المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
2 - الرسالة القدسية توسّل بها عبد الحي إليها ونزل بها عليه
2 - الرسالة القدسية توسّل بها عبد الحي إليها ونزل بها عليه
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من عبد الحي محمد بن علي إلى كعبة الحسن وروضة المزن . سلام عليك ورحمة اللّه وبركاته .
أمّا بعد حمد اللّه حقّ حمده ، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه وعبده :
فإن تعجّبي في حق المحب من الشكوى ، أعظم من تعجّبي مما حلّ به من البلوى . فإن المحب مشغول بلذة حبّه فأين الألم ، ومن لم تكن هذه حاله في الحب فليس له فيه قدم ، الألم مع الإحساس والمحب مخدور ، الضراعة مع العقل والمحب معتوه مقسور ، أين أنت من المثل السائر في النقل ، ولا خير في حبّ يدبّر بالعقل.
وهذه « ليلى » وقفت على «قيس» فقال لها : ( إليك عنّي فإن حبّك شغلني عنك ) .
وكان يمشي عريانا لا يواريه شيء فلا عقل ولا إحساس، وكنّا نقول بالموت فيه لولا الأنفاس. كيف يشكو من لا يعقل ؟
كيف يألم من غمرته اللذّات ؟
أما علمت أن شهوة الحب أعظم من سلطانه ، وإن شبهتها أقوى في الصورة من برهانه ، ما هذا إلّا توهم بعيد ، استحكم سلطانه على قلب العاشق الوحيد .
ما أحسن هذا الشأن لو ظهر ولو بالنقل ، ما أبدعه لو خرج من القوة إلى الفعل ، لكن العقول قد أعجبت بمداركها الفكرية ، والبصائر تائهة بتصاريفها العقلية ، والأذهان محجوبة باستنباطاتها الزكيّة ،
لو عقل العقل أنه معقول ، وعلم العلم أنه معلوم ، وبصر البصر أنه مبصر ، لذل الكل تحت القهر ، وغرق الكل في لجج هذا البحر .
يا كعبة الحسن : هل نظرت في شأنك كيف سوّاك ؟
حتى انهدت أركانك وقواك . كيف لم تكن شيئا ثم كنت ؟
كيف لم تبن ثم بنت ؟
وقفت على الآيات التي أنبأت عن حقيقتك ، وأوضحت لك معالم طريقتك .
أين أشعارك وإحساسك ؟ أين بحثك والتماسك ؟
تأتي إلى عارف مثلي تدخل معه في اللّجج.
"" اللجج : جمع لجة ولجة الأمر معظمه ولجة الليل ولجة الظلام : شدة ظلمته وسواده . ""
وتتوسط معه الثبج .
"" والثّبج :وسط الشيء وفي الإنسان ما بين الكاهل إلى الظهر.""
وتبدي له الشّبه في صور الحجج ، وأنت لا تفرق بين العاج والسّبج.
"" السّبج : خرز أسود ، دخيل معرب .""
أتظن أني لا أعلم بمقامك ومقامك ، ألست من اليسار ، ألست الضلع الأعوج الذي إن أردت تقويمه تسارع إليه الانكسار ، لا يصح لك أبدا الاعتدال ، ولا تنتقل من هذه الحال ، أجبني إن كنت صادقة ، خاطبني إن كنت ناطقة ، ما بالك خرساء عن مجاوبتي ، ما بالك عجماء في محاورتي ،
أنا الحي الذي خلقت مني ثم شاركتني ، حتى كنى بك عنّي ، أنت جزئي وكلي ، فيك يا عجبا الكل في الجزء حقيقة ترميها العقول ، لولا الخبر المنقول ،
وهذه إشارة بينك وبينها سبعون ستارة فارفع الستور ، وسح على نفسك من أجل النور ، فإنه محرق ذاتك مذهب صفاتك ، فإن وقفت بعد الكشف على الإحاطة ، فقد دخلت بساطه ، وإن عجزت عنها فاعلم أنك فيها منها .
فانظر أي المنزلتين أشرف ، وأي المقامين ألطف ، وأي المحبوبين أظرف .
