المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
3 - الرسالة الاتحادية توسّل بها عبد العليم إليها ونزل بها عليه
3 - الرسالة الاتحادية توسّل بها عبد العليم إليها ونزل بها عليه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
من عبد العليم محمد بن علي إلى كعبة الحسن ، وروضة المزن . سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
أمّا بعد حمد اللّه الأتمّ ، والصلاة على سيدنا محمد الأقدم .
فإن سر الاتحاد مجهول في الأشباح ، معقول في الأرواح ، إذا انضم الحبيبان في الثوب الواحد ، وتلاصق المتيمان بحكم الشاهد ، وتعانق الشكلان تعانق اللام والألف ، وارتبطا على السرّ الذي لا ينكشف ، وأداما التعنيق وامتصّا الريق ، فانحدرت رطوبته الشهية إلى المعدة الغيبية ، وامتزجت مع الرطوبات التي منها القبلية ، ودفعتها إلى بيت الكبد ، المودع في الجسد ، واختلطت رطوبة ريق المعشوق بأجزاء الدم ، وانتشرت بين الجلد واللحم ، وفي العروق .
فكانت منها حياة ذلك الجسد ، وعمارة ذلك البلد ، فإن روح الحياة بخار لطيف ، له سريان شريف ، ينحل من رطوبة الدم ، وينتشر في جميع أجزاء الجسم ، به تكون الحياة في هذه الأشباح ،
وهو المعبر عنه بالأرواح ، ومادته من الاستنشاق الهوائي بالقوة الشمّيّة ، لترويح الحرارة التي في القلب الغريزية ، فلو لا هذا التبريد لوقع التبديد ، وكذلك إذا تنفس الحبيبان مكافحة ، وتنهّدا مناوحة خرج مع ذلك التنفس شيء من نسيم الروح ،
فاختلط بأجزاء الهواء ، فدخل إلى خياشيمهما على السواء ، فسرى في أجسامهما علوا وسفلا سريان النور في البلور ، على طريق الرئة والحلقوم إلى القلب ،
والتحق بعالم الغيب ، فدب مع النبض والعروق الضوارب ، واختلط بالدم واللحم في جميع المضارب ، فانعقد في بدن هذا ما تحلل من بدن هذا ، فصار له روحا ، والجسم له ضريحا .
ولما كان الروح الذي هو الحياة أحب شيء للإنسان ، فصار هذا المعشوق أحب شيء إليه في الأعيان ، لاتحاد أرواحهما في الجثمان ، وإلى هنا انتهى عقل العقلاء ، ونظر أهل المودة والصفاء ، وما قدر منهم أحد أن يزيد عليه معنى يحقق به قوله ودعواه ، فإن الاعتراض منوط بفحواه ، فزدنا بحمد اللّه عليهم في المسألة إيضاحا ، وجعلنا له الإشارة عنه مفتاحا :
فاعلم أن النفس والريق إنما يجريان بحسب ما استقر في القلب استقرار الاستفراغ ، وانتهى فيه غاية البلاغ ، فحينئذ يكون ما قالوه ، ويظهر ما أخبروا به وسطروه كمحكي عن الحلاج : إنه انكتب من دمه اسم المحبوب .
وكذلك زليخا: حين فصدت وقع دمها في الطست يوسف بن يعقوب .
فالذي يكون في القلب يتزايد كائنا ما كان حتى يذهب من الأذهان .
ويا عجبا ! كيف غفل عن هذا المعنى أصحابنا وهم أهل تدقيق وتحقيق .
فهذا يا كعبة الحسن .
قد كان بيني وبينك فقد اتحدت أرواحنا ، لما تعانقت أشخاصنا ، أتذكر إذ لثمت يمينك الغرّاء في الهاجرة ، وأنت لي كالمحبة الهاجرة ، فانفتح يمينك حتى التقم الشهادة التوحيدية من نفسي ، وزفرت عند ذلك فكاد يحرقك قبسي .
فالحمد للّه الذي وحدني بك ووحدك بي ، وصرت مني كأمي من أبي ، هي ذاته وهي أهله ، هي بعضه وهي كله ، لكن يا كعبة الحسن .
إن اللّه سبحانه بلطيف حكمته ، وغريب صنعته ، خلق أعضاء تكليفك ، وفرّق بين لطيفك وكثيفك ، وجعل في كل كثيف أمرا ، وفي كل لطيف سرا ، فإن أبقيت نظامها على الوضع الإلهي ، والتناسب الربّاني فأنت المالك ، وإن لم تجرها على وضعها ، وخلطت بين ضرها ونفعها ، والتبس عليك تثنيتها بجمعها فأنت الهالك .
