موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


إليه فأجبناه إلى ما دعانا إليه مدّة ثم حصلت عندنا فترة، وهي الفترة المعلومة في الطريق[1] عند أهل الله التي لا بدّ منها لكل داخل في الطريق ثم إذا حصلت الفترة إما أن يعقبها رجوع إلى الحال الأوّل من العبادة والاجتهاد، وهم أهل العناية الإلهية الذين اعتنى الله عزّ وجلّ بهم، وإما أن تصحبه الفترة فلا يفلح أبداً. فلمّا أدركتنا الفترة وتحكّمت فينا رأينا الحق في واقعة[2] فتلى علينا هذه الآيات (من سورة الأعراف): ((وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء ...)) ... الآية [57]، ثم قال: ((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ... [58])). فعلمت أني المراد بهذه الآية وقلت: ينبّه بما تلاه علينا على التوفيق الأوّل الذي هدانا الله به على يد عيسى وموسى ومحمد سلام الله على جميعهم، فإن رجوعنا إلى هذا الطريق كان بمبشرة على يد عيسى وموسى ومحمد عليهم السلام؛[3] ((بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ))، وهي العناية بنا، ((حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً))، وهو ترادف التوفيق، ((سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ))، وهو أنا، ((فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ))، وهو ما ظهر علينا من أنوار القبول والعمل الصالح والتعشّق به، ثم مثّل فقال: ((كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))، يشير بذلك إلى خبر ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في البعث أعني حشر الأجسام من أن الله يجعل السماء تمطر مثل مني الرجال ... الحديث.[4] ثم قال: ((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ))، وليس سوى الموافقة والسمع والطاعة لطهارة المحل، ((وَالَّذِي خَبُثَ))، وهو الذي غلبت عليه نفسه والطبع -وهو معتنى به في نفس الأمر- ((لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا))، مثل قوله [صلّى الله عليه وسلّم] أن لله عباداً يقادون إلى الجنة بالسلاسل،[5] وقوله [تعالى]: ((وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)) [الرعد: 15]، فقلنا: طوعاً يا إلهنا.[6]

ومع أنه يذكر أنه رأى في هذه الواقعة عيسى وموسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، إلا أنه يخصّ عيسى عليه السلام لأنه هو الذي تولاّه منذ بدايته فكان "عيسوي المقام" مثل شيخه



[1] الفترة هي "خمود نار البداية المحرقة" (الفتوحات المكية: ج2ص132)، أي خمود همّة المريد. فقد مرّ الشيخ محي الدين بهذه الفترة وربّما يكون ذلك بين سنتي 580/1184 و 585/1190 كما سنرى بعد قليل.

[2] لقد أجاز معظم العلماء رؤية الله تعالى في المنام، وقد يظهر سبحانه بأي صورة شاء، كما ظهر للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم على صورة "شاب له وفرة" (كنز العمال: رقم 1151-1154). والصورة التي يظهر بها الحق سبحانه في المنام تعود لحال الرائي وليست هي صورته سبحانه وتعالى، وكذلك رؤية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام (الفتوحات المكية: ج4ص28)، وقد رأى ابن العربي الحق تعالى في المنام مرات عديدة سنذكر بعضها في الفصول القادمة إن شاء الله.

[3] سوف نتطرق لهذه الرؤيا بمزيد من التفصيل لاحقا بعد قليل.

[4] لم أجد هذا الحديث ولكن ورد في حديث مشابه متفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما بين النفختين أربعون، ثم يُنزل الله من السماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة" (كنز العمال: رقم 38908).

[5] كنز العمال: رقم 10667، 34141، وخرّج البخاري عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "عَجِبَ اللهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ في السَّلاَسِلِ" (صحيح البخاري: رقم 2848)، وقد أخرجه أبو داود بلفظ "يقادون إلى الجنة بالسلاسل".

[6] الفتوحات المكية: ج4ص172.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغربي

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!