موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الحقيقة المحمدية ج 1 .. .. .. ابن عربي

 

تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة

 

تأليف الشيخ الأكبر .. سيدي محي الدين بن عربي

 

التنبيه الأول

 

اعلم أن الحقيقة المحمدية مسماة بالعقل الأول ،

 

وبالقلم الذي علم الله تعالى به الخلق كلهم ، وبالحق الذي قامت السماوات

 

والأرض ، وبالباء . وأحسن أسماء هذه الأسماء : [ الحقيقة المحمدية ] : الباء .من حيث

 

ظهور الأشياء .وإنما ظهرت الأشياء بالباء ، أن الحق تعالى : واحد ، فل يصدر عنه إل

 

واحد ، فكان الباء : أول شيء صدر عن الحق تعالى .

 

فهي ألف على الحقيقة، وحداني من جهة مرتبتها ، لأنها ظهرت في المرتبة الثانية من

 

الوجود ، فلهذا سميت باء ، لتمتاز عن الحق تعالى ، ويبقى اسم الألف له تعالى .

 

فالباء: اثنان من جهة المرتبة فهي عدد ، والأشياء عدد ، فصار العدد من العدد : يعني من الباء ، وبقي الواحد الأحد ، في أحديته مقدساً منزهاً .

 

ثم أعلم أن الباء زائدة في حضرة الفعل ، فلهذا كانت النقطة التي تحتها بين العالم

 

الكوني وبينها: إشارة إلى الأحدية ، فلو كان الأثر للباء ، لم تكن هذه النقطة ، إذ الأثر لها لا للباء والله تعالى أعلم ....

 

التنبيه الثاني

 

اعلم أن مرتبة الإنسان الكامل ، الذي لا أكمل منه : من العالم : مرتبة النفس الناطقة من

 

الإنسان { يشير إلى أنه بالنفس الناطقة يتميز الإنسان من الحيوان ، وكذلك هو صلى

 

الله عليه وسلم بالنسبة للعالم بمنزلة النفس الناطقة للخلق }.

 

وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : الذي هو الغاية المطلوبة من العالم .

 

ومرتبة الكمال التنازلي { لأنه أعلى مقامات الكمال ، فكل من أوتي شيئاً من الكمال

 

فهو أقل منه: مرتباً ترتيباً تنازلياً ، لا تصاعدياً ، لأنه لو كان ترتيباً تصاعدياً لكان

 

هناك من هو أعلى منه ،و هذا غير موجود ، فهو الحائز صلى الله عليه وسلم ذروة

 

الكمال الخَلقي والخُلقي أي خلقه الله تعالى أكمل المخلوقين . صلى الله عليه

 

وسلم } .عن مرتبته : بمنزلة القوى الروحانية من الإنسان { لأن الإنسان بل روح : جسد

 

ميت ، لا حركة له }وهم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .

 

ومرتبة من نزل عن مرتبتهم { وهم الأولياء والصالحون من عباد الله تعالى } بمنزلة

 

القوى الحسية من الإنسان في الشكل وهو من جملة الحيوان ، فهم بمنزلة الروح

 

الحيواني في الإنسان ، الذي يعطي النمو والإحساس.

 

وإنما قلنا : أنه صلى الله عليه وسلم : " النفس الناطقة " : لما أعطاه الكشف ، لقوله

 

صلى الله عليه وسلم : " أنا سيد الناس " ، والعالم من الناس ، فلأنه الإنسان الكبير

 

في الجرم ، المتقدم في التسوية : لتظهر عنه { هناك فرق بين عنه ومنه .. ومعنى عنه

 

أي عن طر يقه ، فمثلاً تقول : أخذت هذا العلم عن فلان ، أي بواسطته فهو مُمَد ومُمِد

 

آخذٌ من ناحيةٍ معطِ من ناحية أخرى}

 صورة نشأته صلى الله عليه وسلم ، كما سوّى

 

الله تعالى جسم الإنسان وعدله قبل وجود روحه { أي قبل النفخ فيه } ثم نفخ فيه من روحه : روحاً كان به إنساناً تاماً .

