المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب الإنسان الكامل
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
قال تعالى :
(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ))
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم على صورته ) أخرجه مسلم في صحيحه .
خلق الصورة الإنسانية وظهورها من وجود فرق إلى وجود جمع :
لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل كان من العالم أيضاً الإنسان الحيوان
المشبه للكامل في النشأة الطبيعية وكانت الحقائق التي جمعها الله في الإنسان متبددة في العالم
فناداها الحق من جميع العالم فاجتمعت فكان من جمعيتها الإنسان فهو خزانتها
فوجوه العالم مصروفة إلى هذه الخزانة الإنسانية لترى ما ظهر عن نداء الحق بجميع هذه الحقائق فرأت صورة منتصبة القامة مستقيمة الحركة معينة الجهات
وما رأى أحد من العالم مثل هذه الصورة الإنسانية
ومن ذلك الوقت تصورت الأرواح النارية والملائكة في صورة الإنسان
وهو قوله تعالى : (( فتمثل لها بشراً سويا ))
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأحياناً يتمثل لي المَلَكْ رجلاً )
فإن الأرواح لا تتشكل إلا فيما تعلمه من الصور ولا تعلم شيئاً منها إلا بالشهود
فكانت الأرواح تتصور في كل صورة في العالم إلا في صورة الإنسان قبل خلق الإنسان
فإن الأرواح وإن كان لها التصور فما لها القوة المصورة كما للإنسان
فإن القوة المصورة تابعة للفكرة التي هي صفة القوة المفكرة
فالتصور للأرواح من صفات ذات الأرواح النفسية لا المعنوية لا لقوة مصورة تكون لها
إلا أنها وإن كان لها التصور ذاتياً فلا تتصور إلا فيما أدركته من صور العالم الطبيعي
فجميع العالم برز من عدم إلى وجود إلا الإنسان وحده فإنه ظهر من وجود إلى وجود
من وجود فرق إلى وجود جمع فتغير عليه الحال من افتراق إلى اجتماع
والعالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود فبين الإنسان والعالم ما بين الوجود والعدم
ولهذا ليس كمثل الإنسان في العالم شيء .
معنى الكمال :
اعلم أن العالم كله لولا الإنسان الكامل ما وُجِد وأنه بوجوده صح المقصود من العلم الحادث بالله والوجود الحادث الذي هو على صورة الوجود القديم
فإن العلم بالله - المُحدَث - الذي هو على صورة العلم بالله - القديم - لا يتمكن أن يكون إلا لمن هو في خلقه على الصورة وليس غير الإنسان الكامل ولهذا سمي كاملاً وأنه روح العالم
والعالم مُسَخَّر له علوه وسفله وأن الإنسان الحيوان من جملة المسخر له
وأنه يشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة لا في الباطن من حيث الرتبة
كما يشبه القرد الإنسان في جميع أعضائه الظاهرة
فتأمل درجة الإنسان الحيوان من درجة الإنسان الكامل
واعلم أنك العين المقصودة فما وجدت الأسباب إلا بسببك لتظهر أنت
فما كانت مطلوبة لأنفسها فإن الله لمّا أحب أن يُعرَف لم يمكن أن يعرفه إلا من هو على صورته وما أوجد الله على صورته أحداً إلا الإنسان الكامل
قال صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية )
يعني بالكمال معرفتهم بهم ومعرفتهم بهم هم عين معرفتهم بربهم
فمن وقف على الحقائق كشفاً وتعريفاً إلهياً فهو الكامل الأكمل
ومن نزل عن هذه الرتبة فهو الكامل وما عدا هذين فإما مؤمن أو صاحب نظر عقلي
لا دخول لهما في الكمال فكيف في الأكملية ؟!
ولما لم يتمكن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية
وإن كان يفضل بعضهم بعضاً – فأدناهم منزلة مَنْ هو إنسان حيواني
ويشارك الإنسان الكامل بالصورة الإنسانية وأعلاهم هو ظل الله
وهو الإنسان الكامل نائب الحق
الذي يكون الحق لسانه وجميع قواه وما بين هذين المقامين مراتب
ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولاً وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثاً
ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول إذ الوارث لا يكون وارثاً إلا بعد موت من يرثه
فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة
فلا تطمع في تخصيصك بشريعة ناسخة من عنده ولا في إنزال كتاب فقد أغلق الباب
فإن نهاية الولي أن يُشْرِف على خطاب شريعة نبيه وتزول القدم من قدامه
فتكون له درجة ميراث النبوة في أخذ الشريعة التي هو عليها
لا شريعة ناسخة لها فتبقى الشريعة عليه محفوظة ويعلو سنده فيها
إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم لبنة الحائط فكل دليل على مخالفته ساقط
فليست الصورة الإلهية لكل نَفْس وإنما هي للنفس الكاملة كنفوس الأنبياء ومن كمل من الناس والأمر ينزل من الله على الدوام لا ينقطع فلا يقبله إلا الرسل خاصة على الكمال
فإذا فقدوا حينئذ أوجد ذلك الاستعداد في غير الرسل فقبلوا ذلك التنزيل الإلهي في قلوبهم
فسموا ورثة ولم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن الله بالتنزيل الإلهي .
الفرق بين الإنسان الكامل والإنسان الحيوان...
اعلم أن جميع ما يعمله الحيوان من الصنائع وما يعلمه ليس عن تدبير ولا روية
بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه لا يعرف من أين حصل له ذلك الإتقان والإحكام كالعناكب والنحل والزنابير بخلاف الإنسان فإنه يعلم أنه ما استنبط أمراً من الأمور إلا عن فكر وروية وتدبير فيعرف فيعرف من أين صدر هذا الأمر
وسائر الحيوان يعلم الأمر ولا يعلم من أين صدر وبهذا القدر سمي إنساناً لا غير
وهي حالة يشترك فيها جميع الناس إلا الإنسان الكامل
فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الدنيا بتصريفه الأسماء الإلهية
التي أخذ قواها لما حداه الحق عليها حيذ حذاه على العالم
فجعل الإنسان الكامل خليفة على الإنسان الكل الكبير
والإنسان الحيوان يزاحم الإنسان الكامل بالقوة فيما لا يكون من الإنسان الكامل بالفعل
وأن الإنسان الكامل يخالف الإنسان الإنسان الحيوان في الحُكْم
فإن الإنسان الحيوان يُرْزَق رزق الحيوان وهو للكامل وزيادة
فإن للكامل رزق إلهي لا يناله الإنسان الحيوان وهو ما يتغذى عليه من علوم الفكر
الذي لا يكون للإنسان الحيوان والكشف والذوق والفكر الصحيح
فإذا لم يحز الإنسان رتبة الكمال فهم حيوان تشبه صورته الظاهرة صورة الإنسان
فأين الإنسان الحيوان من الإنسان المخلوق على صورة الرحمن ؟!
