موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

4 - الرسالة السريانية توسل بها عبد الشكور إليها ونزل بها عليه

 

 


4 - الرسالة السريانية توسل بها عبد الشكور إليها ونزل بها عليه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من عبد الشكور محمد بن علي إلى كعبة الحسن ، وروضة المزن سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته . أمّا بعد حمد اللّه الذي كلّم موسى تكليما ، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وسلّم تسليما .

فإن القانص خرج يبتغي صيدا ، وقد أبطن له كيدا ، فأرسل على الصيد نداه ، فأجابه صداه ، فواجه صداه صيده ، وما عرف أنه أبطن له فيه كيده ، فرجع إلى مأمنه فرّ ، فوقع في الحبالة وتوسطها فكأنه فيها بدر أحاطت به هالة ، هكذا فعل الحق في شرعك ، مع أصل وضعك ، ناداك في سرّك ، فأجابه الصدا : من شرعك .

ففررت أمام الخطاب إلى سرّك ، فوقعت في يد ربك ، فأخذك وقيّدك وسدّدك ، هل فعل هذا إلّا لحبه فيه ، فيجتبيك ، ويصطفيك ، ولهذا أشار من ليس في إشارته مفتون 

" استفت قلبك ولو أفتاك المفتون ".

"" رواه الدارمي في سننه  وأحمد في المسند ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك " ثلاث مرات " البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك " .""

 

فلما قيّدك بالمودة ، وأخذ عليك العهدة ، أضرم نار الشوق إليه ، في صدرك ، ورفع لك عنده أعلام قدرك ، ولطف سرك ، لابتغاء أمرك ، ووضع وزرك لخفة ظهرك ، وشرح صدرك لرفيع ذكرك ، وسخر لك البلاد والعباد ،

وخرق لك في سرائرك المعتاد ، وقيض لك في كل وجهة المراد ، وأراك غايات الحالات ، ورفع الستر بينك وبين ما فيك من الآيات ،

وقال لك أنت التاج ومن سواك النعل ، وأنت الفاعل ومن سواك الفعل ، فكنت السميعة المطيعة ، فلم تتخذ الشكوى موطنا ، ولا تجنيت على من أحبك مخلصا ، وما تكاسلت عن بلوغ الأمد الأقصى ، لاستشرافك عليه من منازل الأقصا ،

أرغبت في سعادة الأبد ، فزهدت في كل أحد ، لبست حالة صحيحة سوية ، وثقة محكمة قوية ، وعادة صالحة مرضية ،وقارنت عالما خرّيتا  ،

"" الخرّيت :الدليل الحاذق بالدلالة . . وإنما سمي خرّيتا لشقه المفازة . ""

وهمة عالية ، ويقينا جزما فثبتك تثبيتا ، اعتصمت من الفتن الغالبة ، وعزمت عزائم أهل الهمم قاطبة .

فأنت الروضة الغنّاء ، والسماء الزهراء ، وثبت على الأمور الهائلة وثبة الأسد الضاري ، وألفت المفاوز في طلب المفاوز والبراري ، اعتبرت صحيحا ، فوجدت الخطيب فصيحا ، والواعظ نصيحا حننت عند الغروب ، حنين الغريب ،

ألقيت أمرك بيد الأمر فاسترحت ، وجثثت بين يديه وما برحت ، تصرفت عليك ضروب التحكيم ، فقابلتها بالتفويض والتسليم ، تنزهت لما تنزهت ، وتقدست لما تدنست ، وانتسبت كل حقيقة منك إلى اسمها ،

فوقفت على حقيقة رسمها ، هذا طربك على الغيب بآلة السماع ، فكيف حالك بالقرب والكشف والاستمتاع ، خفيت الإشارات في العبارات ،

واندرجت الغيابات في الحكايات ، وألمّ المرض فعظمت الكربات ، وطالت الوحشة فتضاعفت الحسرات ، وتوالى الوجد فترادفت الزفرات ، التفت الغريب إلى وطنه فحن وتذكر مشهدا كان له به ،

فإن نظر إلى بواره في غربته وخساره ، وهلاكه في غيبته ودماره ، هلك واللّه قلب تاه بين الصدر والورد ، ونفس جالت بين البغض والود .

