موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الاذكار

للشيخ الإمام الحافظ زكريا بن شرف الدين النووي

[أذكار الوضوء والصلاة]

 

 


باب ما يقولُ إذا أراد دخول الخلاء

1/54 ثبت في الصحيحين عن أنس رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء‏:‏‏"‏اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائث‏"‏ يقال‏:‏ الخبث بضم الباء وبسكونها، ولا يصحّ قول من أنكر الإِسكان‏.‏ (78)

2/55 وروينا في غير الصحيحين ‏"‏باسْمِ اللّه، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخبائِثِ‏(79))‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏ ")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏ ‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏")‏ الترمذي ‏(‏5‏)‏ وأبو داود ‏(‏4‏)‏ و ‏(‏5‏)‏ ، والنسائي 1/20‏.‏ بلفظ ‏"‏اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‏"‏‏.‏ وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني‏.‏ انظر الفتوحات الربانية 1/379‏.‏‏)‏

3/56 وروينا عن عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ باسْمِ اللَّهِ‏"‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ إسناده ليس بالقويّ، وقد قدّمنا في الفصول أن الفضائل يُعمل فيها بالضعيف‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ ويستحبّ هذا الذكر سواء كان في البنيان أو في الصحراء‏.‏ قال أصحابنا رحمهم اللّه‏:‏ يستحبّ أن يقول أوّلاً ‏"‏بِاسْمِ اللّه‏"‏ ثم يقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من الخُبْثِ والخَبائِثِ‏(80)

4/57 وروينا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل الخَلاء قال‏:‏‏"‏اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجس النَّجِسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ‏:‏ الشَّيْطانِ الرجِيمِ‏"‏ رواه ابن السني، ورواه الطبراني في كتاب الدعاء‏(81)

بابُ النّهي عن الذِّكْرِ والكَلامِ على الخَلاَء

يكره الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة، حتى قال بعض أصحابنا‏:‏ إذا عطس لا يحمد اللّه تعالى، ولا يشمِّت عاطساً، ولا يردّ السلام، ولا يجيب المؤذّن، ويكون المُسَلِّم مُقَصِّراً لا يستحقّ جواباً‏.‏ والكلام بهذا كله مكروه كراهية تنزيه ولا يحرم، فإن عطس فحمد اللّه تعالى بقلبه ولم يحرّك لسانه فلا بأس، وكذلك بفعل حال الجماع‏.‏

1/58 وروينا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ مرّ رجل بالنبيّ وهو يبولُ فسلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليهِ‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏(82)

2/59 وعن المهاجر بن قنفذ رضي اللّه عنه قال‏:‏أتيتُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم وهو يبول، فسلّمت عليه، فلم يَرُدَّ حتى تَوَضَّأَ، ثم اعتذر إليّ وقال‏:‏ ‏"‏إني كَرِهْت أن أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى إلاَّ على طُهْرٍ‏"‏ أو قال ‏"‏على طَهارَةٍ‏"‏ حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة‏.‏ (83)

بابُ النّهي عن السَّلام على الجالس لقضاء الحَاجَة

قال أصحابنا‏:‏ يكره السلام عليه، فإن سلَّم لم يستحقَّ جواباً، لحديث ابن عمر والمهاجر المذكورين في الباب قبله‏.‏

بابُ ما يقولُ إذا خَرَجَ من الخَلاَء

يقول‏:‏ ‏"‏غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أذْهَبَ عَنِّي الأذَى وَعافانِي‏" (84)

ثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏"‏غُفْرَانَك‏"‏ وروى النسائي وابن ماجه باقيه‏.‏

1/60 وروينا عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان رسول اللّه إذا خرج من الخلاء قال‏:‏ ‏"‏الحَمْدُ لِلَّه الَّذي أذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وأبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ، وَدَفَعَ عَنِّي أَذَاهُ‏"‏ رواه ابن السني والطبراني (85) 

بابُ ما يقولُ إذا أراد صَبَّ ماء الوضوءِ أو استقاءه

يستحبّ أن يقول ‏"‏باسْمِ اللَّه‏"‏ كما قدَّمناه‏.‏

بابُ ما يَقولُ على وضُوئه

يستحب أن يقول في أوّله‏:‏ ‏"‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ‏"‏ وإن قال ‏"‏بِاسْمِ اللَّهِ‏"‏ كفى‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ فإن ترك التسمية في أوّل الوضوء أتى بها في أثنائه‏.‏ فإن تركها حتى فرغ فقد فات محلها فلا يأتي بها ووضوءه صحيح، سواء تركها عمداً أو سهواً‏.‏ هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء‏.‏ وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رحمه اللّه أنه قال‏:‏ لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً‏.‏ فمن الأحاديث‏:‏

1/61 حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبيّ ‏"‏لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللّه عَلَيْهِ‏"‏ رواه أبو داود وغيره‏.‏ وروينا من رواية سعيد بن زيد وأبي سعيد وعائشة وأنس بن مالك وسهل بن سعد رضي اللّه عنهم، رويناها كلها في سنن البيهقي، وغيره‏.‏ وضعّفها كلها البيهقي وغيره‏.‏‏(1)

فصل‏:‏ قال بعض أصحابنا، وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد‏:‏ يُستحبّ للمتوضىء أن يقولَ في ابتداء وضوئه بعد التسمية‏:‏ أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسولُه‏.‏ وهذا الذي قاله لا بأس به، إلا أَنَّهُ لا أصل له من جهة السنة، ولا نعلم أحداً من أصحابنا وغيرهم قال به، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ ويقول بعد الفراغ من الوضوء‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ،

واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ‏.‏

2/62 روينا عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ تَوَضَّأ فَقالَ‏:‏ أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاءَ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه، ورواه الترمذي وزاد فيه ‏"‏اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِن التَّوَّابِينَ واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ‏"‏‏.‏ وروى ‏"‏سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك‏"‏(2)

3/63 وروينا في سنن الدارقطني عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنَّ النبيّ قال‏:‏ ‏"‏مَنْ تَوَضَّأ ثُم قال‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّم، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَ الوُضُوءَيْن‏"‏ إسناده ضعيف‏.‏ (3)

4/64 وروينا في مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ تَوَضَّأ فأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمانِيَةُ أبْوَابِ الجَنَّةِ مِنْ أيّها شاءَ دَخَلَ‏"‏ إسناده ضعيف‏.‏ (4)

5/65 وروينا تكريرَ شهادة أن لا إله إلاَّ اللّه ثلاث مرات في كتاب ابن السني، من رواية عثمان بن عفان رضي اللّه عنه بإسناد ضعيف‏.‏

قال الشيخ نصر المقدسي‏:‏ ويقول مع هذه الأذكار‏:‏ اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، ويضمّ إليه‏:‏ وسلم‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة، ويكون عقيب الفراغ‏.‏ ‏(5)

فصل‏:‏ وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجىء فيه شيء عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، وقد قال الفقهاء‏:‏ يُستحبّ فيه دعوات جاءتْ عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصّل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية‏:‏ الحمد للَّهِ الذي جعل الماء طهوراً، ويقول عند المضمضة‏:‏ اللهم اسقِني من حوْضِ نبيِّك كأساً لا أظمأ بعده أبداً، ويقول عند الاستنشاق‏:‏ اللهمّ لا تحرِمني رائحة نعيمِك وجناتِك، ويقول عند غسل الوجه‏:‏ اللهمّ بيِّض وجهي يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوه، ويقول عند غسل اليدين‏:‏ اللهمّ أعطِني كتابي بيميني، اللهمّ لا تعطِني كتابي بشمالي، ويقول عند مسح الرأس‏:‏ اللهمّ حرّم شعري وبشرِي على النار، وأظلّني تحت عرشِك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك، ويقول عند مسح الأُذنين‏:‏ اللهمّ اجعلني من الذين يستمعونَ القول فيتَّبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين‏:‏ اللهمّ ثبِّت قدميَّ على الصرا‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

6/66 وقد روى النسائي وصاحبه ابن السني في كتابيهما ‏"‏عمل اليوم والليلة‏"‏ بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال‏:‏ أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوضوء، فتوضأ، فسمعته يدعو ويقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَسِّعِ لي فِي داري، وَبارِكْ لي في رِزْقِي‏"‏ فقلت‏:‏ يا نبيّ اللّه‏!‏ سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال‏:‏ ‏"‏وَهَلْ تَرَكْنَ مِنْ شَيْءٍ‏؟‏‏"‏

ترجم ابن السني لهذا الحديث؛ باب ما يقول بين ظهراني وضوئه‏.‏ وأما النسائي فأدخله في باب‏:‏ ما يقول بعد فراغه من وضوئه، وكلاهما محتمل‏.‏ ‏(6)

بابُ ما يقولُ على اغْتسالِه

يستحبّ للمغتسل أن يقول جميع ما ذكرناه في الوضوء من التسمية وغيرها، ولا فرق في ذلك بين الجُنب والحائض وغيرهما‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ إن كان جُنُباً أو حائضاً لم يأتِ بالتسمية، والمشهور أنها مستحبّة لهما كغيرهما، لكنهما لا يجوز لهما أن يقصدا بها القرآن‏.‏

بابُ ما يقولُ على تَيَمُّمِه

يستحبّ أن يقول في ابتدائه‏:‏ ‏"‏باسمِ اللّه‏"‏ فإن كان جُنباً أو حائضاً فعلى ما ذكرنا في اغتساله‏.‏ وأما التشهّد بعده وباقي الذكر المتقدم في الوضوء والدعاء على الوجه والكفّين فلم أرَ فيه شيئاً لأصحابنا ولا غيرهم، والظاهر أن حكمه على ما ذكرنا في الوضوء، فإن التيمّم طهارة كالوضوء‏.‏

بابُ ما يقولُ إذا توجَّهَ إلى المسجدِ

وقد قدّمنا ما يقوله إذا خرج من بيته إلى أيّ موضع خرج، وإذا خرج إلى المسجد فيستحبّ أن يضمّ إلى ذلك‏:‏

1/67 ما رويناه في صحيح مسلم، في حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي اللّه عنها، ذكر الحديث في تهجّد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ فأذّن المؤذّن، يعني الصبح، فخرج إلى الصلاة وهو يقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وفي لِسانِي نُوراً، وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ في بَصَري نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أمامي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقي نُوراً وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، اللَّهُمَّ أعْطِني نُوراً‏"‏‏.‏ (7)

2/68 وروينا في كتاب ابن السني عن بلال رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال‏:‏ ‏"‏بِاسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ باللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، اللَّهُمَّ بِحَقّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقّ مَخْرَجِي هَذَا فإني لَمْ أخْرُجْهُ أشَراً وَلاَ بَطراً وَلاَ رِياءً وَلاَ سُمْعَةً، خَرَجْتُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِكَ، وَاتِّقاءَ سَخَطِكَ، أسألُكَ أنْ تُعِيذَني مِنَ النَّارِ وتُدْخِلَني الجَنَّة‏"‏ حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث‏.‏ ‏(8)

وروينا في كتاب ابن السني معناه من رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعطية أيضاً ضعيف‏.‏

بابُ ما يقولُه عندَ دخول المسجد والخروج منه

يُستحبُّ أن يقول‏:‏ أعوذ باللّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، الحمد للّه، اللهمّ صلّ وسلم (9)‏ على محمد وعلى آل محمد؛ اللهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يقول‏:‏ باسم اللّه، ويقدّم رجله اليمنى في الدخول، ويقدّم اليسرى في الخروج، ويقول جميع ما ذكرناه، إلا أنه يقول‏:‏ أبواب فضلك، بدل رحمتك‏.‏

1/69 روينا عن أبي حُميد أو أبي أُسيد رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّم على النَّبيّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُم ليَقُلِ‏:‏ اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ‏:‏ اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة، وليس في رواية مسلم ‏"‏فليسلم على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏"‏ وهو في رواية الباقين‏.‏ زاد ابن السني في روايته ‏"‏وإذا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ على النَّبِيّ وَلْيَقُل‏:‏ اللَّهُمَّ أعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ‏"‏ وروى هذه الزيادة ابن ماجه وابن خزيمة وأبو حاتم ابن حبان بكسر الحاء في صحيحيهما‏.‏ (10)

