موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


331. الموقف الواحد والثلاثون بعد الثلاثمائة

﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ﴾[المؤمنون: 23/63-64].

وقال: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾[البقرة: 2/286].

ظاهر الآية تفسير بحاله. وللآية إشارة إلى أشياء وإخبار بأمور، وهي أنه ـ تعالى أخبر عباده المكلفين من لدنه تكليف أمر شرعي أو تكليف إرادة إلهية أنه م كلف نفسها من نفوسهم وقدر لها وعليها إلاًَّ وسعها وطاقتها، وماهي مستعدة لحمله في ثبوتها العدمي، سواء كلفها بواسطة، وهي التكليف الأمري الشرعي أو كلفها بغير و سطة وهو التكليف الإرادي لا الأمري، وأما قوله تعالى في معرض الثناء على القائلين: ﴿رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾[البقرة: 2/286].

فإنما ذلك لكونهم اعترفوا بعجزهم وخلقهم وعدم قوتهم وبلوازم إمكانهم ضمناً لا أنه تعالى يحمل أحداً ما لا طاقة له به ولا في سعة حمله وإطاقته فإنه محال، ولو جوزت الأشاعرة التكليف بالمحال مع قولهم بعدم وقوعه، وليس المحال إلا م ليس في وسع المكلف فعله. ثم اعلم أنه تعالى علم الأشياء الممكنة عيناً عيناً وعلم أحوالها ووسعها وما هي مستعدة لحمله ومطيقة له من المحمولات الخيرية والشرية، أعني الملائمة وغير الملائمة، مع اختلاف الاستعدادات والإطلاقات ووسعها وضيقها، فأين وصعنا وإطاقتنا واستعدادنا من وسع من كان يصلي في كل يوم ألف ركعة ومن كان يسجد سجدة واحدة من العشاء إلى الصبح، ويركع ركوعاً كذلك، ويقوم قياماً واحداً كذلك، ومن بقي أربعين سنة ما وضع جنبه إلى الأرض، ومن جلس ثلاثين سنة تحت درج من درج المسجد، ومن دعا نفسه لطاعة فأبت فعاقبها بمنع شرب الماء سنة، وأمثال هذا كثيرة، وأين استعدادنا في الشر وعدم الملائم ووسعنا من وسع من كانت أعضاؤه تقطع عضواً عضواً وهو يسأل عن العلوم الإلهية ويجيب ويقول الشعر في تلك الحالة، ومن قا م في الصلاة ونشرت ساقه بالمنشار وما تحرك، ومن سجد فصبّ على رأسه ماءً حاراً وما أحس َّ به ولا تحرك، وأمثال هذه الأشياء التي نقلت عن سلفنا الصالح. فما كلفنا الله تعالى ـ بها تكليف إرادة، أي ما أرادها منا، وأولئك علم من أنها من وسعهم وإطاقتهم فأرادها منهم وكلفهم بها تكليفاً إرادياً لا أمرياً فإنه تعالى لا يريد إلاَّ ما علم وما علم إلاَّ من المعلوم عليه في ثبوته وإمكانه، ولما كان الأمر كم ذكرنا، أخبر تعالى أنه ما كلف نفساً حسب وسعها وإطاقتها إلا لكونه تعالى عنده كتاب ينطق بالحق، وهو كتاب علمي ثبوتي، إذ كل عين عين من الأعيان الثابتة، وهي الحقائق الممكنة المعدومة أزلاً وأبداً، لها كتاب فيه جميع ما تكون عليه إذ وجدت إلى ما لا نهاية له في دار السعادة والشقاوة، فلذا هم لا يظلمون بذرة وخردلة تزاد في كتابهم أو تنقص منه، فإنَّ كتابهم منهم صدر، بل هو كناية عنهم لا غير ونطقه بالحق طلبه إعطاء الوجود الخارجي الحسي للأحوال التي هم عليها في الثبوت العلمي من غير زيادة في الكتاب ولا نقص منه، فما كلفهم تكليف أمر وإرادة إل أنفسهم، فمنهم وإلي هم، وليس للحق تعالى إلا إعطاء الوجود لما في وسع النفوس وإطاقتها وطلبها لذلك بلسان استعدادها، وليس هذا الكتاب هو الكتاب المشار إليه بقوله: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الجاثية: 45/29 ].

فإن هذا الكتاب مكتوب عن وجود، والكتاب الذي كلامنا فيه عدم مكتوب عن عدم، ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا﴾[المؤمنون: 63]، انتقال من الإخبار بما تقدم إلى الإخبار بأنّهم في غمرة وحجاب وجهل من هذا في موطن الدنيا، دار التكليف والامتحان. وقد كان للأرواح المعبر عنها بالقلوب علم بهذ الكتاب، كل روح تعلم كتابها من العلم الإلهي، فلما تعلقت بهذه الأجسام الطبيعية العنصرية نسيته وصارت في غمرة، هي جهلهم بكتابهم الجهل الذي فعل بهم فعل الماء بم حصل فيه، فإن الغمرة أصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ثم استعمل في موضع المكاره، وهذه حالة الأرواح كلما انتقلت من موطن نسيت ماكانت فيه، وكذلك إذ انتقلت من موطن الدنيا إلى موطن البرزخ نسيت ماكان لها في الموطن الدنياوي، وكذ إذا انتقلت من البرزخ إلى موطن الآخرة نسيت ما كان لها في البرزخ،  ولما كانت كل عين عين إمكانية ثبوتية لها أحوال وأفعال في مرتبة الثبوت لا تظهر عين، أي عين، في مرتبة الوجود الحسّي إلاَّ بها، أخبر تعالى أن لهم أعمالاً ثبوتية في مرتبة الثبوت هم عاملون من دون ذلك في مرتبة الوجود الحسي، لا بدَّ أن يعملوها، وفي هذه إشارة إلى إثبات مرتبة بين الوجود الحسي والعدم المحض، وهي المرتبة التي نفاها أهل السنة وأثبتها الحكماء والمعتزلة والصوفية أهل الكشف والوجود والتحقيق الذي لا أحق منه، ثبوت هذه المرتبة، وجميع الأعيان الممكنة متحيزة فيها بأحوالها ونعوتها. وأحوالها هي التي توجد في مرتبة الحس، فهي مفتقرة إلى الفاعل الموجد تعالى وأما الأعيان ذاتها فهي ثابتة ل بجعل جاعل وفاعل، فإنها حقائق معلومة لا مفعولة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!