موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب الاذكار

للشيخ الإمام الحافظ زكريا بن شرف الدين النووي

كتاب حفظ اللّسان

 

 


بابُ حفظ اللسان

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏ وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏14‏]‏‏.‏ وقد ذكرت ما يَسَّرَهُ اللّه سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبقَ، وأردتُ أن أضمَّ إليها ما يُكره أو يَحرم من الألفاظ ليكونَ الكتابُ جامعاً لأحكام الألفاظ، ومُبيِّناً أقسامَها، فأذكرُ من ذلك مقاصدَ يحتاج إلى معرفتها كلُّ متدين، وأكثرُ ما أذكره معروف، فلهذا أترك الأدلة في أكثره، وباللّه التوفيق‏.‏

فصل‏:‏ اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء‏.‏

1/874 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ‏"‏‏. (1)‏ قلت‏:‏ فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم‏.‏ وقد قال الإِمام الشافعي رحمه اللّه‏:‏ إذا أراد الكلام فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر‏.‏

2/875 وروينا في صحيحيهماعن أبي موسى الأشعري قال‏:‏ قلتُ يا رسولُ اللّه، أيُّ المسلمين أفضلُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ‏"‏‏.‏‏.‏ ‏(2)

3/876 وروينا في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ‏"‏‏.‏(3)

4/877 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة،أنه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إِنَّ العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ‏"‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ‏"‏ من غير ذكر المغرب، ومعنى يتبين‏:‏ يتفكر في أنها خير أم لا‏.‏ (4)

5/878 وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ‏"‏ قلت‏:‏ كذا في أصول البخاري ‏"‏يَرْفَعُ اللَّهُ بِها دَرَجاتٍ‏"‏ وهو صحيح‏:‏ أي درجاته، أو يكون تقديره