موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


286. الموقف السادس والثمانون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾[طه: 20/114].

الأمر لأعلم الخلق وأقربهم من الحق محمد (صلى الله عليه وسلم) . والأمر إذا تعرَّى عن البيان وقرائن الأحوال اقتضى التكرار، عند المحققين، فهو ـ(صلى الله عليه وسلم) مأمور بطلب الزيادة من العلم في كلّ وقت. وهذا من حيث اتصال الروح الشريف بالجسم الكريم،  وأمَّ من حيث روحانيته الفاضلة، وإنسانيته الكاملة فهو منبع العلوم الجامع بين الحقائق ال إلهية و الكونيّة. وكما أن ذات الحق تعالى كتاب كلّي وأم جامع للأشياء قبل تفصيلها، وعلمه بنفسه كتاب مبين؛ كذلك هو (صلى الله عليه وسلم) من حيث إنسانيته الكاملة وحقيقته الجامعة كتاب جملي وأم جامع للأشياء بعد تفصيلها، و علمه بنفسه كتاب مبين. فبين علم الحق وذاته تعالى وذاته (صلى الله عليه وسلم) وعلمه مضاهاة من حيث الشهود الفرقي. بل علمه علمه وذاته ذاته (صلى الله عليه وسلم) من حيث الشهود الجمعي، من غير اتحاد ولا حلول ولا امتزاج، إذ ليس إلاَّ وجود و احد، ففي من يحلّ، وبمن يتّحد ويمتزج؟!.

وكما أنَّ الحق تعالى علم كلّ شيء من علمه بنفسه لأنه جميع الأشياء، كذلك هو (صلى الله عليه وسلم) علم جميع الأشياء إجمالاً وتفصيلاً من علمه بذاته، وحقيقته التي هي حقيقة الحقائق، ومصدر كلّ كائن، ومبدأ الكلّ وخزانة العلوم الإلهية و الكونية منه تخرج، وعلى يديه تقسم. فالقلم الأعلى، وهو العقل الأوّل، والنفس الكلية، وهو اللوح المحفوظ، وسائر الأرواح العلوية و السفلية من دواته تكتب، وبعينه تبصر، ومن مشكاته تنظر، فهو بكلّ شيء عليم، بيده مفاتيح الخزائن الإلهية، وكلّ ما ظهر في العالم مطلقاً فلا يظهره الاسم الإلهي إلاَّ عن إذن محمد (صلى الله عليه وسلم) ـ.

فإن قيل: ما الفرق بين علمه (صلى الله عليه وسلم) وبين علم الحق تعالى في مقام الفرق؟! قلنا: هو أنه تعالى علم الأشياء، وهي في العدم، ل عين لها في الوجود بوجه من الوجوه، وهو (صلى الله عليه وسلم) إنما علم الأشياء، بعد أن صار لها ضرب من الوجود، وهو الوجود العلمي. فإنه ما علمها إلاَّ وهي موجودة في علم الحق تعالى وعندما اتصل روحه العليم بجسمه الكريم، الذي هو مركّب من الطبيعة التي هي بين النور و الظلمة، أمره الحق تعالى أن يطلب من ربّه زيادة العلم، وذلك بإمداد الروح المحمّدي الكريم، للنفس الأحمدي العظيم. فهو يمدّ بوجه، ويستمدّ بوجه. كما أنَّ جبريل فيما يأتي به من الوحي والعلوم، يستمدّ منه (صلى الله عليه وسلم) بوجه، ويمدّه بوجه.

