موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


موعظة

حدّثن صاحبنا أيضا أبو عبد الله بن عبد الجليل بمكة قال: يحكى أن ملكا من ملوك اليونانيين انتبه من منامه في بعض الغدوات فأتته قيّمة ملبسه بثيابه فلبسها، و ناولته المرآة فرأى شيبة في لحيته فقال: المقراض يا جارية، فأتته به، فقصّ الشيبة و ناولها إياها، فتناولتها ووضعتها في كفها وأصغت إليها بأذنها ساعة والملك ينظر إليها، فقال لها: ما الذي تصغين إليه يا جارية؟ قالت: أستمع إلى ما تقول هذه الشعرة التي عظم مصابها بمفارقة الكرامة العظمى حين سخطها الملك وأقصاها. فقال لها: فما الذي سمعت من قولها؟ قالت: زعم قلبي أنه سمعه تقول كلاما لا يجترئ لساني على النطق به لاتقائي سطوة الملك. فقال لها: قولي على حال آمنة وعدم توقّ ما لزمت أسلوب الحكمة. قالت: إنها تقول: أيها الملك المسلّط على أمر قصير، إني ظننت بك البطش والاعتداء عليّ، فلم أظهر على سطح جسدك حتى بضت وحضنت بيضي، فأفرخت و أعهدت لبناتي بالأخذ بثأري عهدا إذ كأنهنّ خرجن فجعلن للأخذ بثأري باستئصالك أو تنغيص لذتك وتنحيف قوّتك حتى تعدّ الهلك راحة. فقال: اكتبي كلامك هذا، فكتبته في صحيفة فناولته إياها.

فتأمله مرارا، ثم قام ودخل بيت النسّاك ولبس زيّ النسك، وترك الملك حتى لحق بربه.

وأنشدني في هذا المعنى صاحبنا علي بن محمد القفصيّ:

وناذرة بالشيب حلّت بعارضي فبادرتها بالنتف خوفا من الحتف

فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي رويدك للجيش الذي جاء من خلفي

ومن هذا الباب ما حدثنا أيضا به صاحبنا أبو عبد الله قال: دخلت حرقة بنت أبي قابوس النعمان بن المنذر ابن ماء السماء على سعد بن أبي وقاص، وهو بالقادسية إذ ذاك مع جملة من جواريها وعليهن المسوح السود والصلبان صلت البنود، فسلمن عليه، فلم يميز حرقة من بين جواريها لمشاركتها إياهن في الزيّ وكنّ رواهب، فقال سعد: أفيكنّ حرقة؟ فقال: ها أنا ذه، فقال: أنت حرقة، فقالت: فما تكرارك استفهامي، اعلم أيها الأمير أن الدنيا دار قلعة وزوال، فما تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقال، و تعقبهم حالا بعد حال، وإنا كنا ملوك هذه الأرض، يجبى إلينا خراجها، ويطيعن أهلها، فدنا مدى المدة، وزوال الدولة، فلما أدبر الأمر، وصاح بنا صائح الدهر، فصدع عصانا، وشتت ملانا، وكذا الدهر يا سعد، إنه ليس من قوم أتحفهم بفرحة إل أعقبهم بقرحة، وأنشدت:

بين نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف

فأفّ لدنيا لا يدوم نعيمها تقلّب تارات بنا وتصرّف

قال: فبينما هي تخاطب سعدا رضي الله عنه إذ دخل عمرو بن معدي كرب، فقال:

أنت حرقة التي كانت تفرش لك الأرض من قصرك إلى بيعتك بالديباج المبطن بالوشي؟ قالت: نعم، قال لها: ما الذي دهمك، وأذهب محمود شيمك، وغوّر ينابيع نعمك، وقطع سطوات نقمك؟ قالت: يا عمرو، إن للدهر عثرات تلحق السيد من الملوك بالعبد المملوك، وتخفض ذ الرفعة، وتذلّ ذا النعمة. وإن هذا أمر كنا ننتظره، فلما حل بنا لم ننكره، فسأله سعد، فيما ذا قصدت له؟ فاستوصلته، فوصلها وقضى حوائجها، فلما انفصلت عنه سئلت م ذا لقيت منه؟ فأنشدت تقول:

صان لي ذمّتي وأكرم وجهي إنما يكرم الكريم الكريم

وحدثنا أيضا قال: قال الأصمعيّ: بينما أطوف بالبيت إذ بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تنشد وتقول:

يا ربّ إنك ذو أمن ومغفرة دارك بعفوك أرواح المحبّينا

الذاكرين الهوى ليلا إذا هجعوا والنائمين على الأيدي مكبّين

يا ربّ كن لهم عونا إذا ظلموا واعطف بقلب الذي يهوون آمين

قال: فقلت: يا جارية، أفي هذا المقام، وحول هذا البيت الحرام تذكرين الهوى؟ قالت: أو تعرف الهوى؟ قلت: وأنت تعرفينه؟ قالت: بليت به صغيرة، وأحطت به خبر كبيرة. قلت: صفيه لي. قالت: جلّ أن يخفى، ودق أن يرى، فهو كامن ككمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى. قال الأصمعي: فما سمعت من وصفه بمثل م وصفته.