2/70 وروينا عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد يقول‏:‏ ‏"‏أعُوذُ باللّه العَظِيم، وَبِوَجهِهِ الكَريم، وسُلْطانِهِ القَديم، من الشِّيْطانِ الرَّجِيم‏.‏ قالَ‏:‏ أقط‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فإذَا قَال ذلكَ قالَ الشَّيْطانُ‏:‏ حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ‏"‏ حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد‏.‏ (11)

3/71 وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد قال‏:‏ ‏"‏بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ، وَإذَا خَرَجَ قَالَ‏:‏ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ‏"‏‏.‏ وروينا الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضاً‏.‏ (12)

4/72 وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد اللّه بن الحسن عن أمه عن جدته، قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد اللّه تعالى وسمَّى وقال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وافْتَحْ لِي أبْوابَ رَحْمَتِكَ‏"‏‏.‏ وَإذَا خَرَجَ قالَ مِثْلَ ذلكَ، وقالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ فَضْلِكَ‏"‏‏.(13)

5/73 وروينا فيه عن أبي أُمامة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن أحدَكُمْ إذَا أرَاد أن يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ تَدَاعَتْ جُنُودِ إِبلِيسَ، وَأجْلَبَتْ واجْتَمَعَتْ كما تَجْتَمعٌ النَّحْلُ على يَعْسُوبِها، فإذَا قامَ أحَدُكُمْ على بابِ المَسْجِدِ فَلْيَقُلِ‏:‏ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْليسَ وجُنُودِهِ، فإنَّهُ إذَا قَالَها لَمْ يَضُرَّهُ‏"‏ اليعسوب‏:‏ ذكر النحل، وقيل أميرها‏.‏ (14)

باب ما يقولُ في المسجد

يُستحبُّ الإِكثارُ فيه من ذكر اللّه تعالى والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، ويُستحبّ الإِكثارُ من قراءة القرآن؛ ومن المستحبّ فيه قراءة حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعلم الفقه، وسائر العلوم الشرعية، قال اللّه تعالى‏:‏ فِي بُيُوتٍ أذَِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيها اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بالغُدُوّ والآصَالِ رِجالٌ‏}‏ الآيةالنور‏:‏ 36 وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّه فإنها مِنْ تَقوى القُلُوب‏}‏ الحج‏:‏32 وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يُعَظّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ‏}‏الحج‏:‏20‏.‏

1/74 وروينا عن بُريدة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ‏"‏‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ (15)

2/75 وعن أنس رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للأعرابيّ الذي بال في المسجد‏:‏ ‏"‏إنَّ هَذِه المَساجدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِنْ هَذَا البَولِ وَلا القَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وَقَرَاءَةِ القُرآنِ‏"‏ أو كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، رواه مسلم في صحيحه‏.‏ (16)

فصل‏:‏ وينبغي للجالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف، فإنه يصحّ عندنا ولو لم يمكث إلا لحظة، بل قال بعض أصحابنا‏:‏ يصحّ اعتكاف من دخل المسجد مارّاً ولم يمكث ‏(17) ، فينبغي للمارّ أيضاً أن ينوي الاعتكاف ليُحَصِّلَ فضيلتَه عند هذا القائل، والأفضل أن يقف لحظة ثم يمرّ، وينبغي للجالس فيه أن يأمر بما يراه من المعروف ويننهى عمّا يراه من المنكر، وهذا وإن كان الإِنسان مأموراً به في غير المسجد، إلا أنه يتأكد القولُ به في المسجد صيانةً له وإعظاماً وإجلالاً واحتراماً، قال بعض أصحابنا‏:‏ من دخل المسجد فلم يتمكن من صلاة تحية المسجد إما لحدث وإما لشغل أو نحوه، يستحبّ أن يقول أربع مرات‏:‏ سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللَّه أكبر، فقد قال به بعض السلف، وهذا لا بأس به‏.‏

باب إنكاره ودعائه على من يَنشُدُ ضالّةً في المسجد أو يبيعُ فيه

1/76 روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ‏:‏ لا رَدَّها اللّه عَلَيْكَ فإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا‏(18))‏ مسلم ‏(‏568‏)‏ ، وأبو داود ‏(‏473‏)‏ ، والترمذي ‏(‏1321‏)‏ ")‏ مسلم ‏(‏568‏)‏ ، وأبو داود ‏(‏473‏)‏ ، والترمذي ‏(‏1321‏)‏

2/77 وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن بُريدة رضي اللّه عنه‏:‏ أن رجلاً نشدَ في المسجد فقال‏:‏ من دعا إليَّ الجمل الأحمر‏؟‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ‏(19))‏ مسلم ‏(‏569‏)‏ ‏.‏ و‏ ‏نشدَ‏ ‏‏:‏ طلبَ وسأل‏.‏‏)‏ ")‏ مسلم ‏(‏569‏)‏ ‏.‏ و‏"‏نشدَ‏"‏‏:‏ طلبَ وسأل‏.‏‏)‏

3/78 وروينا في كتاب الترمذي في آخر كتاب البيوع منه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا رأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يَبْتَاعُ في المَسْجِدِ فَقُولُوا‏:‏ لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجارَتَكَ، وَإذَا رَأيْتُمُ مَنْ يَنْشُدُ فيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا‏:‏ لا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (20)

باب دعائه على من ينشد في المسجد شعراً ليس فيه مدحٌ للإِسلام ولا تزهيدٌ ولا حثٌّ على مكارمِ الأخلاق ونحو ذلك

1/79 روينا في كتاب ابن السني، عن ثوبان رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ رأيْتُمُوهُ يُنْشِدُ شِعْراً في المَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ‏"‏ فَضَّ اللّه فَاكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ‏(21))‏ ابن السني ‏(‏152‏)‏ ، والطبراني في الكبير، وقال الحافظ‏:‏ غريب‏.‏ وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/199‏)‏ ")‏ ابن السني ‏(‏152‏)‏ ، والطبراني في الكبير، وقال الحافظ‏:‏ غريب‏.‏ وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/199‏)‏

بابُ فضيلةِ الأذان

1/80 روَينا عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما فِي النِّدَاءِ وَالصَّفّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا‏"‏ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (22)

2/81 وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ‏"‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏

3/82 وعن معاوية رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏المُؤَذّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقاً يَوْمَ القِيامَةِ‏"‏ رواه مسلم‏.‏ (23)

4/83 وعن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذّنِ جنّ ولا شيءٌ إِلاَّ شَهدَ لَهُ يَوْمَ القِيامة‏"‏ رواه البخاري، والأحاديث في فضله كثيرة‏.‏

واختلف أصحابنا في الأذان والإِقامة أيّهما أفضل على أربعة أوجه‏:‏ الأصحّ أن الأذان أفضل، والثاني‏:‏ الإِمامة أفضل، والثالث‏:‏ هما سواء، والرابع‏:‏ إن علم من نفسه القيام بحقوق الإِمامة واستجمع ‏(24)

بابُ صِفَةِ الأَذان

اعلم أن ألفاظه مشهورة، والترجيعُ عندنا سنّة، وهو أنه إذا قال بعالي ‏(25)‏ صوته‏:‏ اللَّهُ أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، قال سرّاً بحيث يُسمع نفسَه ومَن بقربه‏:‏ أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللّه، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللّه، أشهدُ أنَّ محمداً رسول اللّه‏.‏ ثم يعودُ إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول‏:‏ أشهدُ أن لا إله إلاّ اللّه، أشهدُ أنْ لا إله إلاّ اللّه، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ اللّه، أشهدُ أنَّ محمداً رسول اللّه، والتثويبُ أيضاً مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه من حيّ على الفلاح‏:‏ الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم، وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة‏.‏

واعلم أنه لو تَرَكَ الترجيعَ والتثويبَ صحّ أذانه وكان تاركاً للأفضل‏.‏ ولا يصحّ أذان مَن لا يُميِّزُ، ولا المرأة، ولا الكافر‏.‏ ويصحّ أذان الصبيّ المميز، وإذا أذّن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلاماً على المذهب الصحيح المختار‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يكون إسلاماً، ولا خلاف أنه لا يصحّ أذانه، لأن أوّله كان قبل الحكم بإسلامه‏.‏ وفي الباب فروع كثيرة مقرّرة في كتب الفقه ليس هذا موضع إيرادها‏.‏  

بابُ صِفَةِ الإِقامة

المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإِقامة إحدى عشرة كلمة‏:‏ اللّه أكبر اللّه أكبر، أشهدُ أن لا إله إلاَّ اللّه، أشهد أنَّ محمداً رسول اللّه، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه‏.‏

فصل‏:‏ واعلم أن الأذانَ والإِقامةَ سنّتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ هما فرض كفاية‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هما فرض كفاية في الجمعة دون غيرها‏.‏ فإن قلنا فرض كفاية، فلو تركه أهلُ بلدٍ أو مَحَلَّةٍ قُوتلوا على تركه‏.‏ وإن قلنا سنّة لم يُقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يُقاتَلون على سنّة الظهر وشبهها‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ يُقاتَلون لأنه شعار ظاهر‏.‏

فصل‏:‏ ويُستحبُّ ترتيل الأذان ورفع الصوت به، ويستحبّ إدراج الإقامة (26)‏ ، ويكون صوتها أخفض من الأذان، ويستحبّ أن يكون المؤذنُ حسن الصوت ثقةً مأموناً خبيراً بالوقت متبرعاً؛ ويستحبّ أن يؤذّن ويقيم قائماً على طهارة وموضع عال، مستقبل القبلة، فلو أذّن أو أقام مستدبر القبلة أو قاعداً أو مضطجعاً أو مُحدثاً أو جُنباً صحّ أذانه وكان مكروهاً، والكراهية في الجُنب أشدّ من المحدث، وكراهة الإِقامة أشد‏.‏

فصل‏:‏ لا يُشرع الأذان إلا للصلوات ‏(27)‏الخمس‏:‏ الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وسواء فيها الحاضرة والفائتة، وسواء الحاضر والمسافر، وسواء من صلَّى وحده أو في جماعة‏.‏ وإذا أذّن واحدٌ كفى عن الباقين‏.‏ وإذا قضى فوائت في وقت واحد أذّن للأولى وحدها، وأقام لكلّ صلاة‏.‏ وإذا جمع بين الصلاتين أذّن للأولى وحدها وأقام لكل واحدة‏.‏ وأما غير الصلوات الخمس فلا يؤذّن لشيء منها بلا خلاف‏.‏ ثم منها ما يستحبّ أن يقال عند إرادة صلاتها في جماعة‏:‏ الصلاة جامعة، مثل العيد والكسوف والاستسقاء، ومنها ما اختلف فيه كصلاة التراويح والجنازة، والأصحّ أنه يأتي به في التراويح دون الجنازة‏.‏

فصل‏:‏ ولا تصحّ الإِقامة إلا في الوقت وعند إرادة الدخول في الصلاة، ولا يصحّ الأذان إلا بعد دخول وقت الصلاة إلا الصبح، فإنه يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت‏.‏ واختُلف في الوقت الذي يجوز فيه، والأصحّ أنه يجوز بعد نصف الليل، وقيل‏:‏ عند السَّحَر، وقيل‏:‏ في جميع الليل، وليس بشيء، وقيل‏:‏ بعد ثلثي الليل، والمختار الأوّل‏.‏

