده للأشياء عن فقر بخلاف العبد فإن الحق تعالى ولو أعطاه حرف كن وأراد إيجاد شيء لا يوجده إلا عن فقر إليه وحاجة فما طلب العبد إلا ما ليس عنده ليكون عنده فقد افترق إيجاد العبد عن إيجاد الحق تعالى . قال الشيخ وهذه مسألة لو ذهبت عينك جزاء لتحصيلها لكان قليلا في حقها فإنها مزلة قدم زل فيها كثير من أهل اللّه تعالى والتحقوا فيها بمن ذمهم اللّه تعالى في قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران: 181] انتهى. (فإن قلت) قد نقل بعضهم عن الشيخ أنه كان ينشد:

الكل مفتقر ما الكل مستغني * هذا هو الحق قد قلنا ولا نكني

(فالجواب) أن مثل ذلك مدسوس عليه في كتاب " الفصوص " وغيره فإن هذ نصه يكذب الناقل عنه خلاف ذلك. وقال أيضا في الباب الحادي والستين وثلاثمائة في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [العنكبوت: 6] أي غني عن وجود العالم لكن لما أظهر اللّه الأسباب ورتب ظهور بعضها على ظهور بعض زل نظر بعضهم فقال إن اللّه تعالى غني عن وجود العالم لا عن ثبوته ففهم بعض المقلدين من هذه العبارة رائحة الافتقار من حيث ترتيب الظهور مع غفلته عن كون ذلك فعل مختار في الأصل غني عن العالمين فزلت بهذا قدم الغرور في مهواة من التلف فإنه لا يلزم من كون العالم ثابتا في العلم الإلهي الافتقار إلى وجوده فإن من كان غنيا عنه وعن

إيجاده لا يوصف بافتقار إليه وإذا تعارض عند العاقل مزلات الأقدام فليكن مع وصف الحكم تعالى بالكمالات فإنه حينئذ ناصر جناب الحق. قال: وإيضاح ذلك أن تعلم يا أخي أن العلم لما تعلق بالعالم من حيث ثبوته فيه اكتفى بذلك ثم إن شاء الحق تعالى أوجده إلى عالم الشهادة وإن شاء لم يوجده فهو تعالى ولو أوجده لا يوصف بالافتقار إليه بل هو مستغن عن وجوده وقد وفى الألوهية حقها بكونه ممكنا ولولا أن الممكنات طلبت من اللّه بلسان الافتقار أن يذيقها طعم الوجود كما ذاقت طعم العدم ما أظهرها تعالى فإنها سألت بلسان ثبوتها في علم واجب الوجود أن يخرجها من العدم ويوجد أعيانها ليكون العلم لها ذوقا فأوجدها تعالى لها لا له إذ هو الغنيّ عن وجودها وعن أن يكون وجودها دليلا عليه وعلامة على ثبوته بل عدمها في ترك الدلالة أظهر من وجودها فأي شيء رجح من عدم أو وجود حصل به المقصود من العلم بكمال الحق جل وعلا قال: فلهذا قلنا إن غناه عن العالم هو عين غناه عن وجود العالم وهذه مسألة غريبة لأن فيها اتصاف الممكن بالعدم في الأزل وكون الأزل لا يقبل الترجيح وكيف قبله عدم الممكن مع أزليته في العلم وذلك أنه من حيث ما هو ممكن في نفسه استوى في حقه القبول لحكمين فما يفرض له حال عدم ولا يفرض له حال وجود فما كان له الحكم فيه في حال فرضه فهو مرجح فإن الترجيح ينسحب على الممكن أزلا في حال عدمه وإن كان منعوتا بعدم المرجح (وإيضاح ذلك) أن الترجيح من المرجح الذي هو اسم فاعل لا يكون إلا مع القصد لذلك والقصد حركة معنوية يظهر حكمها في كل قاصد بحسب ما تعطيه حقيقته فإن كان محسوسا شغل حيزا وفرغ حيزا آخر وإن كان معقولا أزال معنى وأثبت معنى ونقل من حال إلى حال انتهى.

وحاصل كلام الشيخ أنه لا يقال إن الحق تعالى غني عما تضمنه علمه القديم من حيث ثبوت العالم فيه إذ العالم هو معلوم علمه تعالى وعلم بلا معلوم لا يصح فمن قال إن اللّه تعالى غني عن ثبوت المعلومات في علمه كأنه قال إن الحق تعالى غني عن علمه على حد سواء وذلك محال فافهم. فرجع الأمر إلى أنه تعالى غني عن إبراز العالم من مكنون علمه إلى عالم الشهادة لا غني عن ثبوته في علمه فليتأمل. ويؤيد ما فهمناه قول الشيخ في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة في الكلام على اسمه تعالى الباريء: اعلم أن الحق تعالى من وراء جميع

المعتقدات لأنه غني عن العالمين لكن لا بد من تخيل وجود العالم لنا في الذهن ليثبت له تعالى الغني عنه كما يقال في صاحب المال إنه غني بالمال عن المال إذا المال هو الموجب له صفة الغني عنه فلا بد من وجود المال لتصور صفة الغني عنه.

