موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مواقع النجوم
ومطالع أهلة الأسرار والعلوم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الفلك القلبي

 

 


قلب المحقق مرآة لمن نظرا يرى الذي أوجد الأرواح والصور

إذا أزال صدا الأكوان واتحدت صفاته بصفات الحق واعتبر

من شاهد الملأ الأعلى فغايته النور وهو مقام القلب إن شكر

ومن يشاهد صفات الحق فاعلة لكل أمر يكن في الوقت مفتكر

ومن يشاهد مقام الذات يحظ بما في الذات من يسلب الأوصاف مفتقر

فكل قلب تعالى عن أكنته لم يدر في الملأ الأعلى ولا ذكر

وكيف يدرك قلب بات محتجبا عن الوجود فما صلّى ولا اعتمر

ما يعرف العين إلاّ العين فاستمعوا ما قلب عين كقلب قلد الخبر

إعلم يا بني وفقنا الله وإياك أن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه فإن أزاغه كان بيتا للشيطان ومحلا للخسران وموضع نظر المطرود من رحمة الله ومعدن وسواسه وحضرة أمانيه ومهبط قواته وخزانة غروره وإن أقامه فذلك قلب المؤمن النقي الورع الذي قال فيه وما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فقلب يسع القديم فكيف يحسن بالمحدث موجودا وفي هذا المقام تحقق شيخ الشيوخ أبو يزيد البسطامي (رضي الله عنه) حيث قال لو أن العرش وم حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف لما أحسن به فقلب العبد الخصوصي بيت الله وموضع نظره ومعدن علومه وحضرة أسراره ومهبط ملائكته وخزانة أنواره وكعبته المقصودة وعرفاته المشهودة رئيس الجسم ومليكه إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ مع السلامة من الآفات وزوال الموانع بصلاحه صلاح الجسد وبفساده فساده ليس لعضو ولا جارحة حركة ولا ظهور ولا كمون ولا حكم ولا تأثير إلاّ عن أمره وهو محل القبض والبسط والرجاء والخوف والشكر والصبر هو محل الإيمان والتوحيد ومحل التنزيه والتجريد وهو الموصوف بالسكر والصحو والإثبات والمحق والإسراء والنزول هو ذو الجلال والجمال والأنس والهيبة والتجلي والمحق هو صاحب الهمة والمكر والحرية والوجود وعين التحكيم والإنزعاج والعلة والإصطلاح والتداني والترقي والتدلي والتلقي والأدب والسر والسنة والوصل والفصل والغيرة والحيرة هو حامل المعاني ومدبر المغاني كما أنه صاحب الجهل والغفلة والظن والشك والكبر والكفر والنفاق والريا والعجب والحسد والشوب والهلع ومحل الأوصاف المذمومة كلها إذا لم ينظر الله إليه ولا أدناه منه وحرمه التوفيق والهداية وخيبته في الأزل العناية هو رسول الحق إلى الجسم فإما صادق وإما دجال وإما مضل وإما هاد فإن كان كريما أكرم وإن كان لئيما أسلم فإن كان رسول خير وإمام هدى حرك أجناده بالطاعة وتوجهت سفراؤه إلى أمرائه العشرة من عالم الغيب التي هي حضرته وعالم الهداية التي باديته بكتب الإستقامة على السنة والجماعة لكل أمير بما يليق به من التكليف تقتفيه حقيقته وهم عشرة خمسة ملكوتية وخمسة ملكية فالأمراء الملكوتيون يسمون أرواحا والأمراء الملكيون يسمون حواسا كحاسة السمع وحاسة البصر وحاسة الشم وحاسة الذوق وحاسة اللمس والأمراء الروحانيون كالروح الحيواني والروح الخيالي والروح الفكري والروح العقلي والروح القدسي فإذا نقذ الأمر الإلهي إلى أحد هؤلاء الأمراء أثر القلب من القلب بادر إلى إمتثال ما ورد عليه على حسب حقيقته وهؤلاء السفراء هم الخواطر المشهورة.

