فأمَّا الحروفُ: فهي لفظٌ مشتركٌ مطلقٌ على اللفظِ، وهو قطعُ الهواءِ الخارجِ منِ المتنفِّسِ المتردِ في بعضِ طريقِ ذلك الهواءِ منِ الصدرِ إلى الشفتين، وهذه هي الحروفُ الطبيعيةُ الحقيقيةُ الأصليةُ، التي أغفلها المتكلمون على أسرارِ الحروفِ واشتغلوا بالطبيعةِ العارضةِ فيها البعيدِ معناها التي لا ترتبطُ فائدتُها ارتباطًا يُعتَمَدُ عليهِ، وهي ثمانيةٌ وعشرون حرفًا، وهذه صورتُها على حسبِ ما تقتضيه أماكنهُا وطبائعُها وهي: [(ا) - (هـ) - (ع) - (ح) - (غ) - (خ) - (ق) - (ك) - (ض) - (ج) - (ش) - (ل) - (ر) - (ن) - (ظ) - (ذ) - (ث) - (ص) - (ز) - (س) - (ط) - (د) - (ت) - (ف) - (ب) - (م) - (و) - (ي)].

وليست الألفُ، وحروفُ اللين منِ الحروفِ، وقد يُزادُ على هذه حروفٌ عُدَلَ بها عن مخارجِها بالعادةِ السَّواءِ، كالحرفِ بين الراءِ والغينِ، وبين الجيمِ والشينِ، وبين الباءِ والفاءِ، وشبه ذلك، فإنَّ طبيعةَ مثل هذه الحروفِ ترجعُ إلى طبعِ ما هي بينهما فتكونُ ممزوجةً، بخلافِ الحروفِ الصحيحةِ الجاريةِ على أصلِ الوضعِ الأحسنِ، والشكلِ الأتمِّ.

وهذا الصِنفُ منِ الحروفِ؛ أعني اللفظيَّ، موجودٌ في كلِّ متلفّظٍ لا يجوزُ البدَلُ فيه ولا التحكُّمُ.

وتُسمَّى هذه الحروفُ حروفُ الوَسطِ؛ لأنَّها بين الحروفِ الفكريةِ والرقميةِ.

فأمَّا الحروفُ الفكريةُ: فهي تصوّرُ النّفَسِ ليقطعَ هذا الهواءَ في هذه المخارجِ، وهذا الصِنفُ أيضًا منِ الحروفِ لا يتبدَّلُ.

ولنسَمِّ هذه الحروف الفكرية الحروف العلوية؛ لأنَّها روحانيةٌ، صفةٌ للنفسِ، وهي علويةٌ.

وأمّا الصِنفُ الآخرُ منِ الحروفِ، فهي الحروفُ الرقميةُ وهي المكتوبةُ، ونسمِّيها السفليةُ.

* * *

فصل

 وثمَّ دلالةٌ رابعةٌ ليست بحروفٍ، ولكنهَّا أصواتٌ، وهي على قسمين: أصواتٌ تُدرَكُ، وأصواتٌ لا تُدرَكُ، لكنْ تُعقَلُ وهي الإشاراتُ، وهي مثلُ الرَّقْمِ موقوفة على الاصطلاحِ، وقد تكونُ بالأعدادِ.

مثالُ ذلك: إذا أردتَ أن تقولَ لإنسانٍ: أُحِبُّكَ، فتقولُ له: واحدٌ، ثمانيةٌ، اثنان، عشرون، فالألفُ واحدٌ، والحاءُ ثمانيةٌ، والباءُ اثنان، والكافُ عشرون، فيه المعنى المرادُ تفهيمُه هذا في الأعدادِ، وأمَّا الإشارةُ بالصوتِ على تقسيمِه المذكورِ، في هذه الكلمةِ بعينهِا.

مثالٌ في الإشارةِ: أن تضربَ له بأصبُعِكَ ضربةً واحدةً، بحيثُ يراك أو يسمعُك، وتقول له: أَمْسِك، ثُمَّ تضربُ بأصبُعِكَ له ثمانِ ضرباتٍ، ثم تقول له: أَمْسِكْ، ثُمّ تضربُ ضربتين، ثُمَّ تقول له: أَمْسِك، أو تشير إليه إنْ أردتَ ألَّا يعرف أحدٌ منِ الحاضرين هل تُعلمه بشيءٍ أم لا؟ ثُمَّ تضرب له عشرين ضربةً، فإنَّه يفهمُ عنك أنَّك قلت له: أُحبُّكَ. ولهذا أيضًا مدخلٌ في الخواصِّ، ولهذا ذكرناه فافهم ذلك.

* * *