*** قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل:88] فما ثم شيء خارج عن الحق، إلا الحق وما سواه متغلغل بإرادته، والدنيا تمر في أمواج القدرة، والسماوات والأرض تمر في أرياح أمواج العظمة، والأرواح تمر في أرياح ميادين الحكمة، والعقول تمر في أرياح ميادين العلم، والنفوس تسبح في ميادين القدرة، والأسرار تمر في رقائق المعرفة، والأفهام تمر في رقائق الأزلية، فالدنيا تمر في أمواج القدرة، ثم إنها تختلف لقوله تعالى: ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن:29] .

فساعة تمر في موج العدل فيخشى عليها، وساعة تمر في موج الرحمة، وساعة في موج القدرة، وساعة تمر في موج الإرادة والسعادة، وساعة تمر في موج العزة؛ فالساعة التي تمر في العدل يخاف على بعض البلاد من القحط والفتن والسيف والجوع، لكن هذه الساعة إذا جرت بالعدل فتكون عامة في جميع أركانها، فركن للسيف وركن للجوع وركن للكفر وركن للفتن، لكن في هذه الساعة التي تمر في العدل، هي ثلاث في كل قرن؛ أوله ووسطه و خره.

وأمّا التي تمر في موج الرحمة تعم جميع الدنيا، وتنفجر فيها الأنهار، ويكثر خير الدنيا والعبادات، وترحم الموتى، وينصلح فيها ما بين الأحياء، وتغتمد فيها سيوف الفتن، ويزول فيها من الصدور في كل قرن.

وأمّا الساعة التي تمر في القدرة فيكون فيها عواصف، وصواعق وزلازل وأرياح متخالفة، وكسوا الشمس والقمر، ثم يظهروا أهل الشرك.

وأمّا الساعة التي تمر فيها بالسعادة، ما تجري فيها أنفاس التأييد في أربع أركان، فتحف أثمارها وترخي أسعارها، ووفق الله تعالى بين سيوفها، ويكثر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتخمد نار الشرك، وتمشي سبل الخيرات بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يفتح أنهار الرحمة في قلوبهم، والصدر على ألسنتهم، ويموت منهم الموت؛ أي: تموت نفوسهم، ويموت البخل، ويجيء الكرم.

ثم الساعة التي تمر بالعزة يكثر الإيمان فيها، ويظهر العارفين والتصوف، حتى أن العامة تتصوف ولا تدري ويظهر الإسلام، ثم بعد الدنيا التي تمر في أمواج القدرة، تمور في أمواج أرياح العظمة، والأرياح تختلف فيها، فتقهر المخلوقات لعظمة الحق تعالى، وثم من يتقهر بأرياح الخوف، وثم من يتقهر بأرياح الشور، وثم من يتقهر بأرياح الحب، وثم من يتقهر بأرياح العلم بالله تعالى.

ثم بعد الموات التي تمر في أرياح العظمة، تمر الأرياح في رياح ميادين الحكمة، لكنها تختلف، فثم أرواح تكون عارفة، ثم أرواح تكون محبة، وثم أرواح تكون عالمة بالله تعالى، ثم بعد أرواح تمر العقول في بحور العلم، ففيهم متفقهين وفيهم متشرعين، ثم بعد العقول تمر النفوس التي تسبح في بحور العبودية، لكن فيهم من تكون مالكة لملكها ـ أي: خواطرها وعوالمها ـ وفيهم مملوكة، وبعد النفوس تمر الأسرار في دقائق المعرفة، فأعلى الوحدانية؛ بمعنى أنه لا يصدر عن الواحد إلا الواحد؛ أي: ما بقي منها لا مقام ولا مرتبة، ولا يحق فهذا الذي لم يبق له خاطر إلا سرًّا، وتكون القدرة قائمة بذلك السر، فتكون فردانية تتربى بالتنسيم؛ أي: تنسيم الأزلية وتنبع بالحكمة.

ثم بعد الأسرار تمر الأفهام في رقائق الأزلية، فصاحب الفهم لا يفهم، إلا الواحد خاصية كما قيل، لا يصدر عن الواحد إلا الواحد، لكنه هو الذي تخرج من صفاته ومن أفعاله، فهو جملة بلا تفصيل، والعلم يتفصل، والمعرفة تتفصل وتفصيلها الكلام بها، والربانية لا تفصيل لها، ولكنها معربة في ذاتها معجمة في صفاتها، فهي تطاف به ومضارب تجد، واليد يد القوة، وهي العبارات قبل بدء الهمة لكنها تطاف به.