موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السادس والستون: في وجوب اعتقاد أن اللّه تعالى يعيدنا كما بدأنا أول مرة وبيان كيفية تهيئة الأجساد لقبول الأرواح وبيان صورة الصور وإحياء من في القبور وبيان شبه المنكرين للبعث

ولنبدأ بعبارة " شرح جمع الجوامع " و " حاشيته " ثم نذكر نقول المحققين من الصوفية فنقول وباللّه التوفيق: اعلم أن عود الجسم بعد الإعدام بجميع أجزائه الأصلية وعوارضه حق كما كان قبل الموت قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم: 27] وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 29] وقال تعالى: بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات: 9] مع ما قد ورد في الكتاب والسنة من العبارات التي لا تقبل التأويل حتى إن ذلك صار معلوما من الدين بالضرورة وانعقد الإجماع على كفر من أنكر البعث جوازا أو وقوعا، وقد أنكرت الفلاسفة إعادة الأجسام وقالوا: إنما تعاد الأرواح بمعنى أنها بعد موت البدن تعاد إلى ما كانت عليه ملذذة بالكمال أو متألمة بالنقصان قال الكمال في " حاشيته " ومرادهم بقولهم أن الجسم يعاد بجميع أجزائه الأصلية أي الباقية من أول العمر إلى آخره لا أن الأجزاء مطلقا تعاد وذلك ليندفع بذلك الشبهة المشهورة هي ما إذا أكل إنسان إنسانا بحيث صار المأكول جزءا من الآكل فإذا أعاد اللّه تعالى ذينك الإنسانين بعينهما فتلك الأجزاء التي كانت للمأكول ثم صارت للآكل إما أن تعاد في كل واحد منهما وهو محال لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آن واحد في شخصين متباينين أو يعاد أحدهما وحده فلا يكون الآخر معادا بعينه والمقرر خلافه ووجه الاندفاع أن المعاد هو الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره دون الأجزاء الفضلية الأصلية التي كانت للمأكول هي فضلة في الأكل فإنا نعلم أن الإنسان باق مدة عمره وأجزاء الغذاء تتوارد عليه وتزول عنه وإذا كانت فضلة لم يجب إعادتها في الأكل بل في المأكول انتهى واللّه أعلم، وعبارة الشيخ محيي الدين: اعلم أن من أنكر البعث والإعادة في الأجسام كفر وصورة الإعادة أن اللّه تعالى ينزل من السماء مطرا يشبه مني الرجال تمخض منه الأرض فينشىء اللّه تعالى منه الخلق النشأة الآخرة قائمة على عجب الذنب الذي بقي من نشأة الدنيا وهو أصلها الذي لا يقبل البلاء كما مر في مبحث الأرواح ثم إذا أنشأها اللّه تعالى النشأة الآخرة وسواها وعدلها استعدت لقبول الأرواح كاستعداد شجر بالنارية التي فيها لقبول الاشتعال وكانت الصور البرزخية كالسرج المشتعلة بالأرواح التي فيها فإذا نفخ إسرافيل في الصور الذي هو الحضرة البرزخية التي ينتقل إليها بعد الموت مرت تلك النفخة على جميع تلك الصور البرزخية التي احتوى عليها الصور فأطفأتها كلها فيقول اللّه عز وجللِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: 16] فلا يجيبه أحد فإذا نفخ الثانية اشتعلت تلك الصور المستعدة للاشتغال بأرواحها فإذا هم قيام ينظرون فكل صورة تقوم حية ناطقة بما ينطقها اللّه عز وجل به فمنهم من ينطق بالحمد للّه ومنهم من ينطق بقوله سبحان من أحيانا بعد ما أماتن إليه النشور ومنهم من ينطق بقولهمَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس: 52] وهكذ ينطق كل إنسان بما كان عليه عند موته، واعلم أن كل واحد ينسى حاله الذي كان عليه في البرزخ ويتخيل أن كل ما كان فيه منام كما يتخيله المستيقظ من منامه وقال في باب الأسرار في قوله تعالى وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم: 27] المراد بالخلق هو الفعل الصادر منه تعالى لا المخلوق فإن عين المخلوق ما زالت من الوجود.

وإن اختلفت عليها الأطوار في الدنيا والبرزخ والجنة والنار فإن عين المخلوق واحدة من حيث جوهرها فلم تنعدم حتى يقال إنها توجد وإنما هو انتقال في علم اللّه تعالى من وجود إلى وجود، ولذلك كان نعيم القبر وعذابه حقا وإيضاح ذلك أن نشأة الآخرة ابتداء لا إعادة حقيقة، إذ لو كانت إعادة حقيقة لعاد حكمها معها من التكليف فكل جوهر لا ينعدم من حين خلقه اللّه تعالى وإنما هي أطوار تتوارد عليه وأطال في ذلك ثم قال: فعلم أن الحق تعالى لما دعا الأرواح من هياكلها حنت إلى ذلك الدعاء وهان عليها مفارقة الوعاء فكان لها الانفساخ بالسراح من هذه الأشباح ثم إنه إذا وقعت الإعادة عادت إلى ما كانت عليه روحا وجسما هذا معنى الرجوع، انتهى فليتأمل،

* - وقال في الباب الثاني والسبعين وثلاثمائة: إن لم تكن الإعادة على صورة الابتداء فما هي إعادة انتهى.

* - وقال في الباب السبعين من الفتوحات في قوله تعالى كَم بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 29] اعلم أن الحق تعالى قد بدأن على غير مثال سبق وكذلك يكون إنشاؤه لنا في الآخرة على غير مثال سبق فمن علم ذلك لم يستبعد وقوع المحالات من حيث العقل وإلا فليس ذلك بمحال من حيث القدرة الإلهية. انتهى فليحرر وسيأتي أيضا عن الغزالي في جواب السؤال الثاني من شبه المنكرين للبعث فراجعه.

* - وقال في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة قوله تعالى إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات: 9] .

