موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الخامس والستون: في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لا بد أن تقع كلها قبل قيام الساعة

وذلك كخروج المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن وفتح سد يأجوج ومأجوج حتى لو لم يبق في الدنيا إلا مقدار يوم واحد لوقع ذلك كله، قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته: وكل هذه الآيات تقع في المائة الأخيرة من اليوم الذي وعد به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أمته بقوله إن صلحت أمتي فلها يوم وإن فسدت فلها نصف يوم يعني من أيام الرب المشار إليها يقوله تعالى: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج: 47] قال بعض العارفين وأول الألف محسوب من وفاة علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه آخر الخلفاء فإن تلك المدة كانت من جملة أيام نبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورسالته، فمهد اللّه تعالى بالخلفاء الأربعة البلاد مراده صلى اللّه عليه وسلم أن بالألف قوة سلطان شريعته إلى انتهاء الألف ثم تأخذ في ابتداه الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريبا كما بدأ وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة في القرن الحادي عشر فهناك يترقب خروج المهدي عليه السلام وهو من أولاد الإمام حسن العسكري ومولده عليه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم عليه السلام فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وست سنين هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل عل بركة الرطل بمصر المحروسة على الإمام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما اللّه تعالى . وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من "الفتوحات": واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي عليه السلام لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدل ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طول اللّه تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ولد فاطمة رضي اللّه عنها جده الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده حسن العسكري ابن الإمام علي النقي بالنون ابن محمد التقي بالتاء ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يواطئ اسمه اسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها إذ لا يكون أحد مثل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أخلاقه واللّه تعالى يقول: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) [القلم: 4] . هو أجسي الجبهة أقنى الأنف أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية يأتيه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني وبين يديه المال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله يخرج على فترة من الدين يزع اللّه به ما لا يزع بالقرآن يمسي الرجل جاهلا وجبانا وبخيلا فيصبح عالما شجاعا كريما، يمشي النضر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفو أثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يخطئ، له ملك يسدده من حيث لا يراه يحمل الكل ويعين الضعيف ويساعد على نوائب الحق يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ويعلم ما يشهد يصلحه اللّه في ليلة يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين من ولد إسحاق يشهد الملحمة العظمى مأدبة اللّه بمرج عك يبيد الظلم وأهله يقيم الدين وينفخ الروح في الإسلام، يعز اللّه به الإسلام بعد ذله ويحييه بعد موته يضع الجزية ويدعو إلى اللّه بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل يظهر من الدين ما هو عليه الدين في نفسه حتى لو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيا لحكم به فلا يبقى في زمانه إلا الدين الخالص عن الرأي يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم أن اللّه تعالى ما بقي يحدث بعد أئمتهم مجتهد. وأطال في ذكر وقائعه معهم ثم قال: واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم وله رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة ويعينونه على ما قلده اللّه تعالى له ينزل عليه عيسى بن مريم عليه السلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فيتنحى له الإمام عن مكانه فيتقدم فيصلي بالناس يأمر الناس بسنة محمد صلى اللّه عليه وسلم يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض اللّه المهدي إليه طاهرا مطهرا وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته وقد جاءكم زمانه وأظلكم أوانه وقد ظهر في القرن الرابع اللاحق بالقرون الثلاثة الماضية قرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو قرن الصحابة ثم الذي يليه ثم الذي يلي الثاني ثم جاء بينهما فترات وحدثت أمور وانتشرت أهواء وسفكت دماء فاختفى إلى أن يجيء الوقت الموعود فشهداؤه خير الشهداء وأمناؤه أفضل الأمناء قال الشيخ محيي الدين: وقد استوزر اللّه تعالى له طائفة خبأهم اللّه له في مكنون غيبه أطلعهم كشفا وشهودا على الحقائق وما هو أمر اللّه عليه في عباده وهم على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه وهم من الأعاجم ليس فيهم عربي لكن لا يتكلمون إل بالعربية لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى اللّه قط هو أخص الوزراء، واعلم أن المهدي لا يفعل شيئا قط برأيه وإنما يشاور هؤلاء الوزراء فإنهم هم العارفون بما هناك وأم هو عليه السلام في نفسه فهو صاحب سيف حق وسياسة ومن شأن هؤلاء والوزراء أن أحدهم لا ينهزم قط من قتال إنما يثبت حتى ينصر أو ينصرف من غير هزيمة ألا تراهم يفتحون مدينة الروم بالتكبير فيكبرون التكبيرة الأولى فيسقط ثلثها ويكبرون الثانية فيسقط الثلث الثاني من السور ويكبرون الثالثة فيسقط الثالث فيفتحونها من غير سيف وهذا هو عين الصدق الذي هو والنصر أخوان. قال الشيخ: وهؤلاء الوزراء دون العشرة وفوق الخمسة لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شك في مدة إقامته خليفة من خمس إلى تسع للشك الذي وقع في وزرائه فلكل وزير معه إقامة سنة فإن كانوا خمسة عاش خمسة وإن كانوا سبعة عاش سبعة وإن كانوا تسعة عاش تسعة أعوام ولكل عام منها أهوال مخصوصة وعلم يختص به ذلك الوزير فما هم أقل من خمسة ولا أكثر من تسعة قال الشيخ: ويقتلون كلهم إلا واحدا منهم في مرج عكا في المأدبة الإلهية التي جعلها اللّه تعالى مائدة للسباع والطيور والهوام. قال الشيخ وذلك الواحد الذي يبقى لا أدري هل هو ممن استثنى اللّه في قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: 68] أو هو يموت في تلك النفخة. قال الشيخ محيي الدين: وإنما شككت في مدة إقامة المهدي إماما في الدنيا ولم أقطع في ذلك بشيء لأني ما طلبت من اللّه تحقيق ذلك أدبا معه تعالى أن أسأله في شيء من ذات نفسي قال ولما سلكت معه هذا الأدب قيض اللّه تعالى واحدا من أهل اللّه عز وجل فدخل علي وذكر لي عدد هؤلاء الوزراء ابتداء وقال لي صم تسعة فقلت له إن كانوا تسعة فإن بقاء المهدي لا بد يكون تسع سنين فإني عليم بما يحتاج إليه وزيره فإن كان واحدا اجتمع في ذلك الواحد جميع ما تحتاج إليه وزراؤهم وإن كانوا أكثر من واحد فم يكون أكثر من تسعة فإنه إليها انتهى الشك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله خمسا أو سبعا أو تسعا يعني في إقامة المهدي تشجيعا لخواص أصحابه ليطلبو العلم ولا يقنعوا بالتقليد فإنه قال: ما يعلمهم إلا قليل فافهم. قال وجميع ما يحتاج إليه وزراء المهدي في قيامهم تسعة أمور لا عاشر لها ولا تنقص عن ذلك وهي نفوذ البصر ومعرفة الخطاب الإلهي عند الإلقاء وعلم الترجمة عن اللّه وتعيين المراتب لولاة الأمر والرحمة في الغضب وما يحتاج إليه الملك من الأرزاق المحسوسة وغيره وعلم تداخل الأمور وبعضها على بعض والمبالغة والاستقصاء في قضاء حوائج الناس والوقوف على علم الغيب الذي يحتاج إليه في الكون في مدته خاصة. فهذه تسعة أمور لا بد أن تكون في وزراء المهدي من واحد فأكثر وأطال الشيخ في شرح هذه الأمور بنحو عشرة أوراق ثم قال: واعلم أن ظهور المهدي عليه السلام من أشراط قرب الساعة كذلك خروج الدجال فيخرج من خراسان من أرض الشرق موضع الفتن يتبعه الأتراك واليهود ويخرج إليه من أصبهان وحدها سبعون ألفا مطيلسين وهو رجل كهل أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية مكتوب بين عينيه كافر. قال الشيخ محيي الدين: فلا أدري هل المراد بهذا الهجاء كفر من الأفعال الماضية أو أراد به كفر من الأسماء إلا أن الألف حذفت كما حذفها العرب في خط المصحف في مواضع مثل ألف الرحمن بين الميم والنون.

(فإن قلت): فما صورة ما يحكم به المهدي إذا خرج هل يحكم بالنصوص أو بالاجتهاد أو بهما ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ محيي الدين: أنه يحكم بما ألقى إليه ملك الإلهام من الشريعة وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث المهدي: أنه يقفو أثري لا يخطئ فعرفنا صلى اللّه عليه وسلم أنه متبع لا مبتدع وأنه معصوم في حكمه إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ وحكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يخطئ فإنه لايَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّ وَحْيٌ يُوحى(4) [النجم: 3 - 4] وقد أخبر عن المهدي أنه لا يخطئ وجعله ملحق بالأنبياء في ذلك الحكم. قال الشيخ: فعلم أنه يحرم على المهدي القياس مع وجود النصوص التي منحه اللّه إياها على لسان ملك الإلهام بل حرم بعض المحققين على جميع أهل اللّه القياس لكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشهودا لهم فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يقظة ومشافهة وصاحب هذ المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال تعالى قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:

108] وأطال في ذلك ثم قال فللإمام المهدي أيضا الاطلاع من جانب الحق على ما يريد الحق تعالى أن يحدثه من الشؤون قبل وقوعها في الوجود ليستعد لذلك قبل وقوعها فإن كان ذلك مما فيه منفعة لرعية شكر اللّه عز وجل وسكت عنه وإن كان مما فيه عقوبة بنزول بلاء عام أو على أشخاص معينين سأل اللّه تعالى فيهم وشفع وتضرع إليه فصرف عنهم اللّه ذلك البلاء بفضله ورحمته وأجاب دعاءه وسؤاله.

(فإن قلت): فإذا عمى اللّه تعالى عليه حكما في نازلة ماذا يفعل ؟

(فالجواب): إذا عمى اللّه تعالى عليه حكما في نازلة ولم يقع به تعريف ولا كشف ألحقها في الحكم بالمباحات فيعلم بعد التعريف أن ذلك حكم الشرع فيه فإنه معصوم من الرأي والقياس في الدين ممن ليس بنبي حكم على اللّه في دينه بما لم يعلم فإنه طرد علة وما يدري العبد لعل اللّه لا يريد طرد ذلك العلة ولو أنه كان أرادها لأبانها على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم وأبان بطردها وأطال في ذلك ثم قال: واعلم أنه لم يبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نص على أحد من الأئمة بعده أن يقفو أثره لا يخطئ إلا المهدي خاصة فقد شهد له بعصمته في خلافته وأحكامه كما شهد الدليل العقلي بعصمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه من الحكم المشروع له في عباده.

(فإن قلت): فإذا نزل عيسى عليه السلام فمتى يموت ؟ وكيف يموت ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب التاسع الستين وثلاثمائة أنه يموت إذا قتل الدجال وذلك أنه يموت هو وأصحابه في نفس واحد فيأتيهم ريح طيبة تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي قد جهده السهر وأتاه في السحر العسيلة سميت بذلك لحلاوتها فيجدون للموت لذة لا يقدر قدرها ثم يبقى بعدهم رعاع كغثاء السبل أشباه البهائم فعليهم تقوم الساعة انتهى. وأما طلوع الشمس من مغربها فقد ورد في " الصحيح " مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربه فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون حينلا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام: 158] وطلوع الشمس من مغربها جائز في العقل لا استحالة فيه فإن اللّه قادر على ذلك والجهات بالنسبة إلى قدرته متساوية وفي ذلك رد على نمرود لما قال له إبراهيم عليه السلام: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ [البقرة: 258] الآية. قال الشيخ أبو طاهر القزويني: وأصحاب الهيئة والمنجمون يحيلون طلوعها من المغرب فيقال لهم أليس اللّه تعالى قد أجرى العادة بأن كل دوارة ودورها من رحى ودولاب إذا انتهى ردوها ترجع منعكسة ثم تقف فبم تنكرون أن اللّه تعالى يعكس دوران الشمس عند انتهاء أدوارها قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس: 38] والمستقر مصدر بمعنى الاستقرار واللام بمعنى إلى كما قال اللّه تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها(5) [الزلزلة: 5] أي إليه قال: وعند وقوف الشمس في وسط السماء تشقق السماء وتنكدر النجوم ويقولون في المثل السائر الدولاب إذا تعطل تكسر وهنا تظهر الشمس والقمر في وسط السماء كالفرارتين وفي رواية أخرى كالثورين الأسودين فإذا طلعا إلى وسط السماء رجعا نازلين إلى المغرب لا أنهما يغربان في المشرق كما توهمه بعضهم وفي الحديث أنهما يطلعان من المغرب مكورتين كالفرارتين فلا ضوء للشمس ولا نور للقمر وما بين طلوع الشمس من مغربها إلى نفخ الصور أقل من أن يركب الرجل المهر بعد النتاج.

(فإن قيل): قد ورد في الحديث أنهما يطلعان ذلك اليوم من المشرق إلى نفخ الصور ؟

(فالجواب): لا اعتبار بذلك الطلوع إذ هو طلوع اضطراب للوقوف والانتهاء لا طلوع دؤب لهما بحساب وكذلك يكون حال كل دوارة إذا انتهى دورها تنعكس مرة وترجع أخرى ثم تقف هكذا سنة اللّه في الخلقوَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43] وتقدم في مبحث الإيمان أن الشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة فمن كان مؤمنا لا يدخل قلبه بعد ذلك كفر ومن كان كافرا لا يدخل قلبه بعد ذلك إيمان فراجعه.

(فإن قيل): فما الدليل على نزول عيسى عليه السلام من القرآن ؟

(فالجواب): الدليل على نزوله قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء: 159] أي حين ينزل ويجتمعون عليه وأنكرت المعتزلة والفلاسفة واليهود والنصارى عروجه بجسده إلى السماء وقال تعالى في عيسى عليه السلاموَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف: 61] قرىء لعلم بفتح اللام والعين والضمير في أنه راجع إلى عيسى عليه السلام لقوله تعالى: به قبل موتهمَرْيَمَ مَثَلًا [الزخرف: 57] ومعناه أن نزوله علامة القيامة وفي الحديث في صفة الدجال فبينما هم في الصلاة إذ بعث اللّه المسيح ابن مريم فنزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين يديه مهرذدبتان واضعا كفه على أجنحة ملكين والمهرذدبتان بالذال المعجمة والمهملة معا حلتان مصبوغتان بالورس فقد ثبت نزوله عليه السلام بالكتاب والسنة وزعمت النصارى أن ناسوته صلب ولا هوته رفع والحق أنه رفع بجسده إلى السماء والإيمان بذلك واجب قال تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء: 158] قال أبو طاهر القزويني: واعلم أن كيفية رفعه ونزوله وكيفية مكثه في السماء إلى أن ينزل من غير طعام ولا شراب مما يتقاصر عن دركه العقل ولا سبيل لنا إلا أن نؤمن بذلك تسليما لسعة قدرة اللّه تعالى وأطال في ذكر شبه الفلاسفة وغيرهم في إنكار الرفع.

(فإن قيل): فما الجواب عن استغنائه عن الطعام والشراب مدة رفعه ؟ فإن اللّه تعالى قال: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ [الأنبياء: 8] .

(فالجواب): أن الطعام إنما جعل قوتا لمن يعيش في الأرض لأنه مسلط عليه الهواء الحار والبارد فينحل بدنه فإذا انحل عوضه اللّه تعالى بالغذاء إجراء لعادته في هذه الخطة الغبراء وأما من رفعه اللّه إلى السماء فإنه يلطفه بقدرته ويغنيه عن الطعام والشراب كما أغنى الملائكة عنهما فيكون حينئذ طعامه التسبيح وشرابه التهليل كما قاله صلى اللّه عليه وسلم " إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " وفي الحديث مرفوعا أن بين يدي الدجال ثلاث سنين، سنة تمسك السماء قطرها والأرض ثلث نباتها وفي السنة الثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها وفي السنة الثالثة تمسك السماء قطرها كله فقالت له أسماء بنت زيد: يا رسول اللّه إن لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين حينئذ فقال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس. قال الشيخ أبو طاهر: وقد شاهدنا رجلا اسمه خليفة الخراط كان مقيما بأبهر من بلاد المشرق مكث لا يطعم طعاما منذ ثلاث وعشرين سنة وكان يعبد اللّه ليلا ونهارا من غير ضعف فإذا علمت ذلك فلا يبعد أن يكون قوت عيسى عليه السلام التسبيح والتهليل واللّه أعلم بجميع ذلك. وأما خروج الدابة التي يقال لها الجساسة فقد ذكر الشيخ محيي الدين في الباب السابع والخمسين وثلاثمائة في قوله تعالى: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل: 82] ما نصه: اعلم أن هذه الدابة تخرج من أجناد وهي دابة كثيرة الشعر لا يعرف قبلها من دبرها فتنفخ في وجوه الناس شرقا وغربا برا وبحرا جنوبا وشمالا فيرتقم بنفخها في جبين كل شخص ما هو عليه في علم اللّه تعالى من إيمان وكفر فيقول من سمته مؤمنا لمن سمته كافرا يا كافر أعطني كذا وكذا يغضب من ذلك الاسم لعلمه بأنه مكتوب في جبينه كتابة لا يمكنه إزالته فيقول الكافر للمؤمن نعم أو لا في قضاء ما طلب منه فليس كلامها المنسوب إليها في العموم سوى ما وسمت به الوجوه بنفخها وإن كان لها كلام مع أنه يجالسها في سائر أصحاب اللسان فهي تكلمه بلسانه عربيا كان أو عجميا على اختلاف اللغات. وقد ورد حديثها في " صحيح مسلم " في حديث الدجال حيث دلت تميما الداري عليه وقالت له إنه إلى حديثك بالأشواق. وقال الشيخ: وهي الآن في جزيرة من البحر الذي يلي جهة الشمال وهي الجزيرة التي فيها الدجال قال وإنما سمى اللّه تعالى رقمها في وجوه الناس كلاما لأنه أفاد ما أفاده الكلام ألا ترى العاقل من أهل النظر إذا أراد أن يوصل إليك ما في نفسه لم يقتصر في ذلك التوصيل على العبارة بنظم حروف ولا بد فإن غرضه منك إنما هو إعلامك بالأمر الذي في نفسه فوقتا بالعبارة اللفظية المسماة في العرف قولا وكلاما ووقتا بالإشارة بيد أو رأس أو بما كان ووقتا بكتابة ورقوم ووقت بما يريد الحق إفهامك به فيوجد فيك أثرا تعرف منه ما في نفسه ويسمى هذا كلاما فصح أنّ رقم الدابة يطلق عليه كلام واللّه أعلم. وأطال في ذلك في الباب السابع والخمسين وثلاثمائة بذكر فوائد عظيمة فراجعها. وأما رفع القرآن فروى البيهقي في " الشعب " عن ابن مسعود قال:

اقرءوا القرآن قبل أن يرفع فإنه لا تقوم الساعة حتى يرفع، قالوا هذه المصاحف ترفع، فكيف بما في صدور الناس ؟ قال يغزى عليهم ليلا فيرفع في صدورهم فيصبحون فيقولون لكنا كنا نعلم شيئا ثم يعقون في الشعر. قال القرطبي: وهذا إنم يكون بعد موت عيسى عليه السلام وبعد هدم الحبشة الكعبة. وأما خروج يأجوج ومأجوج فهو ثابت بالنصوص القطعية وهو سد عظيم يصل إليه السواح وأخبرني الشيخ عبد القادر الدشطوطي رحمه اللّه أن لسيدي إبراهيم المتبولي كل سنة سماطا يمده فوق هذا السد فيحضره جميع الأولياء والصحابة الأحياء والأموات. قال قد حضرت معهم مرات فقلت له وهل يسع السد هؤلاء الناس كلهم فقال نعم طوله سبعون ميلا وعرضه خمسون ميلا انتهى، وأحوال مقدمات الساعة صنف الناس فيها كتبا كثيرة وإنما يخصنا في العقائد الإشارة بذكر طرف منها لأجل الإيمان بها لا غير واللّه أعلم.

(خاتمة): ذكر الشيخ في الباب التاسع والخمسين من "الفتوحات" في معنى حديث الدجال يوم كجمعة ويوم كشهر ويوم كسنة وسائر أيامه كأيامكم. معنى يوم كجمعة أن الغيوم تكثر في ذلك الزمان فلا ترى الشمس إلا بعد سبعة أيام فتطلع الشمس وتغرب ولا يعلم ذلك إلا أرباب الكشف وكذلك القول في الشهر والسنة وليس المراد أن اليوم الواحد مقدار سنة مثلا لأنه لو امتد لم يكن يلزمنا فيه إلا خمس صلوات فقط في كل يوم وليلة فلما تواترت الغيوم وتوالت تساوي في رأي العين وجود الليل والنهار فظن الناس أن الشمس لم تغرب في نفس الأمر وهو من الأشكال الغريبة التي تحدث في آخر الزمان فإذا حال الغيم المتراكم بيننا وبين السماء كانت الحركات التي عملها أهل الهيئة باقية كما هي لم تختل ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم اقدروا لها: أي الصلوات فلما قرر الشارع أوقات الصلاة بالتقدير عرفنا أن حركات الأفلاك على حاله لم يختل نظامها. قال ولو أن ذلك اليوم الذي كسنة يوم واحد ممتد لوجب علينا أن لا نصل الظهر حتى تزول الشمس وما لم تزل الشمس لا نصلي الظهر ولو مكثنا أكثر من سنة فتحصل من هذا أن المعنى اقدروا لها من يوم واحد مثلا أي في رأي العين لا في نفس الأمر فإنه في نفس الأمر مضى اليوم ولم يشهد به أحد وإن اليوم الذي كسنة تطلع فيه الشمس وتغرب ثلاثمائة وستين يوما وكذلك القول في الشعر والجمعة تمكث الشمس فيه لا ترى شهرا أو سبعة أيام. (قلت): وهذا الذي ذكره الشيخ محيي الدين خلاف ما يدل عليه ظاهر قوله في الحديث: فاقدروا له، فليتأمل فإن غالب الأفهام على أن اليوم الواحد يطول المدة التي ذكرها في الحديث من جمعة أو شهر أو سنة واللّه أعلم بحقيقة الحال.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!