فصل‏:‏ وتقيم المرأة والخنثى المشكل، ولا يؤذّنان لأنهما منهيّان عن رفع الصوت‏.‏  

بابُ ما يقولُ مَنْ سمعَ المؤذّنَ والمقيمَ

يُستحبّ أن يقول من سمع المؤذّن والمقيم‏:‏ مثل قوله، إلا في قوله حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، فإنه يقول في دُبُر كل لفظة‏:‏ لا حول ولا قوّة إلا باللّه‏.‏ ويقول في قوله‏:‏ الصلاة خير من النوم‏:‏ صدقتَ وبررتَ، وقيل يقول‏:‏ صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ الصلاةُ خيرٌ من النوم‏.‏ ويقول في كلمتي الإِقامة‏:‏ أقامها اللّه وأدامها، ويقول عقيب قوله‏:‏ أشهد أنَّ محمداً رسولُ اللّه‏:‏ وأنا أشهد أن محمداً رسول اللّه؛ ثم يقول‏:‏ رضيتُ باللّه ربّاً ‏(28)‏ ، وبمحمدٍ صلى اللّه عليه وسلم رسولاً، وبالإِسلام ديناً‏.‏ فإذا فرغَ من المتبعة في جميع الأذان صلَّى وسلَّم على النبي صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال‏:‏ اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمّداً الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقاماً محموداً الذي وعدته، ثم يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا‏.‏

1/84 روينا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا سَمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذّنُ‏"‏ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما‏.‏ (29)

2/85 وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، أنه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا علَبَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِها عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللّه لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ اللّه وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ ‏(30)

3/86 وعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا قالَ المُؤَذّنُ‏:‏ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، فَقالَ أحَدُكُمْ‏:‏ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، ثُمَّ قالَ‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ قالَ‏:‏ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، قالَ‏:‏ أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؛ ثُمَّ قالَ‏:‏ حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، قالَ‏:‏ لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللّه؛ ثُمَّ قالَ‏:‏ حَيَّ عَلى الفَلاح، قالَ‏:‏ لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ؛ ثُمَّ قَالَ‏:‏ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، قالَ‏:‏ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبرُ؛ ثمَّ قالَ‏:‏ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قالَ‏:‏ لا إلهَ إِلاَّ اللّه مِنْ قَلْبه دَخَلَ الجنَّة‏"‏‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ ‏(31)

4/87 وعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ‏:‏ أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبّاً، وبِمُحَمَّدٍ صلى اللّه عليه وسلم رَسُولاً، وبالإِسْلامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ‏"‏ وفي رواية ‏"‏مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ‏:‏ وأنا أشْهَدُ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ (32)

5/88 وروينا في سنن أبي داود، عن عائشة رضي اللّه عنها بإسناد صحيح‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سمع المؤذّن يتشهد، قال‏:‏ ‏"‏وأنا وأنا‏"‏‏.(33)

6/89 وعن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ‏:‏ اللَّهُمَّ رَبِّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ القائِمةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقاماً محموداً الذي وَعَدْتَهُ‏.‏ حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ‏"‏ رواه البخاري في صحيحه‏.‏ ‏(34)

7/90 وروينا في كتاب ابن السني عن معاوية‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا سمع المؤذّن يقول‏:‏ حيّ على الفلاح، قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مُفْلِحِين‏"‏‏.‏(35)

8/91 وروينا في سنن أبي داود، عن رجل، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم أنَّ بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال‏:‏ قد قامت الصلاة، قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏"‏أقامَها اللَّهُ وأدَامَها‏"‏، وقال في سائر ألفاظ الإِقامة كنحو حديث عمر في الأذان‏. (36)

9/92 وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة‏:‏ أنه كان إذا سمع المؤذّن يُقيم يقول‏:‏ اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلِّ على محمَّد وآته سؤلَه يومَ القيامة‏. (37)

فصل‏:‏ إذا سمع المؤذنَ أو المقيم وهو يصلي لم يجبه في الصلاة، فإذا سلَّم منها أجابه كما يجيبه مَن لا يُصلي، فلو أجابه في الصلاة كُرِه ولم تبطلْ صلاتُه، وهكذا إذا سمعه وهو على الخلاء لا يُجيبه في الحال، فإذا خرج أجابه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو يسبّح أو يقرأ حديثاً أو عِلْمَاً آخر أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا ويجيب المؤذِّنَ ثم يعود إلى ما كان فيه، لأن الإِجابة تفوت، وما هو (38) فيه لا يفوت غالباً، وحيث لم يتابعه حتى فرغ المؤذّن يستحبّ أن يتدارك المتابعة ما لم يطل الفصل

بابُ الدُّعاء بعد الأذان

1/93 روينا عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بَينَ الأذَانِ والإِقامَةِ‏"‏ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني وغيرهم‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، وزاد الترمذي (39)

2/94 وروينا عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما‏:‏ أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إن المؤذّنين يفضُلُوننا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قُلْ كما يَقُولونَ فإذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَه‏"‏ رواه أبو داود ولم يضعفه‏.‏ (40)

3/95 وروينا في سنن أبي داود أيضاً، في كتاب الجهاد بإسناد صحيح، عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ثِنْتانِ لا تُرَدَّانِ ـ أوْ قالَ‏:‏ ما تُرَدَّانِ الدُّعاءُ عِنْدَ الندَاءِ، وَعِنْدَ البأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً‏"‏ قلت‏:‏ في بعض النسخ المعتمدة يلحم بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر‏.‏ (41)

باب ما يقولُ بعدَ ركعتي سنّة الصُّبح

1/96 روينا في كتاب ابن السني عن أبي المُلَيْح، واسمه عامر بن أُسامة، عن أبيه رضي اللّه عنه أنه صلّى ركعتيّ الفجر، وأن رسول اللّه صلَّى قريباً منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعه يقول وهو جالس‏:‏‏"‏ اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمِيكائِيلَ ومُحَمَّدٍ النَّبي صلى اللّه عليه وسلم، أعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ‏.‏ ثَلاثَ مَرَّاتٍ‏"‏‏.‏‏(42)

2/97 وروينا فيه عن أنس، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏‏"‏مَنْ قَالَ صَبيحَةَ يَوْمِ الجُمعَة قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ‏:‏ أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ‏"‏‏.‏‏(43)

بابُ ما يقولُ إذا انتهى إلى الصَّفّ

1/98 روَينا عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه أن رجلاً جاء إلى الصلاة ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُصَلِّي، فقال حين انتهى إلى الصف‏:‏ اللهمّ آتني أفضل ما تُؤتي عبادك الصالحين؛ فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلاة قال‏:‏ ‏"‏مَنِ المُتَكَلِّمُ آنِفاً‏؟‏ قَالَ‏:‏ أنا يا رَسُولَ اللّه‏!‏ قال‏:‏ إذَنْ يُعْقَر جَوَادُكَ وَتَسْتَشْهِد في سَبِيلِ اللّه تَعَالى‏"‏ رواه النسائي وابن السني، ورواه البخاري في تاريخه في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ‏.‏ ‏(44)

باب ما يقولُ عند إرادته القيامَ إلى الصَّلاة

1/99 روينا في كتاب ابن السني عن أُمّ رافعٍ رضي اللّه عنها، أنها قالت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ دُلَّني على عملٍ يأجرني اللّه عزّ وجلّ عليه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يا أُمَّ رَضافِعٍ إذَا قُمْتِ إلى الصَّلاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ تَعَالى عَشْراً، وَهَلِّلِيهِ عَشْراً، واحْمَدِيهِ عَشْراً، وكَبِّرِيهِ عَشْراً، وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْراً؛ فإنَّكِ إذَا سَبَّحْتِ قالَ‏:‏ هَذَا لي، وَإذَا هَلَّلْتِ قالَ‏:‏ هَذَا لِي، وَإذَا حَمِدْتِ قالَ‏:‏ هَذَا لي، وَإذَا كَبَّرْتِ قالَ‏:‏ هَذَا لي، وَإذَا اسْتَغْفَرْتِ قالَ‏:‏ قَدْ فَعَلْتُ‏"‏‏.‏‏(45)

بابُ الدُّعاء عند الإِقامة

1/100 روى الإِمام الشافعي بإسناده في الأُمّ حديثاً مرسلاً‏:‏ أنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏‏"‏اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ التقاءِ الجُيُوشِ، وَإقامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ‏"‏ وقال الشافعي‏:‏ وقد حفظت عن غير واحد طلب الإِجابة (46)

كتاب ما يقوله إذا دخل في الصّلاة

بابُ ما يقولُه إذا دخلَ في الصَّلاة

اعلم أن هذا الباب واسع جداً، وجاءت فيه أحاديث صحيحة كثيرة من أنواع عديدة، وفيه فروع كثيرة في كتب الفقه ننبّه هنا منها على أصولها ومقاصدِها دون دقائقها ونوادرها، وأحذفُ أدلّة معظمها إيثاراً للاختصار، إذ ليس هذا الكتاب موضوعاً لبيان الأدلة، إنما هو لبيان ما يُعمل به، واللّه سبحانه الموفّق‏.‏

بابُ تكبيرةِ الإِحْرام

اعلم أن الصلاةَ لا تصحّ إلا بتكبيرة الإِحرام فريضة كانت أو نافلة‏.‏ والتكبيرةُ عند الشافعي والأكثرين جزء من الصلاة وركن من أركانها‏.‏ وعند أبي حنيفة هي شرطٌ ليست من نفس الصلاة‏.‏

واعلم أن لفظ التكبير أن يقول‏:‏ اللّه أكبر، أو يقول‏:‏ اللّه الأكبر، فهذان جائزان عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، ومنع مالك الثاني، فالاحتياط أن يأتي الإِنسان بالأوّل ليخرج من الخلاف، ولا يجوز التكبير بغير هذين اللفظين‏.‏ فلو قال‏:‏ اللّه العظيم، أو اللّه المتعال، أو اللّه أعظم، أو أعزّ، أو أجلّ، وما أشبه هذا، لم تصحّ صلاته عند الشافعي والأكثرين، وقال أبو حنيفة‏:‏ تصحّ‏.‏ ولو قال‏:‏ أكبرُ اللّه، لم تصحّ على الصحيح عندنا، وقال بعض أصحابنا‏:‏ تصح كما لو قال في آخر الصلاة‏:‏ عليكم السلام، فإنه يصحّ على الصحيح‏.‏

واعلم أنه لا يصحّ التكبير ولا غيره من الأذكار حتى يتلفظ بلسانه بحيث يسمع نفسه إذا لم يكن له عارض، وقد قدّمنا بيان هذا في الفصول التي في أوّل الكتاب، فإن كان بلسانه خرسٌ أو عيبُ حرَّكَه بقدر ما يقدرُ عليه وتصحُّ صلاته‏.‏

واعلم أنه لا يصحُّ التكبير بالعجمية لمن قدر عليه بالعربية، وأما من لا يقدر فيصحّ ويجب عليه تعلّم العربية، فإن قصَّرَ في التعلم لم تصحّ صلاته وتجب إعادة ما صلاَّه في المدة التي قصَّرَ فيها عن التعلم‏.‏

واعلم أن المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإِحرام لا تمدّ ولا تمطّط، بل يقولها مدرجة مسرعة، وقيل تمدّ، والصواب الأوّل‏.‏ وأما باقي التكبيرات فالمذهب الصحيح المختار استحباب مدّها إلى أن يصل إلى الركن الذي بعدها، وقيل لا تمدّ، فلو مدّ ما لا يمدّ أو ترك مدّ ما يمدّ لم تبطل صلاته، لكن فاتته الفضيلة‏.‏

واعلم أن محلّ المدّ بعد اللام من اللّه ولا يمدّ في غيره‏.‏

فصل‏:‏ والسنّة أنَّ يجهر الإِمام بتكبيرة الإِحرام وغيرها ليسمعَه المأمومُ، ويسرّ المأموم بها بحيث يُسْمِعُ نفسه، فإن جهر المأموم أو أسرّ الإِمام لم تفسد صلاته، وليحرص على تصحيح التكبير، فلا يمدّ في غير موضعه، فإن مدّ الهمزة من اللّه، أو أشبع فتحة الباء من أكبر بحيث صارت على لفظ أكبار لم تصحّ صلاته‏.‏

فصل‏:‏ اعلم أن الصلاة التي هي ركعتان شُرِع فيها إحدى عشرة تكبيرة، والتي هي ثلاث ركعات سبع عشرة تكبيرة، والتي هي أربع ركعات اثنتان وعشرون تكبيرة، فإن في كل ركعة خمس تكبيرات‏:‏ تكبيرة للركوع، وأربعاً للسجدتين والرفع منهما‏.‏ وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأوّل‏.‏

