المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
سؤال اسمعيل بن سودكين
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
بِسْمِ الله اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ هذه رسالة الشيخ الامام الراسخ المفرد المحقق كاشف الحقيقة محيى الملة والدين ابى عبد الله محمد بن على بن العربى الطائى الاندلسى المغربى قدس الله روحه الى الامام العلامة النحرير المتبحر فخر الملة والدين محمد بن عمر الخطيب الرازى سقى الله ثراه وجعل الجنة مثواه. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى وليى فى الله تعالى فخر الدين محمد اعلى الله همته، وافاض عليه رحمته وبركاته.
اما بعد فانا نحمد اليك الله الذى لا اله الا هو. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا احب احدكم اخاه فيعلمه اياه وانا احبك ويقول الله تعالى (وتَواصَوْا بِالْحَقِّ) وقد وقفت على بعض تواليفك وما ايدك الله به من القوة المتخيلة وما تتخيله من الفكر الجيد.
ومتى ما تغذت النفس كسب يديها فانها لا تجد حلاوة الجود والوهب وتكون ممن أكل من تحته، والرجل من أكل من فوقه كما قال تعالى (ولَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا اَلتَّوْراةَ واَلْإِنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) .
وليعلم وليى وفقه الله تعالى ان الوراثة الكاملة هى التى تكون من كل الوجوه لا من بعضها، والعلماء ورثة الانبياء، فينبغى للعاقل ان يجتهد لان يكون وارثا من جميع الوجوه ولا يكون ناقص الهمة.
وقد علم وليى وفقه الله تعالى ان حسن اللطيفة الانسانية انما يكون بما تحمله من المعارف الالهية وقبحها بضد ذلك، وينبغى للعالى الهمه ان لا يقطع عمره فى المحدثات وتفاصيلها فيفوته حظه من ربه وينبغى له ايضا ان يسرح نفسه من سلطان فكره فان الفكر يعلم مأخذه والحق المطلوب ليس ذلك وان العلم بالله خلاف العلم بوجود الله.
فالعقول تعرف الله من حيث كونه موجودا ومن حيث السلب لا من حيث الاثبات، وهذا خلاف الجماعة من العقلاء والمتكلمين الا سيدنا ابا حامد قدس الله روحه فانه معنا فى هذه القضية ويجل الله سبحانه وتعالى ان يعرفه العقل بفكره ونظره فينبغى للعاقل ان يخلى قلبه عن الفكر اذا اراد معرفة الله تعالى من حيث المشاهدة وينبغى للعالى الهمة ان لا يكون تلقيه عند هذا من عالم الخيال وهى الانوار المتجسدة الدالة على معان وراءها، فان الخيال ينزل المعانى العقلية فى القوالب الحسية كالعلم فى صورة اللبن والقرآن فى صورة الحبل والدين فى صورة القيد.
وينبغى للعالى الهمة ان لا يكون معلمه وشاهده مؤنثا متعلقا بالاخذ من النفس الكلية كما ينبغى له ان لا يتعلق بالاخذ من فقير اصلا وكل ما لا كمال له الا بغيره فهو فقير، فهذا حال كل ما سوى الله تعالى فارفع الهمة فى ان لا تأخذ علما الا من الله تعالى على الكشف فان عند المحققين ان لا فاعل الا الله فاذن لا يأخذون الا عن الله لكن عقد الا كشفا وما فاز اهل الله الا بالوصول الى عين اليقين انفة من بقاء مع علم اليقين.