فصل: إعلم يا بني وفقك الله ونور قلبك وشرح صدرك وطهر ثوبك ونزه سرك إن كل كرامة ومنزل ذكرناه فيما تقدم للأعضاء فإنما ذلك كله راجع إلى القلب وعائد عليه ولولاه لم يكن من ذلك شيء لتلك الأعضاء فإن كل عمل صدر عنها إن لم يؤده الإخلاص الذي هو عمل القلب وإلاّ فذلك العمل هباء منثورا لا يصح له نتيجة أصلا ولا يورث سعادة أبدية فإن الله تعالى يقول: وما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ وقال رسول الله (ص) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجه فهجرته إلى ما هاجر إليه. . . فتبين بهذا أن الأعمال الظاهرة والباطنة كله يزكيها عمل القلب أو يجرحها فليس للأعضاء إذا حركة ولا سكون في طاعة شرعية ولا معصية إلاّ عن أمر القلب وإرادته فأول ما ينبت الخاطر في القلب فإذا تحقق وعزم على إمضائه نظر إلى الجارحة المختصة بعمل ذلك الخاصر الذي قام فيحركها بعمل ذلك الخاطر إما طاعة وإما معصية وعليها يقع الثواب والعقاب ألا ترى أن الله تعالى جعل النظرة الأولى التي هي من غير قصد ولا للقلب فيها نية بوجه معفو عنها والعبد غير مؤاخذ بها وكذلك في النسيان إذا عمل العبد عملا من الأعمال ناسيا غير قاصد لذلك العمل فإن الله تعالى قد عفى عنه في ذلك كما أنه أيضا إن أراده القلب وهم بمعصيته ما لم يكن إصرارا ولا يكتب عليه ولا يحاسب به ما لم يعمل به أو يتكلم به هذا في المعاصي وأما في الطاعات فمأجور بنيته وهمته وإن لم يعمل المعصية التي هم بها كتبت حسنة قال (ص) إذا هم العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عمله كتبت له عشرا وإن هم بسيئة فعملها كتبت سيئة فإن لم يعلمها لم تكتب شيئا وقال تعالى للملائكة أكتبوها حسنة فإنه إنما تركها من جراى يعني من أجلي.

وقال (ص) إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها وكذلك أيضا ما استكره عليه الإنسان ففعله مخافة الموت فإنه غير مؤاخذ به عند الله تعالى وذلك لأنه لم يقصد ذلك الفعل بقلبه وإنما أكره عليه وقال تعالى في كتابه العزيز: إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وقوله (ص) في حديث وما استكرهوا عليه فإذا تقرر هذا فقد ثبت أن القلب رئيس البدن وهو المخاطب في الإنسان وهو العقل الذي يعقل عن الله وهو الملك المطاع الذي قال فيه رسول الله (ص) إن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد وإن فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب فإذ كان هذا كما ذكرناه فقد ثبت وصح أن جميع الكرامات والمنازل التي جعلت للأعضاء فإنها راجعة إلى القلب ومتعلقة به وعائدة عليه ولكن مع هذا كله فله كرامات ومنازل يختص بها في نفسه لا يقبل إليها أحد عن عماله أبدا كما أن كل نعمة تظهر في ملك ملك على يد رجاله وخدمه وحاشيته ومقام رفيع ومنزلة عليه راجعة إلى الملك ومع هذا فله أيضا نعم ومنازل ومقامات يختص بها ذاته لا ينالها أحد في مملكته سواء.