فهو النسخة الكاملة والمدينة الفاضلة .
العالم على صورة الحق :
اعلم أنه لا يصح أن يكون شيء من العالم له وجود ليس هو على صورة الحق فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى كل صنف من العالم ماعدا نوع الإنسان فإن ظهور العالم عن الحق ظهور ذاتي فالحق مرآة العالم ظهر فيها صور العالم فرأت الممكنات نفسها في مرآة الوجود الحق
الإنسان الكامل على صورة العالم ومختصره :
العالَم عند الجماعة هو إنسان كبير في المعنى والجرم
يقول الله تعالى : (( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) فلذلك قلنا في المعنى وما نفى العلم عن الكل وإنما نفاه عن الأكثر
والإنسان الكامل من العالم وهو له كالروح لجسم الحيوان وهو الإنسان الصغير وسمي صغيراً لأنه انفعل عن الكبير وهو مختصر فالمطول العالم كله والمختصر الإنسان الكامل
فالإنسان آخر موجود في العالم لأن المختصر لا يختصر إلا من مطول وإلا فليس بمختصر
فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق فهو نقاؤه المختصر
أعني الإنسان الكامل وأما الإنسان الحيوان فإنه مختصر العالم
وله يفرغ الحق ليقيم عليه ميزان ما خُلِق له
فإن قوله تعالى : (( سنفرغ لكم أيها الثقلان )) كلمة تهديد
والإنسان الكامل لا يتوجه عليه هذا الخطاب فالإنسان فيه مناسب لكل شيء في العالم
فيضاف كل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوه وتخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما
دون غيره من المناسب إذا كان له مناسبات كثيرة لوجوه كثيرة يطلبها بذاته .
الإنسان الكامل على الصورة الإلهية :
لما كان الخلق على مراتب كثيرة وكان أكمل مرتبة فيه الإنسان
كان كل صنف من العالم جزءاً بالنظر إلى كمال الإنسان
حتى الإنسان الحيوان جزء من الإنسان الكامل ولما حصل في سمع الإنسان أنه مخلوق على صورة الحق ولم يفرق بين الإنسان الكامل والإنسان الحيوان وتخيل أن الإنسان لكونه إنساناً هو على الصورة وما هو كما وقع له ولكنه بما هو إنسان هو قابل للصورة إذا أعطيها لم يمتنع من قبولها فإذا أعطيها عند ذلك يكون على الصورة ويُعَدُّ من جملة الخلفاء فلا يتصرف من هو على الصورة إلا تصرف الحق بها وتصرف الحق عين ما هو العالم عليه وفيه
وأنت تعلم بكل وجه ما العالم فيه من مُكَلَّف وغير مُكَلَّف وما يُنْكَر ويُعرف ولا يعرف ما يُنْكَر وما يُعرف من العالم المُكَلَّف إلا الخليفة وهو صاحب الصور .
ولولا ما خلق الله من خلق على صورته ما قال : الله أكبر لما في هذه الكلمة من المفاضلة
فما جاء أكبر إلا من كونه الأصل فعليه حذا الإنسان الكامل
قال تعالى : (( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس )) لما نسوا صورتهم
فصحت المفاضلة وليس إلا أن السموات والأرض هما الأصل في وجود الهيكل الإنساني ونفسه الناطقة فالسموات ما علا والأرض ما سفل فهو منفعل عنهما والفاعل أكبر من المنفعل
وما أراد الجرم لقوله تعالى : (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))
ولذلك فكل ثناء أثنى الله به على الإنسان الكامل هو ثناء على نفسه لأنه أوجده على صورته .
الإنسان الكامل هو الحق المخلوق به :.........................
لما كان الإنسان الكامل هو المخلوق على الصورة الإلهية فهو الحق المخلوق به
أي المخلوق بسببه العالم فإن الإنسان الكامل أكمل الموجودات وهو الغاية
ولما كانت الغاية هي المطلوبة بالخلق المتقدم عليها فما خلق ما تقدم عليها إلا لأجلها وظهور عينها ولولاها ما ظهر ما تقدمها فالغاية هو الأمر المخلوق بسببه ما تقدم من أسباب ظهوره
وهو الإنسان الكامل وإنما قلنا الكامل لأن اسم الإنسان قد يطلق على المشبه به في الصورة
كما تقول زيد إنه إنسان وفي عمرو إنه إنسان وإن كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية
وما ظهرت في عمرو فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان
ففي الإنسان قوة كل موجود في العالم فله جميع المراتب ولهذا اختص وحده بالصورة
فجمع بين الحقائق الإلهية والأسماء وبين حقائق العالم فإنه آخر موجود
فما انتهى لوجوده النفس الرحماني حتى جاء معه بقوة مراتب العالم كله
فيظهر بالإنسان ما لا يظهر بجزء جزء من العالم ولا بكل اسم اسم من الحقائق الإلهية
فإن الإسم الواحد ما يعطي ما يعطي الآخر ما يتميز به فكان الإنسان أكمل الموجودات
فكل ما سوى الإنسان خلق إلا الإنسان فإنه خلق وحق .
حكم الصورة الإلهية على الإنسان :......
لما خلق الله الإنسان على صورته - وله تعالى العزة والكبرياء والعظمة - سرت هذه الأحكام في العبد فإنها أحكام تتبع الصورة التي خلق الإنسان عليها وتستلزمها فيظهر بالرياسة والتقدم وكلما تمكن من التأثير في غيره فإنه يؤثر ويجد في نفسه طلب ذلك ورجال الله هم الذين لا يصرفهم خلقهم على الصورة عن الفقر والذلة والعبودية وإذا وجدوا هذا الأمر الذي اقتضاه خلقهم على الصورة ولا بد ظهروا به في المواطن التي عَيَّنَ الحق لهم أن يظهروا بذلك فيها .
ومن حكم الصورة أن جعل الله الإنسان مِثْلاً ضداً خلافاً مثل ما هي الأسماء الإلهية
مثل ضد خلاف فإن الحق اعتنى بالإنسان غاية العناية ما لم يعتن بمخلوق
بكونه جعله خليفة وأعطاه الكمال بعلم الأسماء وخلقه على الصورة الإلهية
وأكمل من الصورة الإلهية ما يمكن أن يكون في الوجود فالإنسان الكامل مِثْلٌ من حيث الصورة الإلهية ضد من حيث أنه لا يصح أن يكون في حال كونه عبداً رباً لمن هو له عبد
خلاف من حيث أن الحق سمعه وبصره وقواه ، فأثبته وأثبت نفسه في عين واحدة إشارة إلى الحديث ( كنت سمعه وبصره ).