واعلم ان اهل الأفكار اذا بلغوا فيها الغاية القصوى اداهم فكرهم الى حال المقلد المصمم فان الأمر اعظم من ان يقف فيه الفكر فما دام الفكر موجودا فمن المحال ان يطمئن ويسكن فللعقول حد تقف عنده من حيث قوتها فى التصرف الفكرى ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى فاذن ينبغى للعاقل ان يتعرض لنفحات الجود ولا يبقى مأسورا فى قيد نظره وكسبه فانه على شبهة من ذلك ولقد اخبرنى من اثق به من اخوانك وممن له فيك نية حسنة جميلة انه رآك وقد بكيت يوما فسألك هو ومن حضر عن بكائك قلت مسئلة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لى فى الساعة بدليل لاح لى ان الامر على خلاف ما كان عندى فبكيت وقلت ولعل الذى لاح ايضا يكون مثل الاول. فهذا قولك، ومن المحال على العارف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن او يستريح ولا سيما فى معرفة الله تعالى، ومن المحال أن يعرف ماهيته بطريق النظر، فمالك يا أخى تبقى فى هذه الورطة ولا تدخل طريق الرياضات والمجاهدات والخلوات التى شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه وتعالى (عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً) ومثلك من يتعرض لهذه الخطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة.
وليعلم وليى وفقه الله تعالى ان كل موجود عند سبب- ذلك السبب محدث مثله فان له وجهين وجه ينظر به الى سببه ووجه ينظر به الى موجده وهو الله تعالى فالناس كلهم ناظرون الى وجوه اسبابهم والحكماء والفلاسفة كلهم وغيرهم الا المحققين من اهل الله تعالى كالأنبياء والاولياء والملئكة عليهم السلام فانهم مع معرفتهم بالسبب ناظرون من الوجه الآخر الى موجدهم.
ومنهم من نظر الى ربه من وجه سببه لامن وجهه فقال حدثنى قلبى عن ربى، وقال الآخر وهو الكامل حدثنى ربى واليه يشير صاحبنا العارف بقوله اخذتم علمكم عن الرسوم ميتا عن ميت، واخذنا علمنا عن الحى الذى لا يموت، ومن كان وجوده مستفادا من غيره فحكمه عندنا حكم لا شىء فليس للعارف معول غير الله البتة.
ثم ليعلم وليى ان الحق وان كان واحدا فان له الينا وجوها كثيرة مختلفة فاحذر عن الموارد الالهيات وتجلياتها من هذا الفصل فليس الحق من كونه ربا عندك حكمه كحكمه من كونه مهيمنا ولا حكمه من كونه رحيما كحكمه من كونه منتقما وكذلك جميع الاسماء.
واعلم ان الوجه الالهى الذى هو الله تعالى اسم لجميع الاسماء مثل الرب والقدير والشكور وجميعها كالذات الجامعة لما فيها من الصفات فاسم الله مستغرق جميع الاسماء فتحفظ عند المشاهدة منه فانك لا تشاهده مطلقا فاذا ناجاك به وهو الجامع فانظر ما يناجيك به وانظر المقام الذى تقتضيه تلك المناجاة او تلك المشاهدة وانظر أى اسم من الاسماء الالهية ينظر اليه فذلك الاسم هو الذى يخاطبك أو شاهدت فهو المعبر عنه بالتحول فى الصورة كالغريق اذا قال يا الله فمعناه يا غياث أو يا منجى أو يا منقذ، وصاحب الالم اذا قال يا الله فمعناه يا شافى أو يا معافى وما اشبه ذلك، وقولى لك التحول فى الصورة ما ذكره مسلم فى صحيحه ان البارى تعالى يتجلى فينكر ويتعوذ منه فيتحول لهم فى الصورة التى عرفوه فيها فيقرون بعد الانكار وهذا هو معنى المشاهدة هاهنا والمناجاة والمخاطبات الربانية.
وينبغى للعاقل ان لا يطلب من العلوم الا ما يكمل فيه ذاته وينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك الا العلم بالله تعالى من حيث الوهب والمشاهدة فان علمك بالطب مثلا انما تحتاج اليه فى عالم الاسقام والامراض فاذا انتقلت الى عالم ما فيه مرض ولا سقم من تداوى بذلك العلم؟ فالعاقل لا يسعى من حيث انه يكون له خبره وان اخذه من طريق الوهب كطب الانبياء فلا يقف معه وليطلب العلم بالله.
