موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


206. الموقف السادس بعد المائتين

قال تعالى:

﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ﴾[غافر: 40/ 31].قال: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 41/ 46].

﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ [الكهف: 18/ 49].

﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ [هود: 11/101]، وقال: ﴿ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[البقرة: 2/ 57]، [التوبة: 9/70]،  [النحل: 16/33]، [العنكبوت : 29/40]، [الروم: 30/9].

ونحو هذا ...

اعلم أن الظلم ورد بمعنى النقص، يقال: ظلمت الثمرة إذا نقصت، ومنه قوله تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً﴾ [الكهف: 18/ 33].

وورد بمعنى وضع الأشياء غير مواضعها، التي تستحقها بالحكمة والعلم ومجاوزة الحدّ، وكلا المعنيين منفي عنه تعالى، مستحيل علي، فإنه إنما يتصرّف عطاء ومنعاً، ضراً ونفعاً، بالعمل والحكمة والعدل، لأنه العلمي الحكيم المقسط، بيده الميزان يخفض ويرفع، فلا يمنع من يستحق الكل بعض ما يستحق، ولا يعطي من يستحق البعض أكثر ممّا يستحق، دنيا وأخرى حسّاً ومعنى تعالى عن ذلك. فعطاؤه ومنعه، وضرّه ونفعه، تبع للاستحقاق والاستعداد، والاستعدادات الكلية هي حقائق الأشياء. فلو ظلم أحداً ونقّصه ممّا يستحقه باستعداده لكان نقصه من حقيقته التي هو بها هو، وذلك محال غير معقول، ولو زاد أحداً فوق ما يستحقه باستعداده لكان زاد له على حقيقته التي بها هو هو، وهو محال أيضاً، هذا حكم الاستعداد الكلّي. وأما الاستعداد الجزئي فليس له هذا، ولا هو موجب لحصول ما يطلب، مثلاً: ترى في خدمة الملك رجلاً عاقرً عالماً سائساً مستجمعاً للكمالات عندك. ويكون عند الملك في مرتبة، ترى أنت أنه مستعد لأعلى منها، ومستحق لأكبر منها وتقول: إن الملك قصّر به عن استعداده واستحقاقه، وليس الأمر كما ظنت، فإنَّ هذا الاستعداد جزئي لا أثر له، فالاستعداد الكلّ] غير معلول ولا مجعول، بخلاف الاستعداد الجزئي فإنه معلول مجعول، فلا تظن أن الحق تعالى العليم الحكيم يمنع أحداً مما يطلبه باستعداده الكلي الذاتي، وليس هذا إلاَّ من اقتضاء الأسماء الإلهية، التي هذه الأعيان الثابتة صور لها، فم يقتضيه الاسم، الذي هو حقيقة هذا المخلوق، هو استعداده. وكيف يتوهّم متوهم أنه تعالى ينقص أحداً من استحقاق استعداده، أو يزيده فوق استحقاق استعداده، وهو تعالى له ثلاث نسخ غيبية والرابعة شهادية. النسخة الأولى هي موطن كون العالم شؤوناً ذاتية له تعالى وهو التعيّن الأول. والنسخة الثانية هي موطن كون العالم أعياناً ثابتة، وهو التعين الثاني. والنسخة الثالثة موطن كون العالم مكتوباً مسطوراً في اللوح المحفوظ. والنسخة الرابعة موطن كون العالم أعياناً خارجية شهادية. فما كان في النسخة الأولى وهو العلم الذاتي المحيط المتعلق بما لا يتناهى فلا يصل إليه علم أحد، إلاَّ أن يكون محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإنه صاحب أو "أدنى" أعني باطن الوجود والعلم. وأمَّا ما كان في النسخة الثانية فإنه يصل إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام وبعض الكمّل من الورثة المحمديين، كالأقطاب والأفراد، فإن التعين الثاني الذي هو قاب قوسين منتهى عروجهم ومسراهم، وأمَّا ماكان في النسخة الثالثة وهي اللوح المحفوظ فيصل إليه كثيرٌ من الأولياء، وهو مقصور على ما قبل يوم القيامة، وبعد يوم القيامة ليس فيه علم ذلك، ومع كون علوم اللوح محصورة فقد قال مظهر الصفة العلمية الإلهية محي الدين الحاتمي (رضي الله عنه) : "لم يحط أحد من الأولياء بعلوم اللوح المحفوظ". وأما النسخة الرابعة فهي هذه المشهودة المحسوسة. فمحال أن يكون شيء في النسخ الثلاث الغيبيّة ولا يكون ولا يظهر في النسخة الرابعة. ومحال أن لا يكون هناك شيء في النسخ الثلاث، ويكون ويظهر هنا في النسخة الرابعة. قال بعض الأكابر: خوف العامة من سوء الخاتمة، وخوف الخاصة من سوء السابقة. ونظر العارفين إلى السابقة مختلف. فمنهم من نظره إلى ما خطه القلم في اللوح المحفوظ، ومنهم من نظره إلى عينه الثابتة، ومنهم من نظره إلى مقتضى استعداده، وهو أعلاهم، فاحفظ هذا الموقف، فإنه يربحك من أتعاب كثيرة تفضي بك إلى الجهل وسوء الأدب، وتهمة الحق تعالى ، ويحط عنك أثقالاً عظيمة.

يحكى عن الإمام أبي الحسن الشاذلي (رضي الله عنه) أنه قال: صحبني إنسان وكان كلاّ عليّ، فباسطته يوماً فانبسط، فقلت له: ما تريد مني؟ وما حاجتك عندي؟ فقال لي: يا سيدي، سمعت أنك تعلم علم الكيمياء فجئتكم لتعلّمني، فقلت: صدقت وصدق من أخبرك، ولكن أرى ذاتك لا تحتمل هذا العلم، فقال: بل أحتمله، فقلت: إني نظرت إلى الخلق فوجدتهم قسمين، أعداء وأصدقاء، فتعلّقت بأصدقائي لينفعوني فوجدتهم لا يقدرون أن ينفعوني بشيء لم يقدره الله لي، فصرفت نظري عنهم، ثم تعلّقت بأعدائي حذراً من شرهم فوجدتهم لا يقدرون على ضرّي بشيء لم يقدّره الله تعالى فصرفت نظري عنهم، وتعلّقت بالله تعالى ، فقال لي: إنك لا تصل إلى حقيقة هذا الأمر حتى تيأس منَّا، إنَّ لا نعطيك إلاَّ ما قدّرناه لك في الأزل، كما يئست من أصدقائك وأعدائك، فهذه هي الكيمياء التي أعرفها، خذها أو دعها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!