الإنسان الكامل جامع لصورة الحق وصورة العالم :......
لما كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق
وهو قوله : إن الله خلق آدم على صورته ؛ فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم
إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من صورة الحق فلا يكون
والإنسان الحيوان هو الصورة الظاهرة التي جمع بها حقائق العالم
والإنسان الكامل هو الذي أضاف إلى جميعه حقائق العالم
حقائق الحق التي بها صحت الخلافة
وهو قول القائل : ( وما على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد )
فهو الإنسان الكامل الجامع حقائق العالم وصورة الحق سبحانه وتعالى
فلو يعلم مَنْ جهل أنه ما من شيء من العالم إلا وله حظ من الصورة الإلهية
والعالم كله على الصورة الإلهية وما فاز الإنسان الكامل إلا بالمجموع
لا بكونه جزءاً من العالم منفعلاً عن السموات والأرض من حيث نشأته
ومع هذا فهو على الصورة الإلهية كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله خلق آدم على صورته ؟ ..واختُلِف في ضمير الهاء من صورته على من يعود ؟
وفي رواية وإن ضعفت على صورة الرحمن وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان
فمن كل شيء في الوجود زوجان لأن الإنسان الكامل والعالم بالإنسان الكامل على صورة الحق فامتاز الإنسان الكامل عن العالم – مع كونه من كمال الصورة للعالم الكبير-
بكونه على الصورة بانفراده من غير حاجة إلى العالم فالإنسان الكامل واحد يقوم مقام الجماعة
فإنه أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفاً بحرف
(( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم )) ويزيد أنه على حقيقة لا تقبل التضاؤل
( خلق الله آدم على صورته ) فحاز الإنسان الكامل صورة العالم وصورة الحق
ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الكامل نسخة من العالم كله
فما من حقيقة في العالم إلا وهي في الإنسان فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف
وجعل الحقائق الإلهية التي توجهت على إيجاد العالم بأسره
متوجهة على إيجاد هذه النشأة الإنسانية الإمامية فخلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم
وأبرزه نسخة كاملة جامعة لصور حقائق المحدث وأسماء القديم
أقامه سبحانه معنى رابطاً للحقيقتين وأنشأه برزخاً جامعاً للطرفين والرقيقتين
أحكم بيديه صنعته وحسن بعنايته صبغته
وكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخُلُقِه ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بِخَلْقِه فتميز عن جميع الخلائق بالخِلْقة المستقيمة والخُلق عَيَّن سبحانه سره مثالاً في حضرة الأسرار
وميز نوره من بين سائر الأنوار ونصب له كرسي العناية بين حضرتيه وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه .
الإنسان الكامل أعظم رحمة من كل مخلوق لأنه ظل الله في أرضه :..........
خلق الحق الإنسان الكامل على صورته ونصبه دليلاً على نفسه
لمن أراد أن يعرفه بطريق المشاهدة لا بطريق الفكر الذي هو طريق الرؤية في آيات الآفاق
وهو قوله تعالى : (( سنريهم آياتنا في الآفاق )) ثم لم يكتف بالتعريف حتى أحال على الإنسان الكامل الذي نصبه دليلاً أقرب على العلم بطريق الكشف والشهود
فإن الإنسان لما كان مثال الصورة الإلهية كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال
غير أنه يظهر للحس تارة ويخفى تارة فإذا خفي فهو معقول فيه
وإذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه
كالظل إذا خفي في الشمس فلا يظهر
فلم يزل الإنسان أزلاً وأبداً ولهذا كان مشهوداً للحق من كونه موصوفاً بأن له بصراً
فلما مد الظل منه ظهر بصورته (( ألم ترَ إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ))
أي ثابتاً فيمن هو ظله فلا يمده فلا يظهر عين الوجود الحسي إلا لله وحده
فلم يزل مع الله ولا يزال مع الله فهو باق ببقاء الله
وما عدا الإنسان الكامل فهو باق بإبقاء الله
فقال أهل الشهود كفانا (( ألم ترَ إلى ربك كيف مد الظل )) فذكر الكيف
والظل لا يخرج إلا من صورة من مده منه فخلقه رحمة فمد الظل رحمة واقية
فلا مخلوق أعظم رحمة من الإنسان الكامل ولا أحد من المخلوقين أشد بطشاً وانتقاماً من الإنسان الحيواني فالإنسان الكامل وإن بطش وكان ذا بطش شديد فالإنسان الحيواني أشد بطشاً منه .
الإنسان الكامل حامل السر الإلهي وهو كلمة كن...
لم يرد نص عن الله ولا عن رسول الله في مخلوق أنه أعطي (( كن )) سوى الإنسان خاصة
فظهر ذلك في وقت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال ( كن أبا ذر ) فكان أبا ذر
وورد الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن في الدخول عليهم
فإذا دخل ناولهم كتاباً من عند الله بعد أن يسلم عليهم من الله ، فإذا في الكتاب لكل إنسان يخاطب به : من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت ، أما بعد فإني أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون فقال صلى الله عليه وسلم :
( فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلا ويكون )
فجاء بشيء وهو من أنكر النكرات فعَمَّ
وغاية الطبيعة تكوين الأجسام وما تحمله مما لا تخلو عنه وتطلبه بالطبع
ولا شك أن الأجسام بعض العالم فليس لها العموم
وغاية النفس تكوين الأرواح الجزئية في النشآت الطبيعية والأرواح جزء من العالم
فلم يعم فما أعطي العموم إلا الإنسان الكامل حامل السر الإلهي
فكل ما سوى الله جزء من الإنسان فاعقل إن كنت تعقل .
الإنسان الكامل عمد السماء :
اعلم أن الإنسان الكامل عمد السماء الذي يمسك الله به وجود السماء أن تقع على الأرض
فإذا زال الإنسان الكامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء
وهو قوله تعالى : (( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية )) أي ساقطة على الأرض
فلا بد من فرش وعرش ، فهي المهاد الموضوع وأنت السقف المرفوع بينكما عمد قائم
عليه اعتماد السبع الشدائد لكنه عن البصر محجوب فهو ملحق بالغيوب
ألم تسمع قول من أوجد عينها فأقامها بغير عمد ترونها فما نفى العمد لكن ما يراه كل أحد
فلا بد لها من ماسك وما هو إلا المالك فمن أزالها بذهابه فهو عمدها المستور في إهابه
وليس إلا الإنسان الكامل وهو الأمر الشامل الذي إذا قال :الله ناب بذلك القول جميع الأفواه فهو المنظور إليه والمعول علي .
