موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع والثلاثون: في بيان صفة الملائكة وأجنحتها وحقائقها وذكر نفائس تتعلق بها لا توجد في كتاب أحد ممن صنف في الملائكة فإن منزع هذا المبحث الكشف والنقول فيه عزيزة

اعلم أنه قد تقدم في المبحث الثالث والثلاثين نفائس في بيان نزول الملائكة بالوحي فراجعه، والذي يخصنا هنا أن تعلم أن الملائكة عند أهل الحق أجسام لطيفة ولهم قوة التشكل والتبدل، قادرون على الأفعال الشاقة عباد مكرمون مواظبون على الطاعات معصومون من المخالفات والفسق لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة كما سيأتي إيضاحه في هذا المبحث إن شاء اللّه تعالى .

(فإن قلت): هل النجوم والشمس والقمر أملاك أو منصات أملاك ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الستين من "الفتوحات": أن جميع النجوم والشمس والقمر مراكب للملائكة وذلك لأنه اللّه تعالى قد جعل في السماوات نقباء من الملائكة، وجعل لكل ملك نجما هو مركب له يسبح فيه وجعل الأفلاك تدور بهم في كل يوم دورة فلا يفوتهم شيء من أحوال المملكة السماوية والأرضية وأملاك هذه المنصات منهم جنود وأمراء وملوك وأطال في ذكرهم. ثم قال: فكل سلطان لا ينظر في أحوال رعيته ولا يمشي بالعدل بينهم ولا يعاملهم بالإحسان الذي يليق بهم فقد استحق العذل.

(فإن قلت): فهل بين ولاة السماوات وولاة الأرض مناسبات ورقائق تمتد بهم إلى ولاة أهل الأرض بالعدل مطهرة من الشوائب مقدسة من العيوب، فتقبل أرواح هؤلاء الولاة الأرضيين من أرواح الملائكة ورقائقها بحسب استعداداتهم فمن كان من ولاة الأرض استعداده قويا حسنا قبل ذلك الأمر الذي امتد إليه من رقائق الملائكة طاهرا مطهرا من الشوائب على صورته من غير تغيير فكان والي عدل وإمام فضل وأما من كان استعداده رديئا فإنه يقبل ذلك الأمر الظاهر فيرده إلى شكله من الرداءة والقبح فكان والي جور ونائب ظلم فلا يلومن إلا نفسه انتهى. وقد بسط الشيخ الكلام على ذلك في التنزلات الموصلية.

(فإن قلت): فهل في قوة الملك أن يتطور كيف شاء كالجن ؟

(فالجواب): نعم، كما مر في أول المبحث.

(فإن قلت): فهل في قدرة الكامل من البشر أن يظهر في صورة غيره كالملائكة ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الحادي عشر وثلاثمائة: أن في قوة الكامل من البشر كقضيب البان وغيره أن يظهر في صورة غيره من البشر وليس في قوة الكامل من الملائكة أن يظهر في صورة غيره من الملائكة فلا يقدر جبريل يظهر في صورة إسرافيل ولا عكسه فعلم أن في قوة الإنسان ما ليس في قوة الملك.

(فإن قلت): فأي الملائكة أكبر مقاما على الإطلاق كما هو الحال في محمد صلى اللّه عليه وسلم ؟

(فالجواب): لم نطلع من ذلك على نص ولا ينبغي لأحد أن يفاضل بعقله بين الملائكة السماوية ولا غيرهم، فلا يقال جبريل أفضل من إسرافيل ولا أفضل من ميكائيل ولا عزرائيل أفضل من إسماعيل الذي هو ملك السماء إلا بنص صريح.

(فإن قلت): فهل يوصف الملأ الأعلى بأنهم أنبياء وأولياء كالبشر ؟ (فالجواب): لا يوصف الملأ الأعلى بأنهم أنبياء أو أولياء لأنهم لو كانوا أنبياء أو أولياء ما جهلوا الأسماء التي علمها لهم آدم عليه السلام إذ معرفة اللّه تعالى تكون بحسب المعرفة بأسمائه وجهل العبد به يكون بحسب جهله بها.