وقد ذكرنا هذا الفصل شافيا مستوفيا في كتابنا الموسوم بالتدبيرات الإلهية بيد أن لمنازل هذا القلب شروطا ليست لغيره من الأعضاء وذلك أن منازل الأعضاء قد يحصل له من غير أن تحصل لها الكرامات المختصة بها والقلب بخلاف ذلك لا يصح له منزل ما لم يصح له بعض الكرامات المختصة به فمنازله موقوفة على بعض كراماته ونحن نذكر الآن إن شاء الله تعالى كرامات هذا القلب ومنازله ممتزجة على حسب ما يعطيه المقام فاذكر الكرامة والكرامتين والمنزل والمنزلتين والثلاثة ثم ارجع إلى الكرامات بخلاف ما تقدم في الأعضاء وإن هذا يعطي مقام القلب إذ بعض كراماته منازل لغيره من الأعضاء فلحلولها وامتزاجها بالمنازل ولطافتها صارت كأنها هيئة فلهذا يعسر فصله على المنازل (كرامات القلب) فمن ذلك معرفته بالكون قبل أن يكون وهذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السر وفوقه علم أخفى وفوق الأخفى أخفى إلى أخفى الأخفى الذي أستأثر الله تعالى به دون خلقه فالأخفى الأول عمن عنه كل مخلوق ما عدا هذ الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به فهو بالنظر إلى الحق فهو من علوم السر لوقوع الاشتراك في علمه فهو للحق سبحانه وتعالى من حضرة يعلم السر وللعالم من حضرة ما خفي إلاّ أن أصحابنا (رضي الله عنهم) أطلقوا على هذا العلم سر السر أدب مع الحق سبحانه وتعالى إذ لم يسم أخفى إلاّ ما انفرد به سبحانه وتعالى وأنا جار على هذا الأدب وإنما ذكرت الأخفى هنا لهذا السر تبيينا للمعنى في حق السامع فسر السر هو هذا العلم وما هو أخفى بما هو فوقه ولا يلتفت لمن يقول إن كل إنسان له سر يخفيه لا يعلمه أحد معه إلاّ الله تعالى هيهات وأين اللوح والقلم ولمة الملك والشيطان نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه ولا الألف من غير جنسه ويعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى به وما يكون فيه من بعد مما لم يوجده تعالى في نفسه إلاّ أن إكرامه من الله تعالى لبعض العبيد وتحقق ميراث إلهي فأرباب القلوب يعلمون السرائر بأعلام الله لهم وما انطوت عليه النفوس والضمائر وهي المكاشفات التي ذكرناها في عضو البصر ويعلم واحد من أرباب القلوب ما لا يعرفه الضمائر ولا الخواطر مما ستعرفه فبهذا استأثر صاحب القلب الإلهي وهذا حائل عقلا لا يعلم الله سبحانه عبدا من عباده ما في نفس عبد آخر مما سيكون مما ليس هو الآن كائن وما بقيت الدعوى إلاّ في أن هذا الأمر قد وقع ولا برهان على أنه قد وقع عقلا إلاّ أن المدعي في هذا المقام إذا أدعاه ويقول أنا ذلك الرجل يقال له هات أخبرنا بما في نفوسنا وما يكون من بعد مما ليس فيها الآن فإن كان صادقا في دعواه أخبر بذلك وإلاّ فدعواه كاذبة وهذا هو السر والأخفى الأول الذي هو سر السر فهو أخفى بالنظر إليك مع العالم ومن جهة أن الحق قد أطلعك عليه سر بينك وبين الحق والحق أخفى منه وصاحب هذا المقام يعلم ما في نفسك ولا تعلم ما في نفسه ولما كان هذا الأمر يحصل لبعض الناس ولم يحصل للآخرين من أجل ذلك المقام الذي يحصل فيه لمن حصل جعلناه كرامة ولم نجعله منزلا لأن أصحاب المقامات ليس الكرامات شرطا في تصحيح مقاماتهم وأما المنازل فشرط في صحة المقامات ومن ادعى مقاما ولم يقف على منزل فدعواه كاذبة وقوله زور وبهتان.

