موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الخامس والأربعون: في بيان أن أكبر الأولياء بعد الصحابة رضي اللّه عنهم القطب ثم الأفراد على خلاف في ذلك ثم الإمامان ثم الأوتاد ثم الأبدال رضي اللّه عنهم أجمعين

فأما القطب فقد ذكر الشيخ في الباب الخامس وخمسين ومائتين: أنه لا يتمكن القطب أن يقوم في القطبانية إلا بعد أن يحصل معاني الحروف التي في أوائل السور المقطعة مثل آلم والمص ونحوهما، فإذا أوقفه اللّه تعالى على حقائقه ومعانيها تعينت له الخلافة وكان أهلا لها.

(فإن قلت): فما علامة القطب ؟ فإن جماعة في عصرنا قد ادعوا القطبية وليس معنا علم يرد دعواهم ؟

(فالجواب): قد ذكر الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي اللّه عنه، أن للقطب خمس عشرة علامة: أن يمد بمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له حقية الذات وإحاطة الصفات ويكرم بكرامة الحلم والفضل بين الموجودين وانفصال الأول عن الأول وما انفصل عنه إلى منتهاه وما ثبت فيه وحكم ما قبل وما بعد وحكم من لا قبل له ولا بعد وعلم الإحاطة بكل علم ومعلوم ما بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه انتهى. وقال في "الفتوحات" في الباب السبعين ومائتين: إن اسم القطب في كل زمان عبد اللّه وعبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية بحكم الخلافة وهو مرآة الحق تعالى ومجلى النعوت المقدسة ومحل المظاهر الإلهية وصاحب الوقت وعين الزمان وصاحب علم سر القدر وله علم دهر الدهور ومن شأنه أن يكون الغالب عليه الخفاء لأنه محفوظ في خزائن الغيرة ملتحق بأردية الصون لا يعتريه شبهة في دينه قط، ولا يخطر له خاطر يناقض مقامه، كثير النكاح راغب فيه محب للنساء يوفي الطبيعة حقها على الحد المشروع له ويوفي الروحانية حقه على الحد الإلهي. يضع الموازين ويتصرف على المقدار المعين الموقت له لا يحكم عليه وقت إنما هو للّه وحده حاله دائما العبودية والافتقار يقبح القبيح ويحسن الحسن يحب الجمال المقيد في الزينة والأشخاص، تأتيه الأرواح في أحسن الصور، يذوب عشقا يغار للّه عزّ وجل ويغضب له تعالى ، له الإطلاق في المظاهر من غير تقييد، لا تظهر روحانيته إلا من خلف حجاب الشهادة والغيب لا يرى من الأشياء إل محل نظر الحق فيها يضع الأسباب ويقيمها ويدل عليها ويجري بحكمها ينزل إليها حتى يحكم عليه ويؤثر فيه لا يكون فيه رياسة على أحد من الخلق بوجه من الوجوه مصاحب لهذا الحال دائما إن كان صاحب دين أو ثروة تصرف فيها تصرف عبد في مال سيد كريم وإن لم يكن بيده دنيا وكان على ما يفتح اللّه تعالى له به لم تستشرف له نفس بل يقصد بنفسه عند الحاجة بيت صديق ممن يعرفه يعرض عليه ما تحتاج إليه طبيعته كالشافع له عنده فيتناول لها منه قدر ما تحتاج إليه ثم ينصرف لا يجلس عن حاجته إلا لضرورة فإن لم يجد حاجته لجأ إلى اللّه تعالى في حاجة طبعه لأنه مسؤول عنها ثم ومتولّ عليه ينتظر الإجابة عن اللّه فيما سأل فإن شاء تعالى أعطاه ما سأل عاجلا أو آجلا. فمرتبته الإلحاح في الدعاء والشفاعة في حق طبيعته بخلاف أصحاب الأحوال فإن الأشياء كلها تتكون عن هممهم لأن اللّه تعالى عجل لهم نصيبا من أحوالهم في الجنة فهم ربانيون والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم فإن أطلعه اللّه على ما يكون أخبر بذلك على وجه الافتقار للّه لا على وجه الافتخار لا تطوى له أرض ولا يمشي في هواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شيء من خرق العوائد إلا في النادر لأمر يراه الحق تعالى فيفعله بإذن اللّه من غير أن يكون ذلك مطلوبا له وكذلك من شأنه أن يجوع اضطرارا لا اختيارا ويصبر عن النكاح كذلك لعدم الطول يعلم من تجلي النكاح ما يحرضه على طلبه والتعشق به لا يتحقق قط بالعبودية في شيء أكثر مما يتحقق به في النكاح لا يرغب في النكاح للنسل وإنما يرغب فيه لمجرد الشهوة وإحضار التناسل في نفسه لأمر مشروع فنكاحه لمجرد اللذة كنكاح أهل الجنة وقد غاب عن هذه الحقيقة أكثر العارفين لما فيه من شهود الضعف وقهر اللذة المغيبة له عن إحساسه فهو قهر لذيذ وذلك من خصائص الأنبياء ولعلو مراقي هذا المقام جهله أكثر الأولياء، وجعلو النكاح شهوة حيوانية ونزهوا أنفسهم عن الإكثار منها. واعلم أن من مقام القطب أن يتلقى أنفاسه إذ دخلت وإذا خرجت بأحسن الأدب لأنها رسل اللّه إليه فترجع منه إلى ربه شاكرة له لا يتكلف لذلك. وأطال الشيخ في ذلك ثم قال فإذن القطب هو الرجل الكامل الذي حصل الأربعة دنانير التي كل دينار منها خمسة وعشرون قيراطا وبها توزن الرجال الأربعة هم: الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون فهو وارثهم كلهم رضي اللّه عنه. وقال الشيخ في الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة: من شأن القطب الوقوف دائما خلف الحجاب الذي بينه وبين الحق جل وعلا فلا يرتفع حجابه حتى يموت فإذا مات لقي اللّه عزّ وجلّ فهو كالحاجب الذي ينفذ أوامر الملك وليس له من اللّه تعالى إلا صفة الخطاب لا الشهود انتهى.