ثم اعلم أن جميع هذه التكبيرات سنّة لو تركها عمداً أو سهواً لا تبطلُ صلاتُه ولا تحرم عليه ولا يسجد للسهو، إلا تكبيرة الإِحرام فإنها لا تنعقد الصلاة إلا بها بلا خلاف، واللّه أعلم‏.‏

بابُ ما يقوله بعد تكبيرة الإِحرام

اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول‏:‏ اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللّه بُكْرَةً وَأصِيلاً، وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسْلِماً وما أنا من المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا مِنَ المُسْلِمينَ، اللَّهُمَّ أنْتَ المَلكُ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وأنا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعاً، فإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، وَاهْدِني لأحْسَنِ الأخْلاقِ لا يَهْدِي لأحْسَنها إلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لا يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أنا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبارَكْتَ وَتعالَيْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ‏.‏ ويقول‏:‏ اللَّهُمَّ باعِد بَيْني وبَيْنَ خَطايايَ كما بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطايايَ كما يُنَقّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطايايَ بالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ‏.‏

فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

وجاء في الباب أحاديث أُخَر منها‏:‏

1/101 حديث عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال‏:‏ ‏"‏سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعالى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأسانيد ضعيفة، وضعّفه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي سعيد الخدري وضعفوه‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وروي الاستفتاح بـ ‏"‏سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ‏"‏ عن ابن مسعود مرفوعاً، وعن أنس مرفوعاً، وكلها ضعيفة‏.‏ قال‏:‏ وأصحُّ ما روي فيه عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، ثم رواه بإسناده عنه؛ أنه كبر ثم قال‏:‏ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالى جَدُّكَ، وَلا إلهَ غَيْرُك‏.‏ ‏(47)

2/102 وروينا في سنن البيهقي، عن الحارث، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال‏:‏ ‏"‏لا إلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَعَمِلْتُ سُوءاً فاغْفِرْ لي إنَّهُ لا يَغْفرُ الذنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَجَّهْتُ وَجْهيَ‏.‏ إلى آخِرِه‏"‏ وهو حديث ضعيف، قال‏:‏ الحارث الأعور‏:‏ متفق على ضعفه، وكان الشعبيّ يقول‏:‏ الحارث كذّاب، واللّه أعلم‏.‏

وأما قوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ‏"‏ فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات خيرها وشرَّها، نفعَها وضَرّها كلها من اللّه سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره، وإذا ثبت هذا فلا بدّ من تأويل هذا الحديث، فذكر العلماء فيه أجوبة‏:‏ أحدها‏:‏ وهو أشهرها قاله النضر بن شُمَيْلِ والأئمة بعده، معناه‏:‏ والشرّ لا يتقرّب به إليك، والثاني‏:‏ لا يصعد إليك، إنما يصعد الكَلِم الطيب، والثالث‏:‏ لا يضاف إليك أدباً، فلا يقال‏:‏ ‏(48)‏ يا خالق الخنازير وإن كان خالقها، والرابع‏:‏ ليس شرّاً بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلق شيئاً عبثاً، واللّه أعلم‏.‏ (49)

فصل‏:‏ هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحبّ الجمع بينها كلها لمن صلى منفرداً، وللإِمام إذا أذن له المأمومون‏.‏ فأما إذا لم يأذنوا له فلا يطوِّل عليهم بل يقتصر على بعض ذلك، وحَسُنَ اقتصارُه على‏:‏ وجّهت وجهي إلى قوله‏:‏ من المسلمين، وكذلك المنفرد الذي يُؤثر التخفيف‏.‏

واعلم أن هذه الأذكار مستحبّة في الفريضة والنافلة، فلو تركه في الركعة الأولى عامداً أو ساهياً لم يفعله بعدَها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهاً ولا تبطل صلاته، ولو تركه عقيب التكبيرة حتى شرع في القراءة أو التعوّذ فقد فات محله فلا يأتي به، فلو أتى به لم تبطل صلاتُه، ولو كان مسبوقاً أدرك الإِمام في إحدى الركعات أتى به إلا أن يخاف من اشتغاله به فوات الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة فإنها آكد لأنها واجبة، وهذا سنّة‏.‏ ولو أدرك المسبوقُ الإِمامَ في غير القيام إما في الركوع وإما في السجود وإما في التشهد أحرم معه وأتى بالذكر الذي يأتي به الإِمام، ولا يأتي بدعاء الاستفتاح في الحال ولا فيما بعد‏.‏

واختلف أصحابنا ‏(50) في استحباب دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، والأصحّ أنه لا يستحبّ لأنها مبنية على التخفيف‏.‏ واعلم أن دعاء الاستفتاح سنّة ليس بواجب، ولو تركه لم يسجدْ للسهو، والسنّة فيه الإِسرار، فلو جهر به كان مكروهاً ولا تبطل صلاته‏.‏

بابُ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح

اعلم أن التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح سنّة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قَرأت القرآنَ فَاسْتَعِذْ باللّه من الشَّيْطانِ الرَّجِيم‏}‏ النحل‏:‏98 معناه عند جماهير العلماء ‏(51)‏ ‏:‏ إذا أردت القراءة فاستعذ باللّه‏.‏ واعلم أن اللفظ المختار في التعوّذ‏:‏ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، وجاء‏:‏ أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأوّل‏.‏

1/103 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها‏:‏

أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة‏:‏ ‏"‏أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وهَمْزِهِ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏أعُوذُ باللّه السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ‏"‏ وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه‏:‏ المؤْتةُ، وهي الجنون، ونفخه‏:‏ الكبر، ونفثه‏:‏ الشعرُ، واللّه أعلم‏.‏ ‏(52)

فصل‏:‏ اعلم أن التعوّذ مستحبّ ليس بواجب، لو تركه لم يأثم ولا تبطلُ صلاته سواء تركه عمداً أو سهواً، ولا يسجد للسهو، وهو مستحبّ في جميع الصلوات الفرائض والنوافل كلها، ويستحبّ في صلاة الجنازة على الأصحّ، ويستحبّ للقارىء خارج الصلاة بإجماع أيضاً‏.‏

فصل‏:‏ واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوّذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوّذ في الأولى هل يستحبّ في الثانية‏؟‏ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحبّ لكنه في الأولى آكد‏.‏ وإذا تعوّذ في الصلاة التي يُسِرُّ فيها بالقراءة أسرّ بالتعوّذ، فإن تعوّذ في التي يُجْهَر فيها بالقراءة فهل يجهر‏؟‏ فيه خلاف؛ من أصحابنا من قال‏:‏ يُسرّ، وقال الجمهور‏:‏ للشافعي في المسألة قولان‏:‏ أحدهما يستوي الجهر والإِسرار، وهو نصُّه في الأم‏.‏ والثاني يُسنّ الجهر وهو نصُّه في الإِملاء‏.‏ ومنهم من قال فيه قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ يجهر، ‏(53) (54)‏ ؛ صححه الشيخ أبو حامد الإِسفرايني إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي اللّه عنه، وكان ابن عمر رضي اللّه عنهما يُسِرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، واللّه أعلم‏.‏

بابُ القراءةِ بعدَ التَّعوُّذ

اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإِجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يُجزىء غيرها لمن قدر عليها، للحديث الصحيحح

أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تُجْزِىءُ صَلاةٌ لا يُقْرأُ فِيها بِفاتِحَةِ الكِتابِ‏"‏ رواه ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حِبّان ـ بكسر الحاء في صحيحيهما بالإِسناد الصحيح وحَكما بصحته‏.‏ وفي الصحيحين

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏لا صَلاَة إِلاَّ بِفَاتِحَة الكِتابِ‏"‏ ويجب قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم، وهي آية كاملة من أوّل الفاتحة‏.‏ وتجب قراءة الفاحة بجميع تشديداتها وهي أربع عشرة تشديدة‏:‏ ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخلّ بتشديدة واحدة بطلت قراءته‏.‏ ويجب أن يقرأها مرتبة متوالية، فإن ترك ترتيبها أو موالاتها لم تصحُّ قراءته، ويعذر في السكوت بقدر التنفس‏.‏ ولو سجد المأموم مع الإِمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإِمام فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار لقراءة الإِمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة لم تنقطع قراءته على أصحّ الوجهين لأنه معذور‏.‏

فصل‏:‏ فإن لحن في الفاتحة لحناً يخلّ المعنى بطلت صلاته، وإن لم يخلّ المعنى صحّت قراءته، فالذي يخلّه مثل أن يقول‏:‏ أنعمت، بضم التاء أو كسرها، أو يقول‏:‏ إياك نعبد، بكسر الكاف، والذي لا يخلّ مثل أن يقول‏:‏ ربّ العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقول نستعين، بفتح النون الثانية أو كسرها، ولو قال‏:‏ ولا الضّالّين بالظاء بطلت صلاته على أرجح الوجهين إلا أن يعجزَ عن الضاد بعد التعلم فيُعذر‏.‏

فصل‏:‏ فإن لم يُحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يُحسن شيئاً من القرآن أتى من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما بقدر آيات الفاتحة، فإن لم يحسن شيئاً من الأذكار وضاق الوقتُ عن التعلّم وقف بقدر القراءة ثم يركع وتُجزئه صلاتُه إن لم يكن فرّط في التعلم، فإن كان فرّط في التعلم وجبت الإِعادة؛ وعلى كلّ تقدير متى تمكَّن من التعلم وجب عليه تعلّم الفاتحة، أما إذا كان يُحسنُ الفاتحة بالعجمية ولا يُحسنها بالعربية لا يجوز له قراءتها بالعجمية بل هو عاجز، فيأتي بالبدل على ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة، وذلك سنّة لو تركه صحَّتْ صلاتُه ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحبّ قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصحّ الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار إن شاء قرأ سورة، وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضلُ من قدرها من الطويلة‏.‏ ويستحبّ أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز‏.‏ والسنّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة لم تحسب له قراءة السورة‏.‏

واعلم أن ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإِمام والمنفرد وللمأموم فيما يسرّ به الإِمام، أما ما يجهر به الإِمام فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإِمام، فإن لم يسمعها أو سمع همهمة لا يفهمها استحبّت له السورة على الأصحّ بحيث لا يشوِّشُ على غيره‏.‏

فصل‏:‏ والسنَةَ أن تكونَ السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، فإن كان إماماً خفَّف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يُؤثرون التطويل‏.‏ والسنّة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة آلم تنزيل السجدة، وفي الثانية‏:‏ هل أتى على الإِنسان، ويقرأهما بكمالهما؛ وأما ما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما فخلاف السنّة‏.‏ والسنّة أن يقرأ في صلاة العيد والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة‏:‏ ق، وفي الثانية‏:‏ اقتربت الساعة؛ وإن شاء قرأ في الأولى‏:‏ سبّح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية‏:‏ هل أتاك حديث الغاشية، فكلاهما سنّة؛ والسنة أن يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة‏:‏ سورة الجمعة، وفي الثانية المنافقون، وإن شاء في الأولى‏:‏ سبّح، وفي الثانية‏:‏ هل أتاك، فكلاهما سنّة، وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءته من غير هذرمة‏.‏ والسنّة أن يقرأ في ركعتي سنّة الفجر في الأولى بعد الفاتحة‏:‏ ‏{‏قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا‏}‏، وفي الثانية‏:‏ ‏{‏قل يا أهل الكتاب تعالى إلى كلمة سواء‏}‏ الآية، وإن شاء في الأولى‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثانية‏:‏ ‏{‏قل هو اللّه أحد‏}‏ فكلاهما صحّ في صحيح مسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعله، ويقرأ في ركعتي سنّة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثانية‏:‏ ‏{‏قل هو اللّه أحد‏}‏‏.‏ وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث ركعات قرأ في الأولى بعد الفاتحة‏:‏ ‏{‏سبّح اسم ربك‏}‏ وفي الثانية‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ وفي الثالثة‏:‏ ‏{‏قل هو اللّه أحد‏}‏ مع المعوّذتين، وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة استغنينا بشُهرتها عن ذكرها، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ لو تركَ سورة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة قرأ في الثانية سورة الجمعة مع سورة المنافقين، وكذا صلاةُ العيد والاستسقاء والوتر وسنّة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في معناه، إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى في الثانية بالأوّل والثاني، لئلا تخلو صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى‏:‏ سورة المنافقين، قرأ في الثانية‏:‏ سورة الجمعة، ولا يُعيد المنافقين، وقد استقصيتُ دلائلَ هذا في شرح المهذّب‏.‏

