موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السابع والستون: في بيان أن الحشر بعد الموت حق وكذلك تبديل الأرض غير الأرض والسماوات

فأما الحشر فهو جمع الخلق للعرض على اللّه والحساب بين يديه وهو عام في سائر الخلق من خاص وعام فيحشر جميع المتقين من رسل وأنبياء وأولياء ومؤمنين إلى حضرة الاسم الرحمن قال تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) [مريم: 85] وأما المجرمون فيحشرون على اختلاف طبقاتهم إلى حضرة الاسم الجبار والمنتقم قال الشيخ محيي الدين:

والحكمة في ذلك أن المتقي كان جليسه في دار الدنيا أسماء الجلال والهيبة والخوف ولذلك اتقى اللّه تعالى وخاف عقابه فيحشر يوم القيامة إلى الاسم الذي يعطي الرحمة والإنس واللطف والأمان مما كان يخاف منه ويتقي ولا يجمع اللّه على عبد خوفين وقد سمع أبو يزيد البسطامي قارئا يقرأ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (85) [مريم: 85]

إفصاح صيحة طار الدم من أنفه وقال يا عجبا كيف يحشر إليه من هو جليسه. قال الشيخ محيي الدين في الباب الخمسين وثلاثمائة: وإنما صاح أبو يزيد لأنه كان جليسه الأسماء من حيثما هي دالة على الذات ولم يكن مع الاسم من حيثما يطلبه حقيقة من غير دلالة على الذات فلذلك أنكر ما لم يعطه مشهده فهو شبيه الإنكار وليس بإنكار كما قال الخليل في طلبه علم الكيفية في أحياء الموتى فإن الخليل لم يكن ينكر إحياء الموتى وإنما كان يعلم أن للإحياء طرقا كثيرة وهو مجبول على طلب العلم فطلب أن يعرف بأي طريق يحيي اللّه الموتى فافهم. فلو أن أبا يزيد كان يعلم أن المتقي لم يكن جليسا للاسم الرحمن في أيام التكليف وإنما كان جليس الاسم الجبار ما تعجب من ذلك فيحشر المتقي إلى الرحمن ليزول عنه الخوف الذي كان عليه في دار التكليف من مجالسته الاسم الجبار والمنتقم فإن الرحمن لا يخاف منه ولا يتقي إنما هو محل الطمع والدلال والأنس لكن الأولياء رضي اللّه عنهم صادقون لا يتعدون ذوقهم في كل حال بخلاف العامة من أهل اللّه فإنهم ربما يتكلمون بأحوال غيرهم انتهى.

(فإن قلت): فهل يحشر الناس مرة من ابتداء أمرهم إلى انتهائه ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع والثمانين ومائتين أن صور الحشر لا تنحصر ولكن نذكر منها طرفا فأول حشر كان لهم في الدنيا فهو حشرهم في الصورة التي أخذ عليهم الميثاق فيها. الثاني حشرهم من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية الدنيوية. الثالث حشرهم في الصورة التي تنتقل الروح إليها بعد الموت. الرابع حشرهم في الصورة التي يسألون فيها في قبورهم وهي الصورة التي انتقلوا إليه بعد الموت إلى الجسد الموصوف بالموت ولكنه يؤخذ بأبصار الخلائق وأسماعهم إلا من شاء اللّه عن حياة الميت وما هو فيه عينا وسماعا.

الخامس حشرهم من الصورة التي سألوا فيها إلى الصورة التي يمكنون فيه في البرزخ فيكون أحدهم فيها كالنائم إلى نفخة البعث، فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي كان فارقها في دار الدنيا إن كان بقي عليه سؤال لأجل جسده الموصوف بالتكليف فإن لم يكن عليه سؤال حشر في الصورة التي يدخل بها الجنة أو النار فإن الناس إذا دخلوا الجنة أو النار حشروا في صورة لا نهاية لها قال: وأهل النار كلهم مسؤولون بخلاف أهل الجنة فإن منهم لا يسأل إذا دخل أهل الجنة الكبرى واستقروا فيه ثم دعوا إلى الرؤية حشروا في صور لا تصلح إلا للرؤية فإذا عادوا حشروا في صور تصلح للجنة. واعلم أن في كل صورة ينسى الإنسان الصورة التي كان عليها ويرجع أمره إلى حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها ثم إنه إذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور فأي صورة أعجبته دخل فيها أو ذهب بها داره والصورة في السوق ما برحت ول تزال أهل الجنة ينتقلون من صورة إلى صورة أحسن مما قبلها وأهل النار بالعكس أبد الآبدين ودهر الداهرين نسأل اللّه الموت على الإيمان آمين.

(فإن قيل): فما حكمة حشر الدواب والوحوش ؟ فيحشر المتقي إلى الرحمن ليزول عنه الخوف الذي كان عليه في دار التكليف من مجالسته الاسم الجبار والمنتقم فإن الرحمن لا يخاف منه ولا يتقي إنما هو محل الطمع والدلال والأنس لكن الأولياء رضي اللّه عنهم صادقون لا يتعدون ذوقهم في كل حال بخلاف العامة من أهل اللّه فإنهم ربما يتكلمون بأحوال غيرهم انتهى.