(فإن قلت): فهل يحتاج القطب في توليته إلى مبايعة في دولة الباطن كما هي الخلافة في الظاهر ؟

(فالجواب): نعم كما قاله الشيخ في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة وعبارته: اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبدا مرتبة القطابة إلا وينصب له سرير في حضرة المثال ويقعده عليه يبني صورة ذلك المكان على صورة المكانة كما يبني صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى علما بكل شيء وللّه المثل الأعلى فإذ نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم وتطلبه فيظهر بها حللا وزينة متوجا مسورا مدملجا لتعمّه الزينة علوا وسفلا ووسطا وظاهر وباطنا فإذا قعد عليه قعد بصورة الخلافة وأمر اللّه العالم ببيعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره دخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى إلا العالون وهم المهيمون في جلال اللّه عز وجل العابدون للّه تعالى بالذات لا بأمر إلهي ظاهر على لسان رسول، واعلم أن أول من يدخل عليه الملأ الأعلى على مراتبهم الأول فالأول فيأخذون بيده على السمع والطاعة ولا يتقيدون بمنشط ولا مكره لأنهم لا يعرفون هاتين الصفتين فيهم، إذ لا يعرف شيء إلا بضده فهم في منشط لا يعرفون لهم طعما لعدم ذوقهم للمكره وما منهم روح يدخل عليه للمبايعة إلا ويسأله عن مسألة من العلم الإلهي فيقول له: يا هذا أنت القائل كذا وكذا. فيقول له: نعم فيقول له: في هذه المسألة وجهان يتعلقان بالعلم باللّه تعالى أحدهما أعلى من الذي كان عند ذلك الشخص فيستفيد منه كل من بايعه علما ليس عنده ثم يخرج. قال الشيخ رضي الله عنه: الشيخ: وقد ذكرنا جميع سؤالات القطابة في جزء مستقل ما سبقنا أحد إليه وليست هذه المسائل معينة يتكرر السؤال بها لكل قطب وإنما يخطر اللّه تعالى ذلك لمن يسأل القطب حال السؤال بعد أن جرى ذلك على خاطره فيما مضى من الزمان قال الشيخ: وأول من يبايعه العقل الأول ثم النفس ثم المقدمون من عمار السماوات والأرض من الملائكة المسخرة ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت ثم الجن ثم المولدات ثم سائر ما سبح اللّه تعالى من مكان ومتمكن ومحل وحال فيه إلا العالون من الملائكة كما مر وكذلك الأفراد من البشر لا يدخلون تحت دائرة القطب وما له فيهم تصرف إذ هم كمل مثله مؤهلون لما ناله هذا الشخص من القطبية لكن لما كان الأمر يقتضي أن لا يكون في الزمان إلا واحد يقوم بهذا الأمر تعين ذلك الواحد لكن لا لأولية وإنما هو يسبق العلم فيه بأن يكون هو الوالي وفي الأفراد من يكون أكبر منه في العلم باللّه تعالى وحده. قال الشيخ في الباب الخامس والخمسين ومائتين: ومن خصائص القطب أن يختلي باللّه تعالى وحده. لا تكون هذه المرتبة لغيره من الأولياء أبدا ثم إذا مات القطب الغوث انفرد تعالى بتلك الخلوة لقطب آخر لا ينفرد قط بالخلوة لشخصين في زمان واحد أبدا وهذه الخلوة من علوم الأسرار وأما ما ورد في الآخرة من أن الحق تعالى يخلو بعبده ويعاتبه فذلك من باب انفراد العبد بالحق تعالى لا من باب انفراد الحق بالعبد فافهم واكتم انتهى. ثم اعلم أنه لما كان نصب الإمام واجبا لإقامة الدين وجب أن يكون واحدا لئلا يقع التنازع والتضاد والفساد فحكم هذ الإمام في الوجود حكم القطب قال: وقد يكون من ظهر من الأئمة بالسيف أيضا قطب الوقت كأبي بكر وعمر في وقته وقد لا يكون قطب الوقت فتكون الخلافة لقطب الوقت الذي لا يكون إلا بصفة العدل ويكون هذا الخليفة الظاهر من جملة نواب القطب في الباطن من حيث لا يشعر فإن الجور والعدل يقع من أئمة الظاهر ولا يكون القطب إلا عادلا. واعلم أن القطبية كما أنها قد تكون لولاة الأمور كذلك قد تكون في الأئمة المجتهدين من الأربعة وغيرهم بل هي فيهم أظهر ويكون تظاهرهم بالاشتغال بالعلم الكسبي حجاب عليهم لكون القطب من شأنه الخفاء رضي اللّه عنهم أجمعين. قال الشيخ محيي الدين:

وقد اجتمعت بالخضر عليه الصلاة وسألته عن مقام الإمام الشافعي فقال: كان من الأوتاد الأربعة فسألته عن مقام الإمام أحمد فقال هو صديق وأطال في ذلك ثم قال في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُو الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59] المراد بأولي الأمر الأقطاب والخلفاء والولاة لكن فيما لا يخالف شرعا مأمورا به وذلك هو المباح الذي لا أجر فيه ولا وزر فإن الواجب والمندوب والحرام والمكروه من طاعة اللّه ورسوله فما بقي لأولي الأمر المباح، فإذا أمرك الإمام الذي بايعته على السمع والطاعة بمباح من المباحات وجب عليك طاعته في ذلك وحرمت عليك مخالفته وصار حكم تلك الإباحة الوجوب فيحصل لمن عمل بذلك أجر الواجب لارتفاع حكم الإباحة منه بأمر هذا الإمام الذي بايعته وأطال الشيخ في ذكر مبايعة النبات وسائر الحيوانات للقطب فراجعه.

(فإن قلت): فما المراد بقولهم: القطب لا يموت ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثالث والسبعين: من "الفتوحات": أن المراد به أنّ العالم لا يخلو زمانا واحدا من قطب يكون فيه كما هو في الرسل عليهم الصلاة والسلام ولذلك أبقى اللّه تعالى من الرسل الأحياء بأجسادهم في الدنيا أربعة ثلاثة مشرعون وهم إدريس وإلياس وعيسى وواحد حامل العلم اللدني وهو الخضر عليه السلام وإيضاح ذلك أن الدين الحنيفي له أربعة أركان كأركان البيت وهم الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون والرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه فل يخلو زمان من رسول يكون فيه وذلك هو القطب الذي هو محل نظر الحق تعالى من العالم كما يليق بجلاله ومن هذا القطب يتفرع جميع الأمداد الإلهية على جميع العالم العلوي والسفلي قال الشيخ محيي الدين: ومن شرطه أن يكون ذا جسم طبيعي وروح، ويكون موجودا في هذه الدار الدنيا بجسده وحقيقته فلا بد أن يكون موجودا في هذه الدار بجسده وروحه من عهد آدم إلى يوم القيامة ولما كان الأمر على ما ذكرناه ومات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ والشرع الذي لا يتبدل دخلت الرسل كلهم في شريعته ليقوموا بها فلا تخلو الأرض من رسول حي بجسمه إذ هو قطب العالم الإنساني ولو كانوا في العدد ألف رسول فإن المقصود من هؤلاء هو الواحد فإدريس في السماء الرابعة وعيسى في السماء الثانية وإلياس والخضر في الأرض ومعلوم أن السماوات السبع من عالم الدنيا لكونها تبقى ببقاء الدنيا وتفنى بفنائها صورة فهي جزء من دار الدنيا بخلاف الفلك الأطلس فإنه معدود من الآخرة، فإن في يوم القيامة تبدل الأرض غير الأرض والسماوات يعني:

يبدلن بغيرهن كما تبدل هذه النشأة الترابية منا أيها السعداء بنشأة أخرى أرق وأصفى وألطف فهي نشأة طبيعية جسمية لا يبول أهلها ولا يتغوطون كما وردت بذلك الأخبار وقد أبقى اللّه في الأرض إلياس والخضر وكذلك عيسى إذا نزل وهم من المرسلين فهم القائمون في الأرض بالدين الحنيفي فما زال المرسلون ولا يزولون في هذه الدار لكن في باطنية شرع محمد صلى اللّه عليه وسلموَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187] فالقطب هو الواحد من عيسى وإدريس وإلياس والخضر عليهم السلام وهو أحد أركان بيت الدين وهو كركن الحجر الأسود واثنان منهم هما الإمامان وأربعتهم هم الأوتاد فبالواحد يحفظ اللّه الإيمان وبالثاني يحفظ اللّه الولاية وبالثالث يحفظ النبوة وبالرابع يحفظ اللّه الرسالة وبالمجموع يحفظ اللّه الدين الحنيفي فالقطب من هؤلاء واحد لا بعينه قال الشيخ: ولكل واحد من هؤلاء الأربعة من هذه الأمة في كل زمان شخص على قلبه نائبا عنه مع وجودهم وأكثر الأولياء لا يعرفون القطب والإمامين والأوتاد، لا النواب ولا هؤلاء المرسلون الذي ذكرناهم ولهذ يتطاول كل أحد لنيل هذه المقامات ثم إذا خصوا بها عرفوا عند ذلك أنهم نواب لذلك القطب فاعرف هذه النكتة فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا ولولا ما ألقي في سري من إظهارها ما أظهرتها انتهى.

(فإن قلت): فما المراد بقولهم فلان من الأقطاب على مصطلحهم ؟

(فالجواب): مرادهم بالقطب في عرفهم كل من جمع الأحوال والمقامات وقد يتوسعون في هذا الإطلاق فيسمون القطب في بلادهم أو بلدهم كل من دار عليه مقام ما من المقامات وانفرد به في زمانه على أبناء جنسه فرجل البلد قطب ذلك البلد ورجل الجماعة قطب تلك الجماعة وهكذا ولكن الأقطاب المصطلح عليهم فيما بين القوم لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث.

(فإن قلت): فهل يكون القطب الغوث أحدا من مشايخ سلسلة القوم كالشيخ يوسف العجمي وسيدي أحمد الزاهد وسيدي مدين وأضرابهم ؟

(فالجواب): كما قاله سيدي علي الخواص رحمه اللّه: لا يلزم أن يكون أحدهم قطبا فإن إمام القبطانية عزيز جل أن يلمح سناه كل أحد ولكن المسلكون المذكورون كالحجاب على باب الملك يعلّمون كل من أراد دخول حضرة الملك الآداب اللائقة به وم ظهر على يديهم من الكرامات والخوارق إنما هو لشدة صفاء نفوسهم وكثرة مراقبتهم للّه تعالى وكثرة إخلاصهم ومجاهداتهم قال: وقد ذكر الشيخ عبد القادر الجيلي أن للقطابة ستة عشر عالما إحاطيا، الدنيا والآخرة عالم من هذه العوالم وهذا أمر لا يعرفه إل من اتصف بالقطبية.