فالإنسان الكامل أكمل من عين مجموع العالم إذ كان نسخة من العالم حرفاً بحرف ويزيد
فإذا قال : (( الله )) نطق بنطقه جميع العالم من كل ما سوى الله
ونطقت بنطقه أسماء الله كلها المخزونة في علم غيبه والمستأثرة التي يخص الله تعالى بمعرفتها بعض عباده والمعلومة بأعيانها في جميع عباده فقامت تسبيحته مقام تسبيح ما ذكرته
فأجره غير ممنون . الكبرياء رداء الحق وليس سواك فإن الحق تردى بك إذ كنت صورته
فإن الرداء على صورة المرتدي فالواحد رداء وهو الذي ظهر وهو الخليفة المبدَع بفتح الدال والآخر مرتد وهو الذي خفي وهو القديم المبدع فلا يعرف المرتدي إلا باطن الرداء وهو الجمع ويصير الرداء على شكل المرتدي قال تعالى : وسعني قلب عبدي
فإذا قلبت الإنسان الكامل رأيت الحق والإنسان لا ينقلب فلا يرجع الرداء مرتدَياً لمن هو له رداء فالإنسان الكامل له الإحاطة وليس سوى ما حازه من صورته فإن الرداء يحيط بالمرتدي
وما تردى الرحمن برداء أحسن من الإنسان ولا أكمل لأنه خلقه على صورته
وجعله خليفة عنه في أرضه ثم شرع له أن يستخلفه على أهله
فلولا أن الحق أعطاه الاستقلال بالخلافة ما قال له عن نفسه آمراً :
(( فاتخذه وكيلا )) ولا قال صلى الله عليه وسلم :
( اللهم أنت الخليفة في الأهل والصاحب في السفر )
وهو القائل : ( إن الله أدبني فأحسن أدبي ) والرداء للتجمل فله الجمال
فلا أجمل من الإنسان إذا كان عالماً بربه
فلا يشهد العالَمُ سوى الإنسان الذي هو الرداء
والرداء من حيث ظاهره يشهد من يشهده وهو العالم
فيرى الحق ظاهر الرداء بما هو الحق العالم وهو رؤية دون رؤية باطن الرداء
فالعالم له الإحاطة لأنه يتقيد بجهة خاصة فالحق وجه كله والرداء وجه كله
فهو الظاهر تعالى للعبد من حيث العالم وهو الباطن لنفسه عن العالم
من حيث ما له صورة في العالم ومن حيث أن الرداء بينه وبين العالم
فإن الصورة التي للحق في عين العالم الحق لها باطن من حيث أن الرداء حائل بينه وبين الحق الذي العالم به فهو باطن لنفسه وللعالم ولا يصح أن يكون باطناً لباطن الرداء لكن لظاهره فالإنسان الكامل يشهده تعالى في الظاهر بما هو في العالم وفي الباطن بما هو مرتد
فتختلف الرؤية على الإنسان الكامل والعين واحدة
ولهذا ينكره بعض الناس في القيامة إذا تجلى
والكامل لا ينكره فإنه ما كل إنسان له الكمال فما ينكره إلا الإنسان الحيوان لأنه جزء من العالم فإذا تجلى له في العلامة وتحول فيها عرفه لأنه ما يعرفه إلا مقيداً
فالإنسان الكامل هو المعبر عنه بالرداء عند بعضهم وبالثوب عند آخرين
فإن الرداء والثوب هو محل الصفات وافتراق الجمع
فغاية معرفة العباد أن تصل إليه إن وصلت والحق وراء ذلك كله أو قل مع ذلك كله .
وللتعريف والتنبيه على التقويم الأكمل الأحسن والخَلْق الأجمل الأتقن المحفوظ المصون
في آلم والتين والزيتون أن قال : عبدي أنت حمدي وحامل أمانتي وعهدي أنت طولي وعرضي وخليفتي في أرضي والقائم بقسطاس حقي والمبعوث إلى جميع خلقي عالمك الأدنى بالعدوة الدنيا والعدوة القصوى أنت مرآتي ومجلى صفاتي ومُفصِّل أسمائي وفاطر سمائي
أنت موضع نظري من خَلْقي ومجتمع جمعي وفرقي أنت ردائي وأنت أرضي وسمائي
وأنت عرشي وكبريائي أنت الدرة البيضاء والزبرجدة الخضراء بك ترديت وعليك استويت
وإليك أتيت وبك إلى خلقي تجليت .
الإنسان الكامل في التحقق بالفقر والغنى :
للإنسان وجهان إذا كان كاملاً وجه افتقار إلى الله ووجه غني عن العالم
فيستقبل العالم بالغنى عنه ويستقبل ربه بالافتقار إليه
وأما الإنسان الحيوان الذي لا معرفة له بربه
فهو فقير إلى العالم أبداً فمن ذاق طعم الغنى عن العالم – وهو يراه عالماً –
فإنه محجوب عن المقام الأرفع في حقه
لأن العالم مشهود له ولهذا اتصف بالغنى عنه فلو كان الحق مشهوده – وهو ناظر إلى العالم – لاتصف بالفقر إلى الله وحاز المقام الأعلى في حقه وهو ملازمة الفقر إلى الله
لأن في ذلك ملازمة ربه عز وجل .
ومع ذلك الكامل يحزن من جهة مَنْ كلَّفه الله النظر في تحصيل ما يقوم بهم وبقوتهم من أهله
وما يهتم بذلك إلا متشرع أديب عانق الأدب وعرف قدر ما شرع له من ذلك
فإن طريق الأدباء طريق خفية لا يشعر بها إلا الراسخون في العلم المحققون بحقائق الفهم عن الله فكما أن الله ليس بغافل عما يحتاج إليه عباده كذلك أهل الله لا يغفلون عما قال لهم الحق احضروا معه ولا تغفلوا عنه فترى الكامل حريصاً على طلب مؤنة أهله
فيتخيل المحجوب أن ذلك الحرص منه لضعف يقينه وكذلك في ادخاره
وليس ذلك منه إلا ليوفي الأدب حقه مع الله فيما حد له من الوقوف عنده .