(فإن قلت): فهل جميع الملائكة من عالم الخير. فإن قلتم بذلك فكيف قالوا: اللهم أعط ممسكا تلفا ودعوا على مال المؤمن بالإتلاف ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في باب الزكاة من "الفتوحات": ليس ذلك دعاء على مال المؤمن بالإتلاف الذي يتألم منه المؤمن وإنما هو دعاء له بأن ينفقه في مرضاة اللّه عز وجل فيؤجر عليه كما يؤجر المنفق اختيارا لأن الملك من عالم الخير لا يدعو على مؤمن بما يضره فمعنى قوله: اللهم أعط ممسكا تلفا أي: اجعل الممسك ينفق ماله في مرضاتك فتخلفه عليه، وإن كنت يا ربنا لم تقدر في سابق علمك أن ينفقه باختياره فأتلف ماله عليه حتى تأجره فيه أجر المصاب ليصيب خيرا فهو دعاء له بالخير كما مر لا كما يظنه من لا معرفة له بمقام الملائكة، فإن الملك لا يدعو بشر لا سيما في حق المؤمن بوجود اللّه وتوحيده وبما جاء من عنده. قال الشيخ: ولا شك أن دعاء الملك مجاب لوجهين: الأول: لطهارته. والثاني: كونه دعاء في حق الغير فهو دعاء لصاحب المال بلسان لم يعص اللّه به وهو لسان الملك فعلم أن المراد بالاتلاف الإنفاق لكنه أي: الملك غاير بين اللفظين واللّه أعلم.

(فإن قلت): فهل في قوة البشر أن ينزل الملك من السماء بالإقسام عليه باللّه تعالى كما يفعله أهل الرصد ؟

(فالجواب): ليس في قوة البشر أن ينزل واحدا من الأملاك من السماء بإقسام عليه أو غير ذلك لقوله تعالى: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مريم: 64] فلا يؤثر في مثل هؤلاء الذين لا يتنزلون إلا بأمر الرب خاصة نبات ول إقسام عليهم باللّه عز وجل، كما ذكره الشيخ في الباب الخامس والعشرين قال: وهذ بخلاف أرواح الكواكب السماوية فإنها تنزل بالأسماء والبخورات وأشباه ذلك لأنه تنزل معنوي ومشاهدة صور خالية فإن ذات الكواكب لم تبرح في السماء عن مكانها وإنما جعل اللّه تعالى لمطارح شعاعها في عالم الكون والفساد تأثيرات عند العارفين بذلك لكن بإذن اللّه تعالى كوجود الري عند شرب الماء والشبع عند الأكل ونبات الحبة عند دخول الفصل بنزول المطر والصحو حكمة أودعها الحكيم العليم.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: 158] . هل هو الجن أو الملائكة كما هو المشهور من قولهم في الملائكة إنهم بنات اللّه تعالى عن ذلك ؟

(فالجواب): المراد بالجنة هنا الملائكة وسموا جنة لاستتارهم عن العيون مع كونهم يحضرون معنا في مجالسنا ولا نراهم لأن اللّه تعالى جعل بينهم وبين أعين الناس حجابا مستورا فكما أن الحجاب مستور عنا، فهم كذلك مستورون بالحجاب عن فلا نراهم إلا إذا شاءوا أن يظهروا لنا ذكره الشيخ في الباب التاسع والستين وثلاثمائة، قال فيه: ولا يخفى أن الجنة من الملائكة الذين يلازمون الإنسان ويتعاقبون فينا بالليل والنهار ولا نراهم عادة ولكن إذا أراد اللّه عز وجل لأحد من الإنس أن يراهم من غير إرادة منهم لذلك رفع اللّه الحجاب عن عين الذي يريد اللّه أن يدركهم فيدركهم وقد يأمر اللّه الملك بالظهور لنا فنراهم أو يرفع الغطاء عن فنراهم رأي العين، لكن لا يصح كلامهم لنا إذا رأيناهم فإن ذلك من خصائص الأنبياء وأما الولي فإن رأى الملك لا يراه مكلما له وإن كلمه الملك لا يرى شخصه فلا يجمع بين الرؤية والكلام إلا نبي.

(فإن قلت): فهل للملك حظ في الشقاء ؟

(فالجواب): لاحظ للملك في الشقاء وأما ما نقل عن هاروت وماروت فل يصح منه شيء فالشقاء والسعادة خاصان بالجن والإنس والسلام.

(فإن قلت): فما السبب الذي أمرت الملائكة بالسجود لآدم لأجله هل هو لكونه في أحسن تقويم أو لتعليمهم الأسماء ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في علوم الباب التاسع والستين وثلاثمائة: إن سجود الملائكة لآدم ليس لأجل تعليمهم الأسماء وإنما ذلك لأجل كونه في أحسن تقويم وسيأتي قريبا أن سبب السجود كان عن إغضاب خفي على الملائكة. (فإن قلت): فلم أمروا بالسجود لآدم قبل أن يعرفوا فضله عليهم ؟

(فالجواب): إنما أمروا بذلك قبل أن يعرفوا فضله عليهم بما علمه اللّه له من الأسماء امتحانا للملائكة، ولو أن السجود كان بعد ظهوره بالعلم ما أبى إبليس ولا قالأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: 12] ولا استكبر عليه ولهذا قال: أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء: 61] وقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12] والنار أقرب إلى اسمك النور من الطين لإضاءتها.

