موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


330. الموقف الثلاثون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، وَأَمَّ الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[هود: 11/105-108].

سأل بعض الإخوان عن الإستثناء الواقع ف يحق الأشقياء والسعداء فأجبته بما فتح الله وزدت فوائد ترتيب عليها الشقاوة والسعادة، وقد سئل (صلى الله عليه وسلم) عن ماء البحر فقال: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)). فزاد السائل فائدة م سأل عنها.

قوله: «يوم يأت» يعني يحضر اليوم المجموع له الناس، وهو اليوم المشهود لجميع الناس يوم الحشر لتجزى كل نفس بما تسعى، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ل تكلم نفس من النفوس الناطقة التي اختصَّ بها الإنسان والجان، وبها كانوا مكلفين، بل ولا أنفس الجوارح التي أنطقها الذي أنطق كل شيء بل ولا الملائكة الكرام في ذلك اليوم إلا بإذنه تعالى له في الكلام، فمن النفوس من تتبين شقاوته في ذلك اليوم، ومن النفوس من تتبين سعادته فتتميز القبضتان. وقد كانت في الدنيا غير متميزة لأن الدنيا ماهي دار تمييز بين القبضتين فإنها دار مزج لا دار تخليص: (ولأن الرجل في دار الدنيا ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى لا يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وأن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى لا يبقى بينه وبين النار إلا شبر أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة))، وإنما الأعمال بالخواتيم، والسبب في ذلك هو سبق الكتاب فلا يتميز في الدنيا شقي من سعيد إل بأخبار الله تعالى أو بإخبار من أخبره الله تعالى من نبي وولي، قال بعض السادة:

ولا ترين في الأرض دونك مؤمن

ولا كافراً حتى تغيب في القبر

فإن ختام الأمر عنك مُغَيب

 

ومن ليس ذا خبر يخاف من المكر

فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وأضاف تعالى الشقاوة والسعادة إلى النفس الناطقة من إنسان وجان من مسمى إنسان وجان، إذ النفس الناطقة هي الحاكمة على الصورة الإنسانية والجانية المت صرفة بها بأمر ربها الشرعي والإرادي، ومن شقيت رعيته فقد شقي، وإلاَّ فالشقاوة والسعادة موزعة بين النفس الناطقة والنفس الحيوانية، والجوارح كل واحد منهم شقاوته وسعادته بحسب مرتبته واستعداده، فمنهم من يحس ولا يحمل، ومنهم من يحمل ولا يحس، ومنهم من يحمل ولا يحس، ومنهم من لا يحمل ولا يحس، ولكن يتخيل، وقد بينا ذلك فيما أوضحنا به كلام سيدنا ختم الولاية المحمدية محي الدين (رضي الله عنه) في هذا المعنى، ثم اعلم أن سبق الكتاب في الحديث الشريف هو الذي قطع قلوب العلماء بالله وشرد نومهم للجهل به، فإنه لا يعلمه إلاّ الله، ومن أعلمه الله تعالى من المقربين، ولكن الإنسان على نفسه بصيرة فلينظر في باطنه ونفسه ولا يغتر بما يبدو للناس منه، فإن كان الذي يحوك في صدره ويغلب عليه هو الإيمان وأمور الإيمان فهو مؤمن لا ينظر إلى العوارض، وإن كان غير ذلك فهو بحسبه وبه يختم له، فإنه لا يحوك في الصدر ويغلب على الباطن إلا ما سبق به الكتاب. والخاتمة عين السابقة، وكتاب كل إنسان نفسه واستعداده، وهو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً، اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾[الإسراء: 17/13-14].

وقد أردنا لهذه الآية موقفاً في هذه المواقف العرفانية، فكتابك أنت ل غيرك، ولذا ورد في الصحيح: ((من وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد شراً فلا يلومن إلاَّ نفسه)).