 

والملائكة من العالم كالصورة الظاهرة في خيال الإنسان . وكذلك الجن .

 

فليس العالم إنساناً إلا بوجود الإنسان ، الذي هو" نفسه الناطقة " .

 

كما أن نشأة الإنسان : لا يكون إنساناً إلا بنفسه الناطقة ، ولا تكون هذه النفس

 

الناطقة من الإنسان كاملة إلا بالصورة الإلهية . فلذلك " نفس العالم " التي هي عبارة

 

عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حازت درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في

 

الوجود والبقاء والتنوع في الصور ، وبقاء العالم به .

 

وكان حال العالم قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم بمنزلة الجسد المسوّى بل روح . وحاله بعد وفاته : بمنزلة النائم .

 

وحاله ببعثه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة : بمنزلة الانتباه بعد النوم ...

 

ولما أراد الله بقاء هذه الأرواح على ما قبلته من التميز : خلق له أجساداً برزخية تميزت بها عند انتقالها عن أجسادها في الدنيا : في النوم ، وبعد الموت ، والله أعلم .

 

التنبيه الثالث

 

اعلم : أن الأرض الواسعة { المذكورة في قوله تعالى : " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " 56 من سورة العنكبوت }

 

إنما هي أرض عبادتك ، فتعبد الحق " كأنك تراه " في ذاتك من حيث بصرك ، على

 

ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى .وعين بصيرتك تشهد بأنه :

 

ظاهر لها ظهور عِلْمْ { لا ظهور رؤية } فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من

 

العبادة في الخيال { أي في خيالك أيها العابد }، وبين ما يستحقه من العبادة في

 

غير موطن الخيال {أي في موطن الحقيقة وهو الموطن الذي يعتقد أنه يشاهد الله جلَّ وعلا حقيقةً}

 

فتعبده مطلقاً ومقيداً { أي بما افترض عليك من الفرائض (المقيد)

 

وبما تنتفل به ( المطلق ) } وليس هذا لغير هذه النشأة الإنسانية المؤمنة ، التي جعلها الله تعالى حرمه المحرم ، وبيته المعظم .

 

فكل من في الوجود يعبد الله تعالى على الغيب ، إلا الإنسان الكامل ، فإنه يعبد الله تعالى على المشاهدة .

 

ولا يكمل العبد إلا بالإيمان الكامل ، فإنه النور الذي يزيل كل ظلمة .

 

فإذا عبده على المشاهدة : رآه جميع قواه { من قوله جل وعلا :

 

" كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " إلى آخر الحديث القدسي

 

المعروف } فما قام بعبادته غيره { الضمير يرجع إلى "الله" تعالى ، لأنه هو الذي

 

أمدك سراً وجهراً ، وهو الفاعل على الحقيقة سبحانه وتعالى } .ولا ينبغي أن يقوم

 

بها سواه واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، ومالك قدم في هذه الدرجة ، فأن

 

أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا ، وذلك أن تعلم أن الرسل صَلَىْ اللهُ

 

عَلَيْهمْ وَسَلَمَ أعدل الناس أمزجة لقبول رسالات ربهم تعالى .

 

وكل شخص منهم قبل من الرسالات الإلهية على قدر ما أعطاه الله تعالى في مزاجه من التركيب .

 

فلذلك لم يبعث نبي منهم إلا لقوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن سَيْدَنَ

 

مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بعثه الله برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، .

 

وما قَبِلَ مثل هذه الرسالة العامة إلا لكونه على مزاج عام ، يحتوي على مزاج كل نبي ورسول .

 

فمزاجه : أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها.

 

فإذا علمت هذا ، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فألزم الإيمان والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ،واجعله مثل المرآة أمامك .

 

وقد علمت أن الله تعالى لابد أن يتجلى لسَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في مرآته : أكمل ظهور وأعدله ، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .

 

فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ

تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

ألا ترى في باب الإيمان بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع بما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلن ذلك من حيث نظرنا العقلي .

 

فكما أعطانا بالرسالة والإيمان : ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى ، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبن عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أن تدركه في مرآتها.