علامة الإنسان الكامل من نفسه :
اعلم أنك لا تعلم أنك على الصورة ما لم تعلم قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن مرآة أخيه ) ؛ فيرى المؤمن نفسه في مرآة أخيه ويرى الآخر نفسه فيه
وليس ذلك إلا في حضرة الاسم الإلهي المؤمن
قال تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة )) وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن كثير بأخيه )
كما أنه واحد بنفسه فيعلم أن الأسماء الإلهية كلها كالمؤمنين إخوة (( فأصلحوا بين أخويكم ))
يعني إذا تنافروا كالمعز المذل والضار النافع وأما ماعدا الأسماء المتقابلة فهم إخوان على سرر متقابلين وليس يصلح بين الأسماء إلا الاسم الرب فإنه المصلح والمؤمن من حيث ما هو مرآة فمن رأى نفسه هكذا علم أنه خليفة من الخلفاء بما رآه من الصورة والإنسان الحيوان لا مرآة له وإن كان له شكل المرآة لكنها ما فيها جلاء ولا صقالة قد طلع عليها الصدأ والران .
وما جعل الحق تعالى لواحد مما سوى الله أمراً في العالم ولا نهياً ولا خلافةً ولا تكويناً عاماً
وجعل ذلك للإنسان الكامل فمن أراد أن يعرف كماله فلينظر في نفسه في أمره ونهيه وتكوينه بلا واسطة لسان ولا جارحة ولا مخلوق غيره فإن صح له المعنى في ذلك
فهو على بينة من ربه في كماله فإنه عنده شاهد منه أي من نفسه
فإن أمر أو نهى أو شرع في التكوين بوساطة جارحةٍ من جوارحه فلم يقع شيء من ذلك
أو وقع في شيء دون شيء ولم يعم مع عموم ذلك بترك الواسطة
فقد كمل ولا يقدح في كماله ما لم يقع في الوجود عن أمره بالواسطة
فإن الصورة الإلهية بهذا ظهرت في الوجود
فإنه تعالى أمر عباده عل ألسنة رسله عليهم السلام وفي كتبه
فمنهم من أطاع ومنهم من عصى وبارتفاع الوسائط لا سبيل إلا الطاعة خاصة
لا يصح ولا تمكن إباية فيشترك الإنسان الحيوان مع الكامل في الأدوات الصناعية
التي بها يتوصل إلى مصنوع ما مما يفعل بالأيدي ويزيد الكامل عليه بالفعل بالهمة
فأدواته همته وهي له بمنزلة الإرادة الإلهية إذا توجهت على إيجاد شيء
فمن المحال أن لا يكون ذلك الشيء المراد
ومن هنا قال من قال : إن الخيال هو الحقيقة المعبر عنه الإنسان الكامل
فإنه أثبت إلحاق الخيال في قوة الإيجاد بالحق ماعدا نفسه فإنه ما ثَمَّ على الصورة الحقية مثله
فإنه يوجد في نفسه كل معلوم ماعدا نفسه والحق نسبة الموجودات إليه مثل هذه النسبة
ومع هذا التمكن والتحقق فإذا أقامك الحق في العبودة المطلقة التي ما فيها ربوبية
فأنت خليفة له حقاً فإنه لا حكم للمستخلف فيما ولى فيه خليفة عنه جملة واحدة
فاستخلفه في العبودة فلا حظَّ للربوبية فيها
لأن الخليفة استقل بها استقلالاً ذاتياً فهو بيد الله في ملك الله
الملائكة جهلت الإنسان الكامل ومرتبته :
إن الله ما خلق أولاً من هذا النوع إلا الكامل وهو آدم عليه السلام ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع فمن حازها منه فهو الإنسان الذي أريده ومن نزل عن تلك المرتبة
فعنده من الإنسانية بحسب ما تبقى له وليس في الموجودات مَنْ وسع الحق سواه
وما وسعه إلا بقبول الصورة فهو مجلى الحق والحق مجلى حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان الذي هو آخر نوع ظهر فأوليته حق وآخريته خلق
فهو الأول من حيث الصورة الإلهية والآخر من حيث الصورة الكونية
والظاهر بالصورتين والباطن عن الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية
وقد ظهر حكم هذا في عدم علم الملائكة بمنزلته مع كون الله قد قال لهم إنَّهُ خليفة
فكيف بهم لو لم يقل لهم ذلك ؟ فلم يكن ذلك إلا لبطونه عن الملائكة
وهو من العالم الأعلى العالِم بما في الآخرة وبعض الأولى
فإنهم لو علموا ما يكون في الأولى ما جهلوا رتبة آدم عليه السلام مع التعريف .
السجود من الملائكة دائم للإنسان الكامل بعد ما تحققت رتبته :
قال صلى الله عليه وسلم :
( أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله )
فأخبر في قوله ساجد لله لينبه على نظر كل ملك في السماء إلى الأرض
لأن السجود التطأطؤ والانخفاض وقد عرفوا أن الأرض موضع الخليفة
وأمروا بالسجود فطأطؤا عن أمر الله ناظرين إلى مكان هذا الخليفة حتى يكون السجود له
لأن الله بالسجود له ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل أبداً دائماً
فعند الملأ الأعلى ازدحام لرؤية الإنسان الكامل كما يزدحم الناس عند رؤية المَلِكِ إذا طلع عليهم فأطت السماء لازدحامهم .
من عرف الإنسان الكامل عرف الحق
إن الإنسان الكامل بنفسه عرف الحق والإنسان الحيوان عرفه بعقله بعد ما استعمل آلة فكره
فلا المَلَك عرف الإنسان الكامل باعتراضه (( أتجعل فيها من يفسد فيها )) لأنه ما شاهده من جميع الوجوه ولا الإنسان الحيوان عرفه بعقله من جميع وجوهه فجهل الكل الإنسان الكامل فجهلوا الحق فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل ولهذا وصفته الأنبياء بما شهدوه
وأُنزل عليهم بصفات المخلوقين لوجود الكمال الذي هو عليه الحق
وما وصل إلى هذه المعرفة بالله لا مَلَك ولا عقل إنسان حيواني فإن الله حجب الجميع عنه
وما ظهر إلا للإنسان الكامل الذي هو ظله الممدود وعرشه المحدود وبيته المقصود والموصوف بكمال الوجود فلا أكمل منه لأنه لا أكمل من الحق تعالى
فعَلِمه الإنسان الكامل من حيث عقله وشهوده
فجمع بين العلم البصري الكشفي وبين العلم العقلي الفكري
فمن رأى أو من علم الإنسان الكامل الذي هو نائب الحق فقد علم من استنابه واستخلفه فإنه بصورته ظهر فلا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل
الذي خلقه الله على صورته وهي الخلافة لأن الحق وصف نفسه في الصورة الظاهرة باليدين والرجلين والأعين وشبهِ ذلك مما وردت به الأخبار مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن جانب الله (( وما قدروا الله حق قدره )) – فحق قدره –
إضافة ما أضافه إلى نفسه مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى ، إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئاً من ذلك إليه فمن أضاف مثل هذا إليه عقلاً فذلك هو الذي ما قدر الله حق قدره
وما قال أخطأ المضيف
ومن أضافه شرعاً وشهوداً وكان على بينة من ربه فذلك الذي قدر الله حق قدره
فالإنسان الكامل – الذي هو الخليفة – قدر الحق ظاهراً وباطناً صورة ومنزلة ومعنى .
