موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


252. الموقف الثاني والخمسون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾[الحديد: 57/4].

المعيّة لغة ضمّ الشيء إلى الشيء، وبمعنى المصاحبة، أي هو تعالى معكم، على أيّ حالة كنتم من أحوالكم، موجودين ومعدومين، فإنه وجودكم العلمي والخارجي، ولا أقرب للشيء من وجوده، أو هو معكم أينما كنتم، من حالة موافقة أو مخالفة، فإنكم في قبضة أسمائه الهادي أو المضل، لا تخرجون عنها، والاسم عين المسمى، والأين للمخاطبين، ولكن من كان مع ذي الأين فهو في الأين، فتطلق حيث أطلقها الشارع. وكما في حديث الخرساء. فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعلم بالله من العقول المنزهة تنزيهاً مطلقاً، ومعيّته تعالى مع مخلوقاته بذاته تحقيقاً، وبعلمه كما قيل أدباً فإنه تعالى ذكر الهو، وهو الذات الغيب المطلق الذي لا يتجزأ ولا ينقسم. فهو تعالى مع كل شيء، فلا يتقدمه شيء ولا يتأخر عنه شيء، ولهذا أخبر تعالى أنه الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، واين قرب المعيّة من قرب حبل الوريد في قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[ق: 50/16].

وهو جزء من الإنسان، وأين هذا القرب من قوله تعالى كما ورد في الصحيح: ((كنت سمعه وبصره)).؟!.

وذكر جميع قوى العبد الظاهرة والباطنة. فإذا سمعت أحداً من أهل هذ الطريق، أو وجدت في كتابه، أنَّ المعيّة بالعلم واللطف فإنما ذلك على طريق الأدب، وعقدهم بخلافه، كما لا يقال: إنه تعالى خالق الشرّ وخالق القردة والخنازير. وحيث كانت الذات مجهولة كانت نسبة المعيّة وأمثالها مجهولة، مع ثبوتها على المعروف من اللسان العربي. ومعيّته تعالى وإن كانت بالذات فإنها تختلف باختلاف المخاطبين، فمعيّته مع العامة، أي العموم، بإعطاء ما تطلبه ذواتهم من لوازمها، ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾[الرعد: 13/33].ومعيّته مع الأصفياء بما يعطيه الصفاء، من التجلّي الذي يطلبه الاصطفاء، ومعيته مع الأنبياء بتأييد الدعوى وإظهار الحجّة، لا بالحفظ والعصمة من القتل. ومعيّته مع الخاصة بالمحادثة يرفع الوسائط. وهو تعالى معنا ولسنا معه، إذ ليست لنا معيّة، فإنه في اللغة ضمّ شيء إلى شيء، حالة كون كلّ واحد منها مستقلاً بالموجودية، قائماً بنفسه، وليس عند الطائفة العلية غير وجود واحد، هو وجود المسمّى حقّاً والمسمّى خلقاً، وما عدا هذا الوجود المقوّم لكل موجود كله عرض، وإن قيل في العرف العام منه: جوهر وعرض. ولا تكون المعية بين جوهر وعرض، هذا مالم يقله أحد، وأما ما يجري على ألسنة بعض هذه الطائفة، كقوله: «كن مع الله ولا تبالي» وقوله: «كيف حالك مع الله». ونحوها، فلا يريدون أنَّ للعبد معيّة يكون بها مع معية الله تعالى كلاّ وحاشا. وإنما ذلك على سبيل التجوز، معناه: كن حاضراً متيقظاً مراقباً معية الله، التي أخبرك بها دائماً، فتعرف ما يخرج لك منها من التصرفات فيك بالخير والشرّ، فإن التصرفات الإلهية في العبد أوّل ما تظهر في باطنه، وهي المُكَنَّى عنها بالخواطر، فمن المحال أن يظهر على ظاهر العبد خيراً وشراً، قبل وروده على باطنه بطريق الخاطر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون فلا يلقون للخواطر بالاً، فلا يعرفون أنها رسل الله تعالى ـ إلى قلوب عباده: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾[يس: 36/30].

فلا يعبأون به، ولا يلقون إليه بالاً ولا يلتفتون إليه، فإذا كان العبد مراقباً لقلبه، متيقظاً مستحضراً لمعية الله معه، وخطر له في خاطره شيء من خاطر الشيطان أو النفس تضرّع وسأل وأشق. فإن ذهب فليحمد الله، وإن لم يذهب، وكان ذلك في الكتاب مسطوراً يبقى خائفاً وجلاً إلى أن يبدو ذلك الشرّ على ظاهره بحكم القضاء، وهو كاره له، فيستغفر ويتوب في الحال، وإن كانت هذه حالته فلا يبالي، فإنه مغفور له، هذ مراد لطائفة بقولهم: «كن مع الله ولا تبالي» فإنهم عرفوا أنه تعالى ما أخبرن بأنه معنا إلاَّ لنعانق الآداب معه، ونديم التوجّه إليه، ونراقب ونترقّب ما يورده علينا بواسطة رُسُله المسماة بالخواطر.

فإنَّ من كان الملك جليسه دائماً ينبغي أن لا تكون وجهته إلاَّ إليه، فإنه لا يدري متى يتوجّه إليه الملك للكلام معه. فإذا توجّه الملك ووجده غير متهيِّئ ولا حاضر بظاهره ولا باطنه، ربما أعرض عنه، وربّما طرده من حضرته، قال في الحكم: «ربما وردت الأنوار على القلب فوجدته مشحوناً بالأغيار فرجعت من حيث جاءت». يحكى أن ملكاً كان له خادمان واقفين على رأسه، فغمز أحدهما الآخر، فحانت من الملك التفاتة فرأى الخادم على هيئة الغامز، فأبقى الخادم عينه على تلك الحالة سنين إلى أن فارق الملك، ليرى الملك أن ذلك خلقه في عينه، حتى لا يعرف الملك أن الخادم ملتفت لغير سيّده في حضرته.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!