موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


285. الموقف الخامس و الثمانون بعد المائتين

مطلب: سألني بعض الإخوان عن قول سيدنا في الباب الثالث والسبعين:

«فمنهم الأقطاب وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو النيابة»، إلى أن قال: «ولك الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الاسم مطلقاً من غير إضافة ل يكون منهم في الزمان الواحد إلاَّ واحد وهو الغوث»، ثم قال: «ومنهم من يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة، من جهة المقام كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز و المتوكل، ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصّة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد السبتي، وأبي يزيد البسطامي، وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر. ومنهم الأئمة، ولا يزيدون في كلّ زمن على اثنين».

توضيح هذه الجملة: يريد (رضي الله عنه) أن من أولياء الله الأقطاب بل هم أعلا الأولياء، وخاصّة الأصفياء، وإنّما سمّوا بالأقطاب لأن فلك العالم أعلاه وأسفله إنما يدور على قطب زمانه، لأنه محل نظر الحق تعالى ، وبه ينظر الحق تعالى إلى العالم. ولولا وجود القطب ما استقام العالم، ولا قبل إمداد الحق تعالى له، فإن الإمداد الإلهي إنما يصل إلى العالم بواسطة القطب، فهو الذي يستمدّ من الحق تعالى ويمدّ العالم جميعه أسفله وأعلاه أرواحه وأجسامه، إذ القطب ذو صورة وروح، فروحه تدور عليه الأرواح، وصورته تدور عليها الصور، يدبر الأرواح بروحه، و الصور بصورته، فمنزل القطب ومقامه الإيجاد الصرف، ينفذ الأمر، ويصرّف الحكم، له رقايق ممتدة إلى جميع قلوب الخلائق، بالخير والشرّ، على حدّ واحد، ل يترجّح واحد على صاحبه، وهي عنده لا خير ولا شر ولكن وجود يظهر كونها خيراً أو شراً في المحلّ القابل لها، وحال القطب الحالة العامية، لا يتقيّد بحالة تخصّه. بيده خزائن الجود. ومع هذا لا يأكل من الغيب، ولا يطير في الهواء، ولا يمشي على الماء، والأقطاب في العلوم التي تختص بمقام القطبانية كلّهم فيها سواء،  ويخصّ الله من شاء من الأقطاب، بما شاء من العلوم، زيادة على ما يقتضيه مقام القطبانية. ولا يصير القطب قطباً إلاَّ إذا جمع الأحوال والمقامات كلّها، التي ينزلها السالكون، أولها التوبة وآخرها البقاء.

ومسمّى القطب بالأصالة ليس إلاَّ إدريس (عليه السلام) فإنه الخليفة الكامل في الحقيقة. ولذا أبقاه الله حيّاً بجسده وروحه، ولا يموت، فإنَّ الله حي لا يموت، وهو ممّن استثنى الله في قوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾[الزمر: 39/68].

وأسكنه الله السماء الرابعة، التي هي قلب العالم. فوقها سبعة أفلاك وتحتها سبعة أفلاك. وكلّ من سواه من الأقطاب، الذين يأتون ويذهبون ويتوارثون مقام القطبية هم نوابه. ولا يعرف هذا أحد من الأولياء إلاَّ الأقطاب عند وصولهم إلى مقامها. وما سمّى قطباً في اصطلاح أهل الله مطلقاً من غير تقييد، بإضافة إلى شيء كالتوكل والزهد، إلاَّ هذا القطب، وهو الغوث، وأما قولهم فلان قطب التوكّل في زمانه، وفلان قطب الورع في زمانه، وفلان قطب الزهد، ونحو ذلك فمن باب التوسّع والمجاز. ولا يكون القطب في الزمان الواحد إلاَّ واحد، لأنه خليفة الله، والله واحد.

﴿لَوْكَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 21/ 22].

وفي الصحيح: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)).

فمن الأقطاب من يكون على قدم عيسى وموسى ونوح وإبراهيم وصالح وغيرهم من الأنبياء، وليس في الأقطاب من هو على قدم محمد (صلى الله عليه وسلم) بأن يكون وارثاً له (صلى الله عليه وسلم) وإنما يكون على قدمه بعض الأفراد، والشيخ الأكبر محي الدين منهم، وهو خاتم. فليس بعده وارث محمدّي.