من كمال معرفة الإنسان الكامل :...
الشـرع يقبلـه عقـل وإيمـان وللعـقـول مـوازيـن وأوزان
عند الإله علوم ليـس يعرفه ـاإلا لبيب له في الوزن رجحـان
فالأمر عقل وإيمان إذا اشتركـا في حكم تنزيهه ما فيه خسـران
وثم ينفرد الإيمـان فـي طبـق بمـا تماثلـه بالشـرع أكـوان
والعقل من حيث حكم الفكر يدفعه بمـا يؤيـده فـي ذاك برهـان
لو أن غير رسول الله جاء بـه في الحين كفـره زور وبهتـان
إذا تأولـه مـن غيـر وجهته وقال ما لي على ما قال سلطان
لله في ذاك سـر ليـس يعلمـه ا فريـد وذاك الفـرد إنسـان
قد كمل الله في الإنشاء صورتـه بصورة الحق فالقـرآن فرقـان
العين واحدة والحكـم مختلـف ل لجانبين فما في النشء نقصـان
فكل معرفة لجزء من العالم بالله معرفة جزئية إلا الإنسان فإن معرفته بالله معرفة العالَمِ كله بالله فعلمه بالله علم كلي لا علم كل إذ لو كان علماً كُلاًّ لم يؤمر أن يقول (( رب زدني علماً ))
أترى ذلك علماً بغير الله ؟ لا والله بل بالله فخَلَق الإنسان الكامل على صورته
ومكَّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه عليه فرداً فرداً وبعضاً بعضاً
لا ينطلق عليه مجموع الأسماء معاً في الكلمة الواحدة ليتميز الرب من العبد الكامل
فما من اسم من الأسماء الحسنى – وكل أسماء الله حسنى –
إلا وللعبد الكامل أن يدعى بها كما له أن يدعو سيده بها .
من كمال معرفة الإنسان الكامل :
لما كان العارف المكمل المعرفة يعلم أن فيه من يطلب مشاهدة ربه ومعرفتَه الفكرية والشهودية تعين عليه أن يؤدي إليهم حقهم من ذلك وعلم أن فيه من يطلب المأكل الشهي الذي يلائم مزاجه والمشرب والمنكح والمركب والملبس والسماع والنعيم الحسي المحسوس
فتعين عليه أيضاً أن يؤدي حقوقهم من ذلك التي عيَّن لهم الحق ومن كان هذا حاله
كيف يصح له أن يزهد في شيء من الموجودات ؟ وما خلقها الله إلا له
إلا أنه مفتقر إلى علم ما هو له وما هو لغيره .
الإنسان الكامل والخلافة :........
لابد للخليفة أن يظهر بكل صورة يظهر بها من استخلفه فلابد من إحاطة الخليفة بجميع الأسماء والصفات الإلهية التي يطلبها العالم الذي ولاه عليه الحق سبحانه فجعل الله الإنسان الكامل في الدار الدنيا إماماً وخليفة وأعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني وسخر لهذا الإنسان وبنيه وما تناسل منه جميع ما في السموات وما في الأرض فما حصل الإنسان الكامل الإمامة
حتى كان علامة وأعطي العلامة وكان الحق أمامه ولا يكون مثله حتى يكون وجهاً كله
فكله أمام فهو الإمام لا خلف يحده فقد انعدم ضده وما اختص آدم بالخلافة إلا بالمشيئة
ولو شاء جعلها فيمن جعلها من خلقه قلنا : لا يصح أن تكون إلا في مسمى الإنسان الكامل
ولو جمعها في غير الإنسان من المخلوقات لكان ذلك الجامع عين الإنسان الكامل
فهو الخليفة بالصورة التي خلق عليها
فإن قلت : فالعالم كله إنسان كبير فكان يكفي قلنا : لا سبيل فإنه لو كان هو عين الخليفة
لم يكن ثَمَّ على مَنْ ؟ فلابد من واحد جامع صورة العالم وصورة الحق يكون لهذه الجمعية خليفة في العالم من أجل الاسم الظاهر يعبر عن ذلك الإمام بالإنسان الكبير القدر الجامع للصورتين .
فالكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة فأخذها آدم عليه السلام بحكم العناية الإلهية وهو مقام أخص من الرسالة في الرسل لأنه ما كل رسول خليفة فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة قال تعالى : (( ما على الرسول إلا البلاغ )) وليس له التحكم في المخالف
إنما له تشريع عن الله أو بما أراه الله خاصة فإذا أعطاه الله التحكم فيمن أرسل إليهم
فذلك هو الاستخلاف والخلافة والرسول والخليفة ما كل من أرسل حكم
فإذا أعطي السيف وأمضى الفعل حينئذٍ يكون له الكمال فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية
فيعطي ويمنع ويعز ويذل ويحيي ويميت ويضر وينفع ويظهر بأسماء التقابل مع النبوة
لابد من ذلك فإن الله أعطى الإنسان الكامل حكم الخلافة واسم الخليفة
وهما لفظان مؤنثان لظهور التكوين عنهما فإن الأنثى محل التكوين فهو في الاسم تنبيه
ولم يقل فيه وإن كان المعنى عينه
ولكن قال : (( إني جاعل في الأرض خليفة )) وما قال إنساناً ولا داعياً
وإنما ذكره وسماه بما أوجده له ففائدة خلق الإنسان الكامل على الصورة
ليظهر عنه صدور الأفعال فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو مَلِكٌ وليس بخليفة
فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده
لا من أقامه الناس وبايعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم فهذه هي درجة الكمال
وللنفوس تعمل مشروع في تحصيل مقام الكمال وليس لهم تعمل في تحصيل النبوة
فالخلافة قد تكون مكتسبة والنبوة غير مكتسبة .
إن البذرة والنواة والحبة خزانة لما يظهر منها إذا بذرت في الأرض وهذا يدل على علم خروج العالم من الغيب إلى الشهادة لأن البذرة لا تعطي ما اختزن الحق فيها إلا بعد دفنها في الأرض فتنفلق عما اختزنته من ساق وأوراق وبذور أمثالها من النواة نوى ومن الحبة حبوب
ومن البذرة بذور فتظهر عينها في كثير مما خرج عنها فالكامل من الخلفاء كالحبوب من الحبة والنوى من النواة والبذور من البذرة فيعطي كل حبة ما أعطته الحبة الأصلية
لاختصاصها بالصورة على الكمال وما تميزت إلا بالشخص خاصة وما عدا الخلفاء من العالم فلهم من الحق ما للأوراق والأغصان والأزهار والأصول من النواة أو البذرة أو الحبة
ومن هنا يعلم فضل الإنسان الخليفة على الإنسان الحيوان الذي هو أقرب شبهاً بالإنسان الكامل
ثم على سائر المخلوقات .
