موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثامن والأربعون: في بيان أن جميع أئمة الصوفية على هدى من ربهم وأن طريقة الإمام أبي القاسم الجنيد رضي اللّه عنه أقوم طرق القوم كلها لتحريرها على الشريعة تحرير الجوهر

اعلم رحمك اللّه أن حقيقة الصوفي فقيه عمل بعلمه لا غير فأورثه اللّه تعالى بعلمه الاطلاع على دقائق الشريعة وأسرارها حتى صار أحدهم مجتهدا في الطريق والأسرار كما هو شأن الأئمة المجتهدين في الفروع الشرعية، ولذلك شرعوا في الطريق واجبات ومحرمات ومندوبات ومكروهات وخلاف الأولى زائدا على ما صرحت به الشريعة كم استنبط المجتهدون نظير ذلك وأبطلوا أي: مجتهدو القوم العبادات والعقود بالإخلال بما أوجبوه وشرطوه أو بارتكاب ما حرموه وهذا شأنهم رضي اللّه عنهم. فما من أحد منهم حق له قدم الولاية إلا وهو مجتهد في الطريق ليس عنده تقليد إلا لما صرحت به الشريعة أو أجمع عليه الأئمة فقط فمن ادّعى مقام الكمال وهو مقلد لعالم فهو غير صادق وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه يقول مرارا: لا يكمل الرجل عندنا في الطريق حتى يأخذ العلم من حيث أخذه المجتهدون انتهى. ثم مما اختص به الصوفية عن غيرهم علمهم بالطريق الموصلة لهم إلى العمل بالكتاب والسنة فإذا قلت لهم: إن مقصودي أن أزهد في الدنيا بحيث لا يبقى عندي ميل عادي لها يقولون لك أكثر من ذكر اللّه تعالى ليلا ونهارا حتى يرق حجابك فتدرك الآخرة بعين بصيرتك وتنظر ما لمن يزهد في الدنيا من الدرجات والنعيم كما وقع لإبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه فإذ رأيت ذلك زهدت لا محالة في الدنيا ولو قال لك جمهور الناس: ارغب في الدنيا لا تصغي لهم ولو أنك يا أخي قلت ذلك لعالم لقال لك: إن اللّه تعالى أمرك أن تزهد لا غير، ولا يهتدي للطريق إلى ذلك فحكمه حكم طبيب يحفظ كتابا في الطب ولا يعرف علاج المرض فعلم أن سبب إنكار بعض الناس على الصوفية إنما هو لدقة مداركهم ولو أن المنكر لزم الأدب لسلم للقوم كل ما خالف فهمه مما لم يعارض كتابا ولا سنة ولا إجماعا، وقد رأيت في كتاب " الرعاية " للشيخ عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء بمصر في عصره ما نصه: كل الناس قعدوا على رسوم الشريعة وقعد الصوفية على قواعدها التي لا تتزلزل قال: ويؤيد ذلك ما يقع على يدهم من الكرامات والخوارق ولا يقع ذلك قط على يد عالم ولو بلغ في العلم ما بلغ إلا إن سلك طريقهم انتهى. وقد بلغنا أنه كان يقول قبل ذلك: وهي ثم طريق للشريعة غير ما بأيدينا من النقول ثم يقول: من زعم أن ثم علما باطنا للشريعة غير ما بأيدينا فهو باطل يقارب الزنديق، فلما اجتمع بالشيخ أبي الحسن الشاذلي بمصر المحروسة وأخذ عنه صار يمدح طريق القوم كل المدح ويقول: إنها طريق جمعت أخلاق المرسلين وكان يقول حجة الإسلام الغزالي رحمه اللّه مثل ما كان يقول الشيخ عز الدين أولا فلما اجتمع بالصوفية وذاق طريقهم صار يقول ضيعن عمرنا في البطالة. أي: لما في الاشتغال بالعلم على طريق أهل الجدال من غلبة للقول على العمل والحق أن الاشتغال بالفقه ليس هو ببطالة إنما هو أساس للطريق فإن من شأن أهل الطريق أن يكون جميع حركاتهم وسكناتهم محررة على الكتاب والسنة ول يعرف ذلك إلا بالتبحر في علم الحديث والفقه والتفسير فقول الغزالي: إن الاشتغال بالفقه بطالة إنما هو كلام صدر حال عشقه في طريق القوم والعاشق حكمه حكم السكران، ولو أنه تأمل في حاله لعرف ما قلناه من أن الفقه أساس الطريق وأن غاية الصوفي أنه عالم عمل بعلمه لا غير.