ومن الأقطاب من يكون ظاهر الحكم، بأن يكون خليفة في الظاهر، كما حاز الخلافة في الباطن، لحصوله على مقام القطبانية ومنزلها كالخلفاء الأربع والحسن بن علي ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز من خلفاء بني أمية، والمتوكّل على الله من خلفاء بني العباس، ومنهم من يلي الخلافة الباطنة خاصة، أعني القطبانية، لحصوله على مقامها، ولا حكم له في الظاهر وهم أكثر الأقطاب. والقطب الذي لا حكم له في الظاهر هو الذي يمدّ الخليفة الذي يكون له الحكم في الظاهر. فإن كان الخليفة صالحاً حكماً عدلاً قبل إمداد القطب خيراً، فعدل في رعيّته، وحكم بشرع نبيّه، فكان له ولهم. وإن كان الخليفة فاسقاً شريراً خبيثاً قبل إمداد القطب، وردّه حسب مزاجه واستعداده،  فظلم الرعيّة وأساء السيرة وخالف الشريعة، فكان لهم وعليه؛ فإنَّ الإمدادات الإلهية و القطبية تابعة للقوابل، غير ذلك لا يكون حكمه وعدلاً منه تعالى.

ومن أولياء الله تعالى وخاصّتهم الأئمة، ولا يزيدون على اثنين، وهم بمنزلة الوزيرين للقطب،  أحدهما عن يساره واسمه عبد الربّ، نظره وتصرّفه في عالم الشهادة،  عالم العناصر؛ وعند موت القطب ينتقل إلى القطبانية. والآخر عن يمين القطب، واسمه عبد الملك، وهو الذي يتصرّف في الأبدال ومن نزل عن مرتبتهم من الأولياء، وقد لا يعرف هذا الإمام في العالم أبدالاً، ومع هذا هو الممدّ لهم، يحضرون مجالسه ولا علم له بهم، والإمداد من غير علم ممّن يمدّ غير مستغرب، فإن الشمس تمدّ العالم أعلاه وأسفله، وتربيّه ولا علم لها بمن تمدّ، بل العقل الأوّل والنفس الكلية، لا علم لها بما تحتهما من عالم الطبيعة والعناصر، مع أنهما الممدّان لجميع ما تحتهما. نظر هذا الإمام وتصرفه في الأرواح: إنسيّة وملكية نورانية، وجنية نارية، وليس عنده من علوم الأرض خبر.

وكذا سأل الأخ المذكور عن قول سيدنا في جواب السؤال السابع والتسعين: «وأمَّا نحن، فلا نثبت إطلاق لفظ الشيئية على ذات الحقّ، لأنها ما وردت ولا خوطبن بها، والأدب أولى، والأولى أن يكون هنا وجهه، مثل إطلاق الأول، يريد المظهر ل هويّته». يريد (رضي الله عنه) بهذه الجملة، أن الكاملين المحقّقين من أهل الله ـ تعالى أهل الكشف والوجود كهو (رضي الله عنه) وأمثاله، لا يثبتون إطلاق لفظ الشيء على ذات الحق تعالى لأنَّ لفظ الشيء، عند أهل اللسان وعند أهل الله والمعتزلي منهم ومن تبعه أعمّ العام وأنكر النكرات يُطلق على المعدوم والموجود. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾[النحل: 16/ 40]. سمّاه شيئاً وهو معدوم، وقال: ﴿وَلَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً﴾[الكهف: 18/23].

سمّاه شيئاً وهو معدوم في الحال، فمنعوا لذلك إطلاق لفظ الشيء على ذات الحق تعالى ـ. ولأن لفظ الشيء ما ورد في أسماء الله الحسنى. ولا في الكتاب ول في السنة، والأدب أنه لا يسمّى الحق تعالى إلاَّ بما سمّى به نفسه، أو سمّته رسله عليه الصلاة و السلام . والقول الحق أن أسماء الله توقيفية لا قياسية. وأمَّا جمهور أهل السنّة فأجازوا إطلاق لفظ الشيء على ذات الحق تعالى حيث كان لفظ الشيء عندهم لا يطلق إلاَّ على الموجود. إذ الشيء والموجود والثابت عندهم ألفاظ مترادفة، واستدلوا على وروده سمعاً بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾[الأنعام: 6/ 19].

والحق والتحقيق أنه ليس بدليل، لأمور يطول ذكرها، وإنما هو مبتدأ، وخبر ﴿ قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾، فهو بمثابة الاستثناء المنقطع، أي لكن الله اكبر شهادة من كلّ شيء، وقد شهد لرسوله (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة عنه، فلا تطلب شهادة شيء بعد شهادته. والأولى أن يكون وجهه في قوله: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾[القصص: 28/ 88].

أي مظهره، بمعنى أي مظهر كان، لا مظهر خاص، فليس المراد بالوجه الذات، وإنم أطلاق الوجه هنا،  على المظهر لا الذات، مثل إطلاق «الأول» عليه تعالى، بمعنى أنَّه أول بالنسبة إلى المظهر لا الذات، لأن أولية الحق من حيث ذاته ليست بمعنى الأوّل الذي له ثان، فإن أوّلية الحق لا ثاني لها، من حيث ذاته، وإنما ذلك من حيث مظهره، فلذا جامعت أوليته آخريته، فهو أوّل بالنسبة إلى المظهر، آخر بالنسبة إلى المظهر.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!