 

وكما آمنت به في الرسالة غيباً : شهدته عند التجلي عيناً .

 

فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلا في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

واحذر أن تشهد النبي صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أو تشهد م تجلى في مرآته من الحق في مرادك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم الإقتداء به ، والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ولا تطأ مكاناً لا ترى فيه قدم نبيك صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

فضع قدمك على قدمه { يعني اتبع آثاره صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في كل صغيرة وكبيرة } إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، والله الموفق .

 

 

التنبيه الرابع

 

اعلم أن الحق تعالى لما تجلى بذاته لذاته بأنوار السبحات الوجهية من كونه عالماً

 

ومريداً ، فظهرت الأرواح المهيمنة بين الجلال والجمال ، وخلق في الغيب المستور

 

الذي لا يمكن كشفه لأحد من المخلوقين العنصر الأعظم ، وكان هذا الخلق

 

دفعة واحدة من غير ترتيب سببي ، وما منهم روح يعرف أن ثم سواه ، لفنائه في الحق بالحق .

 

ثم أنه تعالى أوجد بتجل آخر من غير تلك المرتبة المتقدمة : أرواحاً متحيزة في أرض بيضاء ، وهيمهم فيها بالتسبيح والتقديس ، لا يعرفون أن الله تعالى خلق سواهم .

وكلٍ منهم على مقام من العلم بالله تعالى والحال .

 

وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبيعة ، وسميت أرضاً نسبة مكانية لهذه الأرواح المتحيزة، ولا يجوز عليها التبديل { لأن التبديل الذي قاله الله تعالى " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " هي أرضنا وسماؤنا }ولا يجوز كذلك أبد الآباد ، لما سبق في علم الله تعالى .

 

وللإنسان الكامل في هذه الأرض : مثال ، وله فيهم حظ ، وله في الأرواح الأولى مثال الآخر ، وهو في كل عالم على مثال ذلك العالم .

 

ثم إن هذا العنصر الأعظم له التفاته مخصوصة إلى عالم التدوين والتسطير ، ولا وجود لذلك العالم في العين ، وهذا العنصر المشار إليه : أكمل موجود في العالم .

 

ولولا عهد الستر الذي أُخِذَ على أهل هذه الطريقة لبسطنا الكلام فيه ، وبينا كيفية تعلق كل ما سوى الله تعالى به ، فأوجد ما قال الوارد عند تلك الإلتفاته : " العقل الأول " ،وقيل فيه " الأول " ، لأنه أول عالم التدوين والتسطير .

 

وتلك الإلتفاته ،إنما كانت للحقيقة الإنسانية ، التي لها الكمال من هذ العالم ، فكان المقصود من خلق العقل وغيره إلى أسفل عالم المركز : أسباباً مقدمة لترتيب نشأته ـكما سبق في العلم

 

ومملكته ممتدة ، قائمة القواعد والنيابة عن الله تعالى ، فلا بد من تقدم وجود العالم الذي هو مملكته عليه ، وأن يكون هو آخر موجود بالفعل ، وان كانت له الأولية بالقصد .

 

فعين الحقيقة المحمدية هي المقصودة ، وإليه توجهت العناية الكلية

فهو عين الجمع الموجود ، والنسخة العظمى ، والمختصر الأشرف الأكمل في مبانيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

 

التنبيه الخامس

 

اعلم أن الوجود واحد { أي وجود الحق تبارك وتعالى هو الوجود الحق } وله ظهور {بمعنى المظاهر } وله بطون ، وهو الأسماء ، وله برزخ جامع ، فاصل بينهما ، ليتميز الظهور عن البطون ، والبطون عن الظهور ، وهو: الإنسان الكامل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

فالبطون مرآة الظهور . والظهور مرآة البطون . وما بينهما فهو مرآة لهما : جملة وتفصيلاً .

 

واعلم : كما أنه بين ذات الحق تعالى وذات الإنسان الكامل مضاهاة وبين علمه وعلمه مضاهاة وأن كل ما فيها مجمل فهو فيها مجمل . وكل ما فيها مفصل فهو فيها مفصل .فكذلك بين القلم وروح الإنسان الكامل مضاهاة . وبين اللوح وقلبه مضاهاة . وبين العرش وجسمه مضاهاة .