فصل‏:‏ ثبتَ في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يطوِّل في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطوّل في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقال‏:‏ لا يطوّل الأولى على الثانية؛ وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح، واتفقوا على أن الثالثة والرابعة يكونان ‏(55)‏ أقصرُ من الأولى والثانية، والأصحّ أنه لا تستحبّ السورة فيهما، فإن قلنا باستحبابها فالأصحّ أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها‏.‏

فصل‏:‏ أجمع العلماء على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والأوليين من المغرب والعشاء‏.‏ وعلى الإِسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة والعيدين والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحبّ للإِمام والمنفرد فيما ينفرد به منها؛ وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإِجماع؛ ويسنّ الجهر في صلاة كسوف القمر والإِسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويُسرّ في الجنازة إذا صلاّها في النهار، وكذا إذا صلاّها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء‏.‏

واختلف أصحابنا في نوافل الليل فقيل لا يجهر، وقيل يجهر‏.‏ والثالث وهو الأصح وبه قطع القاضي حسين والبغوي يقرأ بين الجهر والإِسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل فهل يعتبر في الجهر والإِسرار وقت الفوات أم وقت القضاء‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ أظهرهما يعتبر وقت القضاء‏.‏ وقيل‏:‏ يُسِرُّ مطلقاً‏.‏ واعلم أن الجهر في مواضعه والإِسرار في مواضعه سنّة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإِسرار، أو أسرّ موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه ولا يسجد للسهو؛ وقد قدّمنا أن الإِسرار في القراءة والأذكار المشروعة في الصلاة لابدّ فيه من أن يسمع نفسه، فإن لم يسمعها من غير عارض لم تصحّ قراءته ولا ذكره‏.‏

فصل‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ يستحبّ للإِمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات‏:‏ إحداهنّ عقيب تكبيرة الإِحرام، ليأتي بدعاء الاستفتاح، والثانية بعد فراغه من الفاتحة سكتة لطيفة جداً بين آخر الفاتحة وبين آمين، ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة، والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة، والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع‏.‏

فصل‏:‏ فإذا فرغ من الفاتحة اسْتُحِبَّ له أن يقول آمين، والأحاديث الصحيحة كثيرة مشهورة في كثرة فضله ‏((56)‏ وعظيم أجره، وهذا التأمين مستحبّ لكل قارىء، سواء كان في الصلاة أم خارجاً منها؛ وفيه أربع لغات‏:‏ أصحهنّ (57) وأشهرهنّ ‏"‏آمين‏"‏ بالمدّ والتخفيف، والثانية بالقصر والتخفيف، والثالثة بالإِمالة، والرابعة بالمدّ والتشديد‏.‏ فالأوليان مشهورتان، والثالثة والرابعة حكاهما الواحدي في أوّل البسيط، والمختار الأولى، وقد بسطت القول في بيان هذه اللغات وشرحها وبيان معناها ودلائلها وما يتعلق بها في (58) ‏.‏ ويستحبّ التأمين في الصلاة للإِمام والمأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أيضاً أن المأموم يجهر به، سواء كان الجمع قليلاً أو كثيراً‏.‏ ويستحبّ أَنْ يكون تأمين المأموم مع تأمين الإِمام، لا قبله ولا بعده، وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإِمام إلا في قوله‏:‏ آمين، وأما باقي الأقوال فيتأخر قول المأموم‏.‏

فصل‏:‏ يسنّ لكل مَن قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مرّ بآية رحمة أن يسأل اللّه تعالى من فضله، وإذا مرّ بآية عذاب أن يستعيذ به من النار أو من العذاب أو من الشرّ أو من المكروه، أو يقول‏:‏ اللهمّ إني أسألك العافية أو نحو ذلك؛ وإذا مرّ بآية تنزيه للّه سبحانه وتعالى نزَّهَ فقال‏:‏ سبحانه وتعالى، أو‏:‏ تبارك اللّه ربّ العالمين، أو‏:‏ جلَّت عظمة ربنا، أو نحو ذلك‏.‏

1/104 روينا عن حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه قال‏:‏ صَلَّيْتُ مع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت‏:‏ يركع عند المئة، ثم مضى فقلت‏:‏ يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت‏:‏ يركع بها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، ثم افتتح النساء فقرأها، يقرأ مترسّلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبَّحَ، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ‏"‏‏.‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ يستحبّ هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارىء في الصلاة وغيرها وللإِمام والمأموم والمنفرد، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين‏.‏ ويستحبّ لكل من قرأ‏:‏ ‏{‏ألَيْسَ اللَّهُ بأحْكَمِ الحاكِمِينَ‏}‏ التين‏:‏8 أن يقول‏:‏ بلى وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ‏:‏ ‏{‏أَلَيْسَ ذلكَ بِقادِرٍ على أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى‏}‏ القيامة‏:‏40 قال‏:‏ بلى أشهد؛ وإذا قرأ‏:‏ ‏{‏فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يؤْمِنُونَ‏}‏ الأعراف‏:‏185 قال‏:‏ آمنت باللّه؛ وإذا قرأ‏:‏ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى‏}‏ الأعلى‏:‏1 قال‏:‏ سبحان ربي الأعلى، ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، (59)"‏‏.‏‏(60)

بابُ أذكار الركوع

قد تظاهرت الأخبارُ الصحيحةُ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يُكَبِّر للركوع وهو سنّة، ولو تركه كان مكروهاً كراهة تنزيه، ولا تبطلُ صلاتُه ولا يسجدُ للسهو، وكذلك جميع التكبيرات التي في الصلاة هذا حكمها إلا تكبيرة الإِحرام، فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها؛ وقد قدّمنا عَدَّ تكبيرات الصلاة في أوّل أبواب الدخول في الصلاة‏.‏

وعن الإِمام أحمد رواية‏:‏ أن جميع هذه التكبيرات واجبة‏.‏ وهل يستحبّ مدُّ هذا التكبير‏؟‏ فيه قولان للشافعي رحمه اللّه‏:‏ أصحُّهما وهو الجديد يستحبّ مدّه إلى أن يصل إلى حدّ الراكعين فيشتغل بتسبيح الركوع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، بخلاف تكبيرة الإِحرام، فإن الصحيح استحباب ترك المدّ فيها، لأنه يحتاج إلى بسط النيّة عليها، فإذا مدّها شقّ عليه، وإذا اختصرها سهل عليه، وهكذا حكم باقي التكبيرات، وقد تقدم إيضاحُ هذا في باب تكبيرة الإِحرام، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ فإذا وصل إلى حدّ الراكعين اشتغل بأذكار الركوع فيقول‏:‏ سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ‏.‏

1/105 فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران ‏"‏سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ‏"‏ ومعناه‏:‏ كرّر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيِّناً في سنن أبي داود وغيره‏.‏

وجاء في كتب السنن أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا قالَ أحَدُكُمْ سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ ثَلاثاً فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ‏"‏ ‏(61)(‏أبو داود ‏(‏886‏)‏ ، والترمذي ‏(‏261‏)‏ وابن ماجه ‏(‏890‏)‏ ، عن ابن مسعود، وقال الترمذي‏:‏ ليس إسناده بمتصل، لأن عوناً لم يلق ابن مسعود‏)‏ ‏.‏ ‏)‏ مسلم ‏(‏772‏)‏ ، وأبو داود ‏(‏871‏)‏ ، والنسائي 3/226‏.‏‏)‏ "(‏أبو داود ‏(‏886‏)‏ ، والترمذي ‏(‏261‏)‏ وابن ماجه ‏(‏890‏)‏ ، عن ابن مسعود، وقال الترمذي‏:‏ ليس إسناده بمتصل، لأن عوناً لم يلق ابن مسعود‏)‏ ‏.‏ ‏)‏ مسلم ‏(‏772‏)‏ ، وأبو داود ‏(‏871‏)‏ ، والنسائي 3/226‏.‏‏)‏

2/106 وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏"‏ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي‏"‏ يتأوَّلُ القرآنَ‏. (62)

3/107 وثبت في صحيح مسلم عن عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ركع يقول‏:‏ ‏"‏اللهمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي وَعَصبِي‏"‏‏.‏ وجاء في كتاب السنن ‏"‏خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي، ومَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ‏"‏‏.‏(63)

4/108 وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏"‏سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ‏"‏ قال أهل اللغة‏:‏ سبوح قدوس‏:‏ بضم أولهما وفتحهِ أيضاً لغتان‏:‏ أجودهما وأشهرهما وأكثرهما الضمُّ‏.‏ (64)

5/109 وروينا عن عوف بن مالك رضي اللّه عننه قال‏:‏ قمتُ مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقام فقرأ سورة البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ، قال‏:‏ ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكوتِ والكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ‏"‏ ثم قال في سجوده مثل ذلك‏.‏ هذا حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في كتاب الشمائل بأسانيد صحيحة‏.‏ ‏)‏ أبو داود (65)

6/110 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ‏"‏‏.

واعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصودُ الفصل، وهو تعظيم الربّ سبحانه وتعالى في الركوع بأيّ لفظ كان، ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ فيستحبُّ التسبيح، وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلاً لأصل التسبيح‏.‏ ويُستحبّ إذا اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضاً آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلاً لجميعها، وكذا ينبغي أن يفعل في أذكار جميع الأبواب‏.‏

واعلم أن الذكرَ في الركوع سنّةٌ عندنا وعند جماهير العلماء، فلو تركه عمداً أو سهواً لا تبطلُ صلاته ولا يأثمُ ولا يسجد للسهو‏.‏ وذهب الإِمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجب، فينبغي للمصلي المحافظة عليه، للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به، كحديث‏:‏ ‏"‏أما الركوع فعظموا فيه الربّ‏"‏ وغيره مما سبق، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم اللّه، واللّه أعلم‏.‏ (66)

فصل‏:‏ يُكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاتُه، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصحّ، وقال بعض أصحابنا‏:‏ تبطل‏.‏

7/111 روينا في صحيح مسلم عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏"‏نهاني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً‏"‏‏.‏‏(67)

8/112 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ألا وَإني نُهِيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ رَاكِعاً أوْ ساجِداً‏"‏‏.‏ (68)

بابُ ما يقولُه في رفعِ رأسِه من الركوع وفي اعتدالِه

السنّة أن يقول حال رفع رأسه‏:‏ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ولو قال‏:‏ من حمد اللّه سمع له، جاز، نصَّ عليه الشافعي في الأمّ، فإذا استوى قائماً قالَ‏:‏ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ حمْداً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما بَيْنَهُما وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والمَجْدِ، أحَقُّ ما قَالَ العَبْدُ، وكلنا لَكَ عَبْدٌ، لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ‏.‏

1/113 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏"‏ حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم‏:‏ ‏"‏رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ‏"‏ وفي روايات ‏"‏ولَكَ الحَمْدُ‏"‏ بالواو، وكلاهما حسن‏.‏

وروينا مثله في الصحيحين عن جماعة من الصحابة‏.‏ (69)

2/114 وروينا في صحيح مسلم، عن عليٍّ، وابن أبي أوفى رضي اللّه عنهم‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رفع رأسه (70)‏ قال‏:‏ ‏"‏سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْتَ منْ شَيْءٍ بَعْدُ‏"‏‏.‏(71)

3/115ـ وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَمِلْءَ ما شِئْتَ منْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ وَالمَجْدِ، أحَقُّ ما قالَ العَبْدُ وكُلُّنا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلايَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ‏"‏‏.‏‏)‏ (72)