اعلم أنه إذا بعثر ما في القبور وأخرجت الأرض أثقالها لم يبق في بطنه سوى عينها فأخرج ما كان فيها إخراجا لا نباتا وذلك ليفرق بين نشأة الدنيا الظاهرة وبين نشأة الآخرة فإن الدنيا أنبتنا فيها من الأرض نباتا كما ينبت النبات شيئا بعد شيء على التدريج وقبول الزيادة في الجرم طولا وعرضا وأما نشأة الآخرة فهي إخراج من الأرض على الصورة التي يشاء الحق تعالى أن يخرجنا عليها قال تعالى وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ [الواقعة: 61] فإذا أخرجت الأرض أثقالها وحدثت بأنه لم يبق فيها مما اختزنته شيء جيء بالعالم إلى الظلمة التي دون المحشر فألقي الخلائق فيها حتى لا ينظر بعضهم بعضا ولا يبصرون كيفية التبديل في السماء والأرض حين يقع فتمد الأرض أولا مد الأديم وتبسط فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا وهي الساهرة إذ لا نوم فيها لكونها بعد الدنيا ولا نوم لأحد بعدها انتهى.

 

* - وقال في الباب الثالث وثلاثمائة: اعلم أن الناس قد اختلفوا في صفة الإعادة بناء على اختلافهم في الموت، هل هو طلاق رجعي أو بائن وفرّعوا على ذلك ما إذا ماتت امرأة هل يغسلها زوجها ؟ فقال بعضهم: حكمها بعد موتها كالأجنبية قطع فليس له أن يكشف عليها وقال قوم حرمة الزوجية باقية أن يغسلها أو حاله معها كحاله حال حياتها فإن كان رجعيا فإن الأرواح ترد إلى أعيان هذه الأجسام من حيث جواهره في البعث وإن كان بائنا فقد ترد إليها ويختلف التأليف وقد ينشأ لها أجسام أخر لأهل النعيم أصفى وأحسن ولأهل العذاب بالعكس ،

* - قال: والحق أنها ترد إلى أعيان هذه الأجسام التي كانت مكلفة حتى تنعم أو تعذب وحتى تشهد على صاحبها حين تستشهد انتهى.

* - وقال في الباب الستين ومائتين اعلم أن الجوارح إذا استشهدت يوم القيامة على النفس المدبرة هي والجلود لا تشهد بوقوع معصية ولا طاعة لأنه لا خبر لها بما تنويه النفس في الأعمال ولا تدري هل ذلك العمل مشروع أو غير مشروع وإنما تشهد بما عملته واللّه تعالى يعلم حكمه في ذلك العمل ولهذا قال تعالى وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) [النور: 24] ولم يشهدوا بكون ذلك العمل طاعة أو معصية فإن مرتبة الجوارح لا تقتضي ذلك إنما تقتضي أن الفرج مثلا يقول أنا دخلت في فرج فلانة ويقول الفم أنا شربت خمرا ولا علم له بكون ذلك حراما أم لا. وستأتي عبارة الشيخ أبي طاهر في بيان شبهة المنكرين للبعث إن شاء اللّه تعالى . وقال الشيخ محيي الدين في علوم الباب التاسع والستين وثلاثمائة: اعلم أن العمل حق للجارحة والنيّة حق للروح ولا خبر للجارحة بما نوته النفس من ذلك فإذا شهدت الجلود من هذه النشأة والأسماع والأبصار والأيدي والأرجل وجميع الجوارح لا تشهد إلا بما جرى منها لا علم لها بكون صاحبها تعدى حدود اللّه أم لا.

* - قال الشيخ: وليس في العلوم أصعب تصورا من هذه المسألة فإن الأرواح طاهرة بحكم الأصل والأجسام وقواها كذلك طاهرة بما فطرت عليه من تسبيح خالقه وتوحيده ثم باجتماع الجسم والروح حدث اسم الإنسان وتعلق به التكليف وظهرت منه الطاعات والمخالفات فالأرواح لاحظ لها في الشقاء لطهارتها والنفوس الحيوانية تجري بحكم طبعها في الأشياء ليس عليها بمجردها تكليف والجوارح كلها ناطقة مسبحة بحمده فمن المخالف والعاصي المتوجه عليه الذم والعقوبة فإن كان قد حدث بالمجموع للجمعية القائمة بالإنسان أمر آخر كما حدث له اسم الإنسان فما هو ذلك الحادث الذي حدث وم هو حقيقته انتهى. وقد أجاب بعضهم بأن اللّه تعالى ما كلف إلا البالغ العاقل ول يكون مكلفا إلا من جمع بين الروح والجسم ومتى فارقت الروح الجسم أو عكسه انتفى التكليف فانتفى المدح والذم والعقوبة فليتأمل. وأما بيان تهيئة الأجساد لقبول الأرواح فقال الإمام أبو طاهر في كتابه " سراج العقول ": اعلم أن المنكرين للمعاد ورد الأرواح إلى الأجساد زعموا أن تعلق الأرواح اللطيفة بالتراب الجلسي الغليظ الجافي مستبعد مستحيل للتنافر بينهما طبعا وإن قدر ذلك فلا يتصور إلا بعد أن ينقلب التراب نطفه ثم علقة ثم مضغة ثم ينتهي إلى التسوية وهيهات وقالوا لنا: إنكم تدعون أن الرفات والتراب يحيا بالروح وذلك رجع بعيد فنقول لهم اعتبروا بالنشأة الأولى فإن القدرة الأزلية لم تقصر عما كانت عليه في الخلق الأول من التراب إذ قال له كن فكان ثم إن هؤلاء إنما يقيسون الأحياء في الآخرة على ما عهدوه في الدنيا من إجراء اللّه العادة في خلق الجنين ولو لم يفعل به حتى تتساحق أجزاء الأرض والجبال فتصير كالرمال كما قال وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا [المزمل: 14] ثم لا يزال ينسحق بعضه بالبعض من الجبال والأرض تحت هذه القوارع والوقائع حتى يصير جميع أجزائها هباء كم قال تعالى وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) [الواقعة: 5 - 6] فلعله تعالى يصير ذرات الأرض في هذه الدكادك والأهوال صفوا من الكدورات ويزيل عنها جميع الشوائب والخبث حتى تبدي جواهرها التي هي متهيئة لقبول الأرواح هي معنى قوله إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) [العاديات: 9 - 10] فتبقى بعد ذلك في غاية الصفاء والرقة والنعومة والدقة كالهواء وما سواها من أجزاء الأرض الغربية يتلاشى وينعدم ألا ترى إلى قوله تعالى وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) [النبأ: 2] ول شك أن جرم الجبال أشد من جرم الأرض فإذا صارت الجبال سرابا فما حال التراب والسراب هيئة كالخيال يتلاشى في الحال حتى إذا جاءه الشخص لم يجده شيئا للطافته وهذا إشارة إلى إعدام اللّه جميع أجزاء الأرض سوى ذرات بني آدم وإليه الإشارة بقوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم: 48]