فالكتاب الذي يسبق هو هذا فاعرفه، فإن الله تعالى لا يقضي بشقاوة ولا سعادة، ولا يحكم بحكم ما إلا بما سبق به الكتاب الذي يقضي به. فلا حكم لخالق ولا مخلوق إلاَّ بما سبق به الكتاب، فإن الحكم والقضاء مرتب على العلم، والعلم مرتب على المعلوم، والمعلوم هو ذاك الذي لا يتبدل ولا يتغير، فلذا لا يتبدل القول لديه ولا معقب لحكمه، مضت مشيئته ونفذ حكمه، ولا يحكم لك وعليك إلا بما أعطيته من العلم بك وأنت عين ثابتة معدوم، فإنه رآك وعلمك في العدم، لهذا كانت له الحجة البالغة على خلقه، فإنه ما أظهر صورهم في الوجود الحسي إلاَّ على ما علمهم في العدم، لا أزيد ولا أنقص، إذ العلم تابع للمعلوم في مرتبة الثبوت، والمعلوم يتبع العلم في مرتبة الوجود. وللحق تعالى كتب كثيرة، هذا الكتاب أصلها، وهي منتسخة منه:

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ﴾[هود: 11/106].

المراد بالذين شقوا: أهل النار الذين هم أهلها وما هم منها بمخرجين، ل الذين شقوا شقاء مؤقتاً ويخرجون من النار بشفاعة الشفعاء، ففي النار، أي في جهنم، سميت بذلك لبعد قعرها، إذ هي دارهم ومستقرهم. وقوله: «ففي النار» تغليب، والمراد: ففي الآلام والأنكال والتنغيص وأنواع العذاب، سواء أكان ذلك بالنار أو غيرها، فإن عذب الأشقياء ماهو بعذاب النار وحدها، بل هو أنواع كثيرة منوعة حيات وعقارب وشدخ رؤوس وكلاليب وغير ذلك مما لا ينحصر. قال تعالى: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾[البروج: 85/10].

يريد أنواع العذاب الموجودة في جهنم: ﴿َلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾[البروج: 85/10].

يريد العذاب بالنار، خالدين فيها، وماهم منه بمخرجين، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين، ففي الصحيح، إنه ينادي مناد من قبل الله تعالى بعد ذبح الموت بين الجنة و النار: ((يا أهل الجنة ، خلود لا موت، ويا أهل النار، خلود لا موت))، وذلك يوم الحسرة سمى بذلك لأنه حسر للجميع، أي ظهر عن صفة الخلود للطائفتين،  وهذا بعد خروج من يخرج من النار بشفاعة الشفعاء. وكون جهنم دار الأشقياء ومسكنهم ومستقرهم أبدية، وأهلها الذين هم أهلها ماهم منه بمخرجين، لا يستلزم أبدية دوام الآلام على أهلها ودوام تنغيصهم وتنكيلهم بما فيها، فإن أسباب التألم وأسباب التلذذ والتنعم ماهي لذاتها تؤلم وتنعم وإنما ذلك بحسب القوابل والاستعدادات، فالمحرور يتألم بما يتنعم به المقرور، والمقرور يتنعم بم يتألم به المحرور، وإنما قلنا بحسب القوابل بالنظر إلى مالك خازن النار وأعوانه، فإنهم يخوضون في النار ويعذّبون أهلها بأنواع العذاب، وهم في نعيم في ذلك.

«إلا ما شاء ربك»، استثناء من الخلود في الآلام وأنواع العذاب، لا مطلق الحدود، فالخلود ثابت والاستثناء قصر للمستثنى منه وبيان لانتهاء حكمه. والغاية قصر لامتداد المُغَيَّا وبيان لانتهائه، أي ما ذكر من تألم أهل النار وعذابهم بم فيها غايته إلى الوقت الذي شاء الله عموم رحمته بأهل النار. وقد شاء ذلك كما أخبر، ومشيئته أحدية سابقة، ورحمته بأهل النار المعينين بالاستثناء هو جعلهم على مزاج يتلذذون بما كانوا به يتألمون،  ويتنعمونب ما كانوا به يتضررون، حتى إنهم يعتقدون أنهم أرغد عيشاً من أهل الجنة، وأعظم لذة، وأكمل نعيماً، وأقرّ عيناً، وإذا اطلعوا على الجنة، ورأوا مافيها حمدوا الله تعالى على أ نهم لم يكونوا فيها ولا كانوا من أهلها. ولو دخلوا الجنة لتألموا فيها لم هم عليه من المزاج، وهو مزاجهم الأصلي الذي منه خلقوا، لو دخلوا جهنم أولاً على هذا المزاج ما تضرروا ولا طلبوا الخروج، ولا استغاثوا، ولكن فسد مزاجهم مما عرض لهم من الأعمال التي عملوها، فإن جهنم موطنهم الذي منه خلقوا وإليه رجعوا، فل رغبة إلاَّ في الإلتذاذ ولا رهبة إلاَّ من الألم. فليس النعيم إلاَّ الملائم وليس العذاب إلاَّ غير الملائم، فإذا لم يصب الإنسان إلاَّ ما يلائمه فهو في نعيم، وإذ لم يصب إلاَّ ما لا يلائم مزاجه فهو في عذاب، في أي مكان كان. رحمة الله تعالى لا تخص محلاً من محل ولا داراً من دا ر، فإنها وسعت كل شيء.

﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾[غافر: 40/7].

فأهل الله أهل الكشف والوجود مجمعون على أن دار الأشقياء أبدية كدار السعداء، وما ينقل عن بعضهم أو يوجد في كتبهم من فناء النار وزوالها فليس المراد منه ظاهره وإنما مرادهم بذلك هو ذهاب أنواع عذابها وآلامها عمن فيها، وحصول اللذات والأفراح لمن فيها وتنعمهم برؤية الحق تعالى وقد كانوا محجوبين عنها. ومسكنهم ودارهم هي دارهم ما خرجوا منها ولا فارقوها. وصورتها صورتها ما تبدلت وهي: إن قلت ذهبت النار وزالت صدقت، وإن قلت لم تذهب ولم تزل ولكن انتقل أمر العذاب إلى الراحة و التألم إلى التلذذ والقبض على البسط، والحزن إلى الفرح صدقت، وهي باقية على كل حال، كما أن أهل الله مجمعون على عموم الرحمة وحصول الراحة والنعيم لأهل النار الذين هم أهلها من مشرك ومعطل بعد نفوذ الوعيد ولبثهم في العذاب أحقاباً.

ووافقهم على ذلك جماعة من أهل الظاهر. فمن عباد الله من تدركه الرحمة والمغفرة قبل من تدركه الرحمة والمغفرة بعد زمان طويل وأحقاب كثيرة، وذلك إذ انتهى الغضب الإلهي، ﴿أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾[فصلت: 41/44]. وعلى هذا فلا إجماع في المسألة إذ قد وجد الخلاف فيها في زمن الصحابة والتابعين (رضي الله عنه) إلى هلم جرا. وقد علم الحق تعالى بأن من عبيده من يستبعد عموم الرحمة وانسحابها على جميع عباد الله بعد نفوذ الوعيد وانتهاء الغضب الإلهي، بل يحيل ذلك ويجعله من الممتنعات. ويستدل على ذلك بظواهر من الكتاب والسنة وما ثم نص يرجع إليه لا يتطرق إليه الاحتمال في تسرمد العذاب على أهل جهنم الذين هم أهلها كما ذلك في تسرمد النعيم لأهل الجنات، فأخبر تعالى هذا العبد المستبعد لعموم رحمته لو فهم بأنه تعالى (فعّال لما يريد)، أي ما تم شيء لا ينفذ فيه الاقتدار الإلهي بعد أن أخبر تعالى بأنه شاء عموم رحمته بعد انتهاء غضبه بقوله: ﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ﴾[هود: 11/107 و108].

ولا يعظم الفضل الإلهي إلاَّ في المشركين، ولا الكرم والعفو إلا في المجرمين إذ ما على المحسنين من سبيل، وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾[النساء: 4/48].

فهو إخبار بأنه تعالى لا يغفر الشرك ولا يستره بل لابدَّ من العقوبة عليه، وأما تسرمد العقوبة إلى غير نهاية فما دلت عليه الآية بوجه من الوجوه، وإنم ذلك مفوض إلى مشيئته، فقد أخبر إن شاء غفرها أو لا من غير نفوذ وعيد، وإن شاء عاقب عليها. وأما قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ﴾[التوبة: 9/113].

فهو نهي عن طلب المغفرة للمشرك أول الأمر بحيث لا تناله عقوبة أصلاً، وأم بعد نفوذ الوعيد فيه ونهاية الغضب الإلهي فمسكوت عنه. كيف؟! والرسل (عليه السلام) يقول كل واحد منهم يوم القيامة ((إن ربي قد غضب اليوم غضباً لن يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله)). فجعلوا لغضب الرب نهاية، وانتهاؤه بانتهاء ذلك اليوم، وفي حديث الشفاهة في الصحيح: ((يشفع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أربع مرات ثم يقول في الرابعة يارب لم يبق إلاَّ من حبسه القرآن)) .

