موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

أهمية الأيّام المتوالجة


إنّ تدفق الزّمن وفقاً للأيّام الأصلية هو التدفق الحقيقي، لأنه يعطي التسلسل الحقيقي للأحداث على المستوى الذرّي أي أصغر الأجزاء في العالَم. ويعود السبب في أنّ هناك فترة سبعة ساعات بين الساعة والساعة التي تليها كما في الجداول والشكل أعلاه إلى تسلسل تأثير الأسماء الإلهية السبع الأمّهات كما وضّحناها في الفصل الثالث والذي نتج عنه البنية الثلاثية الأبعاد للعالم. فعلى سبيل المثال، إنّ يوم الأحد من الأيّام الأصلية من الخلق يمثّل البداية حيث تكتسب أعيان العالَم صفة السمع حتى تستطيع سماع أمر الله تعالى لها بالتكوين، وبذلك يبدأ البعد الأوّل من المكان بحيث يعمّ هذا البعد جميع أجزاء العالَم. ثمّ بعدما تنتهي هذه الدورة التي هي يوم الأحد عن صفة السمع، تبدأ دورة يوم الاثنين عن صفة الحياة، وهكذا إلى أن تكتمل الأيّام الستة الأولى من يوم الأحد إلى يوم الجمعة فيكتمل بناء العالَم من حيث المكان ثم يظهر في يوم السبت كلحظة زمانية أو صورة محدّدة المعالِم، ثم يعيد الله خلقه من جديد، وهكذا، ولكن بما أنّ أجزاء العالَم تكتسب هذه الصفات الإلهية الأمهات الواحدة بعد الأخرى بالتسلسل في حين أنّنا نراها كلّها قائمة دفعة واحدة لأنّنا لا نشهد آليّة الخلق في المكان كما أشرنا من قبل، فلذلك يحصل التوالج بين الأيّام التي نشهدها وهذه الأيّام الأصلية التي يقوم عليها الخلق. فلو كنّا نجري مع الجوهر الفرد في خلق العالَم لما رأينا سوى تدفّقاً خطّياً من الأحداث حدثاً واحداً في كل آن من الزمن، ولكن بما أنّ الله تعالى قال في سورة الكهف: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)﴾، فلذلك نحن لا نرى العالَم أثناء خلقه جزءً جزءً بل نراه مخلوقاً كاملاً، ولذلك نرى الكثير من الأحداث تحدث في اليوم الواحد الذي هو مجموع لحظات كثيرة من أيّام أخرى من أيّام الشأن. فالحقيقة أنّه في كلّ يوم من أيّامنا هناك أيّام بل أسابيع بعدد اللحظات التي نمرّ بها وفي كلّ لحظة (أي أسبوع) منها يخلق الله تعالى العالَم في ستّة أيّام ثمّ يستوي على العرش، ونحن لا نرى من ذلك سوى حالة استوائه على العرش أي إحاطته بالعالَم الذي نعيش فيه، فلذلك نحن نعيش فقط حقيقة في يوم السبت من الأياّم الأصليّة وهو يوم الأبد.

وربّما يكون هنا تفسير قوله تعالى عن الكافرين يوم القيامة حين يتناقشون عن الفترة التي لبثوها في الأرض من السنين، فيقول الله تعالى في سورة طه: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)﴾، وكذلك يقول الله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)﴾.

وسوف ندرك معاني هذه الآيات الكريمة بدقّة أكبر عندما نعتبر المعنى العام لكلمة "الْكَافِرُونَ" وليس فقط أولئك الذي لا يؤمنون بما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل الكفر لغةً هو الستر أو الغطاء، فكلّنا على الحقيقة كافرون بنسبة معيّنة حينما لا ننسب الأشياء إلى خالقها ونشهد ذلك ببصيرتنا، بل نحن نعتمد على الأسباب وننسى خالقها كمن يدعو مع الله إلهاً آخر. فنحن حقيقة نعيش في صدر الزمان لأنّنا محجوبون بالأسباب عن خالق الأسباب والمسبّبات سبحانه وتعالى الذي قال في سورة الأنعام: ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)﴾.

فمن يخرج من صدر الزمان إلى قلبه تنفتح عين بصيرته ويرى الأشياء حال صدورها عن الحق تعالى، كما يقول أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله"، وقال الفاروق رضي الله عنه: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله معه"، وروي عن عثمان رضي الله عنه: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله عنده"، ومنهم من قال: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه"...إلخ.[407] وسوف نعود إلى مسألة اختراق حجب الأسباب لاحقاً في الفصل السابع والأخير.


[407] كتاب الإعلام، رسائل ابن العربي (حيدرآباد)، ص2. وانظر أيضاً في كتاب شمس المغرب: ص162.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!