فاعلم ما الحبة التي خرج العالم منها ؟ وما أعطت بذاتها فيما ظهر من الحبوب ؟ ولماذا يستند ما ظهر منها من سوى أعيان الحبوب ؟
ولما تعدد الكُمَّل من هذه النشأة جعلهم الحق خلائف بعد ما كان خليفة فكل كامل خليفة وما يخلو زمان عن كاملٍ أصلاً فيما يخلو عن خليفة وإمام فلا تخلو الأرض عن ظهور صورة إلهية يعرفها جميع خلق الله ما عدا الثقلين الإنس والجن فإنها معروفة عند بعضها فيوفون حقها من التعظيم والإجلال لها .
مَثَلُ الخليفة مع الحق مَثَلُ البدر مع الشمس :
اعلم أن الإبدار الذي نصبه الله مثالاً في العالم لتجليه بالحكم فيه
هو الخليفة الإلهي الذي ظهر في العالم بأسماء الله وأحكامه
وبالرحمة والقهر والانتقام والعفو كما ظهر الشمس في ذات القمر فأناره كله فسمي بدراً
فرأى الشمس نفسه في مرآة ذات البدر فكساه نوراً سماه به بدراً
كما رأى الحق نفسه في ذات من استخلفه فهو يحكم بحكم الله في العالم
والحق يشهده شهود من يفيده نور العلم قال تعالى : (( إني جاعل في الأرض خليفة ))
وعلمه جميع الأسماء وأسجد له الملائكة لأنه علم أنهم إليه يسجدون
فإن الخليفة معلوم أنه لا يظهر إلا بصفة من استخلفه فالحكم لمن استخلفه
فتعظيم العبيد لتعظيم سيدهم لا لنفوسهم فهذا سر الإبدار
فنصب الله صورة البدر مع الشمس مثلاً للخلافة الإلهية
وأن الحق يرى نفسه في ذات من استخلفه على كمال الخلقة
فإنه لا يظهر له إلا في صورته وعلى قدره .
احتجاب الحق بظهور الإنسان الكامل الخليفة :
الإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه هذا الكمال إلا ليكون بدلاً من الحق ولهذا سماه خليفة وما بعده من أمثاله خلفاء له فالأول وحده هو خليفة الحق وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة وبدل منه في كل أمر يصح أن يكون له فالإنسان الكامل هو ظل الله في خلقه من خلقه فعن ذلك هو خليفة ولذلك فالخلفاء خلفاء عن مستخلف واحد .
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات لأنه الذي اتخذه الله مجلى لأنه ما كمل إلا بصورة الحق
كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر فتلك مرتبتها
والمرتبة هي الغاية ولما شاء سبحانه أن يعطي كماله حقه ولم يزل كذلك
وخلق العالم للتسبيح بحمده سبحانه لا لأمر آخر والتسبيح لله ولا يكون المسبح في حالة الشهود لأنه فناء عن الشهود والعالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس فدل أن العالم لا يزال محجوباً وطلبُهم بذلك التسبيح المشاهدة
فخلق سبحانه الإنسان الكامل على صورته وعرف الملائكة بمرتبته
وأخبرهم بأنه الخليفة في العالم وأن مسكنه الأرض وجعلها له داراً لأنه منها خلقه
وشغل الملأ الأعلى به سماء وأرضاً فسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه
أي من أجله واحتجب الحق إذ لا حكم للنائب بظهور من استخلفه
فاحتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار وعلم آدم الأسماء كلها وأمره بتعليم الملأ الأعلى وأمر من في السموات والأرض بالنظر فيما يستحقه النائب فسخر له جميع من في السموات والأرض حتى المقول عليه الإنسان من حيث تماميته لا من حيث كماليته
فهذا النوع المشارك له في الاسم إذا لم يكمل هو من جملة المسخرين لمن كمل
وألحق في كماله بالغنى عن العالمين وهو وحده أعني الإنسان الكامل يعبد ربه الغني عنه
فكماله أن لا يستغني عنه وما ثَمَّ من يعبده على الشهود من غير تسبيح إلا الكامل
فإن التجلي له دائم فحكم الشهود له لازم فهو أكمل الموجودات معرفة بالله وأدومهم شهوداً
وله إلى الحق نظران ولهذا جعل له عينين فينظر بالعين الواحدة إليه من كونه غنياً عن العالمين فلا يراه في شيء ولا في نفسه وينظر إليه بالعين الأخرى من اسمه الرحمن
بكونه يطلب العالم فيراه ساري الوجود في كل شيء
فيفتقر بهذه النظرة من هذه العين إلى كل شيء
من حيث ما هي الأشياء أسماء الحق لا من حيث أعيانها فلا أفقر من الإنسان الكامل إلى العالم لأنه يشهده مسخراً له فعلم أنه لولا ما هو عليه من الحاجة إلى ما سخروا فيه من أجله ما سخروا فيعرف نفسه أنه أحوج إلى العالم من العالم إليه .
آدم الإنسان الكامل خليفة الله في أرضه :
لما خلق الله الإنسان من جملة خلقه خلقه إماماً وأعطاه الأسماء الإلهية وأسجد له الملائكة
وجعل له تعليم الملائكة ما جهلوه وكمل به وفيه وجود العالم وحصَّل الصورتين
فاز بالسورتين أعني المنزلتين منزلة العزة بالسجود له ومنزلة الذلة بعلمه بنفسه
فلم يزل في شهود خالقه فلم تقم به عزة بل بقي على أصله من الذلة والافتقار
ولما حمل الأمانة عَرْضاً وجرى ما جرى قال هو وزوجه إذ كانت جزءاً منه
(( ربنا ظلمنا أنفسنا )) بما حملاه من الأمانة
ورد أن شجرة طوبى غرسها الله بيده وخلق جنة عدن بيده فوحد اليد هنا وجمعها
بقوله : (( مما عملت أيدينا )) وما ثناها إلا في خلق آدم عليه السلام وهو الإنسان الكامل
ولا شك أن التثنية برزخ بين الجمع والإفراد بل هي أول الجمع والتثنية تقابل الطرفين بذاتها
فلها درجة الكمال لأن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا بها والجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى الله
وهو البيت المعمور بالحق لما وسعه يقول تعالى في الحديث المروي :
( ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن )
فكانت مرتبة الإنسان الكامل – من حيث هو قلب – بين الله والعالم .