هيهات أيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً( 36 ) [ القيامة : 36 ] .
وكأني بك قد بلغت المدى ، اجعل العالم شهداء لك لا عليك ، وشاردين من كل أحد إليك ، عشقهم بذاتك عشق من لاح له من ذلك علم النجاة ، وشوقهم إليك تشوق من لاحظ الفوز في تحصيل الدرجات ، فامتطى بعملات الأعمال ، ورقص به الآل ، وواصل البكور بالآصال ، رغبة في المشاهدة والوصال .
إيه يا قرة العين ، ويا حلب الكبد ، أصبحت مني كذراع من عضد ، أزعني سمعك ، وهبني جمعك .
خرجنا يوما إلى السياحة في فلوات المعاني ، وتجردنا للسباحة في بحر المثاني ، فلقينا قوما جدّوا للبغية ، وكدّوا لتحصيل المنية ، وتحلوا بأسنى حلية ، فتاهوا في تيه الخشية ، فنالوا الرضا بالإنضا ،
وحازوا الجد بالجد ، نظروا بنور اللّه فأدركوا ، ونطقوا بذكر اللّه فتملكوا ، وقدّسوا نفوسهم من درن المخالفة ، فخولفوا وعاينوا ملكوت الحقيقة الإلهية فعموا فضوعفوا ،
واعتمدوا على قدم الصدق اليونسي فاطمأنوا ،
وامتلأت جوانحهم بسرائر العشق فبدا عليهم ما أكنوا ، ترادفت عليهم المنن الربّانية فلم تبق فيهم متسعا للطمع في غيرها فعصموا ، زهوا بخدمته بين عبيده لما اصطنعهم لنفسه فحكموا ، خالط حب المنزل بشاشة قلوبهم ، فما عالجوا ولا عرّجوا ، فنودوا فتلذذوا .
فقيل لهم : ادرجوا . فما درجوا . وا عجباه .
من مخالفة توجب قربا ، وحسنة موافقة تورث عتبا ، جاعوا فخصبوا ، حزنوا فلعبوا ، تمسكنوا حتى تمكنوا ، تملقوا حتى تحققوا ، توسلوا حتى تواصلوا ، وحّدوا حتى اتحدوا ، أنسوا فلم يستوحشوا ،
استعملوا الأقدام إليه ، فنزل بهم عليه ، فلما كشف لهم عن وجهه ، لم يروا سواهم فهم العبيد والموالي ، والأسافل والأعالي ، نفسي الفداء لقلب يفهم ، أو سر يعلم ، للدهر حوادث ومصائب ، وسهام ماضيات صوائب ، لكن منها سهام تبصر فتتقى ،
ومنها سهام معنوية ترمى بها القلوب من قسّي المكر فلا تتوقى ، فموقع مثل هذا السهم لذيذ في الحال ، فظيع المرارة في المآل ،
فإن سهام الرزايا إذا رمي بها عن قسي المكر لا يظهر فيها شيء من النكر ، فالحكم للوقت ، فإما بالبخت ، وإما بالمقت ، شمس تدور ، وقضاء في ذلك الدوران يغور ،
تصاريف الأقدار رسالات رسل الليل والنهار ، بياض وسواد ، شقاء وإسعاد ، رسولا أضداد ، البغية فيهما مجهولة ، وكلمتهما عند اللّه مقبولة ، لأنهما الأمينان على كل ذات لما نصبت ، وهو القائم على كل نفس بما كسبت ،
فليل لجنّة في الدنيا والقصوى ، ونهار لسعير في الآخرة والأولى هما اللذان يأتيان بالكسب ، ويوبخان بالعتب ، ويستدرجان بالنعم المشوبة ، ويعرفان بأنها المطلوبة ، فلا تلتجي لاستغنائها وتريد من مولاها أن يحط بفنائها .
إلى هذا انتهى أمر هذه النفس الخسيسة ، الكريمة الرئيسة ، تأملت سر الاتحاد في الليل والنهار ، الليل هنا لباس وعذاب في دار البوار ، والنهار هنا عذاب ونعيم في دار القرار ، والنفس في هذا كله لاهية ،
ليس لها لما أورده عليها أذن واعية ، ما أسرع ما تلحقها الرزايا ، وتختلسها المنايا ، وتحيط بها البلايا ، وتجرعها الغصص ، وتكون أشأم مفترض يفترس فلو عرفت حقيقة نفسها ، لفرقت بين يومها وأمسها ، وعقلها وحسها .