وحدثن محمد بن سعيد رحمه الله، قال: قال وهب بن ناجية الرصافي: كنت أحد من وقعت عليه التهمة في مال مصر أيام الواثق، فطلبني السلطان طلبا شديدا حتى ضاقت عليّ الرصافة و غيرها، فخرجت إلى البادية مرتادا رجلا عزيز الدار، منيع الجار، أعوذ به، وأنزل عليه، فبينما أنا أسير إذ رأيت خياما، فعدلت إليها، فملت إلى بيت منها مضروب و بفنائه رمح مركوز، وفرس مربوط، فدنوت فسلّمت، فردّ عليّ نساء من رواء السجف، و قالت لي إحداهن: اطمئن يا حضريّ، فنعم مناخ الضيفان بواك القدر ومهدك السفر.

قلت: و أنّى يطمئن المطلوب، أو يأمن المرغوب، من دون أن يأوي إلى جبل يعصمه، أو مأمن، أو مفزع يمنعه، وقليلا ما يهجع من السلطان طالبه والخوف غالبه. قالت: لقد ترجم لسانك عن ذنب عظيم، وقلب صغير، وإيم الله لقد حللت بفناء رجل لا يضام بفنائه أحد، ولا يجوع بساحته كبد، هذا الأسود بن قتان، أخواله كعب، وأعمامه شيبان،

صعلوك الحي في ماله، وسيدهم في حاله، وسندهم في فعاله، صدوق الجوار، وقود النار، وبهذا وصفته إمامة بنت خزرج حيث تقول:

إذا شئت أن تلقى فتى لو وزنته بكل معديّ وكل يماني

وفا بهما فضلا وجودا وسؤددا وربّا فذاك الأسود بن قتان

فتى لا يرى في ساحة الأرض مثله ليوم ضراب أو ليوم طعان

قال: فقلت: يا جارية، وأنّى لي به؟ فقالت: يا خادم، مولاك، فلم تلبث أن جاءت وهو معها في جماعة من قومه، وقال: أي المنعمين علينا أنت؟ فسبقتني المرأة وقالت: ي أبا المرهف، هذا رجل بنت به أوطانه، وأزعجه زمانه، وأوحشه سلطانه، وقد ضمنّا له ما يضمن لمثله على مثلك. قال: بل الله قاك، أشهدكم يا بني عمي، أن هذا الرجل في جواري وفي ذمتي، فمن آذاه فقد آذاني، ومن كاده فقد كادني، وأمر ببيت فضرب إلى جانبه.

وقال: هذا بيتك وأنا جارك وهؤلاء رجالك. فلم أزل بينهم في خفض عيش حتى سرت عنهم.

أنشدني يونس بن يحيى، قال: أنشدني أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي بن محمد الطائي، قال: أنشدني أبو حفص عمر بن محمد الشيرازي، قال: أنشدني القاضي أبو علي الحسن بن علي بن محمد الوحشي، قال: أنشدنا الفضل بن أحمد الحصيني لبعضهم:

تلعب بالدعاء وتزدريه وما يدريك ما فعل الدّعاء

سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء

وحدثني يونس بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن محمد، قال: انا أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، قال: أخبرنا أبو منصور أحمد بن الحسين بن علي العموري، حدثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان البصري، انا بشر بن أحمد المهرجاني، انا أبو جعفر أحمد بن الحسن الحذّا، انا بعض أصحابنا، عن عبد الأعلى بن حماد البوسيّ، قال:

دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى، قد هممنا أن نصلك بخير فقد أفعت الأيام، فقلت: يا أمير المؤمنين، سمعت مسلم بن خالد المكي يقول: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة، ثم قلت: أفلا أنشدك بيتين قالهما بعض الشعراء؟ قال: ما هما؟ فأنشدته:

لأشكرنك معروفا هممت به إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمضه قدر فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

قال: فاستحسنهما وكتبهما بيده من إعجابه لهما، وأمر لي بجائزة.

روينا من حديث الهاشمي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر واذكر هازم اللذات، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به فأجرتم، وإن ذكرتموه في غنى بغّضه إليكم فجدتم به فأثبتم أن ذكر الموت قاطع الآمال، والليالي مدنيات الآجال، وإن المرء بين يومين: يوم قد مضى أحصى فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لا يدري لعله لا يصل إليه، وإن العبد عند خروج نفسه، وحلول رمسه، يرى جزاء ما أسلف، وقلة غناء م أخلف، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه» .

لم قرأنا هذا الحديث على شيخنا الإمام اللغوي الأديب أبي ذرّ مصعب بن محمد بن مسعود الخشني، ثم الحياني، قال لنا: هازم اللذات بالمعجمة، وقال: معناه قاطع، هكذا رواه لنا.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!