(منازل الآمنين) واعلم أن السبب الذي منه تحصل هذه الكرامات هو أن القلب له بابان باب إلى عالم الملكوت وباب إلى عالم الشهاد وعلى كل باب إمام فالإمام على باب عالم الملكوت قارع لذلك الباب حتى يفتح له ولا بد أن يفتح فإذا فتح ظهر عند فتحه طريقان واضحان طريق إلى الأرواح الملكوتيات والرحموتيات وطريق إلى اللوح المحفوظ فإن سلك هذا الإمام على طريق الأرواح وقف على أسرارا الملائكة ويصير صاحبا لهم وسميرا ومن ثم يكثر تسبيحه وتهليله ومعاملاته واجتهاده في العبادات على حسب الصنف الروحاني الذي يكون معهم فثم صنف غلب عليهم التسبيح وآخر غلب عليهم التحميد وآخر غلب عليهم السجود وآخر غلب عليهم القيام وما منهم إلاّ وله مقام معلوم كما أخبر الله سبحانه وتعالى وجد مرسوم وأنهم الصافون المسبحون الليل والنهار ولا يفترون فهذا الإمام النزيل يغلب عليه حالتهم ضرورة فتكون عبادته على نوع عبادة الصنف الذين يكون عندهم وهي الدلائل على كشفه والبراهين على دعواه في مشاهدتهم ومؤانستهم ومحادثته لهم وأما الطريق الذي يفتح له إلى اللوح منه يعرف ما ذكرته لك لأنه قد أرتقم فيه علم ما كان وما يكون وم لو كان أن لو شاء الحق أن يكون كيف يكون فيقابله بذات قلبه فيرتقم فيه على حسب كشفه كما ذكرناه في فلك اليد فانظر هناك في الباب الجزئي واعلم أن المشاهد لهذا المقام ساكن الجوارح لا يتحرك له عضو أصلا إلاّ عينيه تحركهما عين البصيرة بقوتها لغلبة المقام عليه وها هنا يقع التفاضل بين أهل هذه الطريقة فمنهم من لا يزال عاكفا على اللوح أبدا لا ينتفع به ومنهم من يشهد تارة وتارة ومنهم من يكون له نظرة واحدة ويرجع ثم لا يعود منهم من يترك النظر فيما يسطر وههنا مرتبتان منهم من ينظر فيم يسطر أعني ماذا يسطر ومنهم من ينظر في كيفية تخطيط القلم وكيف يقلع العلوم من الدواة التي هي النون مجملة وينثرها على سطح اللوح مفصلة فإذا تكلم صاحب هذ المقام لم يفهم عنه كلام أصلا لإجماله ومنهم من ينظر تحريك اليمين للقلم ومنهم من ينظر اليمين لا من جهة أنها كاتبة ومنهم من ينظر صاحب اليمين ومنهم من ينظر في صفات الجلال السلبية ومنهم من ينظر الذات من حيث اليمين ومنهم من ينظرها من حيث هي وهذه أسنى المراتب والمقامات وأعلاها وليس وراءها مقام ولا منزل يتعالى ولكن في هذه المقامات يقع التفاضل بين أصحابها فللرسول منها شرب وللنبي منها شرب وللصوفي المحقق الوارث منها شرب ولكل مقام من هذه المقامات أدب يخصه وشاهد كمال يشهد له أضربنا عن ذكره حذرا من المدعي أن يلزمه ويدعي المقام فيشهد له اللزوم لأدبه في ذلك الحين لكني أسوق من الشروط لتحصيل هذه المقامات ما يفتضح به المدعي إذا ادّعى مقاما منها ولا أقول متى يكون ذلك ولا كيف يكون ونتركه مبهم حتى لا يعرف المدعي متى يدعيه وأما الذائق له فصحيح الدعوى فيعرف ما كتمناه وسترناه والله يصلح الجميع. . .