يعني وجب عليه الخلود، فيقول الله تعالى شفع النبيون، شفع المرسلون، شفعت الملائكة، وبقيت شفاهة أرحم الراحمين. انظر هذا مع قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لربه: ((لم يبق في النار إلاَّ من حبسه القرآن))، ووجب عليه الخلود في النار وليس إلاَّ المشركين والمعطلة، وتأمل قول الخليل (عليه السلام) فيم حكاه الله عنه: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[إبراهيم: 14/36].

وليس الذي عصاه إلاَّ المشرك، ففوض أمره إلى الله تعالى بعد العقوبة ونفوذ الوعيد. وقول العبد الصالح عيسى (عليه السلام) ـ: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[المائدة: 5/118].

بعد قوله تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ﴾[المائدة: 5/116].

ولعظم خطر هذه الآية وما اشتملت عليه من الأسرار قام بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلة كاملة يرددها. وأخبر تعالى عن طائفة من الملائكة أنهم يستغفرون لمن في الأرض، فعمم وذلك لغلبة الرحمة على هذه الطائفة وأخبر تعالى عن طائفة أخرى من الملائكة أنهم يستغفرون للذين آمنوا فخص لغلبة الغيرة من هذه الطائفة عن الجناب الإلهي. وحينئذٍ فلم يبق إلا الجواز والإمكان، وهو مفوض إلى مشيئته تعالى وإرادته.

وقوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[هود: 11/108].

كون دار السعداء أبدية وخلود أهلها فيها أبدي ونعيمهم أبدي معلوم من الدين بالضرورة وبقوله: ﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾[هود: 11/108].

أي كل واحد خالد في جنته ومنزلته لا يخرج منها وماهم منها بمخرجين، وهي جنان كثيرة كل جنة عرضها السموات والأرض، فلا يفارق جنته إلاَّ إلى رؤية الحق تعالى في الكثيب الأبيض في جنة عدن. فقد ورد أنه ينادي مناد من قبل الحق تعالى ـ : يا أهل الجنان، حيّ على المنة العظمة والمكانة الزلفى والمنظر الأعلى، هلمو إلى زيارة ربكم في جنة عدن. فيدخلونها ويتمتعون برؤية ربهم على قدر مقاماتهم في العلم بالله تعالى وذلك كل يوم جمعة ويوم عيد، كما ورد في الأخبار النبوية، فإذ تمتعوا برؤية ربهم قال تعالى للملائكة ردوهم إلى جناتهم ومنازلهم، فلا يهتدون لم طرأ عليهم من سكر الرؤية، ولما زادهم من الخير في طريقهم فلم يعرفوها، فلولا أن الملائكة تدل بها ما عرفوا منازلهم، فإذا وصلوا إلى منازلهم تلقاهم أهلهم فيقولون لهم قد زدتم نوراً وجمالاً على ما تركناكم عليه، فيقول لهم أهلهم وكذلك أنتم... في خبر طويل. هذا حظ العامة، وقد شاركهم في ذلك الخاصة. وأما الخاصّة وحدهم فلهم شأن غير هذا، فكما فضّلهم في الدنيا بمعرفته فضلهم في الآخرة بدوام رؤيته، وخروج أهل الجنان من جناتهم قاطع لخلود كل واحد في جنته، فإنه حينئذٍ ماهو في جنته، وهذا هو مورد الاستثناء، بهذا ورد الوارد الإلهي، وذلك غير قادح في دوام النعيم للسعداء، بل هو زيادة وعطاء غير مجذوذ أبد الآبدين ودهر الداهرين.

وبعد كتابتي لهذا الموقف رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في مبشرة وهو يقول: يا بني عبد المطلب، إنَّ لكم فضول أموال فاصرفوها في عمارة الخرابات، فأوّلت فضول المال بالعلم، والخرابات بالجهل، كأنه يقول: عمروا بما عندكم من العلم المحال والأجسام الخربة بالجهل، فإنَّ العلم حياة والجهل موت. قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾[الأنعام: 6/122].

وهي ظلمات الجهل وتعمير الخراب إحياء له.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!