(وقد كان): سيدي إبراهيم الدسوقي رحمه اللّه يقول: لو أن الفقيه أتى العبادات والمأمورات الشرعية بغير علة كما أمره اللّه تعالى لاستغنى عن الشيخ ولكنه أتى العبادات بعلل وأمراض فلذلك احتاج إلى طبيب يداويه حتى يحصل له الشفاء ومن هنا استغنى التابعون عن الخلوة والرياضة كما عليه تلامذة الأشياخ ولم ينقل عن أحد منهم أنه دون شيئا في علاج الأمراض الباطنة لعدمها في عصرهم أو قلتها جدا حتى لا تكاد توجد وكان معظم اجتهادهم إنما هو في جمع أحاديث الشريعة والمطابقة بينه وبين الكتاب العزيز وهذا أهم بيقين من اشتغالهم بعلاج أمراض لعلها لا توجد وقد حصل بذلك الجواب عن قول من قال: لأي شيء لم يدون الأئمة المجتهدون شيئا في علم التصوف أو يشتغلوا بالذكر لتتجلى قلوبهم كما يفعل الصوفية فإنه لا يقول عاقل قط عن أحد يعني: من الأئمة إنه يعلم من نفسه عجبا أو رياء أو غلا أو حقدا أو مكرا أو خديعة ولا يجاهد نفسه أبدا ولو أنهم علموا أن فيهم شيئا من ذلك لقدموا علاجه على سائر الأعمال من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبوَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ(5) [البينة: 5] فافهم، فقد بان لك أن سائر أئمة الصوفية على هدى من ربهم كالأئمة المجتهدين وأنه لا ينبغي لأحد أن ينكر عليهم كلامهم إلا بعد أن يدخل طريقهم ويعرف مصطلحهم وجميع من شطح عن ظاهر الشريعة إنما هو دخيل فيهم أو غلب عليه حال أو كان مبتدئا في الطريق وأما الكاملون كالجنيد وأضرابه فطريقهم محررة على الأدب تحرير الذهب إذ هم حماة الدين رضي اللّه عنهم أجمعين. وإنما خصصنا كغيرن طريق الشيخ أبي القاسم الجنيد بمزيد التقويم وأن كل من سلكها نجا لأنها كما قال الجلال المحلّي وغيره: طريق خال من البدع دائر على التسليم والتفويض للّه تعالى والتبري من حظوظ النفس وهذا من أصح الطرق فهي كطريق الشيخ أبي الحسن الأشعري في العقائد الدينية ولذلك قالوا: ونعتقد أن طريق الشيخ أبي الحسن الأشعري في العقائد الدينية طريق مثلي لكونها بين التفريط والإفراط. قال الجلال المحلي: ولا التفات إلى من تكلم في الشيخ أبي الحسن من أهل الزيغ ويكفينا في إمامته وجلالته إكباب علماء الإسلام من أهل التفسير والحديث والفقه والأصول على الاعتماد على قوله في العقائد وكذلك يكفينا في إقامة أبي القاسم الجنيد رحمه اللّه إجماع الناس كلهم على جلالته وقولهم: إنه سيد الطائفة كلها علما وعملا وهو جدير بذلك وقد كان يقول: علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة انتهى. وإنما لم يذكر القياس والإجماع لأن القياس والإجماع إنما تعلم دلالتهما إذا وافقا قواعد الكتاب والسنة فاستغنى الجنيد عن القياس والإجماع بذكر الكتاب والسنة وكان يقول أيضا: إذا رأيتم شخصا متربعا في الهواء فلا تلتفتوا إليه إلا إن رأيتموه