 

عجبت لناصح غش ولمالك أهلك ولمصلح أفسد ، ولعزيز آذى ، ولقوي كاد ، معاملة لا يقتضها منصبهم ، ولا يرتضيها حسبهم ، ولكن ثم رموز وأسرار ، غطى عليها إقرار وإنكار وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ( 7 ) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ( 8 )[ الشمس : 7،8] .

من لم يصل إليك إلّا بك فأنت أوصلته ، وما وصل ، ومن انفصل عنك لك فأنت فصلته ، وما انفصل "وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى"[ الأنفال : 17 ] .

فالأصم هو السميع ، والبصير هو الأعمى ، حكم الحاكم العالم ، متى أدبر النهار من هاهنا ، وأقبل الليل من هاهنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ،

واغتمت الظلمة فاستترت العوالم ، فبقيت تخبط بغير دليل ، ولا رؤية سبيل ، ولا قمر يبدو ، ولا حاد يحدو ، ويلي عليك وويلي منك ، يا رجل لا راحة معك ، ولا راحة دونك ، يا أمل .

هيهات حق وجب ، ورهن غلق ، وشمل تصدّع ، وعقل حار ، وقدم زلقت ، وعدم ثبت ، وسقوط حصل ، ولم تبق إلّا صبابة ، ويعرف الإنسان ما أصابه ،

وفي تلك الصبابة جماع الأمر وملاكه ، وقوام الشيء وهلاكه ، فهي لما عمل فيها ، وهي لمن يصطفيها ، وعلى من يزدريها ،

وقد علمت أن الحق قال لأبي يزيد ، وقد توسط بحر الاضطرار ، وطاش لبّه وحار ، تقرّب إليّ بما ليس ليّ ؛ الذلة والافتقار .

ثم ضاعف له المقال في الحال : اترك نفسك وتعال . فاضرع إليه بأسمائك ، والجأ إليه ببلائك ، فإن خلعته عليك أسماؤه ، ومنزلتك عنده أنباؤه ، فإذا دخلت عليه بخلعته فماذا يخلع عليك ،

وإذا نظرت إليه به فكيف ينظر إليك ، لا يصح أن يجرد عنك خلعته ، وقد لبستها مسروقة ، واتخذتها معشوقة ، وتخيلت أنك بها تنجو ، ولذلك كنت ترجو . ألّا تراه يناديك في عذاب الجحيم : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ( 49 )[ الدخان : 49 ] .

 

فلو خلعها عليك بنفسه ، لأمنت من بأسه ، فعدّد عليه نعمه ، ووجّه إليه كلمه ، وقل له في غياهب الدياجي المظلمة بالألسن المعربة والمعجمة :

- يا ألف التأليف ،  - يا باء التّبوّء اللطيف .

- يا جيم الجود المطلق ،  - يا دال الدلال المحقق .

- يا هاء الهوية الغربية ،  - يا واو الوصية القريبة .

- يا زاي الزيادة المطلوبة ،  - يا حاء الحبّة المحبوبة .

- يا طاء الطوية الثابتة ،  - يا ياء اليتيمة الفائتة .

- يا كاف الكمال الذي لا ينقص ،  - يا لام اللوم الذي لا ينغص .

- يا ميم المجد الذي لا يدانى ،  - يا نون النور الذي يتوارى .

- يا صاد الصدق الذي لا يقصد ،  - يا عين العين الذي لا يشهد .

- يا فاء الفال النبوي ،  - يا ضاد الضرب الوحي .

- يا قاف القوة التي لا ترد ،  - يا راء الرؤية التي لا تحد .

- يا سين السناء الذي لا يسفل ،  - يا تاء التمام الذي لا يفصل .

- يا ثاء الثبات الذي لا يتزلزل ،  - يا خاء الخيف الذي قد تسهل .

- يا ذال الذلة المعبّدة ،  - يا ظاء الظلالات الممددة .

- يا غين الغان العاصم ،  - يا شين الشوب القاصم .