فأما من شاهد اللوح فعلامته أن ينطق عن سرك وأنت ساكت فهذا الذي قال في حقه الجنيد سيد هذه الطائفة (رضي الله عنه) قيل له من العارف قال الذي ينطق عن سرك وأنت ساكت وعلامة من شاهد القلم يكتب أن يعرف عين ذلك السر الذي تتكلم عليه في نفسك من أي حضرة صدر وما السبب الذي لأجله وجد ومن شاهد اليمين كاتبة فعلامته الفعل بالهمة وهو ساكت ومن شاهد اليمين غير كاتبة فعلامته الأنس في بساط الجمال من غير إنبساط بل بأدب كما قالت المشيخة (رضي الله عنهم) أقعد على البساط وإياك والإنبساط ودليل أنسه استبصاره عند الموافقة بين أفعال المكلفين والشرع وهذا مقام الغيرة التي قيل للشبلي فيه متى تستريح قال إذا لم أر له إلاّ ذاكرا ومن شاهد اليمينين علامته التسليم لأمر الله تعالى والرضا بموارد القضاء وكلما يجري عليه من البلاء والمحن والنعم سواء لا يفرق بينهما حالة وعلامة هذا ما لم يكن الإبتلاء في الدين فإن كان لزمه الأدب والاحترام ومن شاهده في الصفات السلبية فلا تصدر منه نقيصة أصلا هذ علامته بل يكون خيرا كله ومن شاهد الذات من حيث الذات علامته أن لا يتفق أمر في الوجود إلاّ ويكون ذلك مرادا له وبإرادته ولا يجري شيء على غير غرضه فإن بطل له هذا الشاهد بطلت دعواه فإن قلت وهذا المقام يدعيه الإنسان ولا يدري هل يصدق في دعواه أو يكذب فاعلم أن الإنسان صاحب غفلات فإذا ادعى لك هذا المقام من ادّعاه فاغفل عن دعواه فيه بل سلمه له فإذا غفل عن دعواه أقصد نكايته بأمر ما وجريحه وانظر إلى حاله في ذلك فإن كان كاذبا تغير ولا بد وإنما يقع التغير من جهة المخالفة فلو وافق نكايتك له إرادته فيها لما تغير كيف وقد وقع مراده فهذه وفقك الله شواهد لا ينفك صاحب هذه المقامات عنها ومن ادعاها دون هذه الشواهد فدعواه كاذبة وبعد هذا كله وتصحيحه فلا شك للإنسان في نفسه على تصحيح هذه المقامات له أصح من الإستقامة والتوفيق ظاهرا وباطنا والوقوف عندما جاء به سيدنا محمد (ص) جعلنا الله ممن اتبع سبيله ثم قال ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون فجعلها وصية والصوفي أحق بسماع الوصية الإلهية من كل أحد إذ هو المدعي فيه وصاحب مناجاته ومشاهدته من كل أحد (صلة وتتميم) ثم لتعلم أن تعدد الأسرار عندنا إنما هو لتعدد هذه المقامات الإلهية الغيبية التي ذكرناها ولكل مقام سر يخصه فلهذا تعددت الأسرار وكثرت إضافاتها فقالوا السر وسر السر وسر سر السر وسر سر سر السر وهكذا إلى أن ينتهي إلى ما ذكرت لك فإذا سمعت إضافات هذه الأسرار وتكرارها فلا تتخيل انه راجعة إلى معنى واحد مع تعريض لك أنها متعددة بالمقامات وإنما كانت إضافات بعضه إلى بعض لأن بعض هذه الأسرار نتائج عن بعض ومتوقف وجود بعضها على بعض فالثاني لا يحصل لك أبدا لم يحصل الأول ولا الثالث ما لم يكن الثاني فإنه المنتج له هكذا على التتالي والتتابع وهكذا الكشف كله لا يحصل إلاّ للإمامين اللذين هما وزير القطب صاحب الوقت ما عدا الكشف الذاتي المطلق فإنه مما ينفرد به قطب الزمان ومرآة المؤمن كما ينفرد أيضا الإمام الذي على يسار القطب الذي لا سبيل للإمام الثاني الذي على يمينه إليه فإذا حصل ما ذكرناه من المقدمات والأسرار على التتميم فتح للإمام الذي على يسار القطب باب عالم الشهادة فوقف على أسرار العالم الترابي من البشر والجبروتي والترابي من العباد والزهاد والروحاني الترابي كالأبدال والأوتاد والنقباء في هذا الباب يعطي سر التدبير وأحكام الرئاسة والسيادة وصار كل روح مدبر لجسده تحت ملكه وقهره يتصرف عن إذنه فهم مع كونهم يتصرفون في الأرض والماء والهواء كيف شاؤو راغبون في مقام هذا الإمام.