والمأمور بطلب الزيادة منه، ليس هو علم الأحكام من حلال وحرام، فقد ثبت في الصحيح أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يكره كثرة السؤال عن الأحكام الشرعيّة، شفقة على أمّته، ورفقاً بهم، وإنما العلم المأمور بطلب الزيادة منه هو العلم الحاصل من التجلّيات الإلهية. فإذا وقع التجلّي لظاهر النفس أدركت علوم الأكوان وما يتعلق بها، وإذا وقع التجلّي لباطن النفس أدركت الحقائق والمعاني المجرّدة في العلوم الإلهية، وما يتعلق بالآخرة. أما علمه (صلى الله عليه وسلم) ـ بربّه فإنه علم علم الأوّلين قبله، أي قبل اتصال روحه بجسمه الشريفين (صلى الله عليه وسلم) والآخرين بعده، من كلّ ما خلق الله تعالى كما أخبر بذلك عن نفسه في حديث الضربة. وأمَّا علمه (صلى الله عليه وسلم) بالعالم، وهو كلّ م سوى الحق تعالى فالعالم على ضربين: ضرب وجدت أجناسه وأنواعه وبعض أشخاصه وأفراده، ولأفراده نهاية كالنوع الإنساني مثلاً، فهذا الضرب يعلمه (صلى الله عليه وسلم) تفصيلاً، لأنه (صلى الله عليه وسلم) علم جميع الأسماء المتوجّهة على إيجاد العالم، كلياتها وبعض جزئياتها. وما من حقيقة كونيّة كليّة إلاَّ وهي مرتبطة بحقيقة كلية إلهية ومستندة إليها، ولا جزئيّة كونيّة إلاَّ وهي مرتبطة بحقيقة جزئية إلهية مستندة إليها. لابدَّ من ذلك. وقد علم (صلى الله عليه وسلم) ـ الأسماء، فأحرى آثارها، فإن آدم (عليه السلام) الذي هو قطرة من بحره، وجزء من كله، علمه الله الأسماء كلّها، فكيف به (صلى الله عليه وسلم) ؟! والضرب الآخر من العالم، وجدت أجناسه وأنواعه وبعض أشخاصه، ولا نهاية لأفراده وأشخاصه. فهذا الضرب الذي لا تتناهى أفراده أبد الآبدين، ودهر الداهرين، يعلمه (صلى الله عليه وسلم) غير م تناه، فإنه أخبر أنّه أوتي جوامع الكلم، وكلمات الله لا تنفد، بمعنى مقدوراته ومراداته. فقد أعطى (صلى الله عليه وسلم) علم مالا يتناهى إجمالاً، كم أعطي علم ما يتناهى تفصيلاً، خصوصيّة له (صلى الله عليه وسلم) فإنه ما أعطي مخلوق علم جميع العالم: أجناسه وأنواعه وأشخاصه، ما يتناهى منه وما لا يتناهى غيره ـ (صلى الله عليه وسلم) فإنَّ الممكنات لا نهاية لها، فما ذمَّ موجود آخر، بل وجود مستمر، فليست الأشخاص متناهية في الآخرة، وإن كانت الدنيا متناهية. فالممكنات لا نهاية لتكوينها. ومعنى علم مالا ي تناهى ولم يدخل في الوجود هو أنَّ أجناس العالم قد وجدت وتناهت، ووجد من كل جنس ونوع بعض أشخاصه وأفراده. فالعلم بحقائق الأجناس والأنواع وبعض شخصيّاتها ونأفراد جزئياتها علم بكلّ شخص وفرد، وإن لم تتناه، ولا دخلت في الوجود بعد، لأنَّ مالم يوجد هو مثل لما وجد. و المثلان هم المشتركان في جميع الصفات النفسية، وعروض بعض العوارض غير الذاتية، لبعض أفراد النوع غير قادح في العلم بالشيء، فإن الاختلاف بالعوارض إنما هو من الأمزجة القابلة، لا من الحقائق.

فالعلم عند المحققين لا يتعلق إلاَّ بالموجود، وتعلّقه بالمعدوم إنم هو لتعلّقه بمثله الموجود. وكلَّ مابقي في الخزائن الإلهية، ممّا لا ي تناهى فهو مثل ما وجد وعلم. بل الحق تعالى علم العالم أزلاً من علمه بنفسه، وهو موجود، والعالم معدوم أزلاً، فمن علم الحقيقة وشخص واحداً من تلك الحقيقة فقد أحاط علماً بجميع أشخاص تلك الحقيقة وذلك الجنس، فإنه ما ثمَّ إلاَّ أمثال وصور تعقب صوراً، والعلم يسترسل عليها قبل تفصيلها، لأنها لو تفصلت لتناهت. إذ التفصيل مستلزم للتناهي ضرورة. فلو قيل: علمها مفصلة حال إجمالها، ما علمها، إذ العلم لا يكون علماً إلاَّ حتى يكون تعلّقه بما هو عليه المعلوم تفصيلاً وإجمالاً، و المعلوم هنا غير مفصّل. فأحاط تعالى علماً بحقائق المعلومات المتناهية وغير المتناهية، وعلم أجناسه وأنواعها على التفصيل، وبعض شخصيّاتها وجزئياتها كذلك، وعلم مالا يتناهى من الأفراد والجزئيات على الإجمال. وهذه صفة إلهية لم تكن لغيره (صلى الله عليه وسلم) ـ.