4/116 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، من رواية ابن عباس‏:‏ ‏"‏رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَما بَيْنَهُما، وَمِلْءَ ما شَئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْد‏(73))‏ مسلم ‏(‏478‏)‏ ، والنسائي 2/198‏.‏‏)‏ ")‏ مسلم ‏(‏478‏)‏ ، والنسائي 2/198‏.‏‏)‏

5/117 وروينا في صحيح البخاري، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي اللّه عنه قال‏:‏ كنا يوماً نصلي وراء النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال‏:‏ ‏"‏سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ‏"‏ فقال رجل وراءه‏:‏ ‏"‏رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبارَكاً فِيهِ، فلما انصرف قال‏:‏ ‏"‏مَن المُتَكَلِّمُ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ أنا، قال‏:‏ ‏"‏رأيتُ بِضْعَةً وثَلاثِينَ يَبْتَدِرُونَها أيُّهُمْ يَكْتُبُها أوَّلُ‏"‏‏.‏‏(74)

فصل‏:‏ اعلم أنه يُستحبّ أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدّمناه في أذكار الركوع، فإن اقتصر على بعضها فليقتصرْ على ‏"‏سمع اللّه لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات ومَلْء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد‏"‏ فإن بالغَ في الاقتصار اقتصر على ‏"‏سمع اللّه لمن حمده ربنا لك الحمد‏"‏ فلا أقلّ من ذلك‏.‏

واعلم أن هذه الأذكار كلها مستحبة للإِمام والمأموم والمنفرد، إلا أن الإِمام لا يأتي بجميعها إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يُؤثرون التطويل‏.‏ واعلم أن هذا الذكر سنّة ليس بواجب، فلو تركه كُرِهَ له كراهةَ تنزيه ولا يسجدُ للسهو، ويُكره قراءةُ القرآن في هذا الاعتدال كما يُكره في الركوع والسجود، واللّه أعلم‏.‏

بابُ أَذْكَارِ السُّجودِ

فإذا فرغ من أذكار الاعتدال كبَّرَ وهوى ساجداً ومدّ التكبير إلى أن يضع جبهته على الأرض‏.‏ وقد قدَّمنا حكمّ هذه التكبيرة وأنها سنّة لو تركها لم تبطلْ صلاتُه ولا يسجد للسهو، فإذا سجد أتى بأذكار السجود، وهي كثيرة‏:‏

فمنها ما رويناه في صحيح مسلم من رواية حذيفة المتقدمة في الركوع في صفة صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم، حين قرأ البقرة وآل عمران والنساء في الركعة الواحدة، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، قال‏:‏ ثم سجد فقال‏:‏ ‏"‏سُبحان ربي الأعلى‏"‏ فكان سجوده قريباً من قيامه (1)

1/118 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏"‏سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي‏"‏‏.‏‏(2)

2/119 وروينا في صحيح مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها ما قدّمناه في الركوع‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ ‏"‏سُبُّوحٌ قُدُّوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ‏"‏‏.‏‏)‏ (3)

3/120 وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن عليّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه كان إذا سجد قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقين‏"‏‏.‏ (4)

4/121 وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدّمناه في فصل الركوع‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ركعَ ركوعَه الطويل يقول فيه‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ ذِي الجَبُروتِ والمَلَكُوتِ وَالكِبْرِياء والعظمة‏"‏ ثم قال في سجوده مثل ذلك‏.‏ ‏)‏ أبو داود ‏(‏873‏)‏ ، والنسائي 2/191، والترمذي في الشمائل، وقد تقدم برقم 5/109‏.‏‏)‏

5/122 وروينا في كتب السنن أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏وَإذا سَجَدَ أي أحدكم ـ فَلْيَقُلْ‏:‏ سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى ثلاثاً، وذلك أدْناهُ‏"‏‏.(5)

6/123 وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ تفقدت النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ذات ليلة فتجسست، فإذا هو راكع أو ساجد يقول‏:‏‏"‏ سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ‏"‏، وفي رواية في مسلم‏:‏ فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ، أنْتَ كمَا أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ‏"‏‏.‏‏(6)

7/124 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وأمَّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا في الدُّعاءِ فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُم‏"‏‏.‏

يُقال‏:‏ قمن بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة قمين، ومعناه‏:‏ حقيق وجدير‏.‏ (7)

8/125 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏‏"‏أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاء‏"‏‏.‏‏)‏ (8)

9/126 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة أيضاً، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في سجوده‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ وأوّلَهُ وآخِرَهُ وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّه‏"‏‏.‏ دِقه وجِلّه‏:‏ بكسر أولهما، ومعناه‏:‏ قليله وكثيره‏.‏

واعلم أنه يستحبّ أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به في أوقات، كما قدّمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويُقدِّمُ التسبيحَ، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه، وباقي الفروع‏.(9)

فصل‏:‏ اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيُّهما أفضل‏؟‏ فمذهب الشافعي ومن وافقه‏:‏ القيام أفضل، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الحديث في صحيح مسلم ‏"‏أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ‏" (10)‏ ‏.‏ قال الإِمام أبو عيسى الترمذي في كتابه‏:‏ اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم‏:‏ طولُ القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كثرةُ الركوع والسجود أفضلُ من طول القيام‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ روي فيه حديثان عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، ولم يقضِ فيه أحمدُ بشيء‏.‏ وقال إسحاق‏:‏ أما بالنهار فكثرةُ الركوع والسجود، وأما بالليل فطولُ القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحبُّ إليّ لأنه يأتي على حزبه، وقد ربح كثرة الركوع والسجود‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وإنما قال إسحاق هذا لأنه وصفَ صلاة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بالليل ووصفَ طول القيام‏.‏ وأما بالنهار فلم يُوصف من صلاته صلى اللّه عليه وسلم من طول القيام ما وُصف بالليل‏.‏

فصل‏:‏ إذا سجد للتلاوة استُحبّ أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة، ويستحبّ أن يقول معه‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْها لي عِنْدَكَ ذُخْراً، وأعْظِمْ لي بِهَا أجْراً، وَضَعْ عَنِّي بِها وِزْراً، وَتَقَبَّلْها مِنِّي كما تَقَبَّلْتَها مِنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ‏.‏ ويُستَحبّ أن يقول أيضاً‏:‏ ‏{‏سُبْحانَ رَبِّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً‏}‏الإِسراء‏:‏ 108 نصَّ الشافعي على هذا الأخير‏.‏

10/127 روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في سجود القرآن‏:‏ ‏"‏سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ‏"‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح، زاد الحاكم‏:‏ ‏"‏ فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ‏"‏ قال‏:‏ وهذه الزيادة صحيحة على شرط الصحيحين‏.‏ وأما قوله ‏"‏اللَّهمّ اجعلها لي عندك ذخراً‏.‏‏.‏الخ‏"‏ فرواه الترمذي مرفوعاً من رواية ابن عباس رضي اللّه عنهما بإسناد حسن‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ حديث صحيح‏.‏ (11)

باب ما يقولُ في رفعِ رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

السنّة أن يُكَبِّرَ من حين يبتدىء بالرفع، ويمدّ التكبير إلى أن يستويَ جالساً، وقد قدَّمنا بيانَ عدد التكبيرات، والخلاف في مدّها، والمدّ المبطل لها؛ فإذا فرغ من التكبير واستوى جالساً، فالسنّة أن يدعو‏:‏

1/128 بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرها، عن حذيفة رضي اللّه عنه في حديثه المتقدم في صلاة النبي صلى اللّه عليه وسلم في الليل، وقيامه الطويل بالبقرة والنساء وآل عمران، وركوعه نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك، قال‏:‏ وكان يقول بين السجدتين‏:‏ ‏"‏رَبّ اغْفِرْ لي، رَبّ اغْفِرْ لي‏"‏، وجلس بقدر سجوده‏. (12)

2/129 وبما رويناه في سنن البيهقي، عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي اللّه عنها، وصلاة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الليل فذكره قال‏:‏ وكان إذا رفع رأسه من السجدة قال‏:‏ ‏"‏رَبّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي واجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِني‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏وَعَافِني‏" وإسناد حسن، واللّه أعلم‏.‏ ‏(13)

فصل‏:‏ فإذا سجد السجدة الثانية قال فيه ما ذكرناه في الأولى سواء، فإذا رفعَ رأسه منه رفع مكبّراً وجلس للاستراحة جلسة لطيفة بحيث تسكنُ حركتُه سكوناً بيِّناً، ثم يقوم في الركعة الثانية ويمدّ التكبيرة التي رفع بها من السجود إلى أن ينتصب قائماً، ويكون المدّ بعد اللام من اللّه، هذا أصحّ الأوجه لأصحابنا، ولهم وجه أن يرفع بغير تكبير ويجلس للاستراحة فإذا نهض كبَّر؛ ووجه ثالث أن يرفع من السجود مكبّراً، فإذا جلس قطع التكبير ثم يقومُ بغير تكبير‏.‏ ولا خلاف أنه لا يأتي بتكبيرين في هذا الموضع، وإنما قال أصحابنا‏:‏ الوجه الأوّل أصحّ لئلا يخلو جزء من الصلاة عن ذكر‏.‏

واعلم أن جلسة الاستراحة سنّة صحيحة ثابتة في صحيح البخاري وغيره من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومذهبنا استحبابُها لهذه السنّة الصحيحة، ثم هي مستحبّة عقيب السجدة الثانية من كل ركعة يقوم عنها، ولا تستحبّ في سجود التلاوة في الصلاة ‏(‏في هامش ‏أ‏ وقد أوضحتُ هذا في ‏شرح المهذب‏ وفي ‏شرح البخاري‏ أيضاً، وليس مقصودي في هذا الكتاب إلا بيان الأذكار الخاصة‏.‏ قلت‏:‏ وشرح البخاري من الكتب التي بدأ النووي تأليفها، وتوفي قبل أن يتمها‏) "‏ ، واللّه أعلم‏.‏

بابُ أذكارِ الرَّكْعةِ الثانية

اعلم أن الأذكار التي ذكرناها في الركعة الأولى يفعلها كلَّهَا في الثانية على ما ذكرناه في الأولى من الفرض والنفل، وغير ذلك من الفروع المذكورة، إلا في أشياء‏:‏ أحدُها‏:‏ أن الركعة الأولى فيها تكبيرة الإِحرام وهي ركن، وليس كذلك الثانية فإنه لا يكبِّر في أوَّلها، وإنما التكبيرة التي قبلها للرفع من السجود مع أنها سنّة‏.‏ الثاني‏:‏ لا يُشرع دعاء الاستفتاح في الثانية بخلاف الأولى‏.‏ الثالث‏:‏ قدّمنا أنه يتعوّذ في الأولى بلا خلاف، وفي الثانية خلاف، الأصحُّ أنه يتعوذ‏.‏ الرابع‏:‏ المختار أن القراءة في الثانية تكون أقلّ من الأولى، وفيه الخلاف الذي قدَّمناه، واللّه أعلم‏.‏

بابُ القُنوتِ في الصُّبح

اعلم أن القنوتَ في صلاة الصبح سنّة للحديث الصحيح فيه‏:‏

1/130 عن أنس رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا‏.‏ رواه الحاكم أبو عبد اللّه في كتاب الأربعين، وقال‏:‏ حديث صحيح‏.‏

واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح وهو سنّة متأكدة، لو تركه لم تبطل صلاته لكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً‏.‏ وأما غير الصبح من الصلوات الخمس فهل يقنت فيها‏؟‏ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه اللّه تعالى‏:‏ الأصحُّ المشهورُ منها أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا، وإلا فلا‏.‏ والثاني‏:‏ يقنتون مطلقاً‏.‏ والثالث‏:‏ لا يقنتو مطلقاً، واللّه أعلم‏.‏

ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث في جميع السنة وهو مذهبُ أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأوّل، واللّه أعلم‏.‏ (14)

فصل‏:‏ اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية‏.‏ وقال مالك رحمه اللّه‏:‏ يقنت قبل الركوع‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أن يحسب، وعلى الأصحّ يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل لا يسجد، وأما لفظه فالاختيار أن يقول فيه‏:‏

