موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

6 - الرسالة الفردوسية توسل بها عبد السميع إليها ونزل بها عليه

 

 


6 - الرسالة الفردوسية توسل بها عبد السميع إليها ونزل بها عليه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من عبد السميع محمد بن علي إلى كعبة الحسن ، وروضة المزن سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .

أمّا بعد فالحمد اللّه المناجى بكل لسان ، والصلاة على سيدنا محمد في كل أوان ، فإن الرّاحة والبلوى ، والشكر والشكوى أحوال تعطي بحقائقها الكمال ، وتجعل من قامت به برزخا بين الأنوار والطلال وذلك هو الاعتدال الوهمي ، لا أنه الوجود العيني ،

فإن الضدّين غير حاصلين في وحيد العين ، ونحن نتكلم في الواحد بما يعطيه الغائب والشاهد ، ولكن تستخرج مواليد الحقائق أنفسها من ظلم المشئمة ، وتميز بين صفات الميمنة منها ، وبين صفات المشئمة ، وإن اتصفت بالصفتين في وقتين أو محلين ، وليس غير هذين حتى تقيم الحمدين ، وتنطق بالثناءين على رأس النجدين فيقول في سرّائها : الحمد للّه المنعم المتفضل ،

وتقول في ضرائها : الحمد للّه على كل حال ، لكن في زمانين مختلفين ، أو في محلين متجاورين ، أو متباينين ، يكونان ملكا تحت حيطتها ، ودائرة على نقطتها .

 

فاعلم يا كعبة الحسن : أن الحق أوصلني فيك إلى مقام إليّ ، وأوقفني منك على موقف إنّي ، لم أطالع فيه سوى الرحمة المطلقة والكرامة ، ولم أعاين فيه غير السرور الذي لا تلحقه ندامة ، وامتدت إليّ اليدان ، والتحمت الأباعد بالأدان ، وجنى الجنتين دان ، وانعطف الآخر على أوله وانتظم الأبد بأزله ، ومتى وجد هذه الحالة من وجدها ذهب عينه في المحاق ، وانعدم فصله عند هذا الاتساق .

ولما رأيت المعرفة بنفسي قائمة ، وكلماتي بالذكر الحكيم ناطقة ، والقلب إلى الوحدانية منتهض ، والفؤاد في وسط سبيل اليقين معترض ،

والسر بما يجده من العشق ثابت ، وغصن حقيقتي في روضة شرعه نابت والروح تواقة إلى الاتصال ، والجوارح مستمرة على الأعمال ، والوجود متطلع إليها بالمغفرة ، ووجدها تسعى له بالإحسان والتذكرة ، والحرارة في الكبد تمدها الصبابة فيعلو حنينها ، والحياة لم تبق منها إلّا صبابة ، حتى ما يكاد يسمع أنينها ، والمضمار قد ضمرت له العتاق ، وقد دخلت معهم في السباق ،

لما رفعت لها الأعلام ، وأيقنت بذهاب الأيام ، فحرت في الانسلاخ منها ، والنزوح عنها ، وهذا سباق لا يصبر عليه إلّا رحب اللباب ، واسع النفس خفيف الحاذ ، أشم القذال كبير الهمة ، سريع الانتهاض ، زاهد في الخلوة الخضرة راغب في الدار الآخرة .

 

فبعدما سرد هذا الخبر ، ونظمت هذه الدرر ، قلت قد أبلغت الرسل ، ومهدت السبل ، وأبلغ في الأعذار رسول الإنذار ، ونصبت الدلالات والعلامات ، وأظهرت الآيات والكرامات ، بما ظهر عليّ من النعم الجسيمة ، وأسبغ عليّ من ألطافه العميمة الوارفة الظلال ، النيّرة الليال .

 

هذا قد جمع لك بين الحسنيين وأعطاك لذة النظرتين ، ومنحك سر الشهوتين ، وأبرز لعينك ما سطرته الأقلام في الألواح ، وأفادته الأجسام للأرواح ، فاشكر فبالشكر تزيد النعم ، وبه ترزأ النقم ، هذا سرّ الحدث والقدم ، قد شهد بعرفانه القدم .

 

وتحققت حقيقة الوجود من العدم ، وتبين لك أن الوجود هو الخير الخالص الغضّ ، وأن العدم هو الشر المحض . 

