موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السادس عشر: في حضرات الأسماء الثمانية بالخصوص وهي الحي العالم القادر المريد السميع البصير المتكلم الباقي

وهذا المبحث من أجل مباحث الكتاب فلنوضح كل اسم بجملة من متعلقاته تبركا بمعاني أسماء اللّه تعالى فنقول وباللّه التوفيق: اعلم يا أخي أن الاسم الحي له التقدم على سائر الأسماء فلا يمكن أن يتقدمه اسم في الظهور فهو المنعوت على الحقيقة بالاسم الأول ولذلك قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) [آل عمران: 2] فجعل اسمه تعالى الحي يلي الاسم الجامع للنعوت والأسماء ويستحيل وجود حقائق شيء من الأسماء من غير الحي وحقيقة الحي هو الذي يكون حياته لذاته وليس ذلك لأحد من الخلق إنما ذلك خاص باللّه تعالى وقد رأيت للشيخ كلاما في كتابه المسمى " بعنقاء مغرب " يتعلق بحضرات الأسماء ولسان حالها فلا بأس بذكره لك يا أخي فربما كأن لم يطرق سمعك قط وهو قوله: اعلم أن القدرة الإلهية لم تتعلق بإيجاد شيء إلا بعد وجود إرادة كما أنه تعالى لم يرد شيئ حتى علمه إذ يستحيل في العقل أن يريد تعالى ما لم يعلم أو يفعل المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل ما لا يريده تعالى كما يستحيل أن توجد هذه الحقائق من غير حي كم يستحيل أن تقوم هذه الصفات بغير ذات موصوفة بها قال ويلي الاسم الحي في الظهور الاسم الباري وكأن لسان حال الأسماء الإلهية حين اجتمعت بحضرة المسمى حين لا زمان قالت لبعضها بعضا نريد ظهور أحكامنا لتتميز حضرات أعياننا بأسمائنا وآثارنا فقال بعضهم لبعض انظروا في ذواتكم فنظر كل اسم في ذواته

فلم ير الاسم الخالق مخلوقا ولا المدبر مدبرا ولا المفصل مفصلا ول المصور مصورا ولا الرازق مرزوقا ولا القادر مقدورا ولا المريد مرادا ولا العالم معلوما. فقالوا كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان التي بها يظهر سلطاننا وأحكامن فلجأت الأسماء الإلهية التي يطلبها حقائق العالم إلى الاسم الباري جل وعلا فقالو له عسى توجد هذه الأعيان فتظهر أحكامنا ويثبت سلطاننا إذ الحضرة التي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا فقال الباري ذلك راجع إلى الاسم القادر فإني تحت حيطته قال: وكان أصل هذا كله أن الممكنات في حال عدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال ذلة وافتقار وقالت للأسماء إن العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا وعن معرفة ما يجب لكم من الحق علينا فلو أنكم أظهرتم أعياننا وكسوتمونا حلة الوجود لأنعمتم علينا بذلك وقمنا بما ينبغي لكم من الإجلال والتعظيم وأنتم أيضا كان يظهر علينا سلطنتكم بالفعل فإنكم اليوم علينا سلاطين بالقوة والصلاحية دون الفعل فما طلبناه منكم هو لنا ولكم فقالت الأسماء إن هذا الأمر تحت حيطة المريد فلا توجد عين منكم إل باختصاصه ولا يمكننا الممكن من نفسه إلا أن يأتيه الأمر من ربه عز وجل فإذا أمره بالتكوين وقال كن ممكنا من نفسه وتعلقنا بإيجاده فكوناه من حينه فلجئوا إلى الاسم المريد عسى أن يرجح أن يخصص جانب الوجود على جانب العدم فحينئذ أجتمع أنا والآمر والمتكلم ونوجدكم فلجئوا إلى الاسم المريد فقالوا له: إنا سألنا الاسم القادر في إيجاد أعياننا فأوقف أمر ذلك عليك فما ترسم فقال المريد صدق القادر ولكن ما عندي خبر بما عند الاسم العالم من الحكم فيكم هل سبق علمه بإيجادكم فأخصص أو لم يسبق فإني تحت حيطته فسيروا إليه واذكروا قصتكم فساروا إلى الاسم العالم وذكروا ما قاله الاسم المريد فقال العالم صدق المريد وقد سبق علمي بإيجادكم ولكن الأدب أولى فإن لنا حضرة مهيمنة علينا وهي حضرة الاسم اللّه فلا بد من حضورنا عنده فإنها حضرة الجمع فاجتمعت الأسماء كلها في حضرة الاسم اللّه فقال: ما بالكم وهو أعلم فذكرو له الخبر فقال: أنا اسم جامع لحقائقكم وأنا دليل على مسمى ذات مقدس له نعوت الكمال والتنزيه فقفوا حتى أدخل حضرة مدلولي فدخل على مدلوله وذكر له ما قاله الممكنات وما تحاورت فيه الأسماء فقال: اخرج وقل لكل واحد من الأسماء يتعلق بم تقتضيه حقيقته في الممكنات، فإني أنا الواحد لنفسي من حيث ذاتي والممكنات إنم تطلب مرتبتي لا حقيقتي لأني أنا الغني

والمرتبة هي التي تطلب الممكنات لتظهر آثارها فيهم وجميع الأسماء الإلهية للمرتبة لا لي إلا الأحد خاصة فإنه اسم خصص بي فخرج الاسم اللّه ومعه الاسم المتكلم يترجم عنه للممكنات والأسماء فذكر لهم ما ذكره المسمى فتعلق العالم والقادر والمريد والقائل فظهر الممكن الأول من الممكنات بتخصيص المريد وحكم العالم فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان وتسلط بعضها على بعض وقهر بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الأسماء فأدى ذلك إلى منازعة وخصام فقالوا إنا نخاف أن يفسد علينا نظام حضراتنا ونلتحق بالعدم الذي هو عدم ظهرونا كما كنا قبل. تنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الاسم العليم والمدبر وقالوا لو كان حكمكم أيه الأسماء على ميزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إليه ليحفظ علينا وجودنا ويحفظ عليكم تأثيراتكم فينا لكان أصلح لنا ولكن فالجئوا كلكم إلى اللّه حتى يقدم لكم من يحدلكم حدا تقفون عنده وإلا هلكتم وتعطلتم فقالوا هذا عين المصلحة وعين الرأي ففعلوا ذلك فقالوا إن الاسم المدبر هو الذي ينهي أمركم فأنهوا إلى المدبر الأمر فقال أنا له فدخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب وقال له افعل ما تقتضيه المصلحة فاتخذ وزيرين يعينانه على ما أمر به وهما المدبر والمفصل قال تعالى: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد: 2] الذي هو الإمام يعني الرب فانظر ما أحكم كلام اللّه حيث جاء بلفظ مطابق للحال الذي ينبغي أن يكون الأمر عليه في نفسه فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملكة ولنبلونهم أيهم أحسن عملا فسبحان اللّه رب العالمين انتهى كلامه في " عنقاء مغرب " وهو كلام ما طرق سمعنا قط مثله في ذلك المعنى.

(فإن قلت) هل من الأسماء ما يكون مهيمنا على بعضها (فالجواب) نعم كما تقدم في كلام " عنقاء مغرب " فنقول مثلا: لا يكون مريد إلا عالما ولا عالم إلا حيا فصار كونه حيا مهيمنا على كونه عالما ومريدا وهكذا كل اسم يتوقف وجود أثره على وجود اسم آخر انتهى

(فإن قلت) فهل الأسماء الإلهية تتراص بين يدي مسماها كما تتراص الملائكة بين يدي ربه

(فالجواب) نعم كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين ومائة (فإن قيل) فما أول صفوف الأسماء

(فالجواب) كما قاله الشيخ محيي الدين: أولها الحي وإلى جانبه العليم ليس بينهما فراغ لاسم آخر وإلى جانبه العالم المريد وإلى جانبه القائل وإلى جانبه القادر وإلى جانبه الحكيم وإلى جانبه المقيت وإلى جانبه المقسط وإلى جانبه المدبر وإلى

جانبه المفصل وإلى جانبه الرازق وإلى جانبه المحيي فهكذا صفوف الأسماء كما رأينا ذلك من طريق كشفنا (فإن قيل) فهل يكون التخلق بالأسماء الإلهية على حكم ترتيب صفوفها أم لا (فالجواب) نعم لا يصح التخلف باسم منها إلا على ترتيب تراصها ومتى تخللها فراغ في الكون دخلت الشياطين كما تدخل بين خلل صفوف الصلاة كم ورد فربما يلتبس على الولي التخلق بما لا يوافق الأوامر الشرعية مما هو من خصائص الحق تعالى كالكبرياء والعظمة في غير محله المشروع (فإن قيل) فهل بين حضرات الأسماء الإلهية بون معقول أم لا (فالجواب) كما قاله الشيخ في "الفتوحات" ليس بين حضرات الأسماء الإلهية بون معقول حقيقة لارتباط الأسماء كلها بمسماها ولكون كل اسم فيه قوة جميع الأسماء نظير خطاب الحق تعالى لنا بالياء المشعر بالبعد مع أنه تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ولكن لما كان لكل اسم حضرة تخصه ووقت يتحكم في أعيان العالم ويظهر سلطانه فيه ظهر للعبد القرب من تلك الحضرات تارة والبعد منها تارة أخرى فكان كل اسم يقول بلسان حاله العبد هلم إلى حضراتي فإذا كان العبد تحت سلطان حكم إلهي يعطي حكمه للعبد موافقة ما أمر به العبد أو نهى عنه فإن الاسم الإلهي الذي يعطي حكمه للعبد موافقة ما أمر به أو نهى عنه بعيد عن هذا المخالف في حضرة الشهود فيناديه ليرجع إلى حضرته ويصغى لندائه فيكون تحت حكمه فهو لعدم الموافقة لما أمره به ذلك الاسم بعيد ولا يخرج عبد قط عن هذا الميزان إلا إن عصم أو حفظ (فإن قلت) فإن العبد أسير تحت سلطان الأسماء على الدوام (فالجواب) نعم هو أسير تحت سلطانها فلا ينقضي حكم اسم إلا ويتولاه حكم اسم آخر فلا تزال الأسماء تجاذبه ليلا ونهارا ومحال أن يترك المكلف لحظة واحدة لنفسه فاسم الرحمن يطلب مرحوما على الدوام واسم المنتقم يطلب منتقما منه على الدوام وهكذا فلا يخلو عبد من أن يكون في عمل لأحد الدارين بحكم القبضتين وما خرج عن هذا الحكم إلا المعصوم أو المحفوظ كم مر واللّه تعالى أعلم انتهى ما فتح اللّه تعالى به من الكلام على اسمه تعالى الحي وتوابعه. (وأما الاسم العالم) فقال الجلال المحلي محقق الزمان: العالم هو الذي علمه شامل لكل ما من شأنه أن يعلم وإلا فمتعلقات علمه تعالى غير متناهية قال تعالى: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق: 12] وقال: وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الجن:

28] وقال: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه: 7] وقال: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19)

 [غافر: 19] وقال: لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) [الملك: 14] فهو تعالى عالم بكل ممكن وممتنع لنا من كليات وجزئيات أما الكليات فعلى الإطلاق وأما الجزئيات فبالإجماع من أهل النظر والاتفاق

(فإن قلت) كيف أجريت خلافا في كونه تعالى عالما بالجزئيات مع صحة إيمانك

(فالجواب) إني أجريت تبعا لغيري في الإشارة للخلاف في تعلق العلم بالجزئيات وإلا فأنا أعتقد جزما أن اللّه تعالى عالم بكل شيء ولا يعزب عن علمه شيء وقد سألت عن ذلك اليهود والنصارى والمجوس والسامرة بأرض مصر فكلهم قالوا لا يعزب عن علم ربنا شيء فما أدري أين هؤلاء الذين قالوا إن اللّه تعالى لا يعلم الجزئيات حتى حكى عنهم الأئمة ذلك ولعل من حكى ذلك عنهم أخذه من لازم مذهبهم ولازم المذهب ليس هو بمذهب على الراجح ويؤيد ما قلناه من أن الظاهر أن الأئمة أخذوا ذلك من لازم مذهب قول الشيخ محيي الدين في الباب الرابع والخمسين من "الفتوحات" اعلم أنه لا يشك مؤمن ولا غير مؤمن في كمال علم اللّه عز وجل حتى إن الذين نقل عنهم أنهم قالو لا يتعلق علمه تعالى بالجزئيات بل علمه بها مندرج في علمه بالكليات لا يحتاج ذلك إلى تفصيل في طريق علمه بها كما هو شأن خلقه فلم يرد القائلون بمنع تعلق علمه تعالى بالجزئيات نفي العلم عنه تعالى بها مطلقا وإنما قصدوا بذلك أن الحق تعالى لا يتجدد له علم نفسي بها عند التفصيل فقصدوا التنزيه فأخطأوا في التعبير من حيث عباراتهم أو همت ما أضيف إليهم من المذهب وإلا فهم مثبتون العلم للّه تعالى انتهى.

(قلت) ولعل من حكم بتكفير من قال إن الحق غير عالم بالجزئيات ظن أنهم كانوا مسلمين فكفرهم بهذا القول والحق أنهم كانوا كافرين قبل ذلك بأمور أخر كم حكاه الشيخ عنهم وقد قال في باب الأسرار من "الفتوحات" ليس من وصف الكمال أن يكون في علم الحق تعالى إجمال من أن الإجمال في المعاني محال وإنما محال الإجمال الألفاظ والأقوال انتهى.

(فإن قلت) فما المراد بقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] وقوله تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد: 25] ونحوهما من الآيات فإن ظاهر ذلك يقتضي أن الحق تعالى يستفيد علما بوجود المحدثات

(فالجواب) أن هذه مسألة اضطرب في فهمها فحول العلماء ولا يزيل إشكالها إلا الكشف الصحيح

وقد قال الشيخ في الباب الرابع عشر وخمسمائة من "الفتوحات": اعلم أنه ليس وراء اللّه مرمى وما وراءك أيضا مرمى لأنك معلوم علمه تعالى

وبك كمل الوجود فهو حسبك كما أنك حسبه ولهذا كنت آخر موجود وأول مقصود ولولا عدمك ما كنت مقصودا فصح حدوثك ولولا ما كان علمك به معدوما ما صح أن تريد العلم به وهذا من أعجب ما في الوجود وأشكله على العقول كيف يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك فإن الممكنات أعطت الحق تعالى العلم بنفسها ولا يعلم شيء منها نفسه إلا بالحق تعالى فلهذا قلنا إن الوجود حسبك كما أنك حسبه لأنه الغاية التي إليها ينتهي وماثم بعده إلا أنت ومنك علمك وما بقي بعدك إلا المحال وهو العدم المحض انتهى. وهذا الموضع ما في "الفتوحات" أشكل منه وقد نقلته بحروفه ليوضحه علماء الإسلام واللّه تعالى أعلم.

 

* - وقال في الباب الثاني والخمسين وخمسمائة في الكلام على اسمه تعالى الخبير: اعلم يا أخي أن الخبير هو الذي حصل العلم بعد الابتلاء وهذا ما يقتضيه ظاهر اللفظ من قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] وجل اللّه تعالى عن هذا الاقتضاء بل هو تعالى عالم بجميع ما يكون من العبد فهل كونه ولكنه تعالى نزل نفسه منزلة من يستفيد علما كم تنزل لعقولنا في آية الاستواء وفي النزول إلى سماء الدنيا ونحو ذلك مع أن ذلك ينافي صفات التنزيه انتهى.

* - وقال الشيخ أيضا في باب الأسرار في قوله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] اعلم أن من علم الشيء قبل كونه فما علمه من حيث كونه وأطال في ذلك ثم قال فعلم أن العلم يتغير بتغير المعلوم ول يتغير المعلوم إلا بالعلم فقولوا لنا كيف الحكم هذه مسألة حارت فيها العقول وم ورد فيها منقول.

* - وقال في معنى هذه الآية في موضع آخر من هذا الباب: اعلم أن للعالم أن يتجاهل وعن الجاهل يتغافل مع أنه ليس بغافل لينظر هل يؤمن عبده بما أضافه إلى نفسه أم يتوقف.

* - وقال في موضع آخر: من استفهمك فقد أقر لك بأنك عالم بما استفهمك عنه وقد يقع الاستفهام من العالم ليختبر به من في قلبه ريب فيمتاز من يعلم ربه عند نفسه ممن لا يعلمه نظيره يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو آمِنُوا [النساء: 136] فهذا مؤمن أمر أن يؤمن بما هو به مؤمن وقال في موضع آخر من باب الأسرار من أعجب ما في البلاء من الفتن قوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] وهو العالم بما يكون منهم فافهم وإذا فهمت فاكتم وإذا سئلت فقل لا أعلم فاعلم

أن الفتنة اختبار في البصائر والأبصار وقال في موضع آخر منه لما أخبر اللّه تعالى أن العلم انتقل إليه من الكون بقوله حتى نعلم سكت العارف على ذلك وم تكلم وتأول عالم النظر هذا القول حذرا مما يتوهم ومرض قلب المتشكك وتألم وسر به العالم باللّه تعالى ولكنه تكتم فقال مثل قول الظاهري اللّه أعلم. فالولي الكامل علم والمحدث سلم فالحمد للّه يا أخي الذي علمك ما لم تكن تعلم وأطال في ذلك ثم قال فقد علمت أن العلم المستفاد للعليم يعم في وجوب الإيمان به الحادث والقديم وإن عاندت في ذلك فتأمل في قوله: حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] وبما حكم الحق تعالى به على نفسه فاحكم بذلك إيمانا ولا تنفرد قط بعقلك دون نقلك فإن التقييد في التقليد وعلم الحق لنا قد يكون معلوما وأما علمه تعالى بنفسه فلا يعلمه أحد لعلو قدسه وهو قول عيسى عليه الصلاة والسلام ولا أعلم ما في نفسك فإني لست من جنسك انتهى كلام الشيخ في باب الأسرار فتأمله.

* - وقال في الباب الرابع وأربعمائة: اعلم أن من أشكل العلوم إضافة العلم إلى المعلومات والقدرة إلى المقدورات والإرادة إلى المرادات وذلك لأنه يوهم حدوث التعلق أعني تعلق كل صفة بمتعلقها من حيث العالم والقادر والمريد فإن المعلومات والمقدورات والمرادات لا افتتاح لها في العلم إذ هي معلوم علمه تعالى فهو محيط علما بأنها لا تتناهى.

* - قال: ولما كان الأمر على ما أشرنا إليه وعثر على ذلك من عثر من المتكلمين كابن الخطيب قال بالاسترسال المعبر عنه عند قوم بحدوث التعلق وقال تعالى في هذا المقام حَتَّى نَعْلَمَ [محمد:

31] وأنكر بعض القدماء تعلق العلم الإلهي بالتفصيل لعدم التناهي في ذلك ولكون ذلك غير داخل في الوجود المحصور واضطربت عقول العلماء في هذه الآية لاضطراب أفكارها. قال الشيخ: وأما نحن فقد رفع الكشف عنا الإشكال في هذه المسألة فألقى تعالى في قلوبنا أن العلم نسبة بين العالم والمعلومات وماثم واجب الوجود غير ذات الحق تعالى وهي عين وجوده وليس لوجوده افتتاح وانتهاء فيكون له طرف لأن نفي البدء والنهاية من جملة درجاته الرفيعة التي ارتفع بها عن خلقه قال تعالى رَفِيعُ الدَّرَجاتِ [غافر: 15] ومعلوم أن المعلومات هي متعلق وجوده تعالى فتعلق ما لا يتناهي وجود بما لا يتناهى معلوما ومقدورا ومرادا فتفطن يا أخي لذلك فإنه أمر ما أظنه طرق سمعك قط فإن الحق تعالى لا يتصف بالدخول في الوجود المحصور فيتناهى إذ كل ما دخل في الوجود متناه والباري تعالى هو الوجود الحقيقي فما هو داخل في هذ

