*** قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ [الطلاق:12] قال: ذلك الإمطار واللاهوية؛ أعني: الفضلية والعدُلية، ومداولة السلاطين؛ أعني: اللطيفة، والكثيفة، ويتنزل الظلام والنور، فالأمر في النيات، وفيه ظاهر وباطن، فباطن القدرة الفعالة إذا نزلت على هذه البشرية تهدوهم، فبالأمر تهدوا وبالرحمة تعمر، وتهدي كل كثيف وتعمر كل لطيف؛ لأن الأنفاس (29) حرفًا، فثلاثة أحرف نورًا، و(26) ظلمة، فإذا نزل الأمر بينهن ـ أي: بين تلك ـ أنشأهم نشأة أخرى وخرب ما انعمر بالكثافة، وفا عليهم من ماء القدرة فشعشع نورهم، فإذا سارت اجتمعت الكل كنفس واحدة، وذلك النور يجري فتضاء المشكاة، ويتجلى بما فيها الصورة، وينكشف المرة فينظر على قدر ما انكشف له فيها.

والمرآة في صدر كل إنسان فإذا نتجت تبصر بها؛ لأنها لطيفة؛ أعني: روحانية، وما يبصر اللطيف إلا اللطيف بلطيفة منه مثله، فإذا نزل الأمر باطن يمطر، فينبت فيه ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج:5] إلا أن المطر ينزل وقت يقظة الغافلين من قومة الجهل ذلك وقت التوبة، ثم يخرج عليهم شمس الحق تعالى، فتنبت أشجار الصدر وتزهر لآلئ الخوف وتخرج أنهار الرحى، فثم صدر التوبة.

ثم يخرج نار الاشتياق وهو بحر التوبة، فتشعل نار الشور إلى أن تبصر محبته، فيشق بحر التوحيد وهو نار القدرة، لكن لا يحيا إلا بنور العظمة وهو صدر المحبة، فإذا توسط بحر التوحيد فني، وإذا فني نزل عليه الأمر بالحياء، فيبقى بقاءً لا فناء بعده، والبقاء هو النظر، فينظر كل إنسان على قدر عطاءه، فث م من ينظر من وراء حجاب، لكنه نور أحمر مثل وهيج النار، وهو وهيج حجاب الكبرياء.

وثم من ينظر من وراء حجاب الملك يسمى: حجاب الظلمة فيرى منه جميع العوالم، وثم من ينظر من وراء حجاب العلم والأمر فيرى منه جميع المقدورات، وما كان وما يكون، ثم يفنى وينشأ بنفيه إلهيته ويحييه اللطف، إلى أن تصل سدرة المنتهى؛ وأعني بها: كل ما صدر من العدم إلى الوجود، والصدور هي الأزلية، فما يبقى ثم شيء ينظر إليه، فإذا نظر إليه قدح بصره وتصوره، وأيد وثبت فيقدر على النظر.