 

وبين الكرسي ونفسه مضاهاة . وكل منهما مرآة لما يضاهيه .

 

فكل ما في القلم مجمل .... فهو في روحه مجمل .

 

وكل ما في اللوح مفصل ... فهو في قلبه مفصل .

 

وكل ما في العرش مجمل ... فهو في جسمه مجمل .

 

وكل ما في الكرسي مفصل ... فهو في نفسه مفصل .

 

فالإنسان الكامل : جامع لجميع الكتب الإلهية و الكونية .

 

فكما أن علم الحق تعالى بذاته مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ، وأنه يعلم جميع الأشياء{ التي هو خلاصتها لأن العلم بكل شيء لله وحده } من علمه بذاته ، فكذلك نقول : حق الإنسان الكامل :إذ علمه بذاته .....

 

{ الضمير في "بذاته" راجع إلى الإنسان الكامل } مستلزم لعلمه بجميع الأشياء ، وأنه يعلم جميع الأشياء من علمه بذاته ، " فمن عرف نفسه عرف ربه " وعرف جميع الأشياء .

 

وأنظر إلى قوله تعالى : " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه " ...

 

فالألف يشار بها إلى الذات الأحدية من حيث أنه أول الأشياء . واللام : يشار به إلى الوجود المنبسط على الأعيان الوجودية ...

 

والميم : يشار به إلى الكون الجامع ، وهو الإنسان الكامل .

 

فالحق تعالى ، والعالم ، والإنسان الكامل : كتاب لا ريب فيه

والله تعالى أعلم .....

 

 

التنبيه السادس

 

اعلم أن مقام المحبة أعلى المقامات والأحوال ، وهو الساري فيها ، وكل مقام أو حال قبلها فلها يراد . وكل مقام أو حال بعدها فمنها يستفاد ، لأنه : مقام أصل الوجود وسيده ، ومبدأ العالم وممده { إمداد الأصل لفرعه }وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .الذي اتخذه الله حبيباً كما اتخذ غيره خليلاً { سيدنا إبراهيم }.

 

فمن حقيقة هذا السيد : تفرعت الحقائق كلها : علواً وسفلاً ، فأعطى الله تعالى أعلا المقامات وهو المحبة : لأصل الموجودات ، وهو سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .

 

وأعلم أن طلب الاتصاف بأوصاف الألوهية حجاب التحقق بهذا في الجملة { يعني أن من يطلب الاتصاف بأوصاف الألوهية جملة : لا يمكن له ذلك } كما كان سَيّدَنْ مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ الذي كان من ربه تعالى في القرب " بأدنى من قاب قوسين " ثم أصبح وليس عليه أثر من ذلك ، لأنه ما ورد عليه أمر لم يكن فيه ، ولا ورد عليه شيء لم يكن في فطرته وأما غيره وهو موسى صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فإنه لمّا ورد عليه أمر غريب : ورد عليه أمر أثّر فيه فكان يبرقع على وجهه من النور الذي كان ..

 

لأنه يأخذ بأبصار الناظرين { يريد أن يقول : أن سَيّدِنْا مْوْسَىْ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أُضّفِيَّ عليه النور وقت المناجاة ، وكانت على الأرض ، وأما سَيّدَنْا مُحَمّدٌ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ فلم يظهر فيه شيء من الأنوار لمّا رجع إلى الأرض ، لأنها كانت فيه صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ جبله الله تعالى فيه ..

 

ولذلك قال عمرو بن العاص رضي الله عنه :

" والله ما ملأت عيني من رسول الله صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قط

ولو طلب مني وصفه ما استطعت } والله أعلم .

 

 

التنبيه السابع

 

اعلم أن الإنسان الكامل : كتاب جامع لجميع الكتب الإلهية ، لأنه نسخة العالم الكبير .

فمن حيث روحه وعقله : كتابٌ عقليٌ يسمى أم الكتاب .