وكل شر موجود فمشوب بالخير معقود ، أيّ بلاء أعظم من فناء العين ، أي شرّ أشد من عدم الكون ، ما دام لك في الوجود رسم ، وظهر لك فيه اسم ، فقد أخذت بحظ وافر من الخير ، وقد أدرىء عنك ما في مقابلته من الضير فإنك لا تعرف قدر الشيء إلّا بضدّه ، كما لا تعرف مضاضة وعيده إلّا بلذاذة وعده .

 

فالعالم كله في نعيم ، من كان منه في الجنة ومن كان منه في الجحيم ، نعيما علميا ، وسرورا عقليا لا حسّيّا ، ودع عنك بعد معرفة هذه الحقائق ما تحمله النفوس من نضج الجلود بين أطباق السعير ، واستصراخهم لذلك بالويل والثبور ، فقد حمله السعداء في العدوة الدنيا ، وقاسوا منه أعظم بلوى .

هذا حظ النفوس والجسوم ، فأين حظ المعارف والجسوم .

نحن ما تكلمنا في الإحساس ، وإنما تكلمنا في رفع الالتباس ، بصحيح القياس ، هذا خطيب النعم قد وقف على أعواده ، في محضر إشهاده معتمدا على عصاه ، محرشا على من عصاه .

انظر كيف يدل على مواقعها في أوان الاضطرار ، وكيف يريك لذاذتها إذا جاءت على حكم الاختيار ليست الموعظة من الشعر فترمز ، ولا من الخطابة فتلغز ، وإنما هي من النعم المبسوطة على الدوام ، على ممر الليالي والأيام .

 

كما قال المهيمن العلام :وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ ( 69 ) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ( 70 )[ يس : 69 ، 70 ] . كيف تصفو الأسرار والإنسان على قدم الغرور ؟ !

كيف تطرح العلالات وقد جهل المصير ؟ !

كيف يواصل من يهواه من لم يعر عن هواه ؟ !

عجبا ممّن يستلذ عافية باطنها بلاء !

أو يتنعم براحة غايتها عناء !

عذب العذاب ولا عتاب العتبى ، ووصل الوقت ولا القرب في العقبى ، هذا حظ أصحاب العاجلة ، اللاهية قلوبهم عن الآجلة ، اختطفتهم عن طريق الهدى أغراضهم ، وتوالت عليهم شكوكهم وأمراضهم ، فبؤس عليهم لا يرتفع ،

وروح متوجه نحو الموعظة لا ينتفع ، ومعشوق إن راح لم يرح خياله ، ومحبوب إن ذهب لم يذهب مثاله .

فالصبابة به أبدا مقلقلة ، وزفرة وجده في ضلوعه محرقة ، ولا بد من الدهر أن يبدي حكمه ، ويظهر علمه ، فشت وجمع وجبر وصدع ، وأمل مشتبه انتظر وطمع تحرك فاستنظر ، فإمّا بالرجاء وإمّا باليأس ، وكلاهما شديد على النفس .

 

إذا جاد الواهب الوصول على الكبد المحرقة بنار الهوى بنسيم المنح ، انزعجت النفوس وظهر عليها الترح ، وإذا تسعر لهيب الطمع بريح الحدس ، همدت من المحقق بيقين الهمس ، وإذا جاء الخطاب باليسرى ،

فلا تغتر ففي طيّه العسرى ، فإن هذه الدار الدنيا مشوبة إلّا ريّ بالشرى مبطونة الحرب في السلم ، هي نشأة الأمشاج ، ودار الامتزاج ، فكيف يتخلص فيها خطاب ،

أو كيف يظهر فيها جواب ، لو ظهر لكل عين لما كذّبت الرسل ، ولو لاح لكل بصيرة لما اختلفت السّبل ، فلا يصفو فيها حبّ عن اعتلال ،

ولا صحة عن إخلال ، ولا وجد عن فقد ، ولا صحبة عن ملل ، ولا مساعدة عن معاندة ، ولا جهد عن فتور ، ولا حق عن زور ، ولا رجاء عن قنوط ، ولا طلوع عن هبوط ،

آه لعيون قد جمدت ، وخواطر قد سكنت ، ومحاسن قد سمجت ، وسماحة قد عبست ، وعزّة قد ذلّت ،

وحديث أفسده التكرار ، « ويل للشجيّ من الخليّ » ، ويا ذلّة الفقير جانب عزّة الغني ، ما للوجد يجرعني كأسه ، ما له تحرقني أنفاسه ، ولا معين أعوّل عليه ، ولا ركن آوي إليه ، لعله يهيّىء أسبابا ، ويفتح أبوابا ، أو يذلل صعبا ، أو يفرّج كربا ، أو يبدي أمرا ، أو يظهر عذرا .

 

طالت صحبتي لهذه البلايا ، وعظمت محنتي بهذه الرزايا ، فتاي يؤمن بي ولا يسلم ، فإن وافقته في غرضه أعرض عني ومضى ولم يسلم وهو معي يدا بيد ، أنكر عليّ مسألة العدم ، وقام إلى صكّ وجهي بالقدم ، وما ارعوى عن ذلك ولا ندم ،

وقال هي مسألة معقولة فلا أسلم ، وهكذا أكثر من يدّعي في كمال العلم ، وصحّة الحكم ، لا يقبل إلّا ما يعطيه فهمه ، وما يبلغه علمه ، فهو مع نفسه لم يبرح ، وعن موطنه لم ينزح ، وهل التسليم والاستسلام إلّا فيما تمجه النفوس ، ويكاد يرده المحسوس ،

ولو كان به عليما :فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( 65 )[ النساء : 65 ] .

تاللّه ما غبت بوجهي إلّا لما ترادف عليّ من الغير ، وأحاطت بي من الفكر ، أولياء في جلود الأفاعي ، وأعداء في صور الأحباء ، ما ينفعني صحيح عقدهم فيّ إذا قابلوني بالمكروه ، ما عسى يبلغ مني ما أعرفه من احترامهم ،

إذا قالوا في مسألة أوردها عليهم فتقصر أفهام بعضهم ، عن إدراكها ، لا يعتقد هذا معتوه ، أين هنا الاحترام وقد ألحقوني بالحمقى ؟

أين هنا الصدق وقد وعدوني بالفراق ، وأسكنوني البلقاء ، إن لم آتهم بطائر فأقول لهم هذه العنقاء فيصدّقوني ، وإلّا فلا يقربوني .

أنبيّ أنا فيجب عليّ تعليمهم ، أرسول أنا فيفترض عليّ تفهيمهم ، من حسّن الظن بي صدق فانتفع ، وإن كنت كاذبا .

ومن أساء الظن بي فليشمّر ثوبه ، وليولّ عني هاربا ، حذرا أن تحرقه ناري، ويذهبه أواري.

يا كعبة الحسن : إذا نوّر اللّه بصيرتك ، وأراك السلامة في رأيك فأخبرني حتى أثبت نفسي في ديوان الشاكرين ، وأقعد في مجلس الذاكرين ، وأثني عليك في محافل المتناظرين فسروري بما يفتح عليك ، وفرحي إنما هو بما ينزل من ربّك إليك فتعرض للنفحات ، وتهيّأ للسبحات .

 

وأنا أتضرع وأسأل وأرغب وأؤمل أن يوطئ لك أكنافه ويمنحك ألطافه ، ويطلعك على ودائع القلوب ، ويسري بك في سماوات الغيوب ،

حتى تبلغ المنى في حضرة « أو أدنى » فتكون صاحب تدل وتلق ،

فإذا نزلت عن الاستواء ، وأخبرتني بخلوص الولاء ، وصدق الوفاء ، وحسن المعاملة على الصفاء .

حينئذ أسرّ بك فإنك تعرف في ذلك الوقت على الكشف كيف صافيتك ،

وبأي صفة وافيتك ، وتعثر على حركتي معك التي أنكرتها ،

وسكنتي عنك التي كفرتها ، وتبدل الكفر بالشكر ، ويقتل نبيّ العرفان دجّال النكر، وتكون عيسوية الظهور مكتنفة بالنور ، صائمة عن المحظور ، موفاة من كل محذور .

سهّل اللّه لنا ما تصعّب من جنابك ، وسرّنا بجميل إيابك ،وأظفرنا بطاغية نفسك ، وأسكنك حضرة قدسك ، ونزهك في حظيرة فردوسك ، وجلّلك بغلائل أنسك .

بعزّته لا ربّ غيره ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .

 



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!