موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


205. الموقف الخامس بعد المائتين

قال تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً{1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{2}﴾[الفتح: 48/ 1-2].

هذا الفتح فتح الولاية لا فتح الرسالة، فن فتح الرسالة متعلق بالأوامر والنواهي الوضعية المتعلّقة بمصالح الخلق، والنظر إلى ما ينفعهم في معادهم ومعاشهم، بحسب أزمانهم وأحوالهم، وارتباط الأسباب بعضها ببعض، وترتب الأشياء على شرائطها؛ فهو خدمة التجلّي بضدّه ومعارضته بنقيضه، والنظر إلى الأمر الشرعي دون الإرادي، وفتح الولاية ليس كذلك، فهو فتح مطلق، لا تعلق له إلاَّ بحقائق الأشياء ومبادئها ونهاياتها، ولا تعلّق له فيما بين ذلك، وليس فيه أسباب ولا شروط موانع ولا أوضاع شرعية ولا حكمية، بل هو سكون تحت الأمر الإرادي ومساعدة التجلّيات إلى أن تنقضي دولها، لا معارضة ولا منازعة ولا مناقضة. وهذا دون النبوة والرسالة والوراثة الكاملة، التي هي مقام الدعوة إلى الله تعالى .

﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ﴾ ليستر عنك، ولك من أجله، الله ما تقدّم قبل هذ الفتح وما تأخر عنه من ذنبك، أي ذنب أمتك. وإنما نسبت ذنوب أمته إليه (صلى الله عليه وسلم) لأن حقيقة كل رسول هي مجموع حقائق أمّته، فهو الكل، وهم أشخاص ذلك الكل، فكيف به (صلى الله عليه وسلم) الذي هو كل هذا الكل وعنصر العناصر، والجنس الأعلى، وجوهر الجوهر، وحقيقة الحقائق، وروح العالم كله ومحركه، وقد ورد : ((إذ دخلت الشوكة في رجل أحدكم أجد ألمها))

﴿وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾[الفتح: 48/ 2]. [يوسف: 12/6].

بهذا الفتح المبين والكشف اليقين فتقرّ عينك وتطمئن نفسك إذ كان (صلى الله عليه وسلم) كثير الاهتمام بأمّته أمة الدعوة، فضلاً عن أمة الإجابة، ولذ أشفق تعالى منه،

وقال له: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء: 26/ 3].

وقال: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾[فاطر: 35/ 8].

وهذا في حق أمة الدعوة، وقال في حق أمة الإجابة: ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ [التوبة: 128].

فأراحه الله بهذا الفتح المبين.

واعلم أن مآل من أذنب منهم المغفرة والوصول إلى السعادة المطلوبة، والغاية المرغوبة، وإن حصل لبعضهم تخليص وتهذيب، فهو غير قادح في المغفرة لهم، بالنسبة لم يحصل لغيرهم، بتلك المعاصي نفسها. ويصحّ أن يكون هذا الفتح أعم وأوسع، بأن يكون المراد إطلاعه الحق تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) على عموم الرحمة وشمولها لجميع بني آدم بعد نفوذ الغضب الإلهي فيهم، فإنَّ بني آدم كلهم أمته (صلى الله عليه وسلم) والرسل كلّهم نوابه وخلفاؤه من أوّل رسول إلى آخر رسول، ولهذا قال (صلى الله عليه وسلم) فيما خرّجه الحاكم والبيهقي: ((إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق)).

يعني الشرائع، فهو الآتي بها أولاً بمظاهر روحانية، وهم الرسل، وهو المتمّم لها آخراً بظهوره، بصورته العنصرية (صلى الله عليه وسلم) فإنه كما روى أبو نعيم في الحلية، كان نبياً وآدم بين الماء والطين. ومن هذا الفتح المبين الذي امتن الحق تعالى به على رسوله (صلى الله عليه وسلم) حصل لورثته الكمّل نصيب، فتكلمو بشمول الرحمة وعموم السعادة، لكل من دخل النار، كمظهر الصفة العلمية: محيي الدين الحاتمي، وعبد الكريم الجيلي، و القطب علي وفا وأضرابهم (رضي الله عنه) ولا يظن أنَّ القول بعموم الرحمة اختص به أهل الكشف، فيكون قولهم خرقاً للإجماع؛ بل ل إجماع في هذه المسألة كما ستراه، قال شرف الدين المناوي، قال الحافظ شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه قد جاء في بعض الآثار، مايدل على خلاص الكلّ آخراً، وإن النار تفنى ويزول عقابها، نقل ذلك عن ابن عمر، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد وغيرهم، وأخرج عبد بن حميد بإسنادين، رجالهما ثقاة:

((لو لبث أهل النار في النار كعدد رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه))ز

وتداوله أئمة غير مقابلين له بالإنكار، قال (أعني ابن تيمية): وإنم أرادوا جنس أهل النار، الذين هم أهلها، أما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد ع لموهم أنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريباً منه، ولفظ "أهل" يختصّ بمن عد المؤمنين، كما يشير إليه عدة أحاديث ولا يناقضه "خالدين فيها"، و"ماهم منها بمخرجين" بل ما أخبر به الحق هو الحق الذي لا يقع خلافه، ولكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا لم تبق نار فلم يبق عذاب، وورد في عدة طرق عن ابن عمر (رضي الله عنه) (رضي الله عنه) : ((ليأتينَّ على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس فيها أحد)).

وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً، وجاء نحوه عن ابن مسعود (رضي الله عنه) وأخرج عبد بن حميد عن الثقاة: ((جهنم أسرع الدارين عمراناً وأسرعهم خراباً)).

وأخرج ابن مردويه عن جابر فعه في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ ﴾[هود: 11/106].قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((إن شاء الله أن يخرج أناساً من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل)) .ه

فأين الإجماع؟ ! فما ظنَّ الإجماع إلاَّ من جهل الخلاف والنزاع. وقد ذكر ابن القيم هذه الأحاديث، وصحّح طرقها، ورد طعن الطاعن فيها، وهو من أئمة الحنابلة مشهور بالعلم والدين.

﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً﴾[الفتح: 48/ 1-2].

يوصلك، فهي هداية توصيل وكشف وفتح مبين، حتى تعلم نهاية أمتك، وتشاهد مآلهم فتجده صراطاً مستقيماً، واستقامة هذا الصراط هو كونه ترجع نهايته إلى بدايته، فإن استقامة كلّ شيء بحسب المقصود منه، فاستقامة الدائرة المرادة هي كونه يتصل آخرها بأولها، على أوّل نقطة، فلو مشت خطا من غير استدارة ما كانت مستقيمة، فلو كان هذا الصراط خطا لوصل إلى العدم، لأنه خرج من الوجود، فاستقامته عودة إلى م منه ابتدأ، عود آخر الدائرة إلى بدايتها، وبذلك استقامتها.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!