 

ومن حيث نفسه : يسمى كتاب المحو الإثبات .

 

فهي الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة التي لا يمسها ولا يدرك أسراره ومعانيها إلا المطهرون من الحجب الظلمانية .

 

وما ذكرنا من الكتب . إنما هي أصول الكتب الإلهية .

 

وأما فروعها: فكل ما في الوجود : تنتقش فيه أحكام الموجودات ، فهي أيضاً كتب إلهية . والله سبحانه وتعالى أعلم

 

 

التنبيه الثامن

 

اعلم أن رب الأرباب هو الحق تعالى باعتبار الاسم الأعظم والتعين الأول .

 

هو منشأ جميع الأسماء . وغاية الغايات . ومتوجه الرغبات . والحاوي لجميع المطالب كلها ، وإليه الإشارة بقول الله تعالى لرسولهِ صلى الله عليه وسلم :"

 

وأن إلى ربك المنتهى " لأنه صلى الله عليه وسلم مظهر التعين الأول .

 

فالربوبية المختصة به { رب + ك كاف الخطاب }هي هذه الربوبية العظمى .

واعلم أن لكل اسم من الأسماء الإلهية : صورة في العلم مسماة ب " الماهية " ،

و " العين الثابتة " .

 

ولكل اسم منها أيضاً صورة في الخارج مسماة بالمظاهر والموجودات الغينية ، وتلك الأسماء : أرباب تلك المظاهر .

 

فالحقيقة المحمدية : صورة لاسم " الله " الجامع لجميع الأسماء الإلهية ، الذي منه الفيض على جميعها ، فهو تعالى ربه .فالحقيقة المحمدية التي ترب { تجمع } صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها ، الذي هو رب الأرباب .

 

فبظاهرها : ترب ظاهر العالم ، وبباطنها ترب باطن العالم ، لأنه صاحب الاسم الأعظم { أي المختص به } وله الربوبية المطلقة{الجمع المطلق}وهذه الربوبية إنما له من جهة مرتبته ، لا من جهة بشريته فإنه من هذه الجهة عبدٌ مربوب : محتاجٌ إلى ربه سبحانه وتعالى .

 

 

التنبيه التاسع

 

اعلم أن القطب الذي عليه مدار أحكام العالم وهو مركز دائرة الوجود من الأزل إلى الأبد واحد : باعتبار حكم الكثرة المتعدد .

 

فالنبي في كل عصر هو قطبه ، وعند انقضاء نبوة التشريع بإتمام دائرتها ، انتقلت القطبية إلى الأولياء مطلقاً .

 

فلا يزال في هذه المرتبة واحد منهم ، قائم في هذا المقام ، ليحفظ الله تعالى به هذا الترتيب والنظام ، إلى أن يظهر خاتم الأولياء ، الذي هو خاتم الولاية المطلقة .....

{ وهو سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم } . والله أعلم .

 

 

التنبيه العاشر

 

اعلم أن الحق تعالى تجلى لذاته بذاته ، وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته .وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون كالمرآة .

 

فأوجد الحقيقة المحمدية التي هي أصل النوع الإنساني في الحضرة العلمية { أي في علم الله تعالى } فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها وجوداً إجمالياً.

 

ثمَ أوجدهم فيها وجوداً تفصيلياً . فصارت أعياناً ثابتة .

 

فأعيان العالم في العلم والعين . وكمالاتها : إنما حصلت بواسطة الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وسلم .

 

 

التنبيه الحادي عشر

 

اعلم لأن الحقيقة المحمدية صلى الله على صاحبها وسلم : هي الحادث الأزلي والنشأ الدائم .. أما حدوثه الزماني : فلعدم إقتضاء ذاته الوجوب ..

 

{ أي أن الذات المحمدية ليست موجودة لذاتها ولكنها موجودة بإيجاد الله تعالى لها فالواجب الوجود هو الله تعالى وحسب } وأما حدوثه الزماني : فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني ..

