المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله على ما الهم وان علمنا ما لم نكن نعلم وكان فضل الله علينا عظيما وصلى الله على السيد الاعظم والنبي الأكرم المعطي جوامع الكلم بالموقف الاعظم وسلم تسليما.وبعد فاني استخرت الله تعالى ليلة الاثنين الثاني والعشرين من جمادي الاولى سنة تسع وتسعين وخمسماية بمنزل الماية بالطائف في زيارتنا عبدالله ابن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سبب استخارتي سؤال صاحبي ابي محمد بدر عبدالله الحبشي عتيق ابي الغنائم بن ابي الفتوح الحراني وابي عبدالله محمد بن خالد الصدفي التلمساني وفقهما الله ان اقيد لهما في هذه الايام ايام الزيارة ما ينتفعون به في طريق الآخرة فاستخرت الله في ذلك وقيدت لهما هذه الكراسة التي وسمتها حلية الابدال وما يظهر عنها من المعارف والاحوال تكون لهما ولغيرهما عونا على طريق السعادة وبابا جامعا لفنون الارادة ومن موجد الكون نسأل التأييد والعون.فصل
اعلم ان الحكم نتيجة الحكمة والعلم نتيجة المعرفة فمن لا حكمة له لا معرفة له فالحاكم العالم لله قائم والحكيم العارف بالله واقف فالحاكمون العالمون لاميون والحكماء العارفون نائبون لما شغف الزاهد بترك دنياه والمتوكل بتسليم كلية امره الى مولاه والمريد بالسماع والوجد والعابد بالعبادة والجهد والحكيم العارف بالهمة والقصد غاب عن العالمون الحاكمون في الغيب فلا يعرفهم عارف ولا مريد ولا عابد ولا شهدهم متوكل ولا زاهد فترك الزهد للعوض وتوكل المتوكل لنيل الغرض وتواجد لتنفيس الكرب واجتهد رغبة في القرب وقصد العارف الحكيم بهمته الوصول وانما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه فالمعرفة حجاب على المعروف والحكمة باب يكون عنده الوقوف وما بقى من الاوصاف فاسباب الحروف وهذه كلها علل تعمي الابصار وتطمس الانوار فلولا وجود الكون لظهر العين ولولا الاسماء لبرز المسمى ولولا المحبة لاستمر الوصل ولولا الحظوظ لملكت المراتب ولولا الهوية الانية ولولا هو لكان هو ولولا انت لبدا رسم الجهل فئما ولولا الفهم لقوي سلطان العلم فاذا تلاشت هذه الظلم وطارت بمرهفات الفنا هذه البهم.
تجلى لقلبك من لم يزل وما حجب العين عن دركها تبين للقلب ان الذي وجاء خطاب يعم الكلام |
|
به قاطنا في غيوب الازل سواك ولكن بضرب المثل رآه به داعيا لم يزل ويبدي سناه رسول المحل |
فصل
كان لنا بمرشانة الزيتون ببلاد الاندلس صاحب من الصالحين يعلم القرآن فقيها جيدا حافظا ذا ورع وفضل وخدمة للفقراء اسمه عبد المجيد بن سلمة اخبرني وفقه الله قال بينما انا ليلة في مصلاي قد اكملت حزبي وجعلت رأسي بين ركبتي اذكر الله اذ تحسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضا عنه حصير خصف وقال صل عليه وباب بيتي علي مغلق فداخلني منه جزع فقال لي من تأنس بالله لم يجزع ثم قال لي اتق الله في كل حال ثم اني الهمت فقلت ياسيدي بماذا تصير الابدال ابدالا قال بالاربعة التي ذكرها ابوطالب في القوت الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف عني ولا اعرف كيف دخل ولا كيف خرج غير ان بابي علي حاله مغلق والحصير الذي اعطانيه تحتي وهذا الرجل هو من الأبدال واسمه معاذ بن اسوش رضي الله عنه فهذه الاربعة التي ذكرها هي عماد هذه الطريق الاسنى وقوائمه ومن لاقدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله تعالى وغرضنا في هذه الكراسة الكلام في الفصول الاربعة وسنفرد لكل واحد منها فصلا ونذكر ما تعطيه من المعاني والاحوال جعلنا الله واياكم ممن تحقق بها وداوم عليها انه على ذلك قدير.
فصلفي الصمت
فصل
في العزلة
فصلفي الجوع
الجوع هو الركن الثالث من اركان هذا الطريق الالهي وهو يتضمن الركن الرابع الذي هو السهر كالعزلة تتضمن الجوع ةالصمت والجوع جوع اختياري وهو جوع السالكين وجوع اضطراري وهو جوع المحققين فان المحقق لا يجوع نفسه ولكن يقلل اكله ان كان في مقام الانس فان كان في مقام الهيبة كثر اكله فكثرة الاكل للمحققين دليل على صحة سطوات انوار الحقيقة على قلوبهم بحال العظمة في مشهودهم وقلة الاكل لهم دليل على صحة المحادثة بحال الموانسة من مشهودهم وكثرة الاكل للسالكين دليل على بعدهم عن الله تعالى وطردهم عن بابه واستيلاء النفس الشهوانية البهيمية بسلطانها عليهم وقلة الاكل لهم دليل على نفحات الجود الالهي على قلوبهم فيشغلهم ذلك عن تدبير جسومهم والجوع بكل حال ووجه سبب داع للسالك والمحقق الى نيل عظيم الاحوال للسالكين والاسرار للمحققين ما لم يفرط بصحو من الجائع فانه اذا افرط ادى الى الهوس وذهاب العقل وفساد المزاج فلا سبيل للسالك ان يجوع الجوع المطلوب لنيل الاحوال الا عن امر شيخ واما وحده فلا سبيل له لكن يتعين على السالك اذا كان وحده التقليل من الطعام واستدامة الصيام ولزوم اكلة واحدة في الليل والنهار وان يغب بالادم الدسم فلا يتأدم في الجمعة سوى مرتين ان اراد ان ينتفع يجد شيخا فاذا وجده سلم امره اليه وشيخه يدبر امره وحاله اذ الشيخ اعرف بمصاله منه وللجوع حال ومقام فحاله الخشوع والخضوع والمسكنة والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الردية هذا الجوع للسالكين واما حاله في المحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة وذهاب الكون والتنزه عن اوصاف البشرية بالقوة الالهية والسلطان الرباني ومقامه المقام الصمداني وهو مقام عال له اسرار وتجليات واحوال فهذه فائدة الجوع المصاحب للهمة لا جوع العامة فان جوع العامة جوع صلاح مزاج وتنعيم البدن بالصحة لا غير والجوع يورث معرفة الشيطان عصمنا الله واياكم منه.
فصل
في السهر
يامن يروم منازل الابدال لا تطمعن بها فلست من اهلها واصمت بقلبك واعتزل كل ما واذاسهرت وجعت نلت مقامهم بيت الولاية قسمت اركانه ما بين صمت وعتزال دائم |
|
من غير قصد منه للاعمال ان لم تزاحمهم على الاحوال يدنيك من غير الحبيب الوالي وصحبتهم في الحال والترحال ساداتنا فيه من الابدال والجوع والسهر النزيه العالي |
تمت
رسالة حلية الابدال بحمد الله وعونه آمين