(فإن قيل): هل يكون محل إقامة القطب بمكة دائما كما هو مشهور ؟

(فالجواب): هو بجسمه حيث شاء اللّه لا يتقيد بالمكث في مكان بخصوصه ومن شأنه الخفاء فتارة يكون حدادا وتارة تاجرا وتارة يبيع الفول ونحو ذلك. واللّه أعلم.

(فإن قيل): فهل كان قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم، أقطاب وكم عددهم ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع عشر من "الفتوحات" أن الأقطاب لا يخلو عصر منهم، قال: وجملة الأقطاب المكلمين من الأمم السالفة من عهد آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام، خمسة وعشرون قطبا أشهدنيهم الحق تعالى في مشهد قدس في حضرة برزخية وأنا بمدينة قرطبة وهم الفرق ومداوي الكلوم والبكاء والمرتفع والشفار الماضي والماحق والعاقب والمنحور وسجر الماء وعنصر الحياة والشريد والصائغ والراجح والطيار والسالم والخليفة والمقسوم والحي والراقي والواسع والبحر والمنصف والهادي والأصلح والباقي فهؤلاء هم الأقطاب الذين سموا لنا من آدم إلى محمد عليهما الصلاة والسلام، وأما القطب الواحد الممد لجميع الأنبياء والرسل والأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة فهو روح محمد صلى اللّه عليه وسلم، قال الشيخ محيي الدين في الباب الثاني والستين وأربعمائة: واعلم أن لكل بلد أو قرية أو إقليم قطبا غير الغوث به يحفظ اللّه تعالى تلك الجهة سواء كان أهله مؤمنين أو كفارا وكذلك القول في الزهاد والعباد والمتوكلين وغيرهم لا بد لكل صنف منهم من قطب يكون مدارهم عليه. قال الشيخ: وقد اجتمعت بقطب المتوكلين فرأيت مقام المتوكل يدور عليه دوران الرحى حين تدور على قطبها وهو عبد اللّه ابن الأستاذ ببلاد الأندلس صحبته زمانا طويلا وكذلك اجتمعت بقطب الزمان سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس وكان أشل اليد فتكلمت على مقام القطبية في مجلس كان فيه فأشار علي أن أستره عن الحاضرين ففعلت.

(فإن قلت): فهل مدة معينة للقطبية إذا وليها صاحبها لا يعزل منه حتى تنقضي ؟

(فالجواب): ليس للقطبية مدة معينة فقد يمكث القطب في قطبيته سنة أو أكثر أو أو أقل إلى يوم إلى ساعة فإنها مقام ثقيل لتحمل صاحبها أعباء الممالك الأرضية كلها ملوكها ورعاياها.

وذكر الشيخ في الباب الثالث والستين وأربعمائة: أن كل قطب يمكث في العالم الذي هو فيه على حسب ما قدر اللّه عز وجل ثم تنسخ دعوته بدعوة أخرى كم تنسخ الشرائع بالشرائع وأعني بالدعوة ما لذلك القطب من الحكم والتأثير في العالم فمن الأقطاب من يمكث في قطبيته الثلاث والثلاثين سنة وأربعة أشهر ومنهم من يمكث فيها ثلاث سنين ومنهم ومنهم كما يؤيد ذلك مدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فإنهم كانوا أقطابا بلا شك انتهى.

* - وقال في الباب الثالث والثمانين وثلاثمائة: اعلم أن بالقطب تحفظ دائرة الوجود كله من عالم الكون والفساد وبالإمامين يحفظ اللّه تعالى علم الغيب والشهادة وهو ما أدركه الحس وبالأوتاد يحفظ اللّه تعالى الجنوب والشمال والمشرق والمغرب وبالأبدال يحفظ اللّه الأقاليم السبعة وبالقطب يحفظ اللّه الوجود على عالم الدنيا ونظيره من الطب وعلم تقويم الصحة.