الوجود لأن وجوده عين ماهيته بخلاف ما سواه فإن منه ما دخل في الوجود فتناهى بدخوله فيه ومنه ما لم يدخل في الوجود فلا يتصف بالتناهي وعلى هذا تأخذ المقدورات والمرادات واللّه تعالى أعلم. (فإن قلت) فهل اطلع أحد من الأولياء على سبب بدء العالم الذي هو تأثير الأسماء في الممكنات كما مر من أن الخالق يطلب مخلوقا والرازق يطلب مرزوقا وهكذا (فالجواب) إن هذا من علم سر القدر وعلم القدر إنما هو خاص بأفراد من كمل الورثة المحمديين قال الشيخ محيي الدين في الباب الرابع من "الفتوحات" اعلم أن أكثر العلماء باللّه تعالى ليس عندهم علم بسبب بدء العالم إلا تعلق العلم القديم أزلا بإيجاده فكون تعالى ما علم أنه سيكون وهنا انتهى علمهم وأما نحن فأطلعنا اللّه تعالى على فوق ذلك من طريق الوهب وهو أن الأسماء الإلهية المؤثرة في هذا العالم وهي المفاتح الأول التي لا يعلمها إلا هو قال الشيخ ول أدري أعطى اللّه ذلك لأحد من أهل عصرنا أم خصنا به من بينهم انتهى. (فإن قلت) فما معنى سبق الكتاب في حديث إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فإنه تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها سواء ما يتغير منها وما لا يتغير فهو تعالى يشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغيراتها إلى ما لا يتناهى فلم يوجدها إلا على ما هي عليه في علمه تعالى وإذا تعلق علمه تعالى بالأشياء كله معدومها وموجودها وواجبها وممكنها ومحالها فماثم على ما قلناه كتاب يسبق (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الحادي عشر وأربعمائة أن معنى سبق الكتاب إنما يكون بإضافة الكتاب إلى ما يظهر به ذلك الشيء الذي تعلق به العلم إلى حضرة الوجود على الهيئة التي كان الحق تعالى يشهده عليها حال عدمه فهذا سبق بالكتاب على الحقيقة فإن الكتاب سبق وجود ذلك الشيء قال الشيخ: ولا يطلع على هذا ذوقا إلا من أطلعه اللّه تعالى من طريق كشفه على الكونين قبل ظهور تكوينهما كما تقدم في رؤيا الإنسان أن الساعة قد قامت والحق تعالى يحكم فيها فصاحب هذا الكشف هو الذي يشهد الأمور قبل تكوينها في حال عدمها فمن كان له هذا العلم سبق هو الكتاب فهو لا يخاف سبق الكتاب عليه وإنما يخاف من حيث كون نفسه سبقت الكتاب إذ الكتاب ما سبق عليه إلا بحسب ما كان هو عليه من الصورة التي ظهر في وجوده عليها فليسلم العبد نفسه ولا يعترض على الكتاب قال

ومن هنا إن عقلت وصف الحق تعالى نفسه بأن له الحجة البالغة. لو نوزع فإن من المحال أن يتعلق العلم الإلهي إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه فلو أن أحد احتج على اللّه تعالى وقال قد سبق علمك بأن أكون على كذا فلم تؤاخذني لقال الحق تعالى وهل علمتك إلا على ما أنت عليه فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ولذلك قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد: 31] فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامك فإذا رجع العبد إلى نفسه وفهم ما قررناه علم أنه محجوج وأن الحجة للّه تعالى عليه بل يصير هو يقيم للّه على نفسه الحجة أدبا معه تعالى ومن هذا يعلم معنى قوله تعالى أيضا وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل: 118] ونحوها من الآيات يعني فإن علمنا ما تعلق بهم حين علمناهم في القدم إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال لا تبديل لخلق اللّه وسيأتي بسط ذلك في المبحث الخامس والعشرين في بيان أن للّه الحجة البالغة. (فإن قلت) فعلى ما قررتموه فبماذا يتميز الحق تعالى في الرتبة على المخلوق (فالجواب) أن الحق تعالى يتميز بالرتبة على المخلوق فإنه تعالى خالق والعالم مخلوق قال الشيخ محيي الدين بعد ذكر هذا الجواب: وهذا يدلك على أن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم قال: وهي مسألة دقيقة ما في علمي أحدا نبه عليها من أهل اللّه تعالى إلا إن كان وما وصل إلينا وما من أحد إذا تحققها يمكنه إنكارها وفرق بين كون الشيء موجود فيتقدم العلم وجوده وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي له فهو مساو للعلم الإلهي ولا يعقل بينهما بون إلا بالرتبة انتهى. قال الشيخ: ولو لم يكن في كتاب الفتوحات إلا هذه المسألة لكانت كفاية في شرف الكتاب ويؤيد ما قررناه هنا في هذا الموضع ما ذكره في الباب الثامن وخمسين وخمسمائة في الكلام على اسمه تعالى العليم وهو قوله:

اعلم أن مسمى العلم ليس سوى تعلق خاص بالعالم وهو نسبة تحدث لهذه الذات من المعلوم إذ العلم متأخر عن المعلوم لكونه تابعا له هذا تحقيقه فحضرة العلم على التحقيق هي المعلومات وهي نسبة لا يصح رفعها في مشهد أحد من الأكابر ولو ارتفعت رتبته فهي متصلة بين العالم والمعلوم وليس للعلم عند المحقق أثر في معلوم أصل لتأخره عنه عقلا فإنك تعلم المحال محالا ولا أثر لك فيه من حيث علمك به ولعلمك فيه أثر في معلوم أصلا لتأخره عنه عقلا فإنك تعلم المحال محالا ولا أثر لك فيه من حيث علمك به ولعلمك فيه أثر والمحال

بنفسه أعطاك العلم به أنه محال فمن هنا يعلم أن العلم لا أثر له في المعلوم بخلاف ما يتوهمه أصحاب النظر فقد ظهر لك أن إيحاد أعيان الممكنات صدر عن القول الإلهي كشفا وشرعا وصدر عن القدرة الإلهية عقلا وشرعا لا عن العلم فيظهر الممكن في عينه فيتعلق به علم الذات العالمة به ظهورا كما تعلقت به معد وما انتهى (فإن قلت) فما معنى قوله تعالى وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: 101] هل عليم بمعنى عام أو بمعنى معلوم (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الحادي والستين وثلاثمائة أن بنية فعيل ترد بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول كقتيل وجريح وأم قوله تعالى هنا عليم فهو بمعنى عالم وبمعنى معلوم معا فإن الباء في قوله بكل شيء بمعنى في فهو تعالى في كل شيء معلوم وبكل شيء محيط أي له في كل شيء إحاطة بما هو ذلك المعلوم عليه وليس ذلك إلا للّه ولمن أعلمه اللّه قال: والأصل في ذلك كله أن الظرفية هل هي أصلية في الكون ثم حملناها على الحق تعالى حملا شرعيا أو هي في الحق بحسب ما ينبغي لجلاله وظهرت فيه العالم بالفعل كما في في قوله في الحديث للجارية أين اللّه انتهى. فتأمل في هذا المحل وحرره واللّه يتولى هداك.

(خاتمة) ذكر سيدي علي بن وفا رضي اللّه تعالى عنه في قوله تعالى: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق: 12] ما نصه كل ما كان من صفاتك فهو في الأصل علمه تعالى فوهمك علمه وحسبانك علمه وتخيلك علمه وفكرك علمه وتعقلك علمه وقولك علمه واختيارك علمه على هذا فقس فإنه تعالى إن لم يكن كل ما هو شيء معلوم لم تتم له تعالى هذه الإحاطة العلمية واللّه تعالى أعلم (وأما الكلام على الاسم القادر) فقال المتكلمون: القادر هو من كانت قدرته شاملة لكل ما من شأنه أن يقدر عليه من الممكن خاصة بخلاف الممتنع وإنما عبروا بقولهم لكل ما من شأنه أن يقدر عليه لينبهوا على أن متعلقات قدرته لا تتناهى وإن كان كل ما تعلقت به بالفعل متناهيا فتعلقاتها بالقوة غير متناهية وبالفعل متناهية. (فإن قلت) فهل يقال إن الحق تعالى يتصف بالقدرة على نفسه أو الإرادة لوجوده (فالجواب) ذلك ممتنع والسؤال مهمل لأنه واجب الوجود لذاته والإرادة متعلقها العدم لتوجده وتعالى اللّه عن ذلك (فإن قلت) فما معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20] فإنه تعالى أثبت الشيء الذي هو قدير عليه فما بقي لمقدرته متعلق (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الموفى تسعين من

"الفتوحات": المراد بالشيء الذي هو قدير عليه ما تعلق به علمه القديم فتتعلق به القدرة فتوجده في عالم الحس فهو قدير على كل شيء تعلقت به إرادته مما تضمنه علمه القديم وإيضاح ذلك أن كل من علم استحالات الأعيان في الأعيان وتقلب الخلق في الأطوار علم أن اللّه على كل شيء قدير لا على ما ليس بشيء في علمه فإن لا شيء لا يقبل الشيئية إذ لو قبلها ما كانت حقيقة لا شيء ولا يخرج معلوم عن حقيقته أبدا فلا شيء محكوم عليه بأنه لا شيء بعده أبدا وما هو شيء محكوم عليه بأنه شيء أبدا انتهى. (فإن قلت) فهل اطلع أحد من الأولياء على صورة تعلق القدرة بالمقدور حالة لإيجاد أو هو من سر القدر الذي لا يطلع عليه إلا اللّه (فالجواب) كما قاله الشيخ في " شرحه لترجمان الأشواق ": إن ذلك من سر القدر وسر القدر لا يطلع عليه إلا الأفراد قال وقد أطلعنا اللّه تعالى عليه لكن لا يسعنا الإفصاح عنه لغاية منازعة المحجوبين فيه قال تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّ بِما شاءَ [البقرة: 255] فأدخله تحت المشيئة وذلك لنا بحكم الوراثة المحمدية فإن اللّه تعالى قد طوى علم سر القدر عن سائر الخلق ما عدا محمدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن ورثه فيه كأبي بكر رضي اللّه عنه فقد ورد أنه صلى اللّه عليه وسلم سأله يوما أتدري ما يوم لا يوم ؟ فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: نعم ذلك يوم المقادير أو كما قال كما تكلمنا عليه في عدة أماكن من مؤلفاتنا انتهى. (فإن قلت) فهل يقال إن قدرة الحق تعالى تتعلق بإيجاد المحال كتجسد المعاني وإيجاد شخص في مكانين أو أمكنة في آن واحد (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثمانين ومائتين أن قدرة اللّه تعالى مطلقة فله إيجاد المحالات العقلية وأطال في ذلك. وقال في كتابه " اللوامع " في قول الإمام حجة الإسلام ليس في الإمكان أبدع مما كان قد شنع الناس على الإمام بسبب هذه المقالة ومعناها في غاية الوضوح وذلك أنه ما ثم لنا إل مرتبتان قدم وحدوث فالحق تعالى له رتبة القدم والمخلوق له رتبة الحدوث فلو خلق تعالى ما خلق فلا يخرج عن رتبة الحدوث ولا يصح أن يخلق الحق تعالى قديما أبدا اه.