* - قال الشيخ: وهذه مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن العالم سبب الثناء عليه تعالى من حيث وجود العالم كما أنه تعالى لا ينزه عن صفاتنا إلا بنا فما وقع الغناء عليه إلا مع تصور وجودنا فهو غني عنا بنا في الدائرة العقلية لا الكشفية فإن كونه تعالى غنيا إنما هو بغناه عنا فلا بد من ثبوت هذا الغنى له نعتا، قال: ومن أراد أن يقرب عليه تصور هذا الأمر فلينظر إلى ما سمى الحق تعالى به نفسه من كل سم يطلب العالم فإن الخالق يطلب مخلوقا والرازق يطلب مرزوقا والرحمن يطلب مرحوما والرب يطلب مربوبا وهكذا فلم يتعقل قط الغنى عنا إلا بنا قال ومن هنا قال سهل بن عبد اللّه إن للربوبية سرا لو ظهر لبطل حكم الربوبية ومعنى ظهر زال كما يقال ظهر السلطان من البلد إذا خرج عنها انتهى.

* - وقال الشيخ أيضا في الباب الأربعين ومائة: المراد بكون الحق تعالى غنيا عن العالمين أي غني عن العالم من حيث دلالة العالم عليه إذ لو خلق تعالى العالم للدلالة عليه لكان للدليل فخر وسلطنة على المدلول ولما صح للحق تعالى الغنى عنه فكان الدليل لا يبرح عن مرتبة الزهو لكونه أفاد الدال أمرا لم يتمكن للمدلول أن يوصل إليه إلا به فكان يبطل الغنى عن العالمين فسقط بذلك قول من قال إن اللّه تعالى خلق العالم للدلالة عليه فإن اللّه تعالى ما نصب الأدلة لتدل عليه وإنم نصبها لتدل على المرتبة ليعلم العبد أنه تعالى إله واحد لا إله إلا هو انتهى.

ويؤيد ذلك أيضا قول الشيخ في الباب الستين من "الفتوحات" في قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [آل عمران: 97] أي غني عن الدلالات عليه إذ العوالم كلها دلالات كأنه تعالى يقول ما خلقت العالم كله إل ليدل على نفسه وليظهر له عجز نفسه وفقرها وحاجتها إليّ لأنه ماثم في الوجود دليل عليّ، لأنه لو كان في الوجود دليل علي لربطني به فكنت مقيدا به وأنا الغني الذي لا يقيدني وجود الأدلة ولا يدل على أدلة المحدثات قال وأكثر الناظرين في هذه

المسألة يتوهمون أن الكون دليل على اللّه لكونهم ينظرون في نفوسهم فيستدلون وما علموا أن كونهم ينظرون راجع إلى حكم كونهم متصفين بالوجود فالوجود هو الناظر حقيقة وهو نور الحق تعالى لا نورهم، فإن ذات أحدهم لو لم تتصف بالوجود فبماذا كان ينظر ومن هنا صح قول من قال عرفت اللّه باللّه وهو مذهب الجماعة ه.

* - وقال الشيخ أيضا في " شرحه لترجمان الأشواق ": جميع الأدلة التي نصبه الحق تعالى أدلة قد محاها بقوله ليس كمثله شيء فأوقف العالم كله في مقام الجهل والعجز والحيرة ليعرف العارفون أنه ما طلب منهم من العلم وما لم يطلب منهم فيتأدبون ولا يجاوزون مقاديرهم انتهى. وقال في باب الأسرار من "الفتوحات" (مه) إن العالم علامة بدوه ممن فهو علامة على من فما ثمّ إلا اللّه وفعله وما لا يسع جهله انتهى كلام الشيخ رحمه اللّه. وقد بان لك أنه رضي اللّه تعالى عنه بريء من القول بأن الحق تعالى يوصف بكونه مفتقرا إلى العالم وأنه تعالى هو الغني على الإطلاق وأن العالم لا ينفك طرفة عين عن الافتقار إلى اللّه تعالى وأنه تعالى ما أظهر العالم من مكنون علمه إلا ليسبغ عليه نعمه حال وجوده إلى عالم الشهادة لا غير وهو معنى قول بعضهم إن اللّه تعالى أوجدنا لنا لا حاجة منه إلينا لنقول بالتكليف إذ الحق لا يكلف نفسه انتهى واللّه أعلم. (خاتمة) إن قيل هل يصح لأحد الغنى باللّه عن الكون (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الخامس والعشرين ومائة أنه لا يصح لأحد الغنى باللّه حقيقة إنما حقيقة الاستغناء ترجع إلى الأسباب وجلت ذات الحق تعالى أن تكون محلا لمثل ذلك وإيضاح ذلك أن اللّه تعالى ما وضع الأسباب إل ليزيل بها فاقة المخلوقين فما استغنى أحد إلا بالكون ولا يصح الغنى عن الكون بحكم العموم وإنما يصح الاستغناء عن مخلوق ما بغيره فقول بعضهم فلان مستغن باللّه جهل وإنما لتحقيق أن العبد مستغن بما من اللّه لا باللّه فإذا جاع أمر بالأكل فزال جوعه عند الأكل لا بالأكل فافهم واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!