*** قال تعالى: ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق:35] وهو أن يكون صامتاً ناطقًا، إذا لم يبق له خاطر ولا أمل ولا نطق، إذا صار حق بحق، فكل من رآه خاف منه ؛ لأنه صار مالكًا غير مملوك، وغنيا غير فقير ولا صعلوك، فمن ملك نفسه وملك خواطره ملكه أرضه وبشريته، ومن ملك أصله ملك توحيده، إن لله رجالاً سبقوا ولم يسبقوا، فمن سبق في الميدان في الأدب سرى في منازل العز، ومن سرى في منازل العز حيي الحياة الأبدية وبقي البقاء الدائم، وهي لذة النظر كما قال تعالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ﴾ [النجم:17].

فهذا هو القسط، فكل متلون لا يثبت، ثم لا يستغني عن السلاح، لكن يكون جهاده العزم، وسرجه الفقر، وركابه الورع، ولجامه الصدر، وورعه الفراسة، وخوذته الصبر، وسيفه المراقبة، ونشابه اليقين، وغرضه التسليم، فإذا كان القوس الهمة والنشاب البصيرة وصيه يا أخي، ثم أوصيك بالائتلاف، وإياك والاختلاف، لكنك إن ائتلفت مع سرك قطعت المسافتين الجاه والأمل، وإن رأيت علمك كنت متكبّرًا أسيرًا، ومعنى هو برزخ بين الروح والنفس، لكن النفس إذا تروحنت للحياة الروحانية ل حق ها الكبر؛ لأنها ملكت الأعضاء جميعها، فصارت هي والعقل شيئاً واحدًا، وصار القلب مسكنها، فيتجلى عليها الروح عند ذلك، فيخاف عند تجلي الروح عليها من الكبر، ويخاف عليها من الأمل الترجي في وسط والمرجو لا يكون له أمل، بل يكون حيًّا ميّتاً؛ أي: ميّتاً عن جميع العالم حيّا مع العالم، ويخاف على من كان في البلد من الحصار، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ [البقرة:196] فإذا كنت مع نفسك الطاهرة الذكيةْ الروحانية فخْفتَ من الحصار ضعف اليقين، وإن كنت مع اليقين والعقل المؤيد خفت أن يهجرك فيه طول الأمل، لكن إذا كنت مع روحك خفت أن يحصرك فيه قلة الأدب، وإن كنت مع فهمك خفت أن يحصرك فيه قلة الحياء، فكن طير لمحاني، ولا تكن شيخاً ل حْ ماني كري مًا، ولا تكن راجلاً، فإن كنت مع ذلك الخباب الأعلى، كانت الهمة مطيتك والشيخ سابقك، وإن كنت مع هذا وهذا كنت راجلاً، فما ثبت في الأرض إلا من كان له علاقات، لكن العلائق إن طرت قصدوا جناحك، ورقيت في الهواء خطوك في الثرى.

ألا ترى كل فريق يطلب ما يتشبث به، هكذا العلائق متشبثين في الدنيا، والجهل وضعف اليقين من قاطع كل قاطع، يقطع بينك وبينه فهل يهون، فإن تكن أيدك الله تعالى، وأيد سرك بقدسه، ونظرك بالقوة، وسمعك بالحكمة، وقلبك بالمعرفة، أنتم أنتم غبتم أم حضرتم، هكذا إن غابت أخباركم فما غابت أرواحكم، إن غبتم أنتم كمالاً، وإن حضرتم كمالاً وجمالاً، إن غبتم كنتم في ميدان معادن الياقوت تنظموا الدر، وإن حضرتم كنتم في منازل ال عز تنثروا الحكم.