 

* - وقال في الباب الثامن من "الفتوحات" في شأن المدائن التي خلقها اللّه تعالى من بقية خميرة طينة آدم عليه الصلاة والسلام قد دخلت هذه الأرض وشاهدت فيه المحالات العقلية وكل ما أحاله العقل بدليله وجدته ممكنا في هذه الأرض قد وقع فعلمت بذلك قصور العقل

وأن اللّه تعالى قادر على الجمع بين الضدين ووجود جسم في مكانين وقيام العرض بنفسه وانتقاله وقيام المعنى بالمعنى قال وكل آية أو حديث ورد عندنا وصرفه العقل عن ظاهره وجدناه على ظاهره في هذه الأرض وأطال في ذلك فليتأمل واللّه تعالى أعلم.

(وأما الكلام على الاسم المريد تعالى ) فاعلم أن المريد هو الذي تتوجه إرادته على المعدوم فتوجده فما علم اللّه تعالى أنه يوجده أراده فأوجده وما علم أنه لا يوجده فلا يريد وجوده فالإرادة تابعة للعلم فعلم أن القدر خيره وشره كائن بإرادته وهو إيجاد الأشياء على قدر مخصوص وتقدير معين في ذوات الأشياء وأحواله وغير ذلك هذه عبارة مصنفي العقائد من الأشاعرة.

وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب الثلاثين وثلاثمائة: اعلم أن القضاء سابق على القدر حتى في اللفظ فيقولون القضاء والقدر والقضاء هو إرادته تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال وأما القدر فهو تعيين الوقت الواقع فيه المقدرات على العباد من الحق تعالى فالقضاء حاكم القدر فهو يحكم في القدر ولا عكس والمقدر هو الموقت والقدر هو التوقيت انتهى.

 

* - وقال في الباب الثالث عشر وأربعمائة: فإن قيل فهل يجب الرضا بالمقضى كالقضاء فالجواب هو الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب الرضا بالقضاء لا بالمقضي

(وإيضاح ذلك) أن اللّه تعالى لما أمرنا بالرضا بالقضاء مطلقا علمن أنه يريد الإجمال فإنه إذا فصله انقسم إلى ما يجوز لنا الرضا به وإلى ما لا يجوز وأما القدر فهو توقيت الحكم فكل شيء بقضاء وقدر أي بحكم موقت فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرض ببعضه وصورة الإيمان بالشر أن يؤمن العبد بأنه شر كما يؤمن بالخير أنه خير لكن لا يضاف إلى اللّه تعالى أدبا كما أشار إليه خبر " والشر ليس إليك " انتهى. فعلم أنه تعالى فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود: 107] فهو المريد للكائنات في عالم الأرض والسماوات كما مر بسطه فالكفر والإيمان والطاعة والعصيان من مشيئته وحكمه وإرادته فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه إذ هو القائل وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30]

(فإن قلت) فهل يطلق على الإرادة مشيئة وعكسه أو بينهما خصوص وعموم (فالجواب) الذي عليه الجمهور أنه يطلق

على الإرادة مشيئة وعكسه وقال بعضهم: الإرادة أخص من المشيئة والمشيئة أعم لأن المشيئة تتعلق بالإيجاد والإعدام والإرادة لا تتعلق لا بإيجاد الممكنات فمتعلقها العدم الإضافي فتتوجه عليه فتوجده فالمشيئة لها الإطلاق لأنها توجد وتعدم

* - قال تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ أي مشيئته إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]

* - وقال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [إبراهيم: 19] فهو أعم من الإرادة من هذا الوجه انتهى. والحق الأول لأن من خصائص صفات الحق تعالى أن كل صفة تفعل فعل أخواتها بخلاف صفات الخلق لا تتعدى صفة منه ما قيدها الحق تعالى به هذا ما عليه أهل الكشف وخالف في ذلك بعض المتكلمين فقالو صفات الحق تعالى لا تتعدى مراتبها فلا يسمع تعالى بما به يبصر وقس على ذلك (فإن قيل) فهل فرق بين الرضا والمحبة أو هما بمعنى (فالجواب) أنهما بمعنى وموضوعهم من اللّه تعالى أنهما لا يكونان إلا في فعل محمود شرعا فهما غير المشيئة والإرادة لأنه قد يكون المشاء والمراد بهما محمودا كالطاعة والإيمان وقد يكون مذموما كالكفر والعصيان فلا يرضى لعباده الكفر مع وقوعه من بعضهم بمشيئة اللّه ولو شاء ربك ما فعلوه، وقالت المعتزلة: الرضا والمحبة نفس المشيئة والإرادة لأن صفات الحق تعالى كلها كاملة فكل صفة تفعل فعل أخواتها بخلاف صفات الخلق انتهى.

وهذا الذي قاله المعتزلة صحيح إن حملنا مرادهم على الكلام من حيث الكمال الإلهي، وأما إن حملناه على الكلام من حيث الأوامر والنواهي فليس بصحيح لأن به تصير المأمورات في رتبة المنهيات وذلك خروج عن الشريعة

(فإن قلت) فما الفرق بين الإرادة والشهوة المتعلقتين بالخلق

(فالجواب) الفرق بينهما أن الإرادة صفة إلهية في الأصل ومتعلقها كل مراد للنفس أو العقل ولو غير محبوب للشارع وأما الشهوة فهي صفة طبيعية خاصة بم فيه لذة للنفس قاله الشيخ في الباب التاسع ومائة (فإن قلت) فهل الإرادة صفة للذات على مذهب الجمهور وغيرهم أم هي على مذهب بعضهم (فالجواب) قد خالف في ذلك بعضهم فقال ليست الإرادة صفة للذات على مذهب نفاة الزائد ولا صفتها على مذهب من يقول: إنها زائدة وبه

* - قال الشيخ محيي الدين في "الفتوحات" في الباب الثامن وخمسين وخمسمائة فقال:

الصحيح عندي أن الإرادة تعلق خاص للذات أثبته الممكن لإمكانه في القبول لأحد الأمرين على البدل فإنه لولا معقولية هذين الأمرين ومعقولية القبول من الممكن ما ثبت للإرادة ولا للاختيار حكم ولا ظهر لذلك اسم انتهى.

(فإن قلت) فإذا كان الشر والمعاصي من اللّه فكيف تبرأ سبحانه وتعالى منها بقوله إن اللّه لا يأمر بالفحشاء

(فالجواب) إن الأدب أن يقال في الشر قضاه وقدره ولا يقال أمر به وإن كانت الإرادة أقوى في النفوذ من حيث أنه لا يمكن لأحد

عصيانها بخلاف الأمر فإنه يعصى بإرادة اللّه تعالى وأيضا فإن الأمر موضوع تسميته إنما هو للطرف الراجح في الخير ففيه الحث على الفعل ولا هكذا الإرادة ولو قيل إن اللّه تعالى يأمر بالفحشاء لصارت من قسم المأمورات ولم يبق للمناهي في الوجود أثر فلذلك تبرأ الحق تعالى من الفحشاء وأضاف الأمر بها إلى النفس والشيطان.

* - وقال الشيخ محيي الدين في " عقائده الوسطى ": اعلم أنه يصح أن يقال كما أنه تعالى لم يأمر بالفحشاء كذلك لا يقال إنه يريدها فيقال قضاها وقدرها ول يقال أرادها ثم قال بيان كونه تعالى لا يريدها أن كونها فاحشة ما هو عينها وإنم هو حكم اللّه فيها وحكم اللّه في الأشياء غير مخلوق كالقرآن العظيم سواء. وما لم تجر عليه الخلق لا يكون مرادا للحق إذ الإرادة لا تتوجه إلا على معدوم لتوجده قال فإن ألزمنا ذلك في جانب الطاعات التزمناه وقلنا الإرادة الطاعة ثبتت سمعا لا عقل فأثبتوها في الفحشاء ونحن قبلناها في الطاعات إيمانا كما قبلنا وزن الأعمال مع كونها أعراضا فلا يقدح إيماننا بها فيما ذهبنا إليه لما اقتضاه الدليل انتهى.

وهو كلام دقيق فليتأمل ويحرر فعلم مما قررنا أن الهداية والضلال والتوفيق والخذلان بيد اللّه لا بيد العبد وكذلك اللطف والطبع والختم والأكنة على القلوب بيد اللّه لا بيد العبد وكذلك الران والوقر والصمم والقفل الواردة في القرآن كلها بيد اللّه تعالى لا بيد العبد ولنفسر لك معاني هذه الأمور فنقول وباللّه التوفيق: أما الهداية والإضلال فالمراد بهما خلق الإيمان والكفر في العبد وهذا من مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة إن الهداية والإضلال بيد العبد بناء على قولهم إن العبد يخلق أفعال نفسه وذلك مما أخطأ فيه المعتزلة كل الخطأ فإن الحس يكذبهم فضل عن الأدلة الشرعية ولو أن العبد يخلق أفعال نفسه كما زعموا لم يفته مطلوب من أغراضه ولم يفعل ما يسوءه قط.

وأما التوفيق فقال جمهور المتكلمين: إن المراد به خلق قدرة الطاعة في العبد مع الداعية ،

* - وقال إمام الحرمين: هو خلق الطاعة فقط أي لا مع الداعية لعدم تأثيره وأما الخذلان فهو خلق قدرة المعصية في العبد مع الداعية إليها.