لا تقابل حياته إلّا بموتك ، ولا عزّه تقاومه إلّا بذلك ، فإنك لا ترى عزّه بعزّك ، ولا حياته بحياتك ، فإن بيان الرؤية من طريق الفيض ، وأنت مستغن عنه ، فكيف يأتي بي إليك بشيء منه ، لا تقل قد علمت العوالم ، ورتبت المنازل والمعالم ، وفصّلت بين طبقات الكون ، وتحققت بحقائق العين ، كل ذلك هباء في جنب ما غاب ، وخبيث في حق ما طاب .
للّه علم يتعالى عن الإشارات والعبارات ،
ويتسامى عن الإدراكات والإحاطات ، على ذلك العلم فابحث ، عساه في روعك ينفث ، تشهده ولا تعبر عنه ، وتجده ولا تقدر تخرج منه ، يحكمك ولست تحكمه ، ويعجمك ولست تعجمه ، إذا حركت رياح أسبابه الشمس الفصحى بالمقال ، تصدعت لها شامخات الجبال .
هذه عبارات الأسباب ، من خلف سبعين ألف حجاب .
"" يشير إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم : « دون سبعون ألف حجاب نور وظلمة وما تسمع نفس شيئا من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسها » . مسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني . ""
فكيف لو بدت السّبحات ، ما بقيت - كما ورد الخبر - المبصرات .
"" يشير إلى قوله صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه عزّ وجلّ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور - وفي رواية أبي بكر - النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه » . صحيح مسلم و مسند احمد وابن حبان و ابن ماجة والطبراني في الأوسط وغيرهم . ""
فلا علم إلّا عن عين ، وعد عن كل كون ، فإن الكون يحول ، والغير ينتقل ويزول ، وكعبة الحسن سيدي باقية مستحيلة الفناء ، لأنها الكل من غير توهم الأجزاء ، بل إحاطة لفظية ، ولفظة حفظية .
كم دمع عليك مسفوح !
كم قلب عليك مقروح !
آه لشوق مزعج ، وكبد بناء الهوى ينضج . .
هذا علم البرزخ ماسك الطرفين ومالك الأمرين ، الفاصل بين الضدين ؛ كالخط الفاصل بين الظل والشمس ، والمعنى الرابط بين العقل والنفس .
انظر إلى هذا التعشق الإلهي وهذا التحقق الاعتصامي ، نقّ سرّك عن كل كدر ، وطهّر جوارحك من كل دنس ، وأزل رمد الغفلة من جفنك بكحل الانتباه ، وغب بكليتك فيّ عن ملاحظة الأشباه .
إن أردت أن تحصّل هذا العلم الذي تلوناه عليك ، وأنزلناه إليك ، تضرع إلى ربّ السماء في تحصيله ،
واسأل إله الأسماء في أن يوفّقك على تفصيله ، وإياك أن تسأل منه الجمع فتعمى ، وتحصل في دجنة ظلماء ، حيث لا ظل ولا ماء ،
فإن معرفة التفصيل تجمع وتحصل ، ومعرفة الجمع لا تفصّل ، فتبقى الحيرة على أصلها لما لم تتحقق بفصلها .
وقد نصحتك فأبلغت ، ودعوتك فأسمعت ، فأجب الداعي ، بالسمع الواعي .
فقد آن الاندكاك ، وقرب الهلاك ، وضاقت السماء بالأملاك ، والاستواء بالأفلاك .
يا كعبة الحسن :
قل لرقبائك نور وجهي عليّ رقيب وأنتم لا تشعرون ، ما لكم لا تبصرون ، أعميت أبصاركم ، أطمست أنواركم ، ما لكم تحسدوني على عارف هيمّه جلالي ، وتيّمه دلالي ، وسحره غنجي وجمالي وتيّهه كمالي .
أنا الكعبة ؛ التي خضعت إليّ رقاب الجبابرة ، وعنت لقيوميتي وجوه الأكاسرة .
كم تاج من على رأس صاحبه أسقطته ، وكم ثوب من على ظهره جردته ، من الذي يجرؤ أن يدخل حرمي محلا ، أو يتخذ بيتي محلا .
