قوله سبحانه: ﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن:9] قال: هي إقامة الهمة في القلب المعنوي ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ هي الساعات بين المعنى والسر، فإذا كانت ساعة تقويم، ﴿ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ بالغفلة والدعوى؛ أي: لا ترى منك شيئاً، فإذا خطر الخاطر الرُباني اهتدت روعته وسكن إلى الحق، وانقطع الشك ومهلت المسافة، فكل من يكون مع هذا النبع الأعلى تارة في الأفق الأعلى، وتارة في الأفق المبين الذي هو السفلي، لكنه في أول عرش في القلب، ثم تبعًا ثانيًا وهو في القلب، لكنه وقت قوة الهمة، ثم إنه ينطق بالحكمة ويصير له كل معجم عربيّا وكل صعب هيّنًا، فالصعب الهين هو التسليم، ولا تلقي السلام إلا بين يدي من تعرف، لكن التسليم هو اليقين.

وبه تنطوي الأرض وهي أرضك، وطي الأرض فهو معرفتك بما فيها، وركوب السباع هو قصر الملك، والمشي على الماء معرفتك الروح الذي هو روح الحياة، والطيران في الهواء هو فهمك، ومبلغ علمك وقضاء هويتك، والأكل من الكون حكمتك، والقيامة هي انقلاب الأعيان لكنها لا تعطى إلا للرجال، وهي لرجل الرجال، فهم إن نزلوا على نحاس ردوه ذهبًا إبريزًا، والنحاس هو المدعي، فبنظرهم إليه يرجع ذهبًا؛ لأن نظرهم بعين الله تعالى، وإن نزلوا على نحاس ردوه ذه بًا، والحديد هم الجاهلون، وهو في الحديد الباطن جهلك، وهو فكرك للعلم بالله تعالى، فإن العلم بالله تعالى هو الصراط المستقيم، وإكسيره الأدب.

وثَمَّ أيضًا نبع آخر من الروح على القلب، وهو فناء الفناء، والفاني هو السكران من علم الله وحبه، وذلك أن فيض الروح من الأزلية وهي المحبة، فيكون الإنسان لا يعبر عن نفسه ولا عن غيره، وهذا خر مقام.

فثَمَّ من يبقى في خر المقامات وأول المراتب، وهو موضع الدهشة والحيرة، وهو برزخ لا يجاز إلا بالقوة والفهم، فإذا أفيض عليه بالبقاء فعاش الحياة الأبدية، وقوي في تلك المراتب لا في المقامات، في البشرية والمراتب وفي الروح، وما من مرتبة إلا وفيها عائق:

1. الأوّل: حب الحياة.

2. الثاني: قلة الأدب.

3. الثالث: إباحة الشرع.

4. الرابع: قلة الفهم.

5. الخامس: التقدم.

6. السادس: الكبر.

7. السابع: يخاف عليه عند رفع الحجاب، حجاب العظمة لقلة التأييد.

وهنا يسلم من يسلم ويعطب من عطب، فمن كان من معدني الياقوت كيف يخشى الفقر؟! ومعدن الياقوت هو قوة الإفهام، وقت تحدر الأزلية على الملكية، وانحدار الأزلية هو نسيم لكنه غذاء الأرواح، فإذا نسم عليها قوي سمعها بالقوة والقدرة وبصرها بالعظمة، ثم إنها تدان باللذة، وتسعى بالحكمة، وتنطق بالأدب، وتصمت بالسكينة، وتطرف بالحياء، قد عرفوا ما طلبوا، فقرب عليهم البعيد ولان لهم الحديد، فالتي بين المقامات والمراتب فثم يزداد، فهم الفهم وأدب الأدب.