(فإن قلت): فإذن ما كان إعلام اللّه تعالى الملائكة بخلافته آدم إل بعد ما أخبر اللّه تعالى عنهم ؟

(فالجواب): نعم ولهذا قال في قصتهوَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة: 34] فأتى بالماضي من الأفعال وبأداة إذ وهي لما مضى من الزمان فاجعل بالك من هذه المسألة لتعلم فضل آدم بعلمه على فضله بالسجود له لمجرد ذاته ولتعلم أيضا لماذا نهى الشرع أن يسجد إنسان لإنسان فإنه سجود الشيء لنفسه فإنه مثله والشيء لا يخضع لنفسه وقد نهى الشارع صلى اللّه عليه وسلم، عن الانحناء أيضا وأمرنا بالمصافحة.

(فإن قلت): فهل كان الأمر بالسجود لآدم ابتلاء للملائكة أو لأمر آخر ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الحادي والأربعين وثلاثمائة: إن ذلك ابتلاء من اللّه للملائكة عن إغضاب خفي لا يشعر به إلا العلماء باللّه عز وجل لأنها اعترضت على الحق تعالى في جعله آدم خليفة في الأرض ولو أنها ما اعترضت ما ابتليت بالسجود لآدم الذي هو عبد اللّه عز وجل، قال الشيخ: وهكذا كل مؤاخذة وقعت بالعالم لا تكون إلا بعد إغضاب خفي أو جلي لأن اللّه تعالى خلق العالم بالرحمة المتوجهة على إيجاده وليس من شأن الرحمة الانتقام بخلاف الغضب فإن من شأنه الانتقام ولكنه على طبقات. قال: وحيث وقع الانتقام فهو تطهير إلا للكفار وهذا من علوم الأسرار فاحتفظ به انتهى.

(فإن قلت): قد ورد صفوا يعني في الصلاة كما تصف الملائكة عند ربه يعني: خلف إمامها وورد أنها تصف خلف إمامنا فإذن إمامنا عند ربها أيضا ؟ (فالجواب): نعم وإيضاحه أن الملائكة تصف خلفنا فهي في هذ الحال عند الإمام المصلي بها وهي لم تزل عند ربها فالإمام لنا مكان آدم فإمامن يسجد للّه واللّه تعالى في قبلة الإمام كما يليق بجلاله والإمام قبلة الملائكة فم زال سجود الملائكة لآدم وبنيه في كل صلاة كما سجدوا لأبيهم آدم فلا تزال الخلافة في بني آدم ما بقي منهم مصلّ إلى يوم القيامة ذكره الشيخ في الباب السابع والأربعين وثلاثمائة. وقال فيه: إن الشأن الإلهي والأمر إذا وقع في الدنيا لم يرتفع حكمه إلى يوم القيامة وقد وقع السجود لآدم من الملائكة فبقي سجودهم لذريته خلف كل من صلى إلى يوم القيامة كما نسي آدم فنسيت ذريته وكما جحد فجحدت ذريته وكم قتل قابيل أخاه هابيل ظلما فما زال القتل في بني آدم ظلما إلى يوم القيامة فكل مصلّ أمام الملائكة والملائكة خلفه تسجد إلى جهته.

(فإن قلت): فما الفرق بين السجودين أعني سجودهم لآدم وسجودهم لأولاده ؟

(فالجواب): من الفرق بين آدم وبنيه أن الملائكة إذا سجدت خلف بنيه إنما تسجد لسجود بني آدم في القراءة والصلاة وأما سجودهم لآدم فهو سجود المتعلم للعلم فاجتمعا في السجود وافترقا في السبب واللّه أعلم.

(فإن قلت): فلم لم يقف النبي صلى اللّه عليه وسلم، عن يمين جبريل لما صلى خلفه كما هو شأن المنفرد ؟

(فالجواب): إنما لم يقف عن يمينه لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم، رأى الملائكة خلف جبريل ببصره فوقف في صفهم ولو أنه لم ير صف الملائكة لوقف عن يمين جبريل وكذلك ينبغي أن يقال في الجواب عن الرجل الذي صلّى خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأمره بالوقوف عن يمينه ولو كان يشاهد الملائكة الذين كانوا يصلون خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لما أمره بالوقوف عن يمينه فراعى صلى اللّه عليه وسلم، حكم مقام ذلك المأموم وليس حكم من لم يشاهد الأمور مثل حكم من يشاهده والمقصود بما ذكرناه كله إعلامك بأن السجود من الملائكة خلف بني آدم ما ارتفع وأن الإمامة ما ارتفعت من آدم إلى آخر مصلّ والملائكة تبع لهذا الإمام فنحن عند اللّه في حال إمامتنا كما مر والملائكة تبع لإمامنا والملائكة عندنا بالاقتداء فهي عند ربها لأن الإمام وهذه الملائكة عنده وكل صف إمام لمن خلفه بالغا ما بلغ.