* - وقال إمام الحرمين: هو خلق قدرة المعصية على وزان الطاعة كما مر وكان الشيخ محيي

الدين بن العربي رحمه اللّه يقول: إذا رأيت لوائح تبرق لك من خلف حجاب الخذلان من كثرة استعمالك للمباح وخفت أن ينتقل ذلك إلى المكروه فتضرع إلى اللّه أن يخلق فيك الكراهية لذلك المباح وإلا هلكت. وأما اللطف بالعبد فهو ما يقع عنده صلاح العبد آخره بأن تقع منه الطاعة دون المعصية على وجه العصمة منها إن كان نبي أو على وجه الحفظ إن كان وليا. وأما الختم والطبع فالمراد بهما واحد كما قاله الأصوليون وهو خلق الضلال في العبد الذي هو الإضلال وأما الكن فالمراد به كما قاله الشيخ في الباب الثامن عشر وأربعمائة أن يكون العبد في بيت الطبيعة مشغولا بأمه التي هي النفس ما عنده خبر من أبيه الذي هو الروح فلا يزال هذا في ظلمة الكن وهو حجاب الطبيعة المشار إليه بقول الكفار ومن بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: 5] ومعلوم أن من كان في حجاب كن وظلمة فلا يسمع كلام الداعي إلى اللّه ولا يفهم على وجه الانتفاع به. وأما الوقر المشار إليه بقوله تعالى: وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت: 5] فالمراد به ثقل الأسباب الدنيوية التي تصرفه عن الاشتغال بما ينفعه في الآخرة.

وأما الران المشار إليه بقوله تعالى كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ [المطففين: 14] فالمراد به صدأ وطحا يطلع على وجه مرآة القلب وقد يحدث من النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من شهوات الدنيا وجلاء ذلك الصدأ والطحا يكون بكثرة الذكر وتلاوة القرآن وأما الصمم فالمراد به حصول قساوة في القلب تمنعه من الإصغاء إلى كلام داعي الشرع.

وأما القفل فهو لأهل الاعتذار يوم القيامة من الكفار وإن لم ينفعهم الاعتذار فيقولون: يا ربنا إنا لم نقفل على قلوبنا هذا القفل وإنما وجدناها مقفل عليها ولم نعلم من قفلها وقد طلبنا الخروج فخفنا يا رب من فك ختمك وطبعك عليها، فبقينا ننتظر الذي أقفل عليها عسى يكون هو الذي يتولى فتحها، فلم يكن بأيدينا من ذلك شيء، قال الشيخ محيي الدين: وكان عمر بن الخطاب من أهل الأقفال فتولى اللّه تعالى فتح قفله فشيد اللّه به الإسلام رضي اللّه تعالى عنه فتأمل هذه التفاسير فإنك لا تكاد تجدها مجموعة في كتاب واللّه يتولى هداك (فإن قلت) فإذا كان بيده تعالى ملكوت كل شيء وأن كل واقع في الوجود بإرادته ومشيئته فإثابته على الطاعة فضلا منه وعقابه للعباد على المعصية عدلا منه شرا كان أو غيره (فالجواب) نعم والأمر كذلك إلا أن

يغفر تعالى غير الشرك قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّ مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) [النازعات: 37 - 41] وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 116] قال الشيخ جلال الدين المحلي: وهذا الأخير مخصص لعمومات العقاب أي ولا ينافي ذلك العفو الذي تضمنه صدق إخبار اللّه تعالى بتعذيب العصاة لأن التخصيص بيان لأن ذلك الخاص لم يرد بالحكم لا أنه بيان للرفع بعد الإثبات (فإن قلت) فهل له تعالى مخالفة ما وعد وأوعد في هاتين الآيتين (فالجواب) نعم له ذلك وبه قالت الشافعية، وقالت الحنفية لا يصح فيهما وعلى كلام الشافعية فله تعالى إثابة العاصي وتعذيب المطيع وإيلام الدواب والأطفال لأنهم ملكه يتصرف فيهم كيف شاء قالوا لكن لا يقع منه تعالى ذلك لإخباره تعالى بإثابة المطيع وتعذيب العاصي في كتابه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وسلم قالوا ولم يرد لنا في كتاب ولا سنة صحيحة إيلام الدواب والأطفال في غير قصاص الآخرة والأصل عدمه فإن كلام الأئمة إنما هو في الإيلام في الآخرة في الدنيا إذ وقوع الإيلام في الدنيا مشاهد لا نزاع فيه.

أما إيلام الدواب والأطفال في القصاص فقد قال صلى اللّه عليه وسلم " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " رواه مسلم وقال صلى اللّه عليه وسلم: " يقتص للخلق من بعضهم بعضا حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة " وقال أيضا: " ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا " رواهما الإمام أحمد. قال الجلال المحلي رحمه اللّه:

وقضية هذه الأحاديث أنه لا يتوقف وقوع القصاص يوم القيامة على التكليف والتمييز فيقتص من الطفل لطفل وغيره فعلم استحالة وصفه تعالى بالظلم ولو وقع منه تعالى تعذيب أو إيلام لأحد من خلقه مكلف أو غيره لأنه مالك الأمور كلها على الإطلاق

(فإن قلت) فهل إذا وقع الإيلام في الدنيا للدواب والأطفال يكفي ذلك عن إيلامهم في الآخرة لحديث لا يجمع اللّه تعالى على عبد عقوبتين فإن عاقبه في الدنيا لم يعاقبه في الآخرة ويكون محمل خلاف الأئمة في إيلام الدواب والأطفال في الآخرة على ما إذا لم يعاقبوا في الدنيا (فالجواب) نعم يكفي ذلك خلافا للحنفية ويحصل به إطلاق المشيئة للحق تعالى في عباده ويؤيد ذلك

قول الشيخ محيي الدين في الباب الثامن والتسعين ومائتين: اعلم أن اللّه تعالى قال في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] فقدر تعالى الذنب وأوقع المغفرة وما علق المغفرة بالدنيا لوقوع الأمراض والآلام الحسية والنفسية فيها وذلك عين إنفاذ الوعيد في حق الأمة لأنه لا بد لكل مخلوق من وقوعه فيما يؤلمه فصح قول المعتزلة في مسألة إيلام البريء والطفل فإن الأشعري يجوز وقوع ذلك من اللّه تعالى ولكن يقول كل ما هو جائز واقع قال الشيخ وكل ما احتج به الأشعرية على المعتزلة فليس هو بذلك الطائل فإن القائلين بإنفاذ الوعيد مصيبون إن أطلقوا محل إنفاذه ولم يقيدوه إلا حيث يعينه اللّه تعالى في الدنيا أو في الآخرة فإذا أنفذه في الدنيا بمرض أو ألم نفسي أو حسي كان ذلك كفاية في صدق إنفاذ العقوبة وكان ذلك سترا له عن عقوبة الآخرة انتهى.

* - وقال أيضا في الباب الرابع والستين ومائتين: اعلم أنه لا بد لجميع بني آدم من العقوبة والبلايا والآلام شيئا بعد شيء في أبدانهم وسرائرهم حتى يدخلوا الجنة أو النار فأول الألم في الدنيا استهلال المولود حين ولادته فإنه يخرج صارخا لما يجده من الألم عند مفارقة الرحم وسخونته فيضربه الهواء عند خروجه من الرحم فيحس بألم البرد فيبكي فإن مات بعد ذلك فقد أخذ بحظه من البلاء وإن عاش فلا بد له في الحياة الدنيا من الألم إذ الحيوان مجبول على ذلك فإذا نقل إلى البرزخ فلا بد له من الألم أدناه سؤال منكر ونكير فإذا بعث فل بد له من ألم الخوف على نفسه أو على غيره فإذا دخل الجنة ارتفع عنه حكم الألم وصحبه النعيم أبد الآبدين وإن دخل النار فهو في ألم لا انتهاء له إن كان من أهل النار الذين هم أهلها وإلا صحبه الألم حتى يخرج بالشفاعة ه.

* - وقال في باب الأسرار في قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم: 41] الآية اعلم أن الحق تعالى قد أخبر في هذه الآية أن كل ما حصل للعبد من الأمور المؤلمة فهو جزاء ما هو ابتداؤه فم ابتليت البرية وهي برية وهذه مسألة صعبة المرتقى قد اختلف فيها طائفتان كبيرتان منعت إحداهما ما أجازت الأخرى ونصرت كل طائفة منهما ما قام في غرضها وهو عين مرضه قال وأما الطبقة العليا من أهل الكشف فعلموا الأمر يقينا وأنه لم يكن في الدني أمر مؤلم قط إلا وهو جزاء ما هو ابتداء كقوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30] حتى إن الطبيب يقول للمريض إذا تألم: واللّه م

قصدت إلا نفعك بما أمرتك باستعماله من الأدوية الكريهة المؤلمة وكذلك يقول الحق تعالى للطبيب إذا مرض ولم يدر من أي باب دخل عليه المرض هذا الألم الذي أصابك إنما هو جزاء لما آلمت به المرضى فخذ جزاء ما فعلته وإن كان ذلك الألم ما قصدته انتهى. وسيأتي مبحث أن أحدا لا يخرج عن التكليف أن أول درجات تكليف الروح التمييز فراجعه واللّه تعالى اعلم.

وأما الكلام على اسمه تعالى السميع البصير فنقول وباللّه التوفيق (إن قلت) ما الحكمة في تقديم الاسم السميع على الاسم البصير وعلى الاسم العليم في الذكر دون العكس (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثاني والثمانين ومائة: إن الحكمة في تقديم الاسم السميع على غيره في الذكر كون أول شيء علمناه من الحق تعالى القول وهو قوله لنا كن فكان منه تعالى القول ومنا السماع فتكون الوجود انتهى. وقد بسط الشيخ الكلام على ذلك في الباب السابع والتسعين وسيأتي بمعناه في المبحث عقبه إن شاء اللّه تعالى . واعلم أن هذين الاسمين لا يعقل كيفهما كسائر الصفات فهو تعالى يسمع ويرى ما تحرك أو سكن أو بطن في الورى في العالم الأسفل والأعلى فيسمع كلام النفس في النفس وصوت المماسة الخفيفة عند اللمس ويرى تعالى السواد في الظلماء والماء في الماء لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ولا النور ولا الجدرات كما لا يحجب سمعه البعد فهو القريب ولا يضره البعد فهو القريب جلت صفاته تعالى أن تجتمع مع صفات خلقه في حد أو حقيقة.