2/131 ما رويناه في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها بالإِسناد الصحيح، عن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما قال‏:‏ علّمني رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ‏"‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن، قال‏:‏ ولا نعرف عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا‏.‏ وفي رواية ذكرها البيهقي أن محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ إن هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته‏.‏ ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء‏:‏ اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّم، فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن (15)‏ ‏"‏وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ‏"‏‏.‏

قال أصحابنا‏:‏ وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان حسناً، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال‏:‏ ‏"‏ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ‏.‏ اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ‏.‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ والمُسْلِمِيَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ ‏(16)‏ وهو موقوف صحيح موصول

واعلم أن المنقول عن عمر رضي اللّه عنه‏:‏ عذِّب الكفرة أهل الكتاب؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم فالاختيار أن يقول‏:‏ ‏"‏عذّب الكفرة‏"‏ فإنه أعمّ‏.‏ وقوله نخلع‏:‏ أي‏:‏ نترك، وقوله يفجر‏:‏ أي‏:‏ يلحد في صفاتك، وقوله نحفِد بكسر الفاء‏:‏ أي‏:‏ نُسارع، وقوله الجِدّ بكسر الجيم‏:‏ أي‏:‏ الحق، وقوله مُلْحِق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، وقوله‏:‏ ذات بينهم، أي‏:‏ أمورهم ومواصلاتهم، وقوله الحكمة‏:‏ هي كل ما منع من القبيح، وقوله وأوزعهم‏:‏ أي‏:‏ ألهمهم، وقوله واجعلنا منهم‏:‏ أي‏:‏ ممّن هذه صفته‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ يستحبّ الجمع بين قنوت عمر وما سبق، فإن جمع بينهما فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل، واللّه أعلم‏.‏

واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت ولو قَنَتَ بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة‏.‏ وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزىء غيره‏.‏

واعلم أنه يستحبّ إذا كان المصلِّي إماماً أن يقول‏:‏ اللَّهمّ اهدِنا بلفظ الجمع وكذلك الباقي، ولو قال اهدني حصل القنوت وكان مكروهاً، لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء‏.‏

3/132 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ثوبان رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَؤُمَّنَّ عَبْدٌ قَوْماً فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (17)

فصل‏:‏ اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه‏:‏ أصحّها أنه يستحبّ رفعهما ولا يمسح الوجه‏.‏ والثاني‏:‏ يرفع ويمسحه‏.‏ والثالث‏:‏ لا يمسحُ ولا يرفع‏.‏ واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا‏:‏ ذلك مكروه‏.‏

وأما الجهر بالقنوت والإِسرار به فقال أصحابنا‏:‏ إن كان المصلي منفرداً أسرّ به، وإن كان إماماً جهر على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون‏.‏ والثاني أنه يسرّ كسائر الدعوات في الصلاة‏.‏ وأما المأموم فإن لم يجهر الإِمام قنت سرّاً كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرّاً‏.‏ وإن جهر الإِمام بالقنوت فإن كان المأموم يسمعه أمَّن على دعائه وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرّاً، وقيل يؤمِّن، وقيل له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأوّل‏.‏

وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث نقول به، فإن كانت جهريّة وهي المغرب والعشاء فهي كالصبح على ما تقدّم، وإن كانت ظهراً أو عصراً فقيل يُسرّ فيها بالقنوت، وقيل إنها كالصبح‏.‏ والحديث الصحيح في قنوت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الذين قتلوا القرَّاء ببئر معونة يقتضي ظاهرُه الجهرَ بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ‏}‏ آل عمران‏:‏ 128 عن أبي هريرة‏:‏ أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم جَهَرَ بالقنوت في قنوت النازلة (18)

بابُ التشهّدِ في الصَّلاة

اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب كالصبح والنوافل فليس فيها إلا تشهّدٌ واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعاً ففيها تشهّدان‏:‏ أوّل، وثاننٍ‏.‏ ويتصوّر في حقّ المسبوق ثلاثة تشهّدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربعة تشهّدات، مثل أن يُدركَ الإِمام بعد الركوع في الثانية فيتابعه في التشهّد الأوّل والثاني ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلَّم الإِمام قام المسبوق ليأتي بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة ويتشهّد عقبها لأنها ثانيته، ثم يصلِّي الثالثة ويتشهد عقيبها‏.‏ أما إذا صلَّى نافلة فنوى أكثر من أربع ركعات ولو نوى (19)‏ مئة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهّدين، فيصلِّي ما نواه إلا ركعتين ويتشهد، ثم يأتي بالركعتين ويتشهد التشهد الثاني ويسلِّم‏.‏ قال جماعة من أصحابنا‏:‏ لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأوّل والثاني أكثر من ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين أو كان بينهما أكثر من ركعتين بطلت صلاته‏.‏ وقال آخرون‏:‏ يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصحّ جوازه في كل ركعتين لا في كل ركعة، واللّه أعلم‏.‏

واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وسنّة عند أبي حنيفة ومالك؛ وأما التشهد الأوّل فسنّة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد؛ فلو تركه عند الشافعي صحَّت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمداً أو سهواً، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ وأما لفظ التشهد فثبت فيه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثلاث تشهدات‏.‏

1/133 أحدها رواية ابن مسعود رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏"‏ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما‏.‏ ‏(20)

2/134 الثاني رواية ابن عباس رضي اللّه عنهما، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏التَّحِيَّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللّه الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ ‏(21)

3/135 الثالث في رواية أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأنَّ محَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏"‏ رواه مسلم في صحيحه‏.‏ (22)

4/136 وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد، عن القاسم قال‏:‏ علمتني عائشةُ رضي اللّه عنها قالت‏:‏ هذا تشهُّدُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُه‏"‏‏.‏ وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهُّدَه صلى اللّه عليه وسلم بلفظ تشهُّدُّنا‏.‏ (23)

5/137 وروينا في موطأ مالك وسنن البيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عمر القاريِّ وهو بتشديد الياء أنه سمع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وهو على المنبر وهو يعلِّم الناس التشهد يقول‏:‏ قولوا‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ‏.‏ (24)

6/138 وروينا في الموطأ وسنن البيهقي وغيرهما أيضاً بإسناد صحيح عن عائشة رضي اللّه عنها أنها كانت تقول إذا تشهَّدتْ‏:‏ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏"‏ وفي رواية عنها في هذه الكتب‏:‏ ‏"‏التَّحِيَّاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّباتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏"‏‏.‏‏(25)

7/139 وروينا في الموطأ وسنن البيهقي أيضاً بالإِسناد الصحيح، عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه كان يتشهد فيقول‏:‏ بِاسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيات لِلَّهِ، السَّلامُ على النَّبِيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، شَهِدْتُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ‏.‏ واللّه أعلم‏.‏ (26)

فهذه أنواع من التشهد‏.‏ قال البيهقي‏:‏ والثابت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثة أحاديث‏:‏ حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى‏.‏ هذا كلام البيهقي‏.‏ وقال غيره‏:‏ الثلاثة صحيحة وأصحّها حديث ابن مسعود‏.‏

واعلم أنه يجوز التشهّد بأيّ تشهّد شاء من هذه المذكورات، هكذا نصّ عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي اللّه عنهم‏.‏ وأفضلُها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات‏.‏ قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم اللّه‏:‏ ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأُول بكماله، فلو حذفَ بعضَه فهل يجزئه‏؟‏ فيه تفصيل، فاعلم أن لفظ المباركات والصلوات والطيبات والزاكيات سنّة ليس بشرط في التشهّد، فلو حذفها كلَّها واقتصر على قوله التحيات للَّه السلام عليك أيُّها النبيّ إلى آخره أجزأه‏.‏ وهذا لا خلاف فيه عندنا‏.‏ وأما في الألفاظ من قوله‏:‏ السلام عليك أيُّها النبيُّ، إلى آخره فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ ورحمة اللّه وبركاته، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا‏.‏ أصحها لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما‏.‏ والثاني يجوز حذفهما‏.‏ والثالث يجوز حذف وبركاته دون ورحمة اللّه‏.‏ وقال أبو العباس بن سُريْج من أصحابنا‏:‏ يجوز أن يقتصر على قوله‏:‏ التحيات للَّه، سلام عليك أيّها النبيّ، سلام على عباد اللّه الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلاّ اللَّه وأنَّ محمداً رسول اللّه‏.‏ وأما لفظ السلام فأكثر الروايات‏:‏ السلام عليك أيُّها النبيّ، وكذا السلام علينا بالألف واللام فيهما، وفي بعض الروايات‏:‏ سلام بحذفهما فيهما‏.‏ قال أصحابنا‏:‏ كلاهما جائز، ولكن الأفضل‏:‏ السلام بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط‏.‏

أما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديثاً مرفوعاً في سنن النسائي والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهّد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث‏:‏ إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا‏:‏ لا يُستحبّ التسمية، وقال بعض أصحابنا‏:‏ يستحبّ، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهّد لم يرووها‏.‏

فصل‏:‏ اعلم أن الترتيب في التشهد مستحبٌّ ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونصَّ عليه الشافعي رحمه اللّه في الأم‏.‏ وقيل لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدلّ للجواز تقديم السلام على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدّمناه‏.‏ وأما الفاتحة فألفاظها وترتيبها معجز فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهّد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإِحرام‏.‏

فصل‏:‏ السنّة في التشهد الإِسرار لإِجماع المسلمين على ذلك، ويدلُّ عليه من الحديث‏:‏

8/140 ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه تعالى عنه قال‏:‏ من السنّة أن يخفي التشهد‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏

وقال الحاكم‏:‏ صحيح‏.‏ وإذا قال الصحابي من السنّة كذا كان بمعنى قوله‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأصول والمتكلمين رحمهم اللّه؛ فلو جهر به كره ولم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو(27)

بابُ الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم بعد التشهّد

اعلم أن الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم واجبة عند الشافعي رحمه اللّه بعد التشهّد الأخير، فلو تركها فيه لم تصحّ صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحبُّ‏.‏ وقال بعض أصحابنا‏:‏ تجب‏.‏ والأفضل أن يقول‏:‏ ‏"‏ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيّ الأُمِّي وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كما صَلَّيْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبارِكْ على مُحَمَّدٍ النَّبِيّ الأُمِّيّ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرّيَّتِهِ، كما بارَكْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏"‏‏.‏

وروينا هذه الكيفية في صحيح البخاري ومسلم (28) ، عن كعب بن عُجْرَة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب‏.‏ وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة على محمد صلَّى اللّه عليه وآله وسلم إن شاء اللّه تعالى واللّه أعلم‏.‏ والواجب منه‏:‏ اللَّهمّ صلِّ على النبي، وإن شاء قال‏:‏ صلى اللّه على محمد، وإن شاء قال‏:‏ صلى اللّه على رسوله، أو صلى اللّه على النبي‏.‏ ولنا وجه أنه لا يجوز إلا قوله‏:‏ اللَّهم صلِّ على محمد‏.‏ ولنا وجه أنه يجوز أن يقول‏:‏ وصلى اللّه على أحمد‏.‏ ووجه أنه يقول‏:‏ صلَّى اللّه عليه، واللّه أعلم‏.‏

وأما التشهدُ الأول فلا تجب فيه الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم بلا خلاف، وهل تستحبّ‏؟‏ فيه قولان‏:‏ أصحُّهما تستحبُّ، ولا تستحبُّ الصلاة على الآل على الصحيح، وقيل تستحبُّ، ولا يُستحبّ الدعاء في التشهّد الأول عندنا، بل قال أصحابنا يُكره لأنه مبني على التخفيف، بخلاف التشهد الأخير، واللّه أعلم

بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير

اعلم أنَّ الدعاء بعد التشهّد الأخير مشروعٌ بلا خلاف‏.‏

1/141 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم علّمهم التشهّد ثم قال في آخره‏:‏ ‏"‏ثُمَّ يُخَيّرُ منَ الدُّعَاءِ‏"‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو‏"‏ وفي روايات لمسلم ‏"‏ثُمَّ ليَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ ما شاءَ‏"‏‏.‏‏(29)