فإن قيل: ما الفرق بين علمه (صلى الله عليه وسلم) وعلم الحق تعالى بما لا يتناهى؟! قلنا: هو أن تعالى علم التفصيل في الإجمال، وهو (صلى الله عليه وسلم) علم الإجمال من التفصيل. فالقول بأنه (صلى الله عليه وسلم) علم ماكان وما سيكون حق صدق. وكذلك يعلم (صلى الله عليه وسلم) جميع المصالح الدنيوية، ممّا تدعو إليه ضرورة الحياة الدنيا. فإنه (صلى الله عليه وسلم) بعث لعمارة الدارين الدنيا والآخرة، وليعلم الناس ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. فهو عالم بعلوم ذلك، وإن لم يتعاطاها بالفعل، ولو عدم من يتعاطاها بالفعل لعلمهم ذلك (صلى الله عليه وسلم) وأمّا ما عدا الضروري، ممّا ربّما عدا بطراً وفضولاً وشغلاً بما لا يعني فلا لأنه ليس من الكمال. وإن من العلم ماهو مذموم، وهو كلّ علم لا يكون سبباً في سعادة صاحبه في الدار الآخرة. فأشدد يدك على ما سمعت، وارم كل ما سمعت ممّا يخالفه، فإنه مذهب المحقّقين من أهل الله.

وقد وقفت على كلام للحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله ولعلّه صدر منه قبل مصا حبته للطائفة العلية، فإن الإمام الشعراني (رضي الله عنه) ذكر في بعض كتبه: أن الحافظ الأسيوطي كان من أهل هذا الشأن، والله أعلم بم كان. قال: قد جاهر بالكفر بعض من يدّعي في زمانه العلم، وهو متشيّع بما لم يعط، وهو أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يعلم متى تقوم الساعة وهؤلاء الغلات عندهم علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منطبق على علم الله سواء بسواء، فكلّ ما يعلمه الله يعلمه رسوله (صلى الله عليه وسلم) ومن اعتقد تسوية علم الله وعلم رسوله (صلى الله عليه وسلم) يكفر إجماعاً، كما لا يخفى أ هـ وكونه (صلى الله عليه وسلم) لا يعلم متى تقوم الساعة ولا الأربعة المذكورة بعدها في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾[لقمان: 31/34]. هو ممّا أجمع أهل الله، أهل الكشف والوجود على خلافه، وإن كان عندهم من قبيل إنكار الضروريات. بل الأقطاب الذين هم قطرة من بحره (صلى الله عليه وسلم) لا يصحّ لهم مقام القطبية والتصرف في كلّ ما حواه العرش المحيط إلاَّ بعلم هذه الخمسة، وأعظم منها، ومع هذا فإنا نقول: لا يزال (صلى الله عليه وسلم) يزداد علماً بجزئيات الأسماء الإلهية والكوائن الجزئية، لأن الكائنات لا تزال تظهر كلّ آن بالتجلّي الإلهي، وكلّ تجلّ له اسم إلهي يخصّه، يظهر من الغيب، إذ لا تكرار في التجلّي للوسع الإلهي، فلهذ هو (صلى الله عليه وسلم) لا يزال يزداد علماً مع الآنات دنيا وبرزخاً وآخرة، وإن كان كما قدمنا عالماً بما لا يتناهى. فلا نقول: إنه لا تخفى عن علمه خافية من حيث جسمانيته، كيف؟! و الحق تعالى يقول له: ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾[الأنعام: 6/50].﴿ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[الأعراف: 7/188].

وسيقول له يوم القيامة: ((إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك))، وقال له في المنافقين، وهم معه في المدينة: ﴿لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾[التوبة: 9/101].

كلّ هذا لينفرد الحق تعالى بالكمال المطلق، والمخلوق وإن بلغ م بلغ من الكمال فلابدَّ وأن يصحبه التقييد ولو بوجه ما، فاحفظ هذا التفصيل، فإنه القول الحق، والصواب الصدق.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!