ولقد بلغني عن ثقة أن الشيخ أبا النجا المعروف بأبي مدين (رحمة الله عليه) وجه إليه بعض الأبدال في مسئلة وهي لأي شيء لا يعتاص علينا وأنت له تعتاص عليك الأشياء ونحن راغبون في مقامكم وأنت غير راغب في مقامنا وقد كان لهم منهم أشخاص يصرفهم على حكم إرادته وكان أحد الإمامين اللذين ذكرناهما وكان يقول هذ عن نفسه ويشهد له حاله بصدق دعواه وكان يقول سورتي من القرآن العظيم تَبارَكَ اَلَّذِي بِيَدِهِ اَلْمُلْكُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ليس بعد هذا المقام إلاّ مقام القطب وأما مقام الربوبية المقيدة بالناس في قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اَلنّاسِ فهي حضرة الإمام الذي على باب عالم الملكوت وفيها يشهد وهي موضع نظره فإنها ثلاث حضرات اختصت بثلاثة أسماء ناله ثلاث رجال وهي حضرة الرب والملك والإله ورجالها الإمامان والقطب وإنما أضيف إمام الربوبية للناس وهو مع الملكوتيات لأنه لا بد له عند موت الإمام الثاني المسمى بالملك أن يرث مقام الثلاث غيره فإن ثم أشخاصا يحصل لهم من مقام الربوبية طرف ما بخلق ما ولكنهم لا يرثون هذا فلهذا عري عنهم الحق الإضافة إلى الناس إذ ليس لهم فيه تدبير ولا لهم عليه تقدم وبلغ إلى بعض الروحانية عند اجتماعي به أن شيخنا أبا النجا أعني أبا مدين (رضي الله عنه) ما مات حتى كان قطبا قبل موته بساعة أو ساعتين ولقد أتاني بذلك أبو يزيد البسطامي (رضي الله عنه) في رؤي رأيتها وإني لأعلم وارثه الآن في ذلك المقام الإمامي وأعرفه غاية المعرفة ولله الحمد على ذلك نعم يا سيدي مضى هذا المقام بسبيله فلنرجع وهذا المقام الذي يحصل للإمام الذي لعالم الشهادة الأئمة فيه على نوعين منهم إمام يصرف الأبدال على اختياره كأبي النجا ومن أشبهه ويعرف الأوتاد عينا واسما ويجتمعون معه وهذ المقام هم فيه على أقسام منهم من يستمر له ومنهم في وقت دون وقت ثم لا يراهم أكثر إلاّ عندما يفقد أحد ويخلفه غيره ويعلم المفقود ومن خلقه ومنهم من لا يشاهدهم أصلا ولا يراهم ولا يعلم هل في الوجود أبدال أم لا إلاّ أن الإبدال يخدمونه بظهر الغيب ويحضرون ميعاده وينتفعون به على غير علم منه لحكمة أخفيتها ووكلناك فيها لنفسك وهذا الحكمة يعلمها هذ الإمام أن عرف أن ثمة أبدالا فيعرف ما المانع لرؤيته إياهم وتصريفه وإن لم يعلم لا يعلم تلك الحكمة ولكنه قد أهله الله تعالى للتقديم ووشحه عمل رشاد هذه الأمة لتهتدي به عباده وهذه مقامات وإياك أن تتخيل يا بني في نفسك ما يحصل لك علما دون ذوق أبدا هيهات فازوا وخسروا المبطلون وإياك أن تتخيل أني خرجت عن المقصود بذكري لهذه الأشياء إنما سقتها تنبيها على أنه لا يكون صاحب هذا المقام إلاّ من فتح له باب عالم الشهادة من قبله كما قدمنا في أول المنزل فإن فتح له فهذه حالته في الشهادة والله يرشد الجميع لا رب غيره.

(ومن كرامات) هذا القلب المختص به إطلاع الحق له على ما أودع في العالم الأكبر من الأسرار ثم أين حظه في نفسه من ذلك السر الخفي حتى يعرف أين البحر فيه وأين البر وأين الشجر وأين السماء والكواكب والأقاليم ومكة والقدس ويثرب وآدم وموسى وهارون (عليهم السلام) كما يعرف أيض في ذاته الدجال ويأجوج ومأجوج والدابة المكلمة لخلقه هكذا حتى لا يشذ عنه شيء من الموجودات ولا أريد حصرها وإنما أريد أن كل ما عرفه من العالم عرف أين حظه في نفسه وذاته فهو في هذه الكرامة يقابل كتاب ذاته بكتاب العالم الكبير فيصبح كتابه الخاص به ومنها أن يطلعه الله تبارك وتعالى على هذه الأسرار فعكس المرتبة الأولى فيكون في هذا يقابل في العالم مع ذاته فيعرف الشيء في نفسه أولا ثم بعد ذلك ينظر ما يقابله في العالم من الخارج فالأول طالب في نفسه ما وجد جارح عنه والثاني طالب في الخارج عنه ما وجد في ذاته وهذه الكرامة أشرف وأسبق في الرحموتيات *و منها أن يطلعه الله تعالى على هذه الأشياء وفي الكتابين معا من غير تقديم ولا تأخير كالصورة في المرآة مع الناظر وهنا مقامات:

(الأول) : أن يكون العالم مرآة (و الثاني) : أن يكون للعالم مرآة وهو المقام الأعلى فإن العالم يرى فيه نفسه ولا يراه أصلا فيكشف العالم ولا يكشفه العالم فهذا القلب لو تسأل الأيام عنه ما عرفته ولو طلب له مكان لم يعقل وهذا هو وارث الحق الذي يكشف ولا يكشف وصاحب هذه الكرامة هو المحمدي المكمل الذي ليس له مقام فيدرك والتنبيه عليه من الكتاب العزيز يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا فهذا تنبيه على أمرين على أن لا نهاية أصلا وعلى المقام الذي ذكرناه الساعة وله تأثير عجيب في العالم من غير تعيين إلاّ كما ذكرناه وقدرناه في الفلك القدمي ومن لم يوفقه الله تعالى على هذه الكرامات القلبية فليس له علم بموضع الحكم الوجودية ولا حقيقة له.


uvxYRtKsjkc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!