اعلم أيَّدك اللهُ بتوفيقِه، وسقَاك منِ شرابِ رحيقِه، وهداك إلى طريقِه، وأسعدك بمعرفةِ تحقيقِه، وجميع المسلمين، بمحمدٍ وآلهِ آمين: أنَّ الأشياءَ لمَّا خلقَها اللهُ تعالى اقتضت [في الوجودِ] خواصًّا عجيبةً منها ما يُعلَمُ، ومنها ما لا يُعلَم. كالزمردِ في إسالةِ عيونِ الأفاعي منِ الأحجارِ، وكالرازيانج الذي يفتحُ عيونَ الحيَّاتِ منِ النباتِ، وكالصلِّ الذي إذا اجتمع عينهُ مع عينِ الإنسانِ [بالنظرِ على خطٍ مستقيمٍ] يموتُ الإنسان، وإذا سمع هو صوتَ البُومِ مات، وهذا منِ صِنفِ الحيوان.

وهكذا خواصُّ الروحانياتِ النورانياتِ والنارياتِ، وما منِ حُكمٍ منِ هذه الأحكامِ إلَّا ويجوزُ خلافُه، ولكنَّ العادةَ أجراها اللهُ تعالى هكذا، فالذي لا يجوزُ؛ أن ترجعَ الحرارةُ برودةً، ولا ترجعُ البرودةُ حرارةً، ولا الرطوبةُ يبوسةً، ولا اليبوسةُ رطوبةً، ولكنْ يرجعُ الحارُ باردًا بزوالِ الحرارةِ منه، وخَلقِ البرودةِ فيه.

ويرجعُ الباردُ حارًا أو فاترًا، وكذلك الرطبُ يرجعُ يابسًا، واليابسُ يرجعُ رطبًا.

والخواصُّ التي لا يمكنُ إزالتُها منها خواصُّ الحقائقِ الإلهيةِ والأسماءِ الربَّانيةِ، فإنَّها اقتضتها لأنفُسِها، وتوجَّهت عِلى إيجادِ العالمِ بخصائصِها، وهي الدقائقُ الإلهيةُ التي فاز بها العارفون بالله، [وجنى بمعرفتهِا الصالحون، وخُصَّ بإدراكهِا العالمون]، وعنها ظهرت خواصُّ العالمِ؛ فما منِ شيءٍ في الوجودِ منِ حيوانٍ، ونباتٍ، ومعدنٍ، وجمادٍ، وعددٍ، ومعدودٍ، وحرفٍ، ولفظٍ، ومُركَّبٍ، وبسيطٍ، وفلكٍ، وملكٍ، إلَّا وله خاصيّةٌ، إذا عرفت تلِكَ الخَاصيّةَ، وبماذا تختصُّ منِ التكويناتِ وِوجهت ذلك عليه، انفعل عنه ذلك المكوَّنُ المخصوصُ به، لكنْ بإذِنِ الله، وقد يخرقُ اللهُ العادةَ، ولا ينفعلُ لحكمةٍ يراها سبحانه، فإنَّ خواصَّ الأشياءِ إنَّما ترجعُ إلى عِلمِ الطبيعةِ، ولكنهَّا تُسمّى الطبيعةُ المجهولةُ، لكونِ الإدراكِ قاصرًا عنها، بخلافِ خاصيَّةِ الأدويةِ المسهِّلةِ والقابضةِ للأمزجةِ القابلةِ لها، فإنَّ ذلك يعرفُ بسببِ تلك الخاصيَّةِ.

* * *

فصل

فالخواصُّ وإن كثُرت فإنَّها ترجعُ إلى أمرين:

[الواحدُ منها]: ما يفعلُ بخاصيَّتهِ على ما هو عليه منِ غيرِ أنْ يُضافَ إليه غيرُه، أو يفسد عن صورتهِ التي هو عليها.

والأمرُ الآخرُ: ما يفعلُ بفسادِ صورتهِ، أو إضافةِ غيرِه إليه.

ومنها: ما يفعلُ ظاهرًا ببقاءِ عينهِ.

ومنها: ما لا يفعلُ حتى يقتلعَ منِ غيرِ فسادِ عينهِ.

* * *

فصل آخر

اعلم وفَّقنا اللهُ تعالى وإياك لمراضيه أنَّ الحروفَ لها خواصٌّ، كسائرِ الموجوداتِ، وخواصُّها على نوعين: تفعلُ بالإفرادِ، وبالتركيبِ.

والتركيبُ فيها على نوعين: تركيبُ الأمثالِ وتركيبُ المختلفاتِ، فتركيبُ الأمثالِ هكذا (كـ: ا ا ا ا ا ا، وكـ: د د د د)، وتركيبُ المختلفاتِ هكذا (كـ: ا ب ر د).

 وهكذا جميعُها، فأوَّلُ ما ينبغي أن تَعرِفَ: ما الحروفُ؟ وكم هي أصناَفُها؟ وعددُ أشخاصِها؟

* * *