* - وقال في " لواقح الأنوار ": من خصائص الحق تعالى أنه لا يشغله ما يبصره عما يسمعه ولا ما يسمعه عما يبصره بل يحيط علما بالمسموعات والمبصرات من غير سبقية إدراك بإحدى الصفتين على الأخرى فلا يشغله شأن عن شأن انتهى.

* - وقال في باب الأسرار: من أعجب ما يعتقده أهل التوحيد وصفه تعالى بالقريب البعيد قريب ممن وبعيد عمن هو أقرب إلى جميع العبيد من حبل الوريد فالقرب والبعد إنما هو راجع إلى شهود العبد فإن أطاع ربه رأى ربه قريبا وإن عصى أمر ربه وجد ربه بعيدا واللّه تعالى أعلم (وأما الكلام على كونه تعالى متكلما) فاعلم ي أخي أن هذا محل وقع للعلماء اضطراب في تعقله ونحن نشير إلى طرف صالح من كلام المتكلمين والصوفية فنقول وباللّه التوفيق: أجمع

المتكلمون أن هذه الصفة أي صفة الكلام لا يتعقل كيفها كبقية الصفات لأن كلامه تعالى لا هو عن صمت متقدم ولا عن سكوت متوهم إذ هو قديم أزلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته كلم تعالى به موسى عليه الصلاة والسلام التوراة والإنجيل والزبور من غير تشبيه ولا تكيف إنما هو أمر يذوقه النبي أو الملك في نفسه لا يستطيع أن يكفيه بعبارة كما لو سئل الذائق للعسل كيف وجدت طعمه أو ما الفرق بين حلاوة العسل النحل والعسل الأسود مثلا ما قدر على إيصال الفرق بينهما إلى السامع بعبارة ولو قيل لموسى عليه الصلاة والسلام كيف سمعت كلام ربك ما قدر على تكييف ما سمع (فإن قلت) كيف تنوعت ألفاظ الكلام إلى عربي وسرياني وعبري مع أنه واحد في نفسه غير متجزىء

(فالجواب) صحيح أن الكلام واحد ولكن المخلوقون هم الذين يعبرون عنه بلغاتهم المختلفة فهو كذات اللّه تعالى يعبر عنها العربي باللّه تعالى والفارسي بخداي تعالى فإن عبر عن كلامه تعالى بالعربية كان قرآنا وبالسريانية كان إنجيلا أو بالعبرانية كان توراة (فإن قيل) فما أول كلام شق أسماع الممكنات من الحق تعالى

(فالجواب) هو ما أشرنا إليه في المبحث السابق أن أول كلام شق أسماع الممكنات هو كلمة كُنْ [يس: 82] فما ظهر العالم كله إلا عن صفة الكلام وحقيقة هذا الكلام الإلهي هو توجه إرادة الرحمن على عين من الأعيان فينفخ الرحمن الروح في شخصية ذلك المقصود فيعبر عن ذلك الكون بالكلام وعن المكون فيه بالنفس كما ينتهي نفس المتنفس المريد إيجاد عين حرف فخرج النفس المسمى صوتا ولا يعقل كيف ذلك في جناب الحق واللّه أعلم.

وعبارة " جمع الجوامع " و " شرحه ": القرآن كلام اللّه تعالى القائم بذاته غير مخلوق وأنه مكتوب في مصاحفنا على الحقيقة لا المجاز ومحفوظ في صدورنا بألفاظه المخيلة للمعنى على الحقيقة لا المجاز ومقروء بألسنتنا بحروفه الملفوظة المسموعة على الحقيقة لا المجاز

* - قال الجلال المحلي: ونبهوا بقولهم لا المجاز في الثلاث مسائل على الإشارة إلى أنه ليس المراد بالحقيقة كنه الشيء كما هو مراد المتكلمين فإن القرآن بهذه الصفة الحقيقية ليس هو في المصاحف ولا في الصدور ولا في الألسنة وإنما المراد به مقابل المجاز أي يصح أن يطلق على القرآن حقيقة أنه مكتوب محفوظ مقروء أي أن إسناد كل من هذه الثلاثة إلى القرآن إسناد حقيقي كل منها باعتبار وجود من الوجودات الأربعة كما لا يخفى لا أنها إسناد مجازي (قلت)

* - قال الشيخ: وإيضاح ذلك أنه يصح أن يقال القرآن مكتوب محفوظ مقروء وأنه غير مخلوق أي موجود أزلا وأبدا اتصافا له باعتبار الوجودات الأربعة التي هي لكل موجود وهي الوجود الخارجي والوجود الذهني والوجود في العبارة والوجود في الكتابة وهي تدل على العبارة وهي على ما في الذهن وهو على ما في الخارج فالقرآن باعتبار الوجود الذهني محفوظ في الصدور وباعتبار الوجود اللساني مقروء بالألسنة وباعتبار الوجود الكتابي مكتوب في المصاحف وباعتبار الوجود الخارجي وهو المعنى القائم بالذات المقدس ليس بالصدر ولا بالألسنة ولا في المصاحف وأما الألفاظ المركبة من الحروف فإنها أصوات هي أعراض واللّه أعلم.

* - وقال الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في الكلام على الكتاب العزيز: اعلم أن القرآن يطلق لمعنيين: أحدهما الكلام النفسي القائم بالذات المقدس.

الثاني: اللفظ المنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم وهل إطلاقه عليهم بالاشتراك أو هو في الثاني مجاز مشهور ؟ الظاهر الاشتراك قال ثم إن القرآن بالمعنى الأول محل نظر لعلماء أصول الدين وبالمعنى الثاني محل نظر لعلماء العربية والفقه وأصوله، قال ووجه الإضافة في تسمية كلام اللّه بالمعنى الأول أنه صفة اللّه تعالى وبالمعنى الثاني أنه تعالى أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) [البروج: 21 - 22] أو بحروفه في لسان الملك لقوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) [التكوير: 19] أو لسان النبي لقوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ [الشعراء:

193 - 194] ومعلوم أن المنزل على القلب هو المعنى لا اللفظ لا مجرد كونه دالا على كلامه القديم " ثم " إنه هل يعتبر في التسمية بالقرآن بالمعنى الثاني خصوص المحل كما قيل إنه اسم لهذا المؤلف القائم بأول لسان اخترعه اللّه تعالى فيه أو لا يعتبر في التسمية إلا خصوص التأليف الذي لا يختلف باختلاف المتلفظين ؟ الصحيح الثاني لأنا نقطع أن ما يقرؤه كل واحد منا هو القرآن المنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم وعلى الأول يكون مثل القرآن لا نفسه قال وقد منع السلف من إطلاق القول بحلول القرآن بالمعنى الثاني في اللسان أو في المصحف ومن القول بكونه مخلوقا أدبا واحترازا عن ذهاب الوهم إلى القرآن بالمعنى الأول الذي هو الكلام النفسي القائم بذاته تعالى انتهى.

وعبارة الشيخ أبي طاهر القزويني في كتابه " سراج العقول ": وقد أجمع السلف كلهم على أن القرآن كلام اللّه غير مخلوق من غير بحث منهم بأنه القراءة أو المقروء أو الكتابة أو المكتوب كما أجمعوا على أنهم إذا زاروا قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن المزور والمصلى والمسلم عليه هو النبي صلى اللّه عليه وسلم من غير بحث أنه شخصه أم روحه وأطال في ذلك في الباب الخامس من كتابه (فإن قلت) فهل نزلت الأحاديث القدسية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لفظا أو معنى (فالجواب) أنها نزلت معنى لا لفظا فعبر عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعبارته هو وذلك لأنها لم تنزل للإعجاز بألفاظها كالقرآن وهي كلام اللّه تعالى بلا شك (فإن قلت) فما معنى قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف: 3] فإنه يوهم أنه مخلوق (فالجواب) ليس الجعل بمعنى الخلق في سائر الأحوال بدليل قوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف: 19] (فإن قلت) فهل يجوز لأحد أن يعتقد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلغنا شيئا من القرآن على المعنى (فالجواب) لا يجوز لأحد اعتقاد ذلك لأنه لو قدر أنه تصرف في اللفظ المنزل ورواه بالمعنى لكان حينئذ مبينا لنا صورة فهمه لا صورة ما نزل واللّه تعالى يقول: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] فمن المحال أن يغير صلى اللّه عليه وسلم أعيان تلك الكلمات وحروفه بل لو فرض أنه صلى اللّه عليه وسلم علم جميع معاني كلام اللّه عز وجل بحيث لا يشذ عنه شيء من معانيه وعدل عما أنزل فأي فائدة للعدول وحاشاه من ذلك إذ لو تصرف في صورة ما نزل من الحروف اللفظية لكان يصدق عليه أنه بلغ الناس ما نزل إليهم وم يتنزل إليهم ولا قائل بذلك فافهم، وقد أطال الشيخ الكلام على حديث القوم الذين يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم في الباب الخامس والعشرين وثلاثمائة من "الفتوحات" فراجعه

(فإن قلت) فما مثال الوحي إذا ظهر لنا بالألفاظ

(فالجواب) أن مثال ظهور الوحي بالألفاظ مثال ظهور جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة دحية فإن جبريل لم يكن حين ظهر فيها بشرا محضا ولا ملكا محضا ول كان بشرا ولا ملكا معافى حالة واحدة فكما تبدلت صورته في أعين الناظرين ولم تتبدل حقيقته التي هي عليها فكذلك الكلام الأزلي والأمر الأحدي يتمثل بلسان العربي تارة وبلسان العبري تارة وبلسان السرياني أخرى وهو في ذاته أمر واحد أزلي فالكافر والمشرك يسمع كلام اللّه وموسى عليه الصلاة والسلام يسمع كلام اللّه ولكن بين سماعيهما بعد المشرقين إذ لو كان سماعهما واحدا لبطل الاصطفاء.