(فإن قلت): فهل تتقرب الملائكة إلى ربها بالنوافل كما يتقرب البشر ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الحادي والعشرين وأربعمائة: أنه ما ثم ملك يتقرب إلى اللّه تعالى بنافلة أبدا إنما هم في الفرائض دائم ففرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم.

(فإن قلت): فإذن هم ناقصون عن مقام البشر لفقدهم المقام الذي أخبر الحق تعالى أنه يكون فيه سمعهم وبصرهم إلى آخر النسق كما يليق بجلاله ؟

(فالجواب): نعم فهم عبيد اضطرار ونحن عبيد اضطرار واختيار فنقصو بذلك عن مقامنا كما نقصوا عنه أيضا من حيث أنه ليس لهم فكرة وإنما لهم عقل فقط ففاتهم ثواب الفكر في مصنوعات اللّه وعدموا كون الحق تعالى سمعهم وبصرهم فافهم أيضا ثواب اجتناب النهي لأنهم لا يذوقون له طعما لعصمتهم انتهى.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ(12) [الانفطار: 10 - 12] ؟ وقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18) [ق:

18] هل المراد بالرقيب العتيد هما الكاتبان ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع والأربعين وخمسمائة: إن الملكين الكاتبين هما الرقيب والعتيد من ملائكة الليل والنهار فهم يكتبون كل ما تلفظ به العبد ولا يكتبون غير ذلك فإن العبد إذا تلفظ رمى به في الهواء وبعد ذلك يتلقاه الملك، فإن اللّه تعالى عند قول كل قائل في حين قوله فيراه الملك نورا قد رمي به هذا القائل الذي ألحق اللّه تعالى عند لسانه فيأخذه الملك أدبا مع القول فيحفظه له عنده إلى يوم القيامة فعلم أن الحفظة تعلم ما يفعل العبد بنص القرآن ولكنها لا تكتب له عملا حتى يتلفظ به فإذا تلفظ به كتبته فهم شهود أقوال وسبب ذلك عدم اطلاعهم على ما نواه العبد في ذلك الفعل، ولهذا كانت ملائكة العروج بالأعمال تصعد بعمل العبد وهي تستقله فيقبل منها ويكتب في عليين وتصعد بالعمل وهي تستكثره فيقال لهم: اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه فإنه لم يرد به وجه اللّه الحديث بمعناه وقال تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ [البينة: 5] . فلو علمت الحفظة ما في نية العبد عند العمل ما ورد مثل هذا الخبر فالنية بالقلب لا يعلمها إلا اللّه ثم صاحبها.

فالملك يكتب حركة العبد حتى حركة لسانه فإذا تلفظ فاللّه شهيد لأنه تعالى عند قول عبده على الحقيقة بالاعتناء لا عند عبده فهذه الكينونة الإلهية هي التي تحدث بحدوث الكون في الشهود وسبب ذلك أنه تكوين والتكوين لا يكون إلا عند القول الإلهي في كل كائن فجميع ما يتكون في الكون فعن القول الإلهي فليس بين الحق تعالى وبين العبد مناسبة أعم ولا أتم من مناسبة القول ولهذا ورد أن اللّه عند لسان كل قائل فإن الكون الذي هو القول مفارق قائله فإن لم يكن الحق تعالى عنده ضاع القول فلا بد من كون الحق تعالى عنده لينشئه صورة قائمة الخلقة كما يقبل تعالى الصدقة فيربيها حتى تكون كالجبل العظيم انتهى.

(فإن قلت): قد قال العلماء إن الملائكة يكتبون الأعمال أيضا لكون اللّه تعالى أخبر أنهم يعلمونها وما يعلمونها إلا ليكتبوها.

(فالجواب): لم نعلم لقولهم هذا دليلا من القرآن فمن ظفر بدليل صريح فليلحقه بهذا الموضع واللّه أعلم.