ألم تروا إلى المتألهين حين رأوني قد زالت معالمهم ، وإلى الأوابين قد انتقضت عزائمهم ، وإلى الأواهين قد انقضت صرائمهم .
أين التائه في حيرته ؟
والواجد في سكرته ، والهائم في غمرته ، والواله في نفرته ، والمناجي في صلاته ، والراتع في غلياته ، والمطمئن في إشاراته ، والموقن في آياته ، والبالغ في عباراته ، والعارف في إشاراته ، والمتفنّن في كناياته .
ما لهم إذا أبصروني ذهلوا ، وبالطواف بذاتي شغلوا ، هل ذاك إلّا لسرّ اختصصت به على أبناء جنسي ، وأودعه الحق في نفسي . فكم يغار الرقيب ، وكم يروم أن يطفئ هذا اللهيب ، من قلب كل حازم لبيب ، أسمعت القلوب الإلهية ندائي فتغاثت ، وأبديت لها حجابي فطاشت ، وأسفرت لها عن ظاهر وجهي فتلاشت .
فكيف لو تجلى لهذه القلوب من أسرار حسني المعنوي وجمالي العلوي ، وهي بهذه المثابة والمكانة ، من المقام العلي ما عرفت رسوم ديار ، ولا ندبت أطلال ولا آثار ، فاعتبروا أيها العارفون في جمالي ، وإقامتي على اعتدالي .
وإيّاك والغيرة أيّها الرقيب الحسود ، فإن حسرتها عليك تعود ، فجمالي مبذول لكل عين ، وسحني متجلّ في كل كون ، لما تنزّه أن يدرك ، وتعالى أن يملك ، لم أبال بما ظهر منه للبشر ، فإنهم ما يقبلون سوى الحجر ، من رأيت قط منهم غاص في بهمته ، وسار في كلمته ، ما منهم أحد يزيد على أن يستلم وينصرف ، ويعتدل ساعة ثم ينحرف ، والعارف منهم غايته أن يقر بالعجز ويعترف .
ألم تر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض الحركات قد وقف عند يميني ،
وقال لبعض أصحابه :" ها هنا ينبغي أن تسكب العبرات ". رواه ابن خزيمة والحاكم في المستدرك وابن ماجة في سننه .
أترى ذلك سدى ، أترى مبلغ ذلك مدا ، فما لك والحيرة ولباسك رداء الغيرة ، اللّه قد هتك ستري وأخفى عنهم سري ، فيدورون بمعاهدي على حكم العادة ، وغاية الحاضر منهم طريق العبادة ، ولا يلحظ أحد منهم ما تحصل له في معناه عند طوافه بي من الزيادة .
أثبت الناموس الأخشاب والناقوس ، وبئس الجاسوس ، الغراب أو الطاووس ، يتبع ليرى ، وحسد وافترى ، وأتى في حديثه بقاصمة الظهر ، وقارعة الدهر ، فأفّ لها من عسرة ، وتعسا لها من غرّة .
أين هم من نعت الصادقين ، وصفة المخلصين ، حالة حولا ، وعين عورا ، دجال تائه ، على معنى يسير تافه ، بئست ألوهية لا تدوم سوى أربعين ليلة .
ويلها من حالة وويله ، ولكن مدح أيوب بالصبر ، وداود بالشكر . فترادفت البلوى ، وقيل إياك والشكوى .
فتراني صابرة على دعواهم ، سامعة في كل حالة نجواهم ، قد سودوا يميني بخطاياهم ، وكانت اليمين البيضاء ، وأبلوني وكنت الجديدة الغضا ، واللّه لأصبرنّ على ما قضى ، حتى أحوز الرضا وأستعذب المرّ في جنابه ، واستسهل الصعب رغبة في اقترابه ، حتى أفوز وأجوز ، وأحصل وأحوز .
فديتك يا كعبة الحسن :
لقد وبّخت الرقباء ، وسفهت الحكماء ، وجهّلت العلماء ، وأعييت البلغاء ، طبت وطاب كلامك ، ودمت ودامت أيامك ، أذهب اللّه وصبك ، وأراح تعبك .
والسلام المعاد عليك .
ورحمة اللّه وبركاته .
البحث في نص الكتاب
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]