(فإن قلت): فهل للقلب تصريف في أن يعطي القطبية لمن شاء من أصحابه أو أولاده ؟

(فالجواب): ليس له تصريف في ذلك وقد بلغنا أن بعض الأقطاب سأل اللّه أن تكون القطبية من بعده لولده فإذا بالهاتف يقول له ذلك لا يكون إلا في الإرث الظاهر وأما الإرث الباطن فذلك إلى اللّه وحدهاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: 124] انتهى. فعلم أنه ما حفظ من حفظ من الأولياء وغيرهم من جهاته الأربع إلا بالأوتاد الذين كان منهم الإمام الشافعي رضي اللّه عنه وم حفظ من حفظ في صفاته السبع إلا بالأبدال السبعة فكل صفة لها بدل يحفظها على صاحبه من حياة وعلم وقدرة وإرادة وسمع وبصر وكلام انتهى. وقال الشيخ أيضا في الباب الخامس عشر: اعلم أن لكل بدل من الأبدال السبعة قدرة تمده من روحانية الأنبياء الكائنين في السماوات فينزل مدد كل بدل من حقيقة صاحبه الذي في السماء قال: وكذلك أمداد الأيام السبعة تنزل من هؤلاء الأبدال لكل يوم مدد يختص به من ذلك البدل.

(فإن قلت): فهل يزيد الأبدال وينقصون بحسب الشؤون التي يبدلها الحق تعالى أم هم على عدد واحد لا يزيدون ولا ينقصون ؟

(فالجواب): هم سبعة لا يزيدون ولا ينقصون وبهم يحفظ اللّه الأقاليم السبعة ومن شأنهم العلم بما أودع اللّه تعالى في الكواكب السيارة من الأمور والأسرار في حركاتها ونزولها في المنازل المقدرة.

(فإن قلت): فلم سموا أبدالا ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثالث والسبعين: أنهم سمو أبدالا لأن كل واحد منهم إذا فارق مكانه خلفه فيه شخص على صورته لا يشك الرائي أنه ذلك البدل.

(فإن قلت): فهل ترتيب الأقاليم السبعة على صورة ترتيب السبع سماوات بحيث يكون ارتباط الإقليم الأول بالسماء السابعة والثاني بالسماء السادسة وهكذا ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين ومائة: نعم بكون روحانية كل إقليم مرتبة بالسماء المشاكلة له فالإقليم الأول للسماء السابعة وهكذا.

(وإيضاح ذلك): أن تعلم يا أخي أن اللّه تعالى جعل هذه الأرض التي نحن عليها سبعة أقاليم واصطفى من عباده المؤمنين سبعة سماهم الأبدال وجعل لكل بدل إقليما يمسك اللّه وجود ذلك الإقليم به فالإقليم الأول ينزل الأمر إليه من السماء الأولى التي هي السابعة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه هو على قلب الخليل إبراهيم عليه السلام، والإقليم الثاني ينزل الأمر من السماء الثانية وينزل إليه روحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب موسى عليه السلام، والإقليم الثالث ينزل إليه الأمر الإلهي من السماء الثالثة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب هارون ويحيى بتأييد محمد صلى اللّه عليه وسلم، والإقليم الرابع ينزل إليه الأمر والنهي الإلهي من السماء الرابعة قلب الأفلاك كلها وينظر إليه روحانية كوكبها الأعظم والبدل الذي يحفظه على قلب إدريس عليه السلام، وهو القطب الذي لم يمت إلى الآن والأقطاب فينا نوابه كما مر. والإقليم الخامس ينزل الأمر من السماء الخامسة وينظر إليه روحانية كوكبها وبالبدل الذي يحفظ اللّه به هذا الإقليم على قلب يوسف عليه السلام، بتأييد محمد صلى اللّه عليه وسلم، والإقليم السادس ينزل الأمر إليه من السماء السادسة وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب عيسى روح اللّه ويحيى عليهما السلام، والإقليم السابع ينزل الأمر إليه من السماء الدنيا وينظر إليه روحانية كوكبها والبدل الذي يحفظه على قلب آدم عليه السلام. قال الشيخ: وقد اجتمعت بهؤلاء الأبدال السبعة بمكة خلف حطيم الحنابلة حين وجدتهم يركعون هناك فسلمت عليهم وسلموا عليّ وتحدثت معهم فما رأيت أحسن منهم سمتا ولا أكثر شغلا منهم باللّه عزّ وجلّ وما رأيت مثلهم إلا سقيط الرفرف بن ساقط العرش بقونية وكان فارسيا رضي اللّه عنه، وقد أطال الشيخ الكلام على أصحاب الدوائر من الأولياء في الباب الثالث والسبعين من "الفتوحات" فراجعه واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!