واعلم أن هذا الدعاء مستحبٌّ ليس بواجب، ويستحبُّ تطويلُه، إلا أن يكون إماماً؛ وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها والمأثورة أفضل‏.‏ ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلُها هنا ما ورد هنا‏.‏

وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها‏:‏

2/142 ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أرْبَعٍ‏:‏ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَماتِ، وَمِنْ شَرّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ‏"‏ رواه مسلم من طرق كثيرة‏.‏ وفي رواية منها‏:‏ ‏"‏إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْياوالمَماتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدَّجَّالِ‏"‏‏.‏ (30)

3/143 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان يدعو في الصلاة‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّال، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من المأثمِ والمَغْرَمِ‏"‏‏.‏‏(31)

4/144 وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ‏"‏‏.(32)

5/145 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنهم‏:‏ أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال‏:‏ ‏"‏قُلِ اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحمْنِي إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم‏"‏ هكذا ضبطناه ‏"‏ظُلْماً كَثِيراً‏"‏ بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم ‏"‏كَبِيراً‏"‏ بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يُجمع بينهما فيُقال‏:‏ ‏"‏ظُلْماً كَثِيراً كَبِيراً‏"‏ وقد احتجّ البخاري في صحيحه والبيهقيّ وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة وهو استدلال صحيح، فإن قوله في صلاتي يعمّ جميعها، ومن مظانّ الدعاء في (33)

6/146 وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لرجل‏:‏ ‏"‏كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ أتشهَّد وأقول‏:‏ اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏حَوْلَهَا دَنْدِنْ‏"‏‏.‏ (34)

الدندنة‏:‏ كلام لا يُفهم معناه، ومعنى ‏"‏حولها دَنْدِنْ‏"‏ أي حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما‏:‏ إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، واللّه أعلم‏.‏

ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن‏:‏ اللَّهمّ إني أسألُك العفوَ والعافية، اللَّهمّ إني أسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، واللّه أعلم‏.‏

بابُ السَّلام لِلتحلُّل من الصَّلاة

اعلم أن السلام للتحلّل من الصلاة ركنٌ من أركانها وفرضٌ من فروضها لا تصحُّ إلا به، هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهيرِ السلف والخلف، والأحاديثُ الصحيحةُ المشهورة مُصرّحة بذلك‏.‏

واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه ‏"‏السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏"‏ وَعَنْ يَسارِهِ ‏"‏السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ‏"‏ ولا يُستحبّ أن يقول معه‏:‏ وبركاته، لأنه خلاف المشهور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود‏.‏ وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسي والرويّاني في الحلية، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدّمناه، واللّه أعلم‏.‏

وسواء كان المصلّي إماماً أو مأموماً أو منفرداً في جماعة قليلة أو كثيرة في فريضة أو نافلة ففي كل ذلك يُسلِّم تسليمتين كما ذكرنا ويلتفتُ بهما إلى الجانبين، والواجب تسليمة واحدة، وأما الثانية فسنّة لو تركها لم يضرّه؛ ثم الواجب من لفظ السلام أن يقول‏:‏ السلام عليكم، ولو قال‏:‏ سلام عليكم لم يجزئه على الأصح‏.‏ ولو قال‏:‏ عليكم السلام أجزأه على الأصح، فلو قال‏:‏ السلام عليك أو سلامي عليك، أو سلامي عليكم، أو سلام اللّه عليكم، أو سلامُ عليكم بغير تنوين، أو قال‏:‏ السلام عليهم، لم يجزئه شيء من هذا بلا خلاف، وتبطل صلاته إن قاله عامداً عالماً في كل ذلك، إلا في قوله‏:‏ السلام عليهم، فإنه لا تبطل صلاته به لأنه دعاء، وإن كان ساهياً لم تبطل ولا يحصلُ التحلّل من الصلاة، بل يحتاج إلى استئناف سلام صحيح، ولو اقتصر الإِمام على تسليمة واحدة أتى المأموم بالتسليمتين‏.‏ قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا وغيره‏:‏ إذا سلَّم الإِمام فالمأموم بالخيار إن شاء سلَّم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للدعاء وأطال ما شاء، واللّه أعلم‏.‏

بابُ ما يقولُه الرجلُ إذا كلَّمه إنسانٌ وهو في الصَّلاة

1/147 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ‏:‏ سُبْحانَ اللَّهِ‏"‏ وفي رواية في الصحيح‏:‏ ‏"‏ إِذَا نَابَكُمْ أمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجالُ، ولْتُصَفِّقِ (35)‏ النِّساءُ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏التَّسْبِيحُ للرّجالِ وَالتَّصْفِيقُ للنِّساءِ‏"‏‏.‏

بابُ الأذكارِ بعدَ الصَّلاة

أجمع العلماءُ على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعدّدة، فنذكرُ أطرافاً من أهمها‏:‏

1/148 روينا في كتاب الترمذي عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ أيّ الدعاء أسمع‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِر، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ المَكْتوبات‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (36)

2/149 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كنتُ أعرفُ انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالتكبير‏.‏ وفي رواية مسلم ‏"‏كنّا‏"‏ وفي رواية في صحيحيهما عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ أن رفعَ الصوت بالذكر حين ينصرفُ النَّاسُ من المكتوبة كانَ على عهدِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا، بذلك، إذا سمعتُه‏.(37)

3/150 وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال‏:‏ اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ‏"‏ قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث‏:‏ كيف الاستغفار‏؟‏ قال‏:‏ اسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ‏.‏ (38)

4/151 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلّم قال‏:‏ ‏"‏لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ‏"‏‏.‏ (39)

5/152 وروينا في صحيح مسلم، عن عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما أنه كان يقول دُبُرَ كلّ صلاة حين يسلم‏:‏ ‏"‏لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَة كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللّه، لا إِلهَ إِلاَّ اللّه وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ ولَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إِلاَّ اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ‏"‏ قال ابن الزبير‏:‏ وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يهلّل بهنّ دُبُرَ كُلِّ صلاة‏. (40)

6/153 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‏:‏ أن فقراء المهاجرين أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ ذهبَ أهل الدُّثُور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون، فقال‏:‏ ‏"‏ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُـِمْ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَع مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى يارسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثينَ‏"‏‏.‏

قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكره‏؟‏ يقول‏:‏ سبحان اللَّه والحمدُ للَّه واللَّه أكبر، حتى يكون منهنّ كلُّهن ثلاث وثلاثون‏.‏ الدثور‏:‏ جمع دَثْر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة، وهو المال الكثير‏.‏ ‏(41)

7/154 وروينا في صحيح مسلم، عن كعب بن عُجْرَة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مُعَقِّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنَّ أوْ فاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ‏:‏ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثاً وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعاً وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةً‏"‏‏.‏ (42)

8/155 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَقالَ تَمامَ المئة‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ‏"‏‏.(43)

9/156 وروينا في صحيح البخاري في أوائل كتاب الجهاد، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتعوّذ دُبُرَ الصلاة بهؤلاء الكلمات‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ منْ عَذَابِ القَبْرِ‏"‏‏.(44)

10/157 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏خَصْلَضتانِ أوْ خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ‏:‏ يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعالى دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ عَشْراً، وَيَحْمَدُ عَشْراً، ويُكَبِّر عَشْراً، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومِئَةٌ باللِّسانِ، وألْفٌ وخَمْسُمِئَةٍ في المِيزَاِ‏.‏ وَيُكَبِّرُ أرْبَعاً وَثَلاثِينَ إذَا أخَذَ مَضْجَعَةُ وَيحْمَدُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاثاً وَثَلاثينَ، فَذَلكَ مِئَةٌ باللِّسانِ، وألفٌ بالميزَانِ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فلقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا‏:‏ يارسول اللّه‏!‏ كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏يأتِي أحَدَكُمْ يعني الشيطان ـ في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أنْ يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاتِهِ فَيُذَكِّرَهُ حاجَةً قَبْلَ أنْ يَقُولَهَا‏"‏ إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، وقد أشار أيوبُ السختياني إلى صحة حديثه هذا‏.‏ (45)

11/158 وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏ أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن أقرأ بالمعوّذتين دُبُرَ كل صلاة‏.‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏بالمعوّذات‏"‏ فينبغي أن يقرأ‏:‏ قل هو اللّه أحد، وقل أعوذ بربّ الفلق، وقل أعوذ بربّ الناس‏.‏ (46)

12/159 وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن معاذ رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ بيده وقال‏:‏ ‏"‏يا مُعَاذُ‏!‏ وَاللَّهِ إِنّي لأُحِبُّكَ، فَقالَ‏:‏ أُوصِيكَ يا مُعاذُ‏!‏ لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ تَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ‏"‏‏.‏‏(47)

13/160 وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ كانَ رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قَضى صلاتَه مسحَ جبهتَه بيده اليمنى، ثم قال‏:‏ ‏"‏أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ أذْهِبْ عَنِّي الهَمَّ والحزنَ‏"‏‏.‏‏(48)

14/161 وروينا فيه عن أبي أُمامة رضى اللّه عنه قال‏:‏ ما دنوتُ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دُبُر مكتوبة ولا تطوُّع إلا سمعتُه يقول‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَخَطايايَ كُلَّها، اللَّهُمَّ انْعِشْنِي واجْبُرْنِي وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمالِ وَالأخْلاقِ، إنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحها وَلاَ يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ‏"‏‏.‏‏(49)

15/162 م وروينا فيه عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته لا أدري قبل أن يسلِّم أو بعد أن يسلِّم يقول‏:‏ ‏"‏سُبْحانَ ربِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ‏"‏‏.‏‏(50)

16/162وروينا فيه عن أَنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامي يَوْمَ ألْقاكَ‏"‏‏.‏ (51)

17/163 وروينا فيه عن أبي بكرة رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في دُبر الصلاة‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ‏"‏‏.‏ (52)

18/164 وروينا فيه بإسناد ضعيف عن فضالة بن عبيد اللّه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعالى وَالثَّناء عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبيّ صلى اللّه عليه وسلم ثُمْ ليَدْعُو بِمَا شَاءَ‏"‏‏.‏‏(53)

بابُ الحثِّ على ذكرِ اللَّه تعالى بعدَ صَلاةِ الصُّبح

اعلم أن أشرفَ أوقات الذكر في النهار، الذكرُ بعد صلاة الصبح‏.‏

1/165 روينا عن أنس رضي اللّه عنه في كتاب الترمذي وغيره قال‏:‏ قال رسولُ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ صَلَّى الفَجْرِ في جَماعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى حتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كانَتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامَّةٍ تامةٍ تامةٍ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (1)

2/166 وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي ذر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ فِي دُبُرِ صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَيهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ يَوْمَهُ ذلكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ ولَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَوْمِ إِلاَّ الشِّرْكَ باللَّهِ تَعالى‏"‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ‏:‏ صحيح‏.‏ (2)

3/167 وروينا في سنن أبي داود، عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أسرّ إليه فقال‏:‏ إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المَغْرِبِ فَقُلِ‏:‏ اللَّهُمَّ أجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ ثُمَّ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها، وإذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كذَلِكَ، فإنَّكَ إنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها‏"‏‏.‏ (3)

4/168 وروينا في مسند الإِمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السنيّ، عن أُمّ سلمة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى الصبح قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْماً نافِعاً، وعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقاً طَيِّباً‏"‏‏.‏ (4)

5/169 وروينا فيه، عن صُهيب رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يحرّك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلت‏:‏ يارسول اللّه‏!‏ ما هذا الذي تقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ بِكَ أُحاوِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَبِكَ أُقاتِلُ‏"‏ والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، وسيأتي في الباب الآتي من بيان الأذكار التي تقال في أوّل النهار ما تقرّ به العيون إن شاء اللّه تعالى‏.‏

وروينا عن أبي محمد البغوي في شرح السنّة قال‏:‏ قال علقمة بن قيس‏:‏ بلغنا أن الأرض تعجّ إلى اللّه تعالى من نومة العالِم بعد صلاة الصبح ‏(5) ‏.‏ واللّه أعلم‏.‏ (6)



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!