* - قال الشيخ أبو طاهر القزويني رحمه اللّه بعد كلام طويل: وبالجملة فالأئمة الكبار من شيوخ السلف مثل الإمام أحمد وسفيان وسائر أصحاب الحديث كانو أكثر علما وأغزر فهما وأكمل عقلا ومع ذلك فزجروا أصحابهم عن الخوض في مثل ذلك لدقته وغموضه كما ذموا علم الكلام لعلمهم بأن استخلاص العقائد الصحيحة من بين فرث التشبيه ودم التعطيل عسر جدا إلا على من رزقه اللّه الفهم عنه إذ غالب الناس لا يتفطنون للفرق بين المقروء والقرآن فخاف السلف على أصحابهم أن تتزلزل عقائدهم فأمروهم بمحافظة الأمر الظاهر والإيمان به قطعا من غير بحث على المعنى الحقيقي إذ قد صح إيمان المؤمنين باللّه وملائكته وكتبه ورسله وقالوا لأصحابهم: اقرؤوها كم جاءت من غير كيف وقولوا آمنا به وصدقنا ولعمري إن في ذلك مصلحة عظيمة للعوام وأم الأئمة فمحال أن يخفى عليهم التحقيق في هذه المسألة رضي اللّه تعالى عنهم.

* - قال الحافظ الذهبي رحمه اللّه: وإنما وقعت المحنة للعلماء في زمن المأمون دون غيره من الخلفاء لأن المأمون كان فقيها ماهرا قد طالع كتب الفلاسفة فجره ذلك إلى القول بخلق القرآن ولولا ذلك لكان من أحسن الخلفاء عقيدة ورأيا ودين وأدبا وسؤددا ثم تولى بعده أخوه المعتصم فامتحن العلماء كذلك في مسألة خلق القرآن وجدد مذهب أخيه المأمون ثم تولى بعده الواثق بن المعتصم فامتحن العلماء كذلك بإغراء أحمد بن أبي داود مدة ثم تاب الواثق وأظهر السنة انتهى واللّه تعالى أعلم.

وأما نقول الشيخ محيي الدين رضي اللّه تعالى عنه في هذه المسألة فقال في الباب الرابع والثلاثين من "الفتوحات" (إن قلت) ما الحكمة في تخصيص نزول القرآن في ليلة القدر

(فالجواب) إنما خص نزوله بليلة القدر لأن بالقرآن تعرف مقادير الأشياء وموازينها وكان نزوله في الثلث الآخر منها انتهى

(فإن قلت) فما المراد بقوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الأنبياء: 2]

(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب التاسع والستين وثلاثمائة: إن المراد أنه محدث الإتيان لا محدث العين فحدث علمه عندهم حين سمعوه وهذا كما تقول حدث اليوم عندنا ضيف ومعلوم أنه كان موجودا قبل أن يأتي وكذلك القرآن جاء في مواد حادثة تعلق

السمع بها فلم يتعلق الفهم بما دلت عليه الكلمات فله الحدوث من وجه والقدم من وجه (فإن قلت) فإذن الكلام للّه والترجمة للمتكلم (فالجواب) نعم وهو كذلك بدليل قوله تعالى مقسما أنه يعني القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: 19] فأضاف الكلام إلى الواسطة والمترجم كما أضافه تعالى إلى نفسه بقوله: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] فإذا تلى علينا القرآن فقد سمعنا كلام اللّه وموسى لما كلمه ربه سمع كلام اللّه ولكن بين السماعين بعد المشرقين كما مر فإن ذلك يدركه من يسمع كلام اللّه بلا واسطة لا يساويه من يسمعه بالوسائط انتهى.

وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه يقول: ما دام القرآن في القلب فل حرف ولا صوت فإذا نطق به القارئ نطق بصوت وحرف وكذلك إذا كتبه لا يكتبه إلا بصوت وحرف.

وسمعته يقول أيضا: المفهوم من كون القرآن أنزل حروفا منظومة من اثنين إلى خمسة حروف فأكثر متصلة أو منفردة أمران كونه قولا وكلاما ولفظا وكونه يسمى كتابا ورقما وخطا فإن نظرت إلى القرآن من حيث كونه يحفظ فله حروف الرقم وإن نظر إليه من حيث كونه ينطق به فله حروف اللفظ فلماذا يرجع كونه حروفا منطوقا بها هل هي لكلام اللّه الذي هو صفته أو للمترجم عنه الحق الثاني انتهى. وسمعته أيضا يقول في قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور: 39] فكما أن الظمآن يحسب السراب ماء وليس هو بماء كذلك حكم من يسمع كلام اللّه يحسب كلامه تعالى بصوت وحرف وليس هو في نفس الأمر بصوت ولا حرف وإن كان من المحال أن يظهر أمر في صورة أمر آخر إلا بمناسبة تكون بينهما فهو مثله في النسبة لا مثله في العين فكما أن الظمآن إذا جاء السراب لم يجده ماء كما كان يراه كذلك من سمع كلام اللّه بصوت وحرف إذا كشف عنه الغطاء لم يجده بصوت ولا حرف كما سمعه (فقلت له) فهل للحق تعالى أن يتكلم بصوت وحرف لإطلاقه تعالى من حيث إنه فعال لما يريد فقال لا يصح ذلك للحق لأنه يلزم منه مساواته لخلقه وعدم مباينته لهم فهو تعالى فعال لما يريد مم لا يشبه خلقه فيه وأما تجليه تعالى في الصور في الآخرة فليس هو بصور حقيقة كم قلنا في الصوت والحرف انتهى.

وقد ذكر نحو ذلك الشيخ محيي الدين في الباب الثاني والسبعين وثلاثمائة (فإن قلت) فهل

يصح سماع خطاب الحق تعالى من غير مظهر صوري (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع والثمانين وثلاثمائة أنه لا يصح لعبد أن يسمع كلام ربه قط إلا من وراء مظهر تقييدي يتجلى الحق تعالى له فيه يكون ذلك المظهر حجابا عنه تعالى ودليل عليه فلا يشهد عبد قط في حال المنازلات الخطابية إلا مظاهر صورية عنها يأخذ ما يترجم له من الحقائق والأسرار وهي السنة المفهومة ألا ترى أنه تعالى ما كلم موسى عليه الصلاة والسلام إلا في تجليه له في صورة حاجته التي هي النار انتهى.

قلت: وهو كلام يحتاج إلى تحرير فليتأمل واللّه أعلم (فإن قلت) فهل يقال إن القرآن القديم حال في القلب بلا صوت وحرف أم بصوت وحرف (فالجواب) إن القرآن ما دام في القلب فهو إحدى العينين لا صوت فيه ولا حرف كما مر فهو في قلوب العلماء به على غير الصورة يظهر بها في ألسنتهم لأن اللّه تعالى جعل لكل موطن حكم لا يكون لغيره ثم إن الخيال يأخذه من القلب فيجسده ويقسمه ثم يأخذ منه اللسان فيصيره بشاكلته ذا حرف وصوت ويقيد به سمع الآذان وقد قال تعالى: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] فتلاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلسانه أصواتا وحروفا سمعها الأعرابي يسمع أذنه في حال ترجمته فالكلام للّه بلا شك والترجمة للمتكلم به كائنا من كان أي من حيث الحروف والأصوات ويصح إسناد الكلام إلى العبد مجازا كما يأتي بسطه قريبا في باب الأسرار والقلب بيت الرب انتهى ذكره في الباب التاسع والعشرين وثلاثمائة.

* - وقال في باب الأسرار: لو حلّ بالحادث القديم لصح قول أهل التجسيم القديم لا يحل ولا يكون محلا ولا يعرف المسك إلا من عرفه ولا يضم المعنى سوى حرفه ذكر القرآن أمان وبه يجب الإيمان أنه كلام الرحمن مع قطع حروفه في اللسان ونظم حروفه فيما رقم باليراع والبنان فحدثت الألواح والأقلام وما حدث الكلام وحكمت على العقول الأوهام بما عجزت عن إدراكه الأفهام ولو قدر أنه ينال بالإلهام لكان العامل به هو العلام انتهى.

* - وقال فيه أيضا الذكر القديم ذكر الحق وإن حكى ما نطق به الخلق كما أن الذكر الحادث ما نطق به لسان الحق وإن كان كلام الحق إذا كان الحق تعالى يتكلم على لسان العبد فالذكر

قديم ومزاجه العبد من تسنيم لا يعرف الحق في هذه المسألة إلا من كان الحق تعالى قواه ولا يكون قواه إلا إن قواه. وقال فيه أيضا الحادث محدث وكلام اللّه له الحدوث والقدم فله عموم الصفة لأن له الإحاطة وحدوثه وروده علينا كم يقال: حدث عندنا اليوم ضيف انتهى.

* - وقال فيه أيضا: لا يضاف الحدوث إلى كلام اللّه إلا إذا كتبه الحادث أو تلاه ولا يضاف القدم إلى كلام الحادث إلا إن سمعه من اللّه.

* - وقال فيه أيضا: أصدق القول ما جاء في الكتب المنزلة والصحف المطهرة مع تنزيهه الذي لا يبلغه تنزيه نزل إلى التشبيه الذي لا يماثله تشبيه فنزلت آيات بلسان رسوله وبلغ رسوله بلسان قومه وما ذكر صورة ما جاء به الملك هل هو أمر ثالث ليس هو مثلهم أو مشترك وعلى كل حال فالمسألة فيها إشكال لأن العبارات لنا والكلام للّه ليس هو لنا فما هو التنزل والمعاني لا تتنزل إن كانت العبارات فما هو القول الإلهي وإن كان القول فما هو اللفظ الكتابي وهو اللفظ بلا ريب فأين الشهادة والغيب إن كان دليلا فكيف هو أقوم قيلا وماثم قيل إلا من هذا القبيل وهو معلوم عند علماء الرسوم فتحقق بذلك ولا تنطق انتهى، وقال فيه أيضا لا تقل أنا إياه لقوله: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] أنت الترجمان والمتكلم الرحمن الحروف ظروف والصفة عين الموصوف انتهى.