وعَلَّمَ آدم الأسماء كلها :
لم يخلق الله تعالى الإنسان عبثاً بل خلقه ليكون وحده على صورته
فكل من في العالم جاهل بالكل عالم بالبعض إلا الإنسان الكامل وحده
فإن الله علمه الأسماء كلها وآتاه جوامع الكلم فكملت صورته
فجمع بين صورة الحق وصورة العالم فكان برزخاً بين الحق والعالم
مرآة منصوبة يرى الحق صورته في مرآة الإنسان ويرى الخلق أيضاً صورته فيه
فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الكمال الذي لا أكمل منه في الإمكان
ومعنى رؤية صورة الحق فيه إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه
كما جاء في الخبر : فبهم تنصرون والله الناصر وبهم ترزقون والله الرازق وبهم ترحمون والله الراحم وقد ورد في القرآن فيمن علمنا كماله صلى الله عليه وسلم واعتقدنا ذلك فيه أنه
(( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .
فأعطى الحق رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم وهو فصل الخطاب
وما كمل آدم إلا بالأسماء وكمال محمد صلى الله عليه وسلم بجوامع الكلم
والأسماء من الكلم .
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل الذي لا أكمل منه :
اعلم أن مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان
فهو الكامل الذي لا أكمل منه وهو محمد صلى الله عليه وسلم فهو الإنسان الكامل الذي ساد العالم في الكمال : سيد الناس يوم القيامة ومرتبة الكمل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال –
الذي هو الغاية من العالم - منزلة القوى الروحانية من الإنسان وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومنزلة من نزل في الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسية من الإنسان
وهم الورثة رضي الله عنهم وما بقي ممن هو على صورة الإنسان في الشكل هو من جملة الحيوان فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان .
واعلم أن العالم اليوم بفقد جمعية محمد صلى الله عليه وسلم في ظهوره
روحاً وجسماً وصورة ومعنى نائم لا ميت وأن روحه - الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم –
هو من العالم في صورة المحل الذي هو فيه روح الإنسان عند النوم إلى يوم البعث
الذي هو مثل يقظة النائم هنا وإنما قلنا في محمد صلى الله عليه وسلم على التعيين أنه الروح الذي هو النفس الناطقة في العالم لما أعطاه الكشف وقوله صلى الله عليه وسلم إنه سيد الناس والعالم من الإنسان فإنه الإنسان الكبير في الجرم والمقدَّم في التسوية والتعديل
ليظهر عنه صورة نشأة محمد صلى الله عليه وسلم فقبل ظهور نشأته صلى الله عليه كان العالم في حال التسوية والتعديل كالجنين في بطن أمه وحركته بالروح الحيواني منه الذي صحت له به الحياة فإذا كان في القيامة حيي العالم كله بظهور نشأته مكملة صلى الله عليه وسلم موفور القوى
فليس العالم إنساناً كبيراً إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو نفسه الناطقه
كما أن نشأة الإنسان لا تكون إنساناً إلا بنفسها الناطقة
ولا تكون كاملة هذه النفس الناطقة من الإنسان إلا بالصورة الإلهية المنصوص عليها من الرسول صلى الله عليه وسلم فكذلك نفس العالم الذي هو محمد صلى الله عليه وسلم
حاز درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في البقاء والتنوع في الصور وبقاء العالم به
فقد بان لك حال العالم قبل ظهوره صلى الله عليه وسلم أنه كان بمنزلة الجسد المسوى
وحال العالم بعد موته بمنزله النائم وحال العالم ببعثه يوم القيامة بمنزلة الانتباه واليقظة بعد النوم .
لقد اختص محمد صلى الله عليه وسلم بالكمال الأتم لأنه جمع استعداد الأبوين آدم وحواء وقد تقرر أنه أعلم الخلق بالله والعلم بالله لا يحصل إلا بالتجلي والشهود وعينه صلى الله عليه أكمل الأعين لأنه أكمل العلماء بالله فانظره تعالى بعينه صلى الله عليه وسلم .
وكان القرآن خلقه صلى الله عليه وسلم
فمن أراد أن يرى رسول الله عليه وسلم ممن لم يدركه من أمته فلينظر إلى القرآن
فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر إليه وبين النظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكأن القرآن انتشأ صورة حسية يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب
والقرآن كلام الله وهو صفته فكان محمد صفة الحق تعالى بجملته
فمن يطع الرسول فقد أطاع الله لأنه لا ينطق عن الهوى فهو لسان الحق
فيكون محمد صلى الله عليه وسلم ما فقد من الدار الدنيا لأنه صورة القرآن العظيم .
الخيال أحق الموجودات باسم الإنسان الكامل
إن خيال الكـون أوسـع حضـرة من العقل والإحساس بالبذل والفضل
له حضرة الأشكال في الشكل فاعتبر تراه يرد الكل فـي قبضـة الشكـل
فإن قلت كـلٌ فهـو جـزءٌ معيّـنٌ وإن قلت جزءٌ قـام للكـل بالكـل
فمـا ثَـمَّ مِثـلٌ غيـره متحـقـق بموجـده فهـو الممـثـل للمـثـل
فعلمي بـه أحلـى إذا مـا طعمتـه و أشهى إلى أذواقنا من جني النحـل
للخيال الإيجاد على الإطلاق ما عدا نفسه كما أن الحق له الإيجاد على الإطلاق ما عدا نفسه تعالى فالخيال موجد لله عز وجل في حضرة الوجود الخيالي والحق موجد للخيال في حضرة الانفعال الممثَّل وإذا ثبت إلحاق الخيال في قوة الإيجاد بالحق ما عدا نفسه فهو على الحقيقة المعبر عنه بالإنسان الكامل فإنه ما ثَمَّ على الصورة الحقّية مثله فإنه يوجد في نفسه كل معلوم والحق نسبة الموجودات إليه مثل هذه النسبة فمع كون الخيال من الموجودات الحادثة إلا أن له هذا الاختصاص الإلهي الذي أعطته حقيقته فما قبل شيء من المحدثات صورة الحق سوى الخيال فإذا تحققنا علمنا أنه في غاية الوصلة
إن التحول في الصور نعت المهيمن بالخبر
وبذاك أنـزل وحيـه فيما تلاه من السـور
ولقـد رأيـت مثالـه بمطـول وبمختصـر
أردت بالمطول العالم كله وبالمختصر الإنسان الكامل .
تم بحمد الله وعونه وتوفيقه آمين
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]