موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

خلاصة النظريّات الحديثة لعلم الكون


بعد الاكتشافات المُدهشة والكمية الهائلة من البيانات التي حصل عليها العلماء من خلال المراصد والمركبات الفضائية، ومع نجاح نظريّات النسبية وميكانيكا الكم، حاول العلماء تطوير نموذج كوني يفسر الظواهر الطبيعية والكونية لتوضيح أصل الكون وبنيته استناداً إلى المعلومات الجديدة. سوف نقوم هنا بتلخيص هذه النظريّات الرئيسية للفيزياء وعلم الكون كما تطوّرت في القرن الماضي.

كما أشرنا أعلاه، كان العلماء حتى بداية القرن العشرين يؤمنون أن الكون ساكنٌ خارج النظام الشمسي، وهو ما عُرف بنموذج أو نظريّة الحالة المستقرة (steady state theory)، لكن ذلك أثبت عدم صحته خاصة مع اكتشاف تمدد الكون بعد قياس أطياف النجوم وملاحظة انحرافها نحو الأحمر.

في الحقيقة فإن نفس النظريّة التي حاول آينشتاين أوّلاً أن يجعلها تفسّر سكون النجوم أثبتت لاحقاً أنّ الكون يتوسّعُ مما يعني أنه بدأ في لحظة معينة، قبل حوالي خمسة عشر ألف مليون سنة، من نقطة صغيرة جدّاً، لكن بكثافة عالية جدّاً، وبعد ذلك توسّع إلى حالته الحالية. هذه الرؤية دُعيت باسم "الانفجار العظيم" (big bang)، والعديد من النماذج الكونية طُوّرت استناداً على هذه النظريّة.[17]

لقد حاولت نظريّة الحالة المستقرة تفسير توسّع الكون بافتراض وجود خلق مستمر للمادة مما يملأ الفضاء ويؤدي إلى هذا التوسّع، لكنّ اكتشاف الإشعاع الخلفي للأمواج الميكروية (microwaves background radiation) في عام 1965 أدّى إلى انهيار نموذج الكون المستقر كلّيّاً لصالح نظريّة الانفجار العظيم، حيث فُسّر الإشعاع الخلفي على أنه الانعكاس المتبقّي من الانفجار العظيم، كما تنبّأ بذلك ألفر وهيرمان من قبلُ في عام 1949.[18]

إن المشكلة الوحيدة بالنسبة للإشعاع الخلفي أنه كان متجانساً في جميع الاتجاهات، لأنه مع هذا التجانس لا يمكن تفسير نشأة النجوم والمجرات كما هو الأمر في الواقع.[19] فقط في سنة 1992 استطاع القمر الصناعي المستكشف لناسا (COBE) اكتشاف أوّل عدم تجانس في هذا الإشعاع الخلفي؛ عبارة عن جزء واحد في مائة ألف، مما قد يُشيرُ إلى البذور الأولى التي تشكلّت منها المجرّات.[20]

لقد كان نموذج الانفجار العظيم ناجحاً جدّاً في تفسير العديد من الملاحظات والأرصاد، رغم ما فيه من التناقضات التي حاول بعض العلماء حلّها، وقد تمّ بالفعل حلّ العديد من هذه التناقضات من خلال السيناريو التضخّمي (inflation scenario) الذي ابتكره ألان غوث في عام 1979 حين فرض أنّ تمدد الكون في اللحظات الأولى من الخلق (عند حوالي 10-32إلى 10-43من الثانية) قد تمّ بشكل تصاعدي نتيجة الكثافةالكبيرة والضغط العالي الذي كان فيه، ولكن لا تزال هناك أمور كثيرة عالقة لا يمكنتفسيرها وفق هذا النموذج. من أجل ذلك بدأ العلماء يفكرون بنظريّات أخرى لحل هذه المشكلات، وكان لا بدّ من سبر إمكانيات ميكانيكا الكمّ الذي قد بدأ يثبت جدارته على المستوى الذرّي.

حسب علم الميكانيكا التقليدي (المعتمد على قوانين نيوتن)، يُمكنُ أن نتوقّع سلوك أي نظام أو جملة إذا عرفنا حالتها الأوّلية بالضبط. في حين أننا في ميكانيكا الكمّ يُمكنُنا فقط أن نحسب احتمال وجود النظام في حالة معينة مستقبلية. وفي جميع الأحوال فإنّ المشكلة الرئيسية في علم الكون هي تحديد الحالة الأوّلية التي كان عليها العالم والتي سنطبق عليها هذه القوانين (سواء التقليدية أو الكميّة). لقد كانت الإستراتيجية الناجحة للتغلّب على هذه المشكلة هي العمل العكسي، أي استنتاج الحالة الأوّلية من خلال معرفة الحالات الحالية. إنّ المشكلة الأساسية في النموذج التضخّمي هي أنّها تفترض أن الكون كان يحوي بعض المادة في حالة إثارة عالية، ولكن كيف وصلت المادة إلى هذه الحالة! للإجابة على هذا السؤال حاول بعض العلماء تطبيق ميكانيكا الكمّ على الكون بأكمله، والنتيجة كانت نظريّة علم الكون الكمّي (quantum cosmology).[21]

إنّ ذلك قد يبدو سخيفاً في البداية، لأنّ الأنظمة الكبيرة (مثل الكون) تطيعُ عادة علم الميكانيكا التقليدي (بما في ذلك النظريّة النسبيّة) وليس الميكانيكا الكمّي الذي يطبَّق عادة على المستوى الذرّي فقط. والمشكلة هنا أنّ النظريّة النسبية تتناقضُ في بعض الجوانب مع مبادئ نظريّة الكمّ، فكيف يمكن تطبيق هاتين النظريتين معاً وهما متناقضتان.[22]