(فإن قلت): فما المراد بالملائكة المشار إليهم بقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد: 11] . هل هم الحفظة أو غير ذلك ؟

(فالجواب): المراد بهؤلاء الملائكة ملائكة التسخير الذين يكونون مع العبد بحسب ما يكون العبد عليه فهم تبع له وليس المراد بهم الحفظة واللّه أعلم.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرامٍ بَرَرَةٍ(16) [عبس: 13 - 16] ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الستين ومائة: إن المراد بالصحف المكرمة هي علم الرسالة والمراد بالسفرة هم الرسل من الملائكة ومعنى: بررة أي: محسنون فهم سفراء الحق تعالى إلى الخلق ورئيسهم الأكبر جبريل عليه الصلاة والسلام فإذا أراد اللّه تعالى إنفاذ أمر في خلقه أوحى إلى الملك الأقرب إلى مقام تنفيذ الأوامر وهو الكرسي فيلقي اللّه تعالى ذلك الأمر على وجوه مختلفة ثم يأمره بأن يوحى به إلى من يليه ويوحي إليه أن يوحي إلى من يليه وهكذا إلى سماء الدنيا وينادي ملك الماء فتوضع تلك الرسالة في الماء وينادي ملائكة اللمات وهم ملائكة القلوب فيلقونها في قلوب العباد فيعرف الشياطين ما جاءت به الملائكة وتأتي بأمثاله إلى قلوب الخلق فتنطق الألسنة بما تجده في القلوب وهي الخواطر قبل التكوين بأنه كان كذا واتفق كذا لما لم يكن فما يكون منه بعد الكلام به فكذلك مما جاءت به الملائكة وما لم يكن فهو مما ألقته الشياطين ويسمى ذلك في العالم الإرجاف وتقول عنه العامة إنه مقدمات التكوين ثم إن ملك الماء إذا ألقى ما أوحي به إليه في الماء فلا يشرب من ذلك الماء حيوان إلا ويعرف ذلك السر إلا الثقلين انتهى.

(فإن قلت): فهل للملائكة آخرة كالإنس والجن أم لا ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن عشر وخمسمائة: إنه ليس للملائكة آخرة وذلك أنهم لا يموتون فيبعثون وإنما هو صعق وإفاقة كالنوم والإفاقة منه عندنا وذلك حال لا يزال عليه الممكن في التجلي الإجمالي دنيا وآخرة والإجمال هناك عند الملائكة عين المتشابه عندنا ولهذا يسمعون الوحي كأنه سلسلة على صفوان وعند الإفاقة يقع التفصيل الذي هو نظير المحكم فينا فالأمر فينا وفيهم آيات متشابهات وآيات محكمات فعم الابتلاء والفتنة بالإجمال والمتشابه المذكورين الملأين الأعلى والأسفل.

(فإن قلت): فهل تتفاضل الملائكة في العلم باللّه تعالى ؟

(فالجواب): نعم لكن من غير فرق لأنهم على مقامات لا يعتدونها كما مر، فالمفضول منهم يستفهم من العالم كما في قولهم: ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُو الْحَقَّ [سبأ: 23] . وإيضاح ذلك أن الملائكة أرواح في أنوار لها أجنحة فإذ تكلم الحق تعالى بالوحي على صورة خاصة وتعلقت به أسماعهم كأنه سلسلة على صفوان كما مر ضربت الملائكة أجنحته خضعانا وتصعق حتى إذا فزع اللّه عن قلوبهم وهو إفاقتهم من صعقتهم قالوا: ماذا أي: يقول بعضهم لبعض:

ماذا فيقول بعضهم: قال ربكم كذا إعلاما بأن كلام اللّه عين ذاته فيقول بعضهم لهذا القائل الحق أي: الحق يقول وهو العلي الكبير عن هذا التشبيه فانتهى كلام الملائكة إلى قوله: قالوا الحق فقال اللّه وهو العلي الكبير نظير قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] واللّه أعلم.

(فإن قيل): فهل للعالم البشري التصرف في عالم الصور وعالم الأنفس المدبرين لهذه الصور ؟

(فالجواب): نعم كما قاله الشيخ في الباب السادس والستين وثلاثمائة. قال: عدا هذين الصنفين فما للعالم البشري عليهم حكم لكن من أراد منهم أن يحكم من شاء على نفسه كعالم الجان فله ذلك فعلم أن العالم النوري من الملائكة خارجون عن أن يكون للعالم البشري عليهم ولاية لأن كل واحد منهم على مقام معلوم عينه له ربه فم ينزل عنه إلا بأمر ربه فمن أراد أن ينزل واحد منهم فليتوجه في ذلك إلى ربه وربه يأمره ويأذن له في ذلك إسعافا لهذا السائل أو ينزل عليه ابتداء.

(فإن قيل): فما مقام الملائكة السياحين ؟

(فالجواب): مقامهم المعلوم كونهم سياحين يطلبون مجالس الذكر الذي هو القرآن فلا يقدمون على من ذكر اللّه بالقرآن أحدا من الذاكرين بغير القرآن فإذا لم يجدوا من يذكر اللّه بالقرآن غدوا على الذاكرين بغيره وذلك رزقهم الذي يعيشون به وفيه حياتهم ولذلك كان المهدي إذا خرج يقيم جماعة يتلون كتاب اللّه آناء الليل والنهار ذكره الشيخ في الباب السادس والستين وثلاثمائة.