وكذلك العلم بالهندسة انما تحتاج اليه فى عالم المساحة فاذا انتقلت نركته فى عالمه ومضت النفس ساذجة وليس عندها شىء وكذلك الاشتغال بكل علم تركته النفس عند انتقالها الى عالم الآخرة فينبغى للعاقل ان لا يأخذ منه الا ما مست الحاجة الضرورية اليه وليجتهد فى تحصيل ما ينتقل معه حيث ينتقل، وليس ذلك الا علمان خاصة العلم بالله تعالى والعلم بمواطن الآخرة وما تقتضيه مقاماتها حتى يمشى فيها كمشيه فى منزله فلا ينكر شيئا اصلا فانه من اهل العرفان لا من أهل النكر ان وتلك المواطن مواطن التمييز لا مواطن الامتزاج التى تعطى الغلط ويخلص اذا حصل فى هذا المقام ان يتميز من حزب الطائفة التى قالت عند ما تجلى لها ربها نعوذ بالله منك لست ربنا ها نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فلما جاءهم فى الصورة التى عرفوه فيها اقروا فما اعظمها من حيرة فينبغى للعاقل الكشف عن هذين العلمين بطريق الرياضة والمجاهدة والخلوة على الطريقة المشروطة وكنت أريد أن أذكر الخلوة وشروطها وما يتجلى فيها على الترتيب شيئا بعد شىء لكن منعنى من ذلك الوقت واعنى بالوقت علماء السوء الذين انكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب وحب الظهور والرياسة عن الاذعان للحق والتسليم له ان لم يكن الايمان.
وهذا آخر الرسالة والله ولى الكفاية، والحمد له اولا وآخرا وباطنا وظاهرا والصلاة على نبيه شاكرا وذاكرا.
فصل
الكلام فى قوله تعالى (لا تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصارُ) من باب الجلال والجمال فيقابلها فيها قيل للنبى عليه السلام أرأيت ربك فقال نورانى أراه فلا يزال حجاب العزة مسدلا لا يرفع ابدا جل ان تحكم عليه الابصار هكذا عند مشاهدتها اياه لانها فى الحيرة والعجز فرؤيتها لا رؤيتها كما قال الصديق العجز عن درك الادراك ادراك.
اشارة
لا تدرك الأبصار الهواء لكونها سابحة فيه فمن كان فى قبضة شىء فإنه لا يدرك ذلك الشىء.
اشارة اخرى
يريد البصر أن يدرك لون الماء والشفافة الغالبة فى الصفاء فلا يدركها فانه لو أدركها لقيدها وذلك لانها اشبهته فى الصفاء والادراك لا يدرك نفسه لانه فى نفسه ويدركها فهو البصر المبصر المبصر.
اشارة ثالثة
اذا نظر البصر الى الشىء الصقيل فيرى فيه الصور فادراكه للصور لا للجسم الصقيل لانه لو جهد أن يدرك ما يقابل الصورة التى فى الصقيل من الصقيل لم يقدر لان الصقيل لا يتقيد فاذا سئل ما رأى فلا يقدر أن يقول رأيت الصقيل لانه لا يتقيد ولا يحكم عليه بشىء.
وان قال ذلك فهو جاهل لا معرفة له بما شاهده ولكن يقول رأيت فيخبر عن الصورة او الصورة التى رآها وهو الصدق فقد عزت هذه الاشياء عن ادراك البصر لكونها مخلوقة فافهم ولكنه ادرك هذه الاشياء بغير تقييد وقبول هذه الاشياء الى البصر ذاتى لا ينفك عن صورة البتة عند رؤية الرائى وهى رؤيتك فتحقق ما ذكرنا.
واعلم ان الله تعالى ان يحيط به بصرا وعقل ولكن الوهم السخيف يقدره ويحده والخيال الضعيف يمثله ويصوره وهذا فى حق بعض العقلاء الذين قد نزهوه عما تخيلوه وتوهموه ثم بعد التنزيه.
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]