أما علمت هذه النفس أن لها ثلاث قوى في ست حضرات تتصرف تحت حكمها ، وتمشي على مقتضى علمها ، قوة ناطقة حضرتها الدماغ ولها فيه منازل ، على عدد النوازل ، يحفظها في اللفظ ، الخيال والفكر والحفظ ،
والخيال في مقدم الدماغ لتلقي المحسوسات ، والفكر في وسط الدماغ للتمييز والترجيح في القضايا والحكومات ، والحفظ لصون ما حكم به الفكر في القضيات ، حتى تمس الحاجة إليه فتلقيه بين يدي الحاكم ، هذا حكم له لازم ، فالفكر حاكم محقق ، والخيال شاهد مصدّق ، والحفظ أمين موثّق .
فهذه القوة الناطقة بكمالها قد تميزت ، وفي صدر موكبها قد تبرّزت ، فهي السيدة السلطانة .
وأمّا القوة الثانية فهي القوة الغضبية
، وحضرتها القلب ، ولهذا لها الاسم الرب ، وهي لهذه الناطقة أجناد الاستعانة .وأمّا القوة الثالثة فهي القوة الشهوية
، وحضرتها الكبد ولهذا لها تدبير الجسد ، وهي لهذه الناطقة رعية الاستكانة .فإذا جروا على ما أهّلوا له بالحدّ الموضوع ، والعهد المشروع ، والتصرف المعبودي الحكمي فازوا وربحوا ، وإن عدلوا عن هذا الحد الأمري ، إلى الحد الإرادي ، ونزلوا بالحكم الاختياري ، الإلهي من جانب الغرض النفسي خابوا وخسروا
" فمن عرف نفسه عرف ربه "
، ومن عرف اللّه عرف قلبه ، فكن مع الرب لا مع اللّه ، فربي وإن كنت مع اللّه فمن كونه ربّا ، فإن ذلك رحمي الأبد ، ونعمى الخلد .
ثم لتعلم يا كعبة الحسن الفائق :
أن في الوجود نكتة غابت عنها عقول كثيرة ، وعمي عنها كل بصر وبصيرة ، وذلك أن الإنسان إذا كان في شيء لم ير حقيقته ومعناه ، وإذا صار عنه أجنبيا رآه ، والنفس إذا التبست بشهوتها وغرضها ، وتعشقت بعلّتها ومرضها ، لا ترى سوء ما هي فيه ولهذا تصطنعه وتصطفيه .قال تعالى موعدا ومبينا :أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً[ فاطر : 8 ] .
فإذا كنت أنت المكلف يوما ما بذلك الأمر سواك ، هل يستوي عندك من أطاعك فيه ومن عصاك ، فإن أتى ما نهيته عنه أن يأتيه وتحاماه ، أو عصى ما أمرته به وأنت تراه ،
هل كنت ترى فعله ذلك إلّا عيبا عظيما ، وجرما جسيما ، وعدم احترام ،
وطرح احتشام ، ولا سيما وأنت تعلم منه أنه يعلم أنك تراه ، ويتخاذل عليك ويجرؤ ، وقد علم أنك فاضحه في أولاه وأخراه .
فاستوجب عندك العقوبة أو العفو على حسب ما تريد به من عافيتك أو بلائك ، بما تسلطه عليه من أسمائك ، كذلك أنت مع ربّك ، في عالم حسّك وقلبك ،
فانظر إلى ما يستقبحه الشرع فاجتنبه ، وإلى ما يستحسنه فبادر إليه وامتثله ، ولا يغرنّك غدّار ، مدخول النصيحة غرّار ، فعليك باتباع العلم ،
والاستسلام للشيخ فيما وجّه عليك من الحكم ، وطهارة النفس ومحاسن الأخلاق وجميل الوفاق ، واقبل قولي ، وعد عن فعلي ، فإن العصمة مطلوبة إنما هي في النطق ، وإيراد الحق ، على وجه الصدق ، فإني وإن عصيت فلا آمر بالعصيان ، وإن تخاذلت فلا آمر بالخذلان ، فإن ذلك يرده الإيمان .
وهذه رسالة علمية عملية اتحدت ذاتها بصفاتها ، وغاب نورها في ظلماتها ، روحها في جسدها مستور ، وظلامها قد احتوى على النور ، فمن انسلخ من هذه السدفة ، وصعد أعلى الغرفة ، رأى النور يسري في فلكه وزمامه بيد ملكه ، فتشرق عليه الأنوار ، وتتهتك له الأستار ، وتبرز له الأسرار .
جعلنا اللّه وإيّاك يا كعبة الحسن ممّن علم فعمل ، وسافر فوصل ، وأحب فبلغ الغاية والأمل ، بمنّه ، والسلام المعاد عليك . ورحمة اللّه وبركاته .
البحث في نص الكتاب
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]