وما أشبه تلك الذرات بذرات الذهب في المعدن حين تمطر عليها الأمطار وتغسلها من تراب المعدن حتى تصير تبرق وفي الحديث « ينزل اللّه تعالى أمطار متوالية كمني الرجال فينبتون من الأرض كما ينبت البقل وفي رواية كما تنبت الحبة في حميل السيل أما ترونها تخرج صفراء ملتوية » وقد شبه اللّه تعالى في القرآن إحياء الموتى بإحياء الأرض بعد موتها في مواضع كقوله تعالى وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى [فصلت: 39] وأطال الشيخ أبو طاهر في ذلك ثم قال: فهذه التغييرات والتبديلات لذرات الأموات بمنزلة تغاير التراب في أيام تخمير طينة آدم وتغاير النطف في تخليق الأجنة في الأرحام فإذا جرت على الأرض لا يبقى للتراب جساوة ولا قساوة تنافي الأرواح في لطافتها بل تصير من تقاربها منه في لطفها وصفائها حانة إلى أرواحها حنين الإبل إلى مراحها بل كحنين الإلف إذ فارقه إلفه دليل على أن اللّه تعالى إذا أراد أمرا لم يحتج إلى يفعل به حتى تتساحق أجزاء الأرض والجبال فتصير كالرمال كما قال وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا [المزمل: 14] ثم لا يزال ينسحق بعضه بالبعض من الجبال والأرض تحت هذه القوارع والوقائع حتى يصير جميع أجزائها هباء كم قال تعالى وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) [الواقعة: 5 - 6] فلعله تعالى يصير ذرات الأرض في هذه الدكادك والأهوال صفوا من الكدورات ويزيل عنها جميع الشوائب والخبث حتى تبدي جواهرها التي هي متهيئة لقبول الأرواح هي معنى قوله إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10) [العاديات: 9 - 10] فتبقى بعد ذلك في غاية الصفاء والرقة والنعومة والدقة كالهواء وما سواها من أجزاء الأرض الغربية يتلاشى وينعدم ألا ترى إلى قوله تعالى وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) [النبأ: 2] ول شك أن جرم الجبال أشد من جرم الأرض فإذا صارت الجبال سرابا فما حال التراب والسراب هيئة كالخيال يتلاشى في الحال حتى إذا جاءه الشخص لم يجده شيئا للطافته وهذا إشارة إلى إعدام اللّه جميع أجزاء الأرض سوى ذرات بني آدم وإليه الإشارة بقوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم: 48] وما أشبه تلك الذرات بذرات الذهب في المعدن حين تمطر عليها الأمطار وتغسلها من تراب المعدن حتى تصير تبرق وفي الحديث « ينزل اللّه تعالى أمطارا متوالية كمني الرجال فينبتون من الأرض كما ينبت البقل وفي رواية كما تنبت الحبة في حميل السيل أما ترونها تخرج صفراء ملتوية » وقد شبه اللّه تعالى في القرآن إحياء الموتى بإحياء الأرض بعد موتها في مواضع كقوله تعالى وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذ أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياه لَمُحْيِ الْمَوْتى [فصلت: 39] وأطال الشيخ أبو طاهر في ذلك ثم قال: فهذه التغييرات والتبديلات لذرات الأموات بمنزلة تغاير التراب في أيام تخمير طينة آدم وتغاير النطف في تخليق الأجنة في الأرحام فإذا جرت على الأرض لا يبقى للتراب جساوة ولا قساوة تنافي الأرواح في لطافتها بل تصير من تقاربها منها في لطفها وصفائه حانة إلى أرواحها حنين الإبل إلى مراحها بل كحنين الإلف إذ فارقه إلفه دليل على أن اللّه تعالى إذا أراد أمرا لم يحتج إلى آلات ووسائط وأصول وروابط وإنما يقول له كن فيكون وقد رأى اللّه تعالى موسى بن عمران في قصة البقرة وإحيائها مثل هذه الجملة حتى رآها عيانا قال تعالى فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] فصار الحشر والنشر له معاينة بما اختص به من ذلك العلم عنده انتهى، وأما بيان صورة الصور وإحياء من في القبور فاعلم رحمك اللّه أنه قد ورد في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور وأصغى سمعه وحنى جبهته وشخص ببصره إلى ذي العرش ينتظر متى يؤمر بنفخ فينفخ فيه ؟ قالوا ي رسول اللّه: وما تأمرنا ؟

* - قال قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل. وفي الحديث مرفوعا أيضا: « الصور قرن ينفخ فيه » وفي حديث آخر « أنه ذو ثقب » بعدد كل إنسان ثقبة فيها روحه وينفخ إسرافيل في الصور مرتين الأولى نفخة الصعق والثانية نفخة الإحياء تسمى إحداهما الراجفة الأخرى الرادفة وبينهما أربعون عاما على الأصح وقيل أربعون يوم وقد يسمى الصور أيضا الناقور قال تعالى فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) [المدثر: 8] وفي الحديث أنه يقول فيها أيتها الأعضاء المتهشمة والعظام البالية والأجسام المتفرقة والجلود المتمزقة والأوصال المتقطعة والشعور المتطايرة قومو إلى العرض على اللّه تعالى فتخرج حينئذ أرواحهم من ثقب الصور ولها دوي كدوي النحل ورب العزة يقول وعزتي جلال لأعيدنكم كما خلقتكم أول مرة قال الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه فهذه الأحاديث وما شاكلها دلت بمجموعها على أن الصور شيء على هيئة القرن والتدوير إذ قد جاء في الخبر دائرة رأس الصور كعرض السماوات والأرض وإسرافيل تحت العرش والصور في فمه نافذ بجميع أطباق السماوات إلى تخوم الأرضين وفيه ثقوب بعدد أرواح الخلق في كل ثقب روح محتبسة فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعق كل من في السماوات ومن في الأرض من كل ذي روح لشدة الفزع إلا من شاء اللّه قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقيل الحور العين وقيل موسى عليه السلام لأنه صعق في الدنيا مرة فجوزي بها ثم من بين النفختين يأمر اللّه تعالى عزرائيل أن يقبض روح جبريل وميكائيل وإسرافيل ثم يقول اللّه له: مت فيموت فحينئذ يعم الهمود والخمود أربعين سنة فلا يبقى في الكون حي إلا الحي الذي لا يموت ثم يحيي اللّه تعالى إسرافيل فينفخ النفخة الثانية كما قال تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذ هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:

68] فأشعرت هذه الآية والأحاديث بأن الصور هيئة حبس اللّه تعالى فيه أرواح الموتى وهو البرزخ الأكبر رأسه إلى عليين وأسفله إلى سجين وما ورد في الأحاديث من مواضع الأرواح مثل قوله صلى اللّه عليه وسلم: إن أرواح الأنبياء في جنات عدن تصعد مرة وتنحدر أخرى وتكون في اللحد مؤنسة لأجسادهم ساجدة للّه تعالى وأرواح السعداء في الفردوس وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر في قناديل معلقة تحت العرش وأرواح أطفال المسلمين في حواصل عصافير الجنة عند جبال المسك وأرواح ولدان المشركين في الجنات وليس لها مأوى يخدمون أهل الجنة وأرواح المسلمين الذين لهم تبعات معلقة في الهواء لا تصل إلى الجنة ولا إلى السماء حتى يرضى الخصماء وأرواح الفساق المصرين تعذب في القبر مع الجسد وأرواح المنافقين في بئر برهوت وأرواح الكفار في سجين تعرض على النار غدوا وعشيا قال العلماء وشعب الصور تلاقي هذه الأرواح كلها في أماكنه من العرش إلى السماوات إلى الأرض لعظمها فالأرواح في الصور في هذه المواضع التي ورد الحديث بها وهي في المعنى محبوسة في الصور فإنه يضبطها إلى يوم القيامة وهذ من علوم الأولياء وهم يشاهدون ذلك عيانا في عصرنا هذا ومثاله أن يقال فلان بالمشرق وفلان بالمغرب وفلان ببغداد وفلان بمكة وفلان بالمدينة وفلان بأصبهان وفلان بمصر إلى غير ذلك من البلدان، وكلهم في ضوء النهار يضمهم شعاع الشمس فعلى هذا المعنى لا تناقض في الأحاديث فكل من تأمل ذلك علم أن للأموات برزخين برزخ في القبور إلى يوم يبعثون وبرزخ في الصور فبرزخ القبور محتبس أجسادهم وبرزخ الصور محتبس أرواحهم وهو قوله تعالى وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 100]

ولفظ البرزخ معرب لأن أصله برزه وهو المكان المرتفع وسمي به القبر لارتفاعه عن الأرض ولذلك سمي به الصور لارتفاعه إلى العرش قال الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه وإنما سمي الصور صورا لميله وانحنائه والصور في اللغة الميل وكذلك القرن يكون مميلا فكأن الصور بانحنائه تطوق بالعالم كله، وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة كالكور جمع كورة وهو معنى لطيف وذلك أن إسرافيل لما كان موكلا بحفظ كل روح بصورتها فكان صورة مكمن الصور للأرواح على ما هي عليها في الدنيا كما ذكروا أن له صورة الإنسان. قال الشيخ ومعنى النفخ هو أن الأرواح لطائف كالرياح وإنما تدخل في تجاويف الأجسام بالنفخ كما دخلتها أولا قال اللّه تعالى فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29]

أي نفخ جبريل روحه فيه بأذني قالت الدهرية: النفخ شيء واحد فكيف يميت مرة ويحيي أخرى قلنا لهم أن النفخة الأولى نفخة قهر فهي تطم الأجساد وتصخ الآذان بقرعها وهي الطامة الكبرى والصاخة العظمى والقارعة لهذه الأجساد بهدتها وتفارقها الأرواح بشدتها، وأما النفخة الثانية فنفخة رحمة وعطف وإصلاح فالأولى بها يميت الخلق وبالأخرى يحييهم مثاله النفخة القوية فإنها تطفئ النار العظيمة والنفخة اللطيفة تحييها قال الشاعر:

منك صلاحي وفسادي معا * كالنفخ مطفي النار والمذكى

فإذا عرفت يا أخي صفة الصور والأرواح المحتسبة فيه، وعرفت أن ذرات الأجساد المصفاة من الأوساخ والكدروات الأرضية إنما كان تصفيتهم بما لطفها اللّه به من قوارع الأرض وحوادثها كما قيل: * إن الحوادث صقيل الأحرار * وأنها صارت إذ ذاك أرض فضة وحبرة لقيت متهيئة لقبول أرواحها كالأرض الطيبة المهيئة لقبول الزرع فيها وكانت كل ذرة منها ناظرة إلى روحها الخاصة بها وكذلك روحها ناظرة إليها سعيدة كانت أم شقية وعرفانها ذلك فطرة وإلهام من اللّه تبارك وتعالى كما قال في مثل ذلك قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ [البقرة: 60]

فإذا تمت الأربعون من النفخة الأولى ولم يبق في الدار ديار ألقى اللّه الروح إلى إسرافيل أولا فيحييه كما مر

وذلك قوله تعالى رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) [غافر: 15 - 16] ثم يأمره أن ينفخ ثانية

وذلك قوله تعالى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذ هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) [الزمر: 68 - 69]

وقوله تعالى يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18) [النبأ: 18] وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) [يس: 51] أي يخرجون من الأرض متخلصين عما ليس من ذراتهم من غرائب أجزاء الأرض قال أهل اللغة: والنسل العسل إذا ذاب وفارق الشمع، قال الشيخ أبو طاهر فيحتمل أن يكون انجذاب كل ذرة إلى روحها وتمايزها من سائر أجزاء الأرض كانجذاب كل ذرة من برادة الحديد ممتازة من ذرات سائر الأجساد إلى حجر المغناطيس ألا تراها كيف تلتصق به خالصة من غيرها وكيف وهي في علم اللّه تعالى كل روح مع جسده حاضران مجتمعان وإن كانا في الصورة عندنا متفرقين قال اللّه تعالى قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4) [ق: 4] وقال: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (4) [القيامة: 4] وقال قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: 79]

* - قال الشيخ أبو طاهر: وإنما بسطنا الكلام في هذه لكثرة ما يعتري النفوس التي غفلت عن ذكر ربها حتى طال عليها الأمد فقست قلوبها وجهلت أمور معادها حتى كأنها حوسبت وفرغت نسأل اللّه أن يحسن ظننا به عند الممات إنه كريم جواد آمين. انتهت عبارة الشيخ أبي طاهر القزويني في كتابه « سراج العقول ».