(فإن قيل): فهل في الملائكة أحد يجهل صفات اللّه عزّ وجل كما يقع لعوام الجن والإنس ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة: إنه ليس في الملائكة بعد تعليم آدم الأسماء من يجهل الحق بل كلهم علماء باللّه عز وجل ولذلك قال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ [آل عمران: 18] . ثم قال في حق الناسوَأُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران: 18] فلم يطلق الأمر كما أطلقه في الملائكة وأطال في ذلك ثم قال: فالمراد بهذا العلم هو علم التوحيد لا علم الوجود فإن العالم كله عالم الوجود بخلاف التوحيد في الذات أو في المرتبة يجهله بعض الناس.

(فإن قيل): فهل اختصت الملائكة عن البشر بشيء من العلوم ؟

(فالجواب): نعم. كما ذكره الشيخ في الباب الخامس والسبعين وثلاثمائة، وذلك أنهم اختصوا بالعلم الذي لا يعرفه أحد من البشر إلا إن تجرد عن بشريته وعن حكم ما فيه للطبيعة من حيث نشأته حتى يبقي الروح المنفوخ فيه على أصله الأول، وحينئذ يتخلص للعلم باللّه تعالى من حيث يعلمه الملائكة فيقوم في عبادته للّه تعالى مقام الملائكة في عبادتهم للّه تعالى قال وقد ذقنا ذلك وللّه الحمد ولولا خوفنا أنا إذا علمنا هذا العلم لأحد يدعيه كذبا لبينا له منها ما تقربه العيون.

(فإن قلت): فهل فطر أحد من الملائكة على الشهوة ولكن يحميه اللّه تعالى أم لا شهوة له أصلا ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والسبعين وثلاثمائة: ليس للملائكة شهوة وإنما فطرهم اللّه على المعرفة باللّه وعلى الإرادة ولذلك أخبر عنهم بأنهم لا يعصون اللّه ما أمرهم لما خلق لهم من الإرادة ولولا الإرادة ما أثنى عليهم بأنهملا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]

(فإن قلت): فعلى ماذا فطر الحيوان ؟

(فالجواب): فطر على العلم باللّه وعلى شهوة خاصة بخلاف الجن والإنس فإنهم فطروا على المعرفة والشهوة وذلك تعلق خاص في الإرادة إذ الشهوة إرادة طبيعية فليس للجن والإنس إرادة إلهية كالملائكة وفطرهما اللّه تعالى على العقل لا لاكتساب العلم وإنما هو آلة جعله الحق تعالى للجن والإنس ليردعوا به الشهوة في هذه الدار خاصة وجميع ما استفاده الإنس والجان من العلم من غير طريق الكشف فإنما هو من طريق الفكر بالموافقة، فعلم أن العلوم التي في الإنسان إنما هي بالفطرة والضرورة والإلهام وغاية الكشف أن يكشف له عن العلوم التي فطره اللّه عليها لا غير فهو يرى به معلومه وأما بالفكر فمحال أن يصل به إلى العلم.

(فإن قلت): فمن أين علمت هذا وهو من مدركات الحس فلم يبق إلا النظر ؟

(فالجواب): علمنا ذلك من طريق الإلهام، والإعلام الإلهي وذلك أن النفس الناطقة تتلقى ذلك العلم من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص من طريق الإلهام، فإن لكل موجود من اللّه وجها خاصا فعلم أن الفكر الصحيح غاية أمره أن لا يزيد على الإمكان بخلاف ما ذكرناه من علم اللّه وإعلامه كما أن غاية مقام يصل إليه العبد بالنظر الصحيح في المعرفة باللّه تعالى الحيرة في اللّه وهذا مبتدأ البهائم لأنها مفطورة على الحيرة والعبد يريد أن يخرج عنها فلا يقدر أبدا.

(فإن قلت): فكم أصناف الملائكة ؟

(فالجواب): هم ثلاثة أصناف كما ذكره الشيخ في الباب الرابع وخمسين ومائة: الأول:

الصنف المهيمون في جلال اللّه تعالى كما أوجدهم فإنه تعالى تجلى لهم في اسمه الجميل فهيمهم وأفناهم عنه فلا يعرفون نفوسهم ولا من هاموا فيه هكذا أدركناهم من طريق كشفنا فهم في الحيرة سكارى، وقد أوجدهم اللّه تعالى من أبنية العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء بجعل ما ينافيه وهم أرواح في هياكل أنوار كسائر الملائكة الآن وليس لها ولا الملائكة من الولاية إلا ولاية الممكنات. الثاني: ملائكة التسخير كالمسخرين لنا بالعروج ليلا ونهارا من حضرة الحق الخاصة إلينا ومن حضرتنا إلى الحق وكالملائكة المستغفرين لمن في الأرض والمستغفرين للمؤمنين خاصة وكالملائكة الموكلين باللمات والموكلين بالأرحام والموكلين بالإلهام والموكلين بنفخ الأرواح وكالملائكة الموكلين بالأرزاق والأمطار وكالموكلين بالإنسان وكالملائكة الصافات والزاجرات والتاليات والمقسمات والنازعات والمرسلات والناشرات والسابقات والسابحات والملقيات والمدبرات وغيرها، وكل من عموم النبيين أفضل من هؤلاء كما مر في المبحث قبله. واعلم أن رأس ملائكة التسخير هو القلم الأعلى وهو العقل الأول سلطان عالم التدوين والتسطير. قال الشيخ: وكان وجود هؤلاء مع العالم المهيم غير أن اللّه تعالى حجبهم عن هذا التجلي الذي هام به غيرهم. الثالث: ملائكة التدبير وهي الأرواح المدبرة للأجسام كلها سواء الطبيعية والنورية والفلكية والعنصرية وجميع أجسام العالم وأطال الشيخ في ذلك، ثم قال: وقد ذكرن في الباب الرابع عشر وثلاثمائة أنه ليس للملائكة كسب ولا تعمل في مقام وإنما هي مخلوقة في مقامها لا تتعداه فلا تكسب قط مقاما وإن زادت علوما ما فليست تلك العلوم عن فكر ولا استدلال لأن نشأتهم لا تعطي ذلك مثل ما تعطيه نشأة الإنسان.

(فإن قلت): فما المراد بالأجنحة في قوله تعالى: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [فاطر: 1] ؟

(فالجواب): أن المراد بهذه الأجنحة هي القوى الروحانية وليس لهذه القوى تصرف إلا فيما كان من مقامها فلا تتعدى مقام صاحبها من الأفلاك، كما مر في مبحث الإسراء أن غاية كل شيء أن يرجع للمحل الذي صدر منه لكن لا يخفى أن الأجنحة المذكورة ما جعلت للملائكة إلا لينزلوا بها إلى من هو دونهم في العنصر لا ليصعدو بها إلى من فوقهم فيه وهذا بعكس الطائر عندنا فإنه يهوي بلا أجنحة ويصعد بها فإن أجنحة الملائكة لا تصعد بها فوق مقامها، فعلم أن الأصل في أجنحة الطائر أن تكون للصعود والأصل في أجنحة الملائكة أن تكون للهبوط فالطير إذا نزل نزل بطبعه وإذ علا علا بجناحه والملك إذا نزل نزل بجناحه وإذا علا علا بطبعه كل ذلك ليعرف كل موجود عجزه وأن لا يمكن له أن يتصرف إلا على قدر ما حد له.

(فإن قلت): فما المراد بعروج الملائكة فإنه لا يعرج إلا من نزل ؟

(فالجواب): لا يختص عروج الملائكة بالعلويات كعروج غيرهم بل يسمى نزولهم إلينا عروجا أيضا إظهارا لإطلاق الحكم للّه رب العالمين فإن له تعالى في كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه ولا سيما وقد ذكر سبحانه وتعالى أن له جهة العلو على الإطلاق أي سواء وقع التجلي في السفليات والعلويات قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1) [الأعلى: 1] . وقال: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ [الأنعام: 3] فجعل له العلو سواء كان في السماوات أو في الأرض بقرينة حديث: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ". فافهم فالعلو له دائما.

(قال) الشيخ: وإيضاح ذلك أن اللّه تعالى أعطى الملائكة من العلم بجلاله بحيث أنهم إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا إلى اللّه تعالى لا إلى غيره فلهم نظر إلى الحق في كل شيء ينزلون إليه فمن حيث نظرهم إلى من ينزلون إليه قال: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ [القدر: 4] . ومن حيث أنهم في نزولهم أصحاب عروج قال تعرج الملائكة وبالجملة فكل نظر وقع إلى الكون من أي كائن كان فهو نزول وكل نظر وقع إلى الحق وقع من أي كائن كان فهو عروج وقد قررنا فيما سبق أن الملك إذ عرج يعرج بذاته لأنه رجوع إلى أصله وإذا عرج الرسول إلى السماء عرج تبعا لذات البراق بحكم التبعية له.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى خطابا لإبليسما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ [ص: 75] ؟

(فالجواب): المراد به أستكبرت أي: في نظرك وكذلك كان الأمر فإن اللّه أخبر عنه أنه استكبر وظن بنفسه في باطن الأمر أنه خير من آدم فههنا جهل إبليس.