 

وأما أزليته فبالوجود العلمي { يعني في علم الله تعالى } فعينه الثابته في العلم : أزلية ، وكذا الوجود العيني الروحاني ، لأنه غير زماني ، والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة ف] العلم والأرواح المجردة ، وبين أزلية الحق تعالى ، هو : أن أزليته تعالى تحت نعت سلبي : ينفي افتتاح الوجود عن عدم { يقول أن الله تبارك ل أول لوجوده ، لأن من له أولية فقد سبقه العدم } لأنه تعالى عين الوجود .

 

وأزليتها { الضمير راجع إلى الأعيان والأرواح } هو : دوام وجودها بدوام وجود الحق تعالى { لأن الله جعلها كذلك } مع افتتاح وجودها من العدم { أوجدها من العدم ، وبقاؤها بإبقاء الله تعالى لها } لكن وجودها من غيرها { وهو الله } وأم دوامه وأبديته فلبقائه ببقاء موجده تعالى : دنيا وأخرى .

 

وأما كونه كلمة فاصلة ، فلأنه هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة .. وإن كان الفصل بينهما ملكاً معيناً فإنه بحكمه : يفصل بينهما .

 

وكذلك هو الجامع بينهما، لنه هو الخليفة الجامع للأسماء ومظاهرها ، فلم وجد هذا الكون الجامع ، تم العالم بوجوده الخارجي ، لأنه روح العالم المدبرة له ، والمتصرفة فيه {تصريف إمداد لا تصريف خلق وإيجاد } وإنما تأخرت نشأته العنصرية في الوجود العلني ، لأنه لما كانت عينه في الخارج مركبة من العناصر المتأخر وجودها عن الأفلاك وأرواحها وعقولها : وجب أن يوجد قلبه ، لتقدم الجزء على الكل بالطبع .

 

وكون هذا الكامل : ختماً على خزانة الدنيا فهو ختم على خزانة الآخرة { لأنه أوتي الشفاعة العظمى للفصل بين الخلائق يوم القيامة صلى الله عليه وسلم }ختماً أبدياً : فيه دليل على أن التجليات الإلهية لأهل الآخرة بواسطته صلى الله عليه وسلم ، والمعاني المفصلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبداً ، كما تفرعت أزلاً ، فما للكامل من كمالات في الآخرة : لا نهاية لها . والله أعلم .

 

التنبيه الثاني عشر

 

اعلم أن إطلاق الصورة على الله تعالى عند أهل النظر إنما هو مجاز ل حقيقة ، إذا لا تستعمل حقيقته إلا في المحسوسات دون المعقولات .

 

وأما عند المتحققين ، فإنها تستعمل في وصف الله تعالى حقيقة ، لأن العالم بأسره : صورة الحضرة الإلهية تفصيلاً { لأن الله تعالى خالق لا بد له من مخلوق ورازق لابد له من مرزوق وقادر لابد له من مقدور }

 

والإنسان الكامل صورة الحضرة الإلهية جمعاً { أي الذي اجتمعت فيه كل الصفات الإلهية ، فما فصله الله في العالم : جمعه فيه صلى الله عليه وسلم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم على صورته " .. { والصورة هاهن معنوية لا صورة تخاطيط } فالنشأة الإنسانية حازت صورة الحضرة الإلهية ورتبة الأرواح الروحانية { الملائكة } . وبجسمه حاز رتبة الأجسام .

 

فرتبته : حازت رتبة الجمع والإحاطة ولهذا قامت حجة الله على الملائكة . لإحاطته صلى الله عليه وسلم بما لم يحيطوا بعلمه ....{ أي أنه أعلم من الملائكة لأن علمه مستمد من علمه تبارك وتعالى }...والله سبحانه وتعالى أعلم .

 

تم الجزء الأول من كتاب الحقيقة المحمدية ..لسيدي محيي الدين

 

وأحب أن أنبه أن هذه هي أول مرة يكون هذا الكتاب على النت

 

كما أحب أن أنبه أن التعليقات بين القوسين

 

هي للشيخ عبد الرحمن حسن محمود من شيوخ الأزهر الشريف

 

وإلى أن يمن الله عليّ بالمشاركة بالجزء الثاني

 

 

 

 

 

 

 

 


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]