وأما عبارة الشيخ محيي الدين في « الفتوحات » فهي قريبة من عبارة الشيخ أبي طاهرفإنه ذكر في الباب الثالث والستين ما نصه: اعلم أن الصور والناقور اللذين ذكرهما اللّه تعالى في القرآن هما واحد وهو الحضرة البرزخية التي تنتقل إليها بعد الموت وتشهد نفوسنا فيها قال: والصور جمع صورة بالصاد فينفخ في الصور وينقر في الناقور وهو بعينه وقد سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الصور ما هو قال: « قرن من نور ألقمه إسرافيل » فأخبره أن شكله شكل القرن فوصفه بالسعة والضيق فإن القرن واسع ضيق فهو في غاية الوسع لا شيء في الأكوان أوسع منه وذلك أنه يحكم بحقيقته على كل شيء على ما ليس بشيء ويصور العدم المحض والمحال والواجب والممكن ويجعل الوجود عدما والعدم وجودا وفيه يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم: اعبد اللّه كأنك تراه، وقوله: إن اللّه في قبلة أحدكم فل يبصق تجاه وجهه » فأمر العبد أن يتخيل ربه في قبلته مواجها له ليراقبه ويستحي منه ويلزم الأدب معه في صلاته مع أنه تعالى لا يقبل من حيث ذاته الجهة أبدا ومن لم يتخيل هذا التخيل في صلاته فقد أساء الأدب فلو لا علم الشارع صلى اللّه عليه وسلم أن عند العبد حقيقة الخيال لها لهذا الحكم ما قال له اعبد اللّه كأنك تراه أي تبصره قال الشيخ: ومعلوم أن الدليل العقلي يمنع من كأن فإنه خيل بدليلة التشبيه وأما البصر فما أدرك شيئا سوى الجدار فعلمنا أن الشارع ما أراد انحصار الحق تعالى في جهة القبلة إنما العبد هو الذي يحصره لكونه ذا جهة ومعلوم أن الحق تعالى لا يحويه الجهات فقد صور الخيال من يستحيل عليه بالدليل العقلي الصورة والتصوير ولهذ كان الخيال أوسع الحضرات، قال الشيخ: ولا يخفى أن سعة القرن إنما هي في الطرف الأعلى لا الأسفل خلاف ما يتخيله أهل النظر فإنهم جعلوا أضيق ما فيه المركز وأعلاه الفلك الأعلى الذي لا فلك فوقه وأن الصور يحوي صور العالم كلها فجعلوا الواسع هو الأعلى كما هو في الحيوان وليس الأمر كما زعموا بل لما كان الخيال كم ذكرنا يصور الحق فما دونه من العالم حتى العدم كان أعلاه الضيق وأسفله الواسع هكذ خلقه اللّه وشهدناه من طريق كشفنا فأول ما خلق اللّه منه الضيق وآخر ما خلق اللّه منه ما اتسع وهو الذي يلي رأس الحيوان، ولا شك أن حضرة التكوين والأفعال أوسع الحضرات قال: ولهذا لا يكون العارف اتساع في العلم إلا بقدر ما يعلمه من العالم ثم إنه أراد أن ينتقل إلى العلم بأحدية اللّه تعالى لا يزال يرقى من السعة إلى الضيق قليلا قليلا وعلومه تنقص فإذا تم عمله ولم يبق له معلوم إلا الحق تعالى وحده كان ذلك أضيق ما في القرن فضيقه هو الأعلى على الحقيقة وفيه الشرف التام وهو الأول الذي يظهر منه في رأس الحيوان إذا أثبته اللّه تعالى فلا يزال يصعد على صورته من الضيق وأسفله يتسع وهو لا يتغير عن حاله فهو المخلوق الأول ألا ترى الحق تعالى أول ما خلق القلم المعبر عنه بالعقل فما خلق اللّه إلا واحدا ثم أنشأ الخلق في ذلك الواحد فاتسع العالم وكذلك العدد منشؤه من الواحد، قال: ولا يخفى أيضا أن اللّه تعالى إذا قبض الأرواح من هذه الأجساد أودعها صورا جسدية في مجموع هذا القرن النوري فجميع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها يدرك فهو إدراك حقيقي وقال: ومن الصور هنالك ما هي مقيدة ومنها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء ومنها ما يكون له نظر إلى عالم الدنيا من هذه الدار ومنها ما يتجلى للنائم في حضرة الخيال قال وأما نحو قوم فرعون فهم يعرضون على النار في ذلك الصور غدوا وعشيا ولا يدخلونه فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصورة ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب وهو العذاب المحسوس لا المتخيل الذي كان لهم في البرزخ بالعرض على النار فإنه عذاب محسوس في الخيال بالحس فافهم، فإنه محل غلط فيه من لا كشف عنده فإن الحس لا يغلط أبدا وإنما يغلط الحاكم عليه كصاحب المرة الصفراء يدرك العسل مرا فعلم أن كل من في البرزخ محبوس في صور أعماله مرهون بكسبه إلى يوم يبعث من تلك الصورة في النشأة الأخرى انتهى. وأما بيان شبه المنكرين للبعث فقال الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه فاعلم رحمك اللّه أن الفلاسفة أنكروا البعث للأجساد وتعلقوا بشبه ضلوا فيها وأضلو كثيرا من الناس ومعظم شبههم سؤالان الأول قولهم إن الإنسان ليس إنسانا بمادته بل بصورته وإنما تكون الأفعال الإنسانية صادرة عنه لوجود صورته فإذا بطلت صورته عن مادته وعادت المادة إلى أصولها من العناصر فقد بطل الإنسان بعينه ثم إذا خلفت في تلك المادة بعينها صورة إنسان جديد حدث منها إنسان آخر لا ذلك الإنسان الأول فإن الموجود في الثاني من ذلك الأول مو مادته لا صورته فلا يكون هو محمودا ولا مذموم ولا مستحقا لثواب أو عقاب بمادته بل بصورته وبأنه إنسان من تراب فيكون الإنسان المثاب والمعاقب ليس هو الإنسان المحسن المسئ بل إنسان آخر مشارك في مادته وربم استشهد الفلاسفة على ذلك

بقوله تعالى نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61) [الواقعة: 60، 61] وقوله تعالى بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [يس: 81]