في الفيزياء الكمّية يمكن حساب الحالة التي سيكون عليها النظام في المستقبل (بشكل احتمالي) من خلال ما يُعرف باسم تكاملات المسار (Path Integrals) التي تمّ تطويرها من قبل ريتشارد فاينمان الفائز بجائزة نوبل. من خلال هذه الطريقة فإنّ الاحتمال الذي سيكون عليه النظام في حالة نهائية ناتج عن جمع المساهمات الفعالة من كُلّ مرحلة من تاريخ تطوره من الحالة الابتدائية إلى هذه الحالة النهائية. يتمّ عادة في الأنظمة الكبيرة (كالكون مثلاً) إلغاء المساهمات المتماثلة وفي النهاية يُعدّ أحد هذه المساهمات هو الذي له التأثير الملحوظ، وهو الذي تتوقعه عادة الفيزياء التقليدية. يكون الكون عادة موصوفاً في أيّ لحظةٍ بهندسة الأبعاد المكانية الثلاثة بالإضافة إلى أيّ حقول أخرى كالطاقة مثلاً، فإذا طبّقنا طريقة تكاملات المسار عليه يمكننا استنتاج الحالة التي سيكون عليها في أيّ مرحلة تالية، ولكنّ هذه الطريقة ما زالت تتطلّبُ معرفة الحالة الأوّلية (boundary condition).

للتغلب على هذه المشكلة قام ستيفن هوكنج وجيمس هارتل سنة 1983 بتطوير نظريّة في علم الكون الكمّي أصبحت تُعرف باسم "اقتراح نفي الحالة الأوّلية" (no-boundary proposal). من الناحية العملية فإنّ حساب الاحتمالات التي سيكون عليها النظام في علم الكون الكمّي باستخدام تكاملات المسار أمرٌ صعبٌ للغاية، ولا بدّ من استخدام التقريب. أحد الطرق المستخدمة للتقريب في هذا المجال يسمى بالتقريب النصف تقليدي، لأنّ صلاحيته تقع بين الفيزياء التقليدية وفيزياء الكمّ. في التقريب النصف تقليدي يتمّ إهمال المساهمات الناتجة عن الأبعاد الأربعة للزمكان مجتمعة بحيث نأخذ فقط المساهمات التي تنتج فقط عن الأبعاد الثلاثة للمكان. وقد عُرفتهذه الطريقة باسم اللحظيات (instantons) وهي تصفُ الظهور التلقائي للكون من لا شيء. بهذه الطريقة فقط نستطيع أن نُفكّرُ (من الناحية الفيزيائية) بالكون من غير التفكير بالحالة الأوّلية. وبهذا الشكل لا نضطرّ للنظر إلى العالَم كشيء يحدث في الزّمان والمكان، وبمجرّد وجود الكون يمكننا بعد ذلك تطبيق قوانين النظريّة النسبية العامة والتي تصبح كحالة خاصّة أو تقريبيّة لقوانين الميكانيكا الكمّيّة.

لا يزال البحث في هذه المسائل مستمرّاً، ولكنّ أحد أهمّ المشاكل البارزة في مُحاولة بناء نظريّة حقل كمّيّة للجاذبيّة تتعلّقُ بالتفسير الملائم للحالات الكمّيّة بدون إشارة مباشرة للزمن. سوف نرى في نهاية هذا الكتاب أنّ مفهوم ابن العربي للزمن يُمكنُ أن يكُون المفتاح لحلّ هذه المشكلة لأنّه ينظرُ إلى العالم كوجودٍ أبديٍّ مستمرٍّ بشكلٍ ما رغم أنّ الخلق الفعليَّ للمادّة قد تمَّ في مرحلة محدّدة، ولكنّ العالم بالنسبة له ليس فقط هذا الوجود المادّيّ الملحوظ.


[17] انظر في الفصل الثالث "من النسبية إلى علم الكون" والفصل الخامس "انعكاسات الانفجار العظيم" في:

J. V. Narlikar,Introduction to Cosmology(Cambridge: Cambridge University, 1993, 2nded.).

[18] والبعض يقول إن العالِم الروسي جاموف هو الذي تنبّأ بوجود هذه الأشعّة، انظر في:

A. D. Dolgov, M. V. Sazhin and Ya. B. Zeldovich,Basics of Modern Cosmology(France: Editions Frontiéres, 1990). p. 11.

[19] انظر في:

Roger J. Tayler,Galaxies: Structure and Evolution(Cambridge: Cambridge University, 1993), p. 194.

[20] انظر في:

Phillip F. Schewe, New Measurements of the Cosmic Microwave Background (CMB), in The American Institute of Physics Bulletin of Physics News, Number 108, December 28, 1992.

وأيضاً في:

Schewe, Phillip F., and Ben Stein, COBE Picks Out Primordial Seeds at Last, in The American Institute of Physics Bulletin of Physics News, Number 77, April 24, 1992.

[21] انظر في "مفاهيم ومبادئ ميكانيكا الكم" في:

Robert L. White,Basic Quantum Mechanics(New York: McGraw-Hill, 1966), p. 29.

[22] سوف نناقش هذا التناقض بين نظريّة النسبيّة ونظريّة ميكانيكا الكمّ في الفصل السابع والأخير من هذا الكتاب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!