وهذا لا يتمشى على مذهب ما يقول ليست الصفات عينا ولا غيرا فليحرر وقال فيه أيضا القرآن كله قال اللّه وما جاء فيه قط تكلم اللّه (فإن قلت) ما الحكمة في ذلك (فالجواب) أنه لو جاء في القرآن تكلم اللّه ما كفر به أحد ولا أنكر فضله ولا جحد ألا ترى قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: 164] كيف أثر فيه كلامه وظهرت عليه أحكامه فإن الكلام مأخوذ من الكلم الذي هو الجرح والتأثير فإذا أثر القول فما هو لذاته ففرق يا أخي بين القول والكلام كالفرق بين الوحي والإلهام وبين ما يأتيك في اليقظة والمنام تكن من أهل ذي الجلال والإكرام انتهى. فيه أيضا ما العجب إلا منا كيف نتلوا كلامه وهو قائم بذاته واللّه إنه سطور مسدلة وأبواب مقفلة وأمور مبهمة وعبارات موهمة هي شبهات من أكثر الجهات انتهى.

(فإن قلت) فهل تتشكل الحروف اللفظية في الهواء أم تذهب هباء منثور بعد خروجه

(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب السدس والعشرين إنها تتشكل في الهواء إذا خرجت ولذلك تتصل بالمسموع

على صورة ما نطق بها المتكلم فإذا تشكلت في الهواء تعلقت بها أرواحه ولا يزال الهواء يمسك عليها شكلها وإن انقضى عملها فإن عملها وتأثيرها إنما يكون في أول ما تتشكل في الهواء ثم بعد ذلك تلحق بسائر الأمم فيكون شغلها تسبيح ربها (فإن قيل) فإذا كانت كلمة كفر فهل تكون مثل كلمات الخير في كون شغلها تسبيح ربها (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب السابق إنما يكون شغلها تسبيح ربها ولو كانت كلمة كفر فإن وبال ذلك إنما يعود على المتكلم بها لا عليها لأنها نشأت مسبحة للّه لا يعلم بما على قائلها من الإثم وقد جعل الشارع العقوبة على المتلفظ بها بسببه كما يؤيده حديث إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه ما يلقى لها بالا يهوى به في نار جهنم سبعين خريفا وتأمل كلام اللّه تعالى تراه يمجد ويعظم ويقرأ على جهة القربة إلى اللّه تعالى وفيه جميع ما قالت اليهود والنصارى في حق اللّه تعالى من الكفر والسب وهي كلمات كفر عاد وبالها على قائلها وبقيت الكلمة على بابها تتولى عذاب قائلها يوم القيامة أو نعيمه (فإن قلت) فإذن هذه الحروف الهوائية اللفظية لا يدركها موت بعد وجوده

(فالجواب) نعم لا يلحقها موت بخلاف الحروف الرقة لأنها تقبل التغير والزوال إذ هي في محل يقبل ذلك وأما الأشكال اللفظية فلها البقاء لكونها في محل لا تقبل التغير (فإن قلت) فما الحكمة في قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل: 98] دون قوله فإذا قرأت الفرقان مع أنه من أسماء القرآن

(فالجواب) إنما لم يقل الفرقان لأن الفرقان يطرد إبليس فلا يحضر القارئ فلا يحتاج إلى الاستعاذة باللّه منه بخلاف القرآن فإن جمع فيدعو إبليس إلى الحضور فيحتاج القارئ إلى الاستعاذة باللّه منه (فإن قلت) فلم لم يؤمر المستعذ بالاستعاذة من إبليس بأحد من أولي العزم من الرسل والملائكة لكون كيده ضعيفا وأولو العزم أقوى منه بيقين

(فالجواب) إنما كان كيد الشيطان ضعيفا بالنظر للقدرة الإلهية أم بالنظر إلى الخلق فهو قوي جدا لأنه في حضرة الإرادة التي قهرت العالم كله ولذلك كان الاستعاذة منه باسم الجامع الذي هو اللّه دون غيره فأي طريق أتاهم منها وجد الاسم ما نعاله عن الحضور بخلاف الأسماء الفروع

(فإن قلت) فهل يثاب القارئ على قراءة ما حكاه الحق تعالى عن عباده مثل ثواب ما لم يحكه مما اختص به تعالى

(فالجواب) نعم يثاب على ذلك ثواب كلام اللّه الذي لم يحكه عن أحد من خلقه لكونه قديما ولو حكاه عن الخلق كما أن العارف يأخذ كلام الحق الذي قاله

ابتداء بغير الوجه الذي قاله تعالى استدعاء وكما أنه يأخذ ما حكاه الحق تعالى عن عبيده بالمعنى بغير الوجه الذي يحكيه عنهم باللفظ وقد قال الشيخ في الباب الثاني والتسعين ومائة إذا تلوت القرآن فاعلم ممن تتراجم فإن اللّه عز وجل تارة يحكي قول عبده بعينه وتارة يحكيه على المعنى. مثال الأول قوله تعالى حكاية عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] .

ومثال الثاني قوله تعالى حكاية عن قول فرعون يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً [غافر: 36] فإنه إنما قال ذلك بلسان القبط فوقعت الترجمة عنه باللسان العربي والمعنى واحد فهذه الحكاية على المعنى فهكذا فلتعلم الأمور الإلهية إذ وردت يفرق القارئ بين كلام اللّه أصالة وبين كلامه حكاية ويميزه عن بعضه بعضا فآخر قول اللّه عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران: 81]

* - قالوا ثم إنه تعالى حكى قولهم عن جماعتهم أقررنا وكذلك قوله عن المنافقين إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: 14] وإلى هنا انتهى قوله تعالى ثم إنه حكى عنهم قولهم: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: 14] وقس على ذلك ما يشاكله في القرآن تجده كثيرا وهذ علم لم أجد لأحد قدما فيه من أهل عصري فالحمد للّه الذي أهلنا لذلك فإنه ليس لن مادة نستخرج منها علومنا إلا القرآن العظيم وما كلّ أحد أوتي مفاتيح الفهم فيه إنما ذلك لأفراد من الناس (فإن قلت) إذا كان القرآن كله عربيا فلم لا تفهم العرب منه معاني الحروف التي هي أوائل السور المرموزة (كآلم) و (المص) ونحو ذلك فإنه بلسانهم

(فالجواب) إنما لم يكن جميع العرب تفهم هذه الحروف ليبقى لهم الإيمان بها ولم يفهموا انتهى. فلذلك جعل اللّه تعالى فهمها خاصا بأهل الكشف ولا يقال إن أهل الكشف لا يعرفونها أيضا لأنّا نقول إنه لا بد من أن يعلمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن شاء اللّه تعالى وإلا فلو لم يصح لأهل الكشف علمها لكانت حشو ولا يجوز ورود ما لا معنى له في الكتاب والسنة كما عليه الجمهور من علماء الأصول خلافا للحشوية بإسكان الشين المعجمة مأخوذ من قولهم إن في القرآن حشوا ورأيت في الباب الثامن والتسعين ومائة من "الفتوحات" ما نصه: اعلم أن جميع الحروف المقطعة أوائل السور كلها أسماء ملائكة، قال: وقد اجتمعت بهم في بعض الوقائع وم منهم ملك إلا وأفادني علما لم يكن عندي فهم من جملة أشياخي من الملائكة فإذ

نطق القارئ بهذه الحروف كان مثل ندائهم فيجيبونه لأنه ثم رقائق ممتدة من ذواتهم إلى أسمائهم فإذا قال القارئ (ألم) مثلا قال هؤلاء الثلاثة من الملائكة ما تقول فيقول القارئ ما بعد هذه الحروف فيقولون له صدقت إن كان خير ويقولون هذا مؤمن نطق بحق وأخبر بحق فيستغفرون له وهكذا القول في (المص) ونحوه قال وهم أربعة عشر ملكا آخرهم (ن) قال وقد ظهروا في منازل القرآن على وجوه مختلفة فمنازل ظهر فيها ملك واحد وهو (ص) و (ق) و (ن) ومنازل ظهر فيها اثنان مثل (طس) و (يس) و (حم) وصورها مع التكرار تسعة وسبعون ملكا بيد كل ملك شعبة من الإيمان فإن الإيمان بضع وسبعون درجة والبضع من واحد إلى تسع فقد استوفى هن غاية البضع وأطال في ذلك ثم قال فمن نظر في هذه الحروف وهذا الباب الذي فتحته له رأى عجائب سخرت له هذه الأرواح الملكية التي هي هذه الحروف أجسامها فتمده بم بيدها من شعب الإيمان وتحفظ عليه إيمانه إلى الممات انتهى.

(خاتمة) ذكر الشيخ في الباب الثاني والثمانين وثلاثمائة أن جميع المحكم من القرآن عربي وجميع المتشابه أعجمي ومعلوم أن العجمية عند أهلها عربية والعربية عند أهلها عربية وماثم عجمة إلا في الاصطلاح والألفاظ والصور الظاهرة، وأما في المعاني فكلها عربية لا عجمة فيها فمن ادعى معرفة علم المعاني وقال بالشبه فيها فلا علم له بما ادعاه فإن المعاني كالنصوص عند أهل الألفاظ لكونه بسائط لا تركيب فيها فلو لا التركيب ما ظهر للعجمة صورة في الوجود فاعلم ذلك وحرره واللّه يتولى هداك (وأما الكلام على الاسم الباقي تعالى ) فاعلم أن الباقي هو من كان بقاؤه مستمرا لا أول له ولا آخر وبعضهم استغنى بذكر اسمه الحي عن ذكر هذا الاسم فإن الصفات الإلهية إنما هي سبعة في الحقيقة عدد نجوم الثريا وإنما استغنى بالحي تعالى لأن الحي من كانت حياته أبدية لا افتتاح لها ولا انتهاء وقد تقدم في مبحث كون الصفات الإلهية عينا أو غيرا أن الأصوليين اختلفوا في صفة البقاء وأن الأشعري وأكثر أتباعه على أنها صفة زائدة على الذات وأن المعتزلة والقاضي والإمامين قالو إنه تعالى باق لذاته لا ببقاء وأدلة الفريقين مسطورة في كتب أصول الدين واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!