* - وقالوا ومثل الشيء لا يكون عين ذلك الشيء هذا ما أورده ابن سينا في كتابه في « الميعاد » وقد أجاب عن ذلك الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه بقوله أما قولهم ليس الإنسان إنسانا بمادته بل بصورته يريدون بالمادة جوهريته المركبة من الأخلاط ويسمونه الهيولي ويريدون الصورة معانيه المودعة فيه وهذه منهم دعوى لا برهان عليه بل الإنسان عند أهل البصائر هذا المجموع من الجسد والروح بما فيه من المعاني فإذ بطلت صورة جسده بالموت وزالت عنه المعاني بقبض روحه لا يسمى إنسانا فإذا جمعت هذه الأشياء إليه بالإعادة ثانيا كان هو ذلك الإنسان بعينه، ألا ترى أن الجسد الفارغ من الروح والمعاني يسمى شبحا وجثة ولا يسمى إنسانا وكذلك الروح المجرد لا يسمى إنسانا وكذلك المعاني المختصة به من العلم والقدر والإرادة والسمع والبصر لا يسمى إنسانا بمجموعها ولا بتفاريقها على الانفراد لا عقلا ولا عرفا فعلى هذا قولهم الإنسان إنسان بصورته فقط كلام باطل بل الإنسان بجسده وروحه ومعانيه المختصة به إنسان: ألا ترى أنه يضاف بعضه إلى بعض في الخطاب فيقال له نفسك روحك جسدك قلبك علمك قدرتك وكذلك يضاف إليه جميع أعضائه فيقال رأسك يدك رجلك إلى آخرها فلو لا أن الإنسان مجموعها وإلا فمن كان المخاطب بكاف الخطاب من جميعها وقد أضيف الجميع إليه فعلى هذا الأصل يكون تبديل الصفات بالموت والإعادة إليه غير مخرج له عن أن يكون ذلك الإنسان الأول بل هو هو بعينه إن كان محمودا فمحمود وإن كان مذموما فمذموم واستحق الثواب والعقاب لأنه هو الأول، وأما قولهم إن مثل الشيء لا يكون حقيقة ذلك الشيء تمسك بقوله تعالى نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61) [الواقعة: 60 - 61] فمعناه على أن نبدلكم والمثل قد يزاد في الكلام تأكيد كقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] والعرب تقول مثل الأمير لا يقول هذا، يعنون الأمير لا يقول هذا، وقد صرح بذلك أبو الطيب في شعره:

مثلك يثني الحزن عن صوبه * ويسترد الدمع عن غربه

ولم أقل مثلك أعني به * سواك يا فردا بلا مشبه

وهذا المعنى شائع في العربية لا يخفى على من شم رائحتها واللّه أعلم.

(السؤال الثاني): وهو الضيلم الذي يضل فيه كثير من الناس وهو الذي نقلناه أوائل المبحث عن الجلال المحلي وعن الكمال في « حاشيته » على سبيل الاختصار وبسط ذلك هو أنهم قالوا: المعاد من الإنسان ما هو إن قلتم أجزاؤه الحاضرة عند الموت فيجب أن يبعث المجذوع والمقطوع على صورتهما تلك وهذا لم يرد به شرع وإن أعيد إليه جميع أجزائه التي كانت له مدة عمره ثم زالت وتبدلت وجب أن يكون جزءا واحد بعينه يدا ورأسا وقلبا وكبدا لأن الأجزاء العضوية المركبة من الدم وسائر الأخلاط سيالة تنتقل من عضو إلى عضو عند الاغتذاء وكذلك إذا أكل الإنسان إنسانا فصار الاغتذاء واحد فكيف يتعلق روحان بإنسان واحد وكذلك إذا قطعت يد كافر فأسلم فكيف تكون يده في النار وهو في الجنة أقطع وعلى عكسه لو قطعت يد مسلم فكفر. وأيضا فإن الغالب على ظاهر الأرض أجزاء جثث الموتى القديمة وقد زرع فيها زروع كثيرة وغرس فيها أشجار وكروم واغتذى منها الناس وانعقد في أبدانهم ذلك لحما ودما فكيف يكون مادة واحدة وأصلا واحد حاصلة لصور أناسي كثيرة هذه شبهتهم الهائلة المتضمنة لهذ السؤال المنسوب إلى ابن سينا وقد حكي الغزالي هذا السؤال وكأنه قد سلم المسألة وصرح في فتاويه وغيرها بأنه لا يجب أن يكون المعاد بعينه هو الجسد الأول بل أي جسد كان جائز وأهمل هذا السؤال جماعات كثيرة. (والجواب): كما قاله الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه وقال: إنه معتقد السلف والخلف أن المعاد هو هذا الجسم بعينه وبيانه أن تعلم يا أخي أن الذرة التي قبضها عزرائيل عليه السلام من الأرض في كل إنسان باقية لا تتبدل البتة وهي الجزء القائم منه الذي أخذ عليه الميثاق ويتوجه عليه في القبر سؤال الملكين ويتولى جوابهما برد الروح إليه والحياة له وسائر أجزائه سبب صمت وهو الذي يتعلق به الروح عند النفخ في الصور على ما دلت عليه الأخبار ثم ينضم إليه سائر الأجزاء حيث كانت بقدرة اللّه تعالى حتى يقوم الشخص تاما كما كان في الدنيا هذا شيء لا يخالفه عقل ولا شرع وأما قولهم المعاد من الإنسان ما هو ؟ هل هو أجزاؤه عند الموت أم الأجزاء التي فارقته.

(فالجواب): المعاد إنما يكون أكمل أجزاء جميع حالاته في أيام حياته كما أشار إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله يحشر الناس عراة غرلا يعني قلفا والأغرل الأقلف الذي لم يختن ثم إنه يجوز أن يزاد في أجساد أهل النعيم لتتوفر عليهم اللذات ويزاد في أجساد أهل الجحيم تغليظا للعقوبات وفي الحديث أهل الجنة مرد جرد مكحولون أبناء ثلاثين على خلق آدم عليه السلام طولهم سبعون ذراعا في عرض سبعة أذرع وقد جاء في صفة أهل النار إن سن أحدهم مثل جبل أحد. وهذا كله جائز في العقل وورد به الشرع وأما قولهم إن كانت أجزاؤه الحاضرة عند الموت هي المعادة يجب أن يبعث المجزوع والمقطوع يده على صورتهما وهذا لم يرضه شرع.

