*** قال تعالى: ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 25] وهو صدقها ومضارب تجد هي الأرواح أكلهم الحكمة، ووصفهم الأدب، ونهارهم الصدر، ومضاربهم من اليقين، والفطنة هي ازدحام الكونيات في القلوب المعنوية، لكن هذه القلوب هي معادن الحكمة، فتزدحم وقت بروزها إلى نتائج الأسرار لكن بروزها بالقدرة، وتزدحم بالفصاحة ونتائج هي الفهم، فإذا كانت معجمة حجبت، وإذا كانت معربة وما سمت فهي معجمة عن العقول معربة للأرواح، إلا أنها تكونت في الأزليات، ولمعت أنوارها، وبروقها على الأسرار، وترجمت بحسن لغاتها الأفهام، فقوم شموا روائحها ولم ينظروها، وقوم رأوا ثمراتها ولم يأكلوها، وقوم تصرفوا فيها تصرا العقل بالفعل.

فأهل الشم المشتاقين، وأهل الرؤية هم العارفون بلا فهم، والذين تصرفوا فيها هم الفصحاء الفهماء الذي انخرقت مر تهم، ولم يشغلهم بكيفيتها ولا أبنيتها، ولم يقولوا: كيف ولا أين، ولا يقولوا: لا كيف ولا أين إلا من يخشى ربه، أحصى من كان عقله عصى، فهو معقول، وأما من يقول: أين وكيف، وأين ذلك من قلة أدبه فيحجب، لكنه سبحانه ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة:105] ويختص بحضرة قدسه من اختاره من عباده ثم اصطفاه لنفسه.

وأمّا العصمة هو وقت انفصال الروح عن البشرية، فترجع تنظر ولا تنظر معنا، تنظر ـ أي: العوالم ـ والعوالم لا ينظره، لكن من كان في هذه الصفة فهو حق بلا باطل، ولا يعقدوا في موضع مخافة أن يعبدوا، فنومهم يقظة، فمن هو كذا فهو غائب حاضر؛ غائب عن الوجود حاضر مع الموجود، وهم الذين قيل فيهم: بذلك سر طال عنك اكتشافه، ولاح صباح كنت أنت ظلامه، فهم الذين كشف لهم عن اللوح المحفوظ، وسيشرف فجر قلوبهم، وتتجوهر أنفاسهم فيكون نظرهم أدب، ونطقهم حكمة، وحركتهم همة، وسكونهم تنقل، وهم أرباب الارتقاء، فمن حط رقى، وهذا الحط هو حط العلم والمعرفة، ثم الامتساك بالأدب.