مقيدا بالكتاب والسنة وكان يقول: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على المقتفين آثار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان يقول: لو كنت حاكما لضربت عنق من سمعته يقول: لا موجود إلا اللّه أوليس لي فعل مع اللّه لأن ظاهر كلامه نفي غير اللّه وهدم أحكام التكاليف كلها قال الجلال المحلّي وغيره: ولا التفات إلى من رمى الشيخ الجنيدي في جملة من رمي بالزندقة من الصوفية عند الخليفة جعفر المقتدر باللّه تعالى حتى أنه أمر بضرب أعناقهم وقد بلغنا أنهم كلهم أمسكوا إلا الجنيد مع أنه شيخ الجماعة وذلك لأنه كان يستر كلام أهل الطريق عمن ليس منهم وكان يستتر بالفقه والإفتاء على مذهب أبي ثور. وكان إذا تكلم في علوم القوم أغلق باب داره وجعل مفتاحه تحت وركه وكذلك بلغنا عن الحسن البصري رضي اللّه عنه، وكان يقولان: أتحبون أن يرمى أولياء اللّه بالزندقة زورا وبهتانا عند من لا يعرف اصطلاحهم ولم يبلغنا قط عن الجنيد أنه تكلم بشيء من الشطح كما نقل عن أبي يزيد وغيره كل ذلك لكماله. قال الجلال المحلّي: ولما بسط النطع لضرب أعناق الصوفية الذين أمسكوا تقدم من آخرهم الشيخ أبو الحسن النوري وقال للسياف:

اضرب عنقي قبل أصحابي. فقال له السياف: لم ذلك ؟ فقال: لأوثر أصحابي بحياة ساعة فبهت السياف وأنهى الأمر إلى الخليفة فردهم إلى القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي فسأل النوري عن مسائل فقهية فأجابه عنها ثم قال: وبعد فإن للّه عبادا إذا قاموا قاموا للّه، وإذا نطقوا نطقوا باللّه، فقبل القاضي قوله: وأرسل يقول للخليفة إن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مسلم فخلى الخليفة سبيلهم رضي اللّه عنهم أجمعين. وحكى ابن أيمن في رسالته عن الإمام أحمد رضي اللّه عنه أنه كان في أول أمره ينهى ولده عن مجالسة الصوفية حتى نزل عليه جماعة منهم في الليل من الهواء فسألوه عن مسائل في الشريعة حتى أعجزوه ثم صعدوا في الهواء فمن ذلك الوقت كان يقول لولده عليك بمجالسة الصوفية فإنهم أدركوا من خشية اللّه وأسرار شريعته ما لم ندركه وكان إذا عجز عن جواب مسألة يقول للشيخ أبي حمزة البغدادي ما تقول في هذا يا صوفي فإذا أجابه بشيء أخذ به. وحكى القشيري عن ابن سريج أنه كان ينكر على الجنيد فتنكر يوما وحضر مجلس الجنيد وهو لا يشعر فلما انصرف الجنيد قالو لابن سريج. ماذا رأيت في كلام هذا الرجل فقال: لم أفهم من كلامه شيئا إلا أن صولة الكلام ليست بصولة مبطل فعلم أن الإنكار لم يزل في العلماء على الصوفية في كل عصر لدقة مداركهم لا لخروجهم عن الشريعة في نفس الأمر معاذ اللّه أن يقع الأولياء في ذلك وإن جاز ذلك في حقهم وقد بسطنا الكلام على ذلك في مقدمة " الطبقات الكبرى " واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!