(فالجواب): أنه قد ذكرنا في الجواب قبله أن المعاد أكمل حالة كان عليها في عمره أجزاؤه لقوله تعالى قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: 79]

فكل جزء أنشأه اللّه أول مرة فيه أيام عمره يعيده إليه بخلاف المبدلات بعد الهزال والانحلال فإنها بالإضافة إلى ما تحللت به وفنيت كانت منشأة ثاني مرة فلو أعيدت هي أيضا في الآخرة لقال تعالى قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وثاني مرة وعلى هذا صح أن المعادات في الآخرة هي النشأة في الدنيا أول مرة وهي أكمل الأجزاء المبدعة التي خص بها كل شخص هذا الذي دل عليه مضمون الآية وأما قولهم إن أعيد إليه جميع أجزائه التي كانت له مدة عمره ثم زالت وتبدلت وجب أن يكون جزء ذلك بعينه يدا ورأسا وكبدا وذلك لأن الأجزاء العضوية المركبة من الأخلاط سيالة تنتقل من عضو إلى عضو عند الاغتذاء.

(فالجواب): قد ذكرنا فيما تقدم ما هو المعاد وما ذكروه من سيلان الأخلاط من عضو إلى عضو عند الاغتذاء لا يلزم أن يصير القلب كبدا ولا الرأس يد لأن الذرة التي هي الأصل وأخذ الميثاق علها كانت هيئة الإنسان مقدرة فيها بجميع أشكال أعضائه في علم اللّه تعالى وإنما سماها ذرة تشبيها بالذرة التي هي النملة الصغيرة وهي مع صغرها لها أعضاء مخصوصة محسوسة فلا يستحيل أن يكون لتلك الذرة أعضاء مقدرة ثم إذا خلقها اللّه تعالى إنسانا تنبسط تلك الأعضاء على قدر الجثة وتنضم إليه الأجزاء السيالة من الأخلاط فتتشكل على هيئة الشكل المقدر في الذرة الأولى، فعلى هذا المنتقل من عضو إلى عضو هو تلك الأجزاء السيالة الغذائية دون أجزاء الذرة الأولى التي شكل الإنسان فيها مقدر في علم اللّه بجميع أعضائه وهي بعينها قائمة منبسطة في جميع البدن إذ هو حافظ لشكلها وصورها ولا تبلى قط لقوله تعالى وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) [الشعراء: 219]

والأجزاء الغذائية تارة تنضم إليها وتارة تفارقها فعلى هذا المعنى الرأس رأس واليد يد والقلب قلب والكبد كبد باعتبار أجزائها الأصلية التي هي على غاية اللطافة والأجزاء الغذائية التي هي الدم وغيره تجري من عضو إلى عضو وتستحيل وتلك الأصلية باقية على حالها ومما يقرب من مثالها المحسوس هو راية الثعبان المخيط من الحرير يدخل الريح من جوفها وينتقل من عضو إلى عضو فتنفخ الراية على هيئة الثعبان ثم يخرج منها وهي تبقى على ما كانت وقريب منه أيضا الإسفنجة وهي شيء كالغيم هش متخلخل لطيف خفيف إذا طرح في الماء يشرب الماء بتجاويفه فيربو ويعظم ويتثاقل ثم إذا جفف عاد إلى الأصل فعلم من هذين المثالين أن أجزاء الذرة في كل شخص باقية على هيئتها بالنص الوارد في قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) [الشعراء: 219] والأجزاء الملتحقة بها تستحيل وتزيد وتنقص، وأصل تلك الأجزاء الأصلية في الخلقة هو العجب هو أصل الذنب وسمي به للتعجب من بقائه عند بلي سائر الجسد كما ورد وعليه يتركب الجسد عند الأحياء في الحشر. (وأما قولهم): إذا أكل الإنسان إنسانا فصارا بالاغتذاء واحدا فكيف تتعلق روحان بجسد واحد ؟

(فالجواب): أن الذرة الأصيلة للآكل والمأكول باقيتان كما كانت والدليل عليه إجراء اللّه العادة كما أخبر في قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) فعلى هذا الروحان يتعلقان بذرتي الآكل والمأكول ثم سائر الأجزاء تلتحق بها أينما كانت فإنها وإن استحالت في رأي العين وتفرقت فهي في علم اللّه تعالى موجودة حاضرة سواء امتزجت بالأرض أم بالهواء كما قال تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ [ق: 4] الآية والقدر الذي نقص منه يرده إليه كما رده في الدنيا عند الهزال ومحل الحياة فيها فيصير الشخصان متكاملين كما كانا في الدنيا.

(وأما قولهم): إذا قطعت يد كافر فأسلم كيف تكون يده في النار وهو في الجنة أقطع وكذلك القول في عكسه ؟

(فالجواب): أما اليد المقطوعة فحكمها تابع للجملة في الإيمان والكفر اعتبارا بالذريات فإنهن كأبعاض الآباء حكما قال تعالى وَالَّذِينَ آمَنُو وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: 22] وقال صلى اللّه عليه وسلم فاطمة بضعة مني » فعلى هذا يد الكافر ما دامت متصلة به حكمها الكفر فإن قطعت وآمن الكافر صار حكمها حيث كانت حكم الإيمان اتباعا للجملة وكذا الثواب والعقاب عليها يقعان تبعا لإيمان الجملة وكفرها وهذ ظاهر لا استحالة فيه.

(وأما قولهم): غذاء الإنسان مستحيل من تراب أجساد الموتى القديمة إذا صارت أجسادهم الرميمة ترابا والتراب زرعا والزرع غذاء.

(فالجواب): إن ذلك غير مسلم وإن سلم فلا نسلم استحالة الذرة الأصلية التي هي عليها مدار البدن كله كما بيناه من قبل فإن سائر الأجزاء تابع لتلك الذرة وهي في علم اللّه تعالى مجتمعة وإن تفرقت في رأي العين وتأتيه وإن استحالت والدليل عل أن المعاد من الإنسان هي الأجزاء التي كانت في الدنيا بعينها قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِم كانُوا يَعْمَلُونَ (24) [النور: 24] فلو كانت غيرها كما ذكروا كانت شهادتهم زورا. (فإن قيل): يد الكافر إذا قطعت وآمن هو لوردت لكانت تشهد عليه بالكفر وهو مؤمن ؟

(فالجواب): إن شهادة الأعضاء في القيامة بالمعاصي والطاعات لا بالكفر والإيمان لقوله تعالى في الآية بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يس: 65] إذ الإيمان يتعلق بالقلب لا بالأعضاء الظاهرة فلم يقل بما كانوا يعتقدون وهذا جواب الشيخ أبي طاهر القزويني رحمه اللّه وتقدم كلام الشيخ محيي الدين فيه أوائل المبحث.

* - قال الشيخ أبو طاهر: والعجب كل العجب من إنكار الفلاسفة الحشر والنشر وهل الحشر إلا إعادة أجزائه في الآخرة على مثال ما كان اللّه تعالى يعيدها في الدنيا حالا بعد حال أليس الشيخ الكبير في الدنيا هو الذي كان كهلا وقبل الكهولة كان شابا وقبل الشبيبة كان صبيا وطفلا وقبله جنينا وهو في هذه الأطوار إنسان واحد بعينه بلا شك ولا اعتبار بتلك الأجزاء المتبدلة هناك كما لا اعتبار بها ههنا بل تكون الأجزاء قليلة كانت أو كثيرة تابعة للذرة التي خلق منها أولا وأيضا فلا يبعد عن قدرة اللّه تعالى أن ترد جميع الأجزاء التي تعاورت على تلك الذرة أيام عمره ولكنه سيلطفها ويلززها فلا يكون الشخص متجاوزا عن الحد والقدرة متسعة الإمكان كائن ولكن الظاهر ما بيناه هذا غاية الكلام في هذه المسألة.

(فإن قيل): فما الحكمة في أن اللّه تعالى يقبض أرواح العباد ثم يردها إليهم يوم المعاد وقد خلقهم لأبد الآباد فهلا استدام حياتهم أبدا من غير موت ؟

(فالجواب): لو أنه فعل ذلك كان خارجا عن الحكمة وهو تعالى أحكم الحاكمين ولكنه أماتهم في دار الفناء ليبقيهم بقاء الأبد في دار البقاء من وجوه منها أن رقعة هذه الخطة الغبراء التي هي الربع المسكون من الأرض بالنسبة إلى أجساد بني آدم جميعا صغيرة لا سيما القدر المعمور منها فكانت لا تسعهم ولا تفي زروعه وأثمارها بأقواتهم التي هي سبب معاشهم وفي الحديث: « إن اللّه تعالى لما استخرج الذر من صلب آدم امتلأ وجه الأرض منهم فقالت الملائكة الهنا قد امتلأت الأرض منهم وهم ذرات فكيف تسعهم إذا تممت خلقهم فقال تعالى إني كلما آتي بقوم أميت آخرين » ومنها أن القبور برزخ الأجسام والصور برزخ الأرواح كما مر وللّه تعالى في البرزخين إنشاآت خفية لأجسادهم وأرواحهم يصيرها بها قابلة للبقاء الأبدي ولا يعلم كيفية ذلك إلا اللّه تعالى كما قال تعالى وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ [الواقعة: 61] ومنها أنه تعالى فرق بين الأرواح والأجساد ليعرف الخلق بالقطيعة قدر الوصال فإن الوصل إذا استدام خفي وعند الفراق يكون التحنن والاشتياق وبهما يعرف قدر الوصال. قال الشيخ: أبو طاهر:

وسمعت بعض الصالحين بهمذان يقول نظرت من ربوة إلى بعض المقابر فرأيته مد البصر فخطر بقلبي ما هذه الأطلال والأحجار فهتف بي هاتف يقول:

قشو بيض طار عنها فراخها * وهل ترجع الأطيار يوما إلى البيض

فسمعت على أثره قائلا يقول:

بل يجعل اللّه القشور هوادجا * من الذر بيضا لا كرامة للقبض

فترجع عنها الطائرات أوامنا * من الصيد لا يبرحن من أرج الروض

* - قال: وبالجملة فمحصول علم البدء والإعادة أن يعلم أن الأرض التي خلق منها آدم قد قدر اللّه تعالى لكل ذرة منها من ذرات ذريته روحا مختصة بها وهو قوله تعالى: خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) [عبس: 19 - 20] قيل معناه فقدر له روحا ثم لما أخرجها من صلب آدم قرن كل ذرة بروحه وأخذ الميثاق عليها ثم ردهم إلى ظهره ورد أرواحهم إلى خزانة الغيب ثم أخرج تلك الذرات كلها من ظهر آدم ممتزجة بأمشاج النطفة إلى رحم حواء ثم من أصلاب بنيه قرن بعد قرن إلى الأرحام ثم إنه ينشئها بالأغذية كما يشاء وينقلها في أطوارها كم شرحناه فيما مر ثم يخرجها من الأرحام إلى قضاء الدنيا ثم بعد انقضاء آجالهم يقبض أرواحهم ويردهم إلى بطون الأرض ثم إنه يرد إليهم في القبور أرواحهم عند سؤال الملكين فكانت تلك الذرة الفاهمة من الجملة تفهم الخطاب وترد الجواب وسائر الأجزاء أموات ومن هنا غلطت المعتزلة فأنكروا السؤال وربما يتحرك جميع الجسد ويتكلم تبع لتلك الذرة الأصلية لقوتها وذلك يكون للأنبياء وللأولياء كما جاء في الأخبار ثم إن الإنسان ما دام في البرزخ فبين هذه الأرواح وتلك الذرات المقبورة تواصل معنوي وتزاور إلهامي وإن صارت هي في الصورة رفاتا فالأخبار وردت بأن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار هكذا يكون الأمر إلى حين دنو ميعاد المعاد في النشأة الأخرى بعد الطامة الكبرى فينقيها بالزلازل والرجفات والرياح المؤتفكات ويعجنه بالأمطار الشبيهة بمني الرجال كما جاء في الأخبار فتهيأت حينئذ لقبول أرواحها وكانت أرواحها حانة إليها حنين الغريب إلى وطنه فإذا نفخ في الصور النفخة الأخرى طارت الأرواح من مكانها إلى أجسادها التي فارقتها بالنفخ أسرع من طيران الحمامة إلى الفرخ وهو قوله تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف: 29] قال وتسميتهم في هذه المنازل ذرية آدم يدل على أنهم كانوا جميعا من تلك الذرات والصحيح أن الذرية فعلية من الذر كالسرية من السر وهو النكاح وهذ القدر كاف في مبحث البعث والنشور واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!