(فإن قلت): فهل يحشر الناس مرة من ابتداء أمرهم إلى انتهائه ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع والثمانين ومائتين أن صور الحشر لا تنحصر ولكن نذكر منها طرفا فأول حشر كان لهم في الدنيا فهو حشرهم في الصورة التي أخذ عليهم الميثاق فيها. الثاني حشرهم من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية الدنيوية. الثالث حشرهم في الصورة التي تنتقل الروح إليها بعد الموت. الرابع حشرهم في الصورة التي يسألون فيها في قبورهم وهي الصورة التي انتقلوا إليه بعد الموت إلى الجسد الموصوف بالموت ولكنه يؤخذ بأبصار الخلائق وأسماعهم إلا من شاء اللّه عن حياة الميت وما هو فيه عينا وسماعا.

الخامس حشرهم من الصورة التي سألوا فيها إلى الصورة التي يمكنون فيه في البرزخ فيكون أحدهم فيها كالنائم إلى نفخة البعث، فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي كان فارقها في دار الدنيا إن كان بقي عليه سؤال لأجل جسده الموصوف بالتكليف فإن لم يكن عليه سؤال حشر في الصورة التي يدخل بها الجنة أو النار فإن الناس إذا دخلوا الجنة أو النار حشروا في صورة لا نهاية لها قال: وأهل النار كلهم مسؤولون بخلاف أهل الجنة فإن منهم لا يسأل إذا دخل أهل الجنة الكبرى واستقروا فيه ثم دعوا إلى الرؤية حشروا في صور لا تصلح إلا للرؤية فإذا عادوا حشروا في صور تصلح للجنة. واعلم أن في كل صورة ينسى الإنسان الصورة التي كان عليها ويرجع أمره إلى حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها ثم إنه إذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور فأي صورة أعجبته دخل فيها أو ذهب بها داره والصورة في السوق ما برحت ول تزال أهل الجنة ينتقلون من صورة إلى صورة أحسن مما قبلها وأهل النار بالعكس أبد الآبدين ودهر الداهرين نسأل اللّه الموت على الإيمان آمين.

(فإن قيل): فما حكمة حشر الدواب والوحوش ؟ موجودا في الأرض فالسماء على حالها فإذا نزل الإنسان الكامل إلى البرزخ هوت السماء لأنه هو عمدها الذي يمسكها اللّه تعالى به حتى لا تقع على الأرض وهو قوله تعالى: وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16) [الحاقة: 16] أي ساقطة إلى الأرض والسماء جسم شفاف صلب فإذا هوت السماء حلل جسمها حر النار فصارت دخانا أحمر كالدهان السائل مثل شعلة نار كما كانت أول مرة وزال ضوء الشمس فطمست النجوم فلم يبق لها نور إلا أن سماحتها لا تزول في النار بل تنتثر فتكون على غير النظام التي كانت عليه في الدنيا حال سترها وأطال في ذلك.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) [الانشقاق: 3] ما صورة مدها ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع والسبعين وثلاثمائة أن المراد بمدها إنما هو امتداد الجبال وتصييرها أرضا فإنه في يوم القيامة تصير الجبال كلها دكا من تجلي الحق تعالى إذا كانت كالعهن المنفوش فما كان عاليا منه في الجو إذا انبسط زاد في وسع الأرض ولهذا جاء في الخبر إن اللّه تعالى يمد الأرض يوم القيامة مد الأديم » فشبه مدها بمد الأديم لأن الإنسان إذ مد الأديم طال من غير أن يزاد فيه شيء لم يكن في عينه وإنما كان فيه تقبض ونتوء فلما مد انبسط عن قبضه وفرش ذلك النتوء الذي كان فيه فزاد في سعة الأرض ورفع التخفض منها حتى بسطه فزاد منها ما كان من طول من سطحها إلى القاع منها كما يكون في الجلد نتوء فلذلك لا ترى في الأرض عوجا لا أمتا فيأخذ البصر من المبصر جميع ما في الموقف بلا حجاب لعدم الارتفاع والانخفاض فيرى كل من الخلق بعضهم بعضا فيشهدون حكم اللّه تعالى بالفصل والقضاء بين عباده وأطال في ذلك.

(فإن قلت): فكم مدة يوم القيامة ؟

(فالجواب): مدته من خروج الناس من قبورهم إلى أن ينزلوا منازلهم من الجنة أو النار ذكره الشيخ في الباب العشرين وثلاثمائة

* - وقال في الباب الثامن والأربعين وثلاثمائة: اعلم أن يوم هذه الأمة متصل بيوم الآخرة ليس بين اليومين إلا ليل البرزخ خاصة وفي فجر هذه الليلة يكون نفخة البعث وفي طلوع شمس يومه يكون إتيان الحق جل وعلا كما يليق بجلاله للفصل والقضاء وفي قدر ركعتي الإشراق ينقضي الحكم فتعمر الداران بأهلها وذلك يكون في يوم السبت فيكون نهاره أبديا لأهل الجنة ويكون ليله أبديا لأهل النار وأطال في ذلك ثم قال واعلم أن النيل والفرات يخرجان من أصل سدرة المنتهى فيمشيان إلى الجنة ثم يخرجان إلى دار الجلال فيظهر النيل من جبل القمر والفرات من أرض الروم وهما في غاية الحلاوة وإنما أثر فيهما مزاج الأرض فتغير طعمهما عما كان عليه في الجنة فإذا كانت القيامة عادا إلى الجنة وكذلك يعود سيحون وجيحون واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!