(فإن قلت): فهل العالون أرواح أو ملائكة ؟

(فالجواب): هم أرواح ما هم ملائكة إذن الملائكة هم الرسل من هذه الأرواح كجبريل وأمثاله فإن الألوكة هي الرسالة في لسان العرب فما بقي ملك إلا سجد لأنهم هم الذين قال اللّه لهماسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة: 34] فلم تدخل الأرواح المهيمنة فيمن خوطب بالسجود فإنه ما ذكر أنه خاطب الملائكة لا الأرواح ولهذا قال: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(30) [الحجر:

30] ونصب إبليس على الاستثناء المنقطع لا المتصل وهذه الأرواح المشار إليهم بالعالين لا يعرفون أن اللّه تعالى خلق آدم ولا غيره لشغلهم باللّه تعالى فقول اللّه تعالى لإبليسأَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ [ص: 75] أي: من هؤلاء الذين ذكرناهم فلم تؤمر بالسجود ولا يخفى أن السجود في اللسان هو التطأطؤ لأن آدم خلق من تراب وهو أسفل الأركان لا أسفل منه وسمعت بعض أشياخنا يقول: إنما لم يأمر العالون بالسجود لآدم لأنهم لا يعرفونه حتى يسجدون له وأيضا فلأنهم ما جرى لهم ذكر في تعريف اللّه إيانا ولولا ما ذكر اللّه تعالى إبليس بالإباية ما عرفنا أنه أمر بالسجود ذكره الشيخ في الباب الحادي والستين وثلاثمائة.

* - وقال في الباب السابع والخمسين ومائة: أرفع الأرواح العلوية العالون وليسوا بملائكة من حيث الاسم فإنه موضوع للرسل منهم خاصة، إذ معنى الملائكة الرسل وهو من المقلوب وأصله مآلكة والألوكة الرسالة فلا تختص بجنس دون جنس ولهذا دخل إبليس في الخطاب بالأمر بالسجود لما قال اللّه للملائكة: اسْجُدُو * [البقرة: 34] لأنه كان ممن يستعمل في الرسالة في الجملة فالملائكة جنس يعم الأرواح البررة السفرة والجن والإنس فكل صنف فيه من أرسل وفيه من لم يرسل فالنبوة الملكية المهموزة لا ينالها إلا الطائفة الأولى الحافون من حول العرش يسبحون بحمد ربهم أو الأفراد من ملائكة الكرسي والسماوات وملائكة العروج قال: وآخر نبي من الملائكة إسماعيل صاحب سماء الدنيا وكل واحد منهم على شريعة من ربه من باطنية شريعة محمد صلى اللّه عليه وسلم، في عالم الأرواح مغياة بغاية وذلك قوله تعالى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ(164) [الصافات: 164] . فاعترفو بأن لهم حدودا يقفون عندها لا يتعدونها ولا معنى للشريعة إلا هذا فإذا أوحى اللّه تعالى إليهم سمعوا كلام اللّه بالوحي فضربوا بأجنحتهم وأطال في ذلك.

(فإن قلت): فما المراد بالأسماء الإلهية التي استند إليها الملائكة المشار إليهم بهؤلاء من قوله: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [البقرة: 31] . في إيجادهم وأحكامهم ؟

(فالجواب): هي سائر الأسماء الإلهية فكان جهلهم بالأسماء نقص يستحقون به المؤاخذة والتوبيخ كأنه تعالى يقول لهؤلاء الملائكة هل سبحتموني وقدستموني بهذه الأسماء قط، مع أنكم ادعيتم تسبيحي وتقديسي وزكيتم نفوسكم وجرحتم الخليفة في الأرض ولم يكن ينبغي لكم ذلك.

(فإن قلت): فهل للملك والحيوان والمعدن والنبات إرادة ؟

(فالجواب): ليس لهم إرادة تتعلق بأمر من الأمور فهم مع ما فطرو عليه من السجود للّه والثناء عليه فشغلهم دائما به تعالى لا عنه وأما الإنسان فله الشغل به وعنه والشغل عنه هو المعبر عنه بالغفلة والنسيان.

(فإن قلت): فهل في الأرواح قوة مصورة كما في الإنسان ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السابع والستين وثلاثمائة: أن الأرواح لها قوة التصور وما لها القوة المصورة فإن القوة المصورة تابعة للفكر الذي هو صفة للقوة المفكرة وكذلك الأرواح التي فوق الطبيعة لا يشهدون صور العالم، ول يقبلون التصور كالنفس الكلية والعقل والملائكة المهيمين في جلال اللّه واللّه أعلم. وفي هذا القدر من أحوال الملائكة كفاية وسيأتي نبذة صالحة من الكلام على ملائكة الإلهام في مبحث الولاية إن شاء اللّه تعالى .


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!