 

أتراك تعرّيني ثوب الإيمان بعد ما كسوتنيه ، أتسلبني الإحسان بعد ما وهبتنيه ، ما أنت عندي من أهل البدا ، ولا أعتقد ذلك فيك أبدا ، كم طال عذابي بالمطال ، حتى صال فؤادي بالوصال ، كنت لي هاديا فتبعتك ، وحاديا فما سبقتك ،

غنيت لي بالقرآن فسمعت ، فوجدت ، فزهزهت ، وخولطت فتأوهت ، فطلبت الخروج إليك من هذا التركيب ، فجذبتني فيه ، فنظرت فإذا بالحبيب ، أأثرا بعد عيان ، أكفرا بعد إيمان .

عجبا لنشأة إلهية ، مثلية ، ملكية ، بشرية ، علوية ، سفلية ، تدرج بين عافية ، وعلة ، وكثرة وقلة .

 

يا كعبة الحسن فديت من يسمع ، فديت من يتطلع ، أعطاك قبل أن تسأله فكيف يردك إذا سألته ، أدناك قبل أن تطلبه فكيف يردّك إذا طلبته ، هذه مناجاة المحجوب عن حقائق المطلوب .

 

اشتدّ ، واللّه ، يا كعبة الحسن ألمي ، لمّا جهل في العلم ثبوت قدمي ،

واحد يقول : سألته في مسألة إلهية فلازم الخلوة لها ، حتى يمهد الحق له سبلها ، وآخر يعضده على ذلك أمرا حتما ، ويحتج بقوله :وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً[ طه : 114 ] .

 

أترى هؤلاء عرفوني ، ولو صحبوني مدى أعمارهم هل تراهم صحبوني ، فلا مراتب العلم عرفوا ، ولا الحال على ما هي وصفوا ، الصنف الذي يطلب الزيادة فيه معلوم ، والصنف الذي لا يطلب الزيادة فيه مفهوم ، هلّا نظر إلى السائل وعقله ، ومرتبته في علمه ، وأين هو في المراتب ؟

 

وأي مذنب سلك من هذه المذانب ، لو اجتمع الخلق من أولهم إلى آخرهم أن يسألوني ما أخذت لسؤالهم خلوة ، فإن سؤال الخلوات على سؤال الحق موقوف ، لما يطرأ في السرّ من موارد الغيب المعروف ،

وما الكون حتى يضطرني ، وما العالم حتى يزعجني ، أتزل بي القدم ، عند رؤية هذا العدم ، إنّا للّه على قلوب حجبت بأغراضها ، وقيّدت بأمراضها ، فقاست غيرها عليها ، وتخيلت أن هذا حق وصل إليها .

 

يا كعبة الحسن :

هذا سرّ أبثّه إليك ، وأتلوه عليك ، معلوم أنه أعطى قبل السؤال ، ثم رد السؤال ، وما ردّه عندنا بطائل ، لأن الحقائق شتّى منها أين ومتى ، وشيخ وفتى ، ومقرب ومبعود ، ومشهود ومطرود ، وموافقة مكان ، ومقارنة زمان ، وتحصيل اسم على مسماه ،

قلت : يا رب . فقال : لم يصل الوقت . 

قلت : يا إلهي . فقال : لم يصح الشرط .

الدعاء من القضاء يرد القضاء .

ذكره إيّاك تعريفا وتشريفا ، فانظر بماذا يذكرك كنايته عنك تقريعا وترفيعا ، فانظر بما يكنى عنك ، لا يغرنك سماع الخطاب ، ولا رفع الحجاب ،

وإنما تغتر بما يبدو لك منهما ، فإمّا تساء وإمّا تسرّ ، رفع حجاب العافية فنزل البلاء ، ورفع حجاب البلاء فنزلت العافية ،

فكل واحد منهما حجاب الآخر محجوبه ، ورب الآخر مربوبه ، كن غيبا في شهوده ، وخبرا في عيانه ، وعناء في راحته ،

وعلة في شفائه ، وجهلا في علمه ، وفقرا في غناه ، ومهجورا في مواصلته ، ومستوحشا في مؤانسته ، وجموحا في إذلاله ، وعقولا في لطفه .

 

واجهد فإن اللّه لما أراد الخير بك يا كعبة الحسن عرف بيني وبينك ، وأشهدك عيني وأشهدني عينك ، وحركني إليك ، وأنزلني عليك ، وعشقني بجمالك ، وهيمني في دلالك ، ولست ممن يحيل هذا وأنت الخابرة .

 

أما تراني أطوف بمعاهدك ، وأجري على مقاصدك ، فإذا أكملت الأسبوع ، بادرت إلى الركوع ، ولا أنصرف قط عنك إلّا عن أمرك ، فأنت المنصرفة لا أنا ، وأنت المستريحة وأنا المعنّى :

إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا  ....  ألّا تفارقهم فالراحلون هم

"" هذا البيت للمتنبي ""

 

أين ذهنك يا كعبة الحسن من كلامي ؟

وأين يقظتك من منامي ؟

اتحدت أسرارنا ، وامتزجت أنوارنا ، فأنا أنطق بك وعنك ، وأنظر إليك ومنك ، فقضيت حقك ، وأعدمت في جنابك خلقك .

فانتبه : فقد أيقظتك ، واتعظ فقد وعظتك ، اشتغلي بنفسك في حقي فسيحمد شغلك ، وافعل فيها ما يرضيني منك فستشكر فعلك ، فكأن بأركانك قد هدّت ، وبحبالك قد مدّت ، وبسبلك قد سدّت ، وجاءت الأحابشة فأخذت أحجارك ،

وهتكت أستارك ، ورمت بك في اليم ، وجارت عليك في الحكم ، وهذا كله لتوصلك إليّ ، وتمثل ذاتك بين يدي ، ولكن انظر ما تقاسيه في طريقك إلينا من العناء ، ومن عذل العاذلين وحراسة الرقباء ،

ومن صعوبة الطريق وحزنه ، ومن شدة كرب الهوى وحزنه ، فقف متضرعة عازمة ، وقوف مقصرة عالمة ، ومد اليمين واليسرى ، وسل في تيسير العسرى ،

وقل له : « أنا القصرى تعلم حقيقتي وتعرف طريقتي ، فحسبي علمك بحالي "، فستفوز بملاك الأمر ، وتحصيل السر ،

فإن الذي تناجيه الآن في مقام البسط ، ومنزلة الحل لا الربط ، فلا تخوفنك الغمرات ، 

ولا تحجبنك الظلمات ، فإن الفجر قد طلعت منازله ، والصبح قد لاحت دلائله ، والليل قد انقضت مناهله ، 

وهذه الشمس قد بدا حجابها فأشرق ، وأبدى ما كان خفي من الحق ، وفتح باب كان بالأمس مغلقا ، وفرج أمر كان قبيل ذلك مطبقا .

والمنادي على الأعراف صائح ، والسبيل بين يديه واضح .

 

والصوت في الجو عال ، والدف يجيبه في الحال ، يا داعي اللّه ، ويا حادي اللاهي .

أما ترى مجلس السرور قد احتفل ، ووجه غلام الزمان قد بقل ، والشراب المروّق قد مزّج بالتسنيم ، والنعيم قد ورد على النعيم ، والنديم يغازل النديم ، والحميم يناجي الحميم ،

والمدير قد شمّر عن معصمه ، ودار بكأسه على ندمائه وجلّاسه ، وأسرار أهل المجلس متناغية ، وسوق المهرجان قد قام على ساقه ، والسماع في ارتفاع ، والتواجد مطابقا للإيقاع ، والأيدي مبسوطة إلى المدير ، والعيون ناظرة إلى وجهه المنير ، والمسمع فصيح ، والمحل فسيح ، والعاشق قد أعلن بالتشريح ، وتمثل بقلب طروب من الكتمان جريح ، 

وقل :

ألا فاسقنى خمرا وقل لى هي الخمر ... ولا تسقنى سرّا إذا أمكن الجهر

وبح باسم من تهوى ودعنى عن الكنى ... فلا خير في اللّذّات من دونها ستر

"" البيتين لأبي نواس ""

والفناء رحب ، والرقيب مبعود ، والحبيب مشهود ، والباب مقفل ، والستر مسدل ، والعين تنهل ، والروض يعطي عرفه ونشره ، والدهر يريك طلاقة وجهه وبشره ، والسعد يساعدك ، والآمال تناشدك ، والأمن يؤانسك .

فعندما يسمع مقالته ، يحمد حالته ، ويعلم الداعي أن الذي دعاهم إليه قد وصلوا إليه قبله ، فيبقى يبحث كيف العلّة ، ومن لي بتدبير هذه العلة .

كما قال أبو يزيد

: دعوت الخلق إلى اللّه خمسين سنة ثم رجعت إليه فوجدتهم قد سبقوني .

هكذا ذكر ، ومسابقة« بلال » رضي اللّه عنه لسيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم في الجنة ، وهو خير البشر ، فحقق يا كعبة الحسنهذه المسابقة وانظر في هذه المطابقة ، وعليك بمثل هذه الموافقة .

وهبتني نفسك ، وأهديت لي غيبك وحسّك ، أيّ محبوب فعل هذا قبلك ، ما سمعت بمعشوق صدر منه مثل هذا مع محبة مثلك .

أبحت لي ريقك المختوم ، وسرّك المكتوم .

أنت فردية الوجود الكوني ، أنت على خلق الموجود الإلهي ، لم تتخذ بوابا ، ولا أسدلت حجابا ، تأتي إلى من يحبك قبل أن يأتي إليك ، وتحضر بين يديه ، وهو أولى بالحضور بين يديك ، تخدمه بكلّيتك ، وتجود عليه بنفسيتك ،

لولا ما أتيت إليّ ابتداء ، ما الذي كان يأتي إليك ، لولا ما نزلت عليّ من قبل ما الذي كان ينزل بي عليك ، فلك الطول والفضل ، ولك الأمر من قبل ومن بعد . قامت لك البينة ، وإن كنت لم أنكر ،

وصحت لك عليّ الحجة البالغة وأنا المقر ، اعترفنا بأنك الواحدة في شأنك ، والفريدة في زمانك ، وغير زمانك ، ذكرت قبل كونك ، وعشقت عند وجود عينك .

 

ما أحسن مقلتك النجلا ، وأبهى منظرك الأجلى ، ما أعذب شفتك اللميا ، ما أصلح وجهك الأقمر ، ما أينع خدّك الأزهر ، ما أنور جبينك الوضاح ، ما أزهرك بين الملاح ، ما أبلغك بين البلغاء ، ما أخطبك بين الخطباء ،

ما أشهى ذلك الثغر البرود ، ما أجمل في وجناتك ذلك التوريد ، متعني اللّه ومتعك بجمالك ، ولا زالت الأفواه تقبّل يمين بجلالك ، والنفوس تلتزم ملتزم بابك ، وتستجير بمستجار جنابك ، وتجود عند ميزاب جودك .

ويذهل حجرها عند دخول حجرك ، وتقوم عند مشاهدة مقامك ، وتزمزم عند مشرب زمزمك ، وتنحطم عند مجاورة حطيمك.

تاللّه لولا حذري أن أفقد عينك ، وخوفي أن يحال بيني وبينك ، لهتكت للعالمين أستارك ، وأعلنت لهم أسرارك ، وأعربت لهم معجمك ، وأوضحت لهم مبهمك .

 

وأفصحت لهم بما جبلك اللّه عليه من المحامد في المحاضر ، وقمت خطيبا برفيع مناصبك ومشاهدك في المنابر ، مما لم يرد به نقل ، ولا وسعه عقل ، حتى يحار الناس في تكييفك ، ويذهلون في لطائف لطيفك ، ومعارف كثيفك ، وإنما القلوب محجوبة بالأهواء ، وأنت المساعدة لهم في هذا العماء ،

 

فلو انقضت منك إذا حيل بي دونك أحجارك وتهتكت أستارك ، وعصيت العالم أجمع ، لكنت في شأنك الخطيب المصقع ، وغرضي في إدامة مجالستك مذاهلتي لمؤانستك ، لا زالت أعلامك مرفوعة ، وأقوالك مسموعة ، وأوامرك مطاعة ، وأسرارك عندي مذاعة .

والسلام عليك معادا مردّدا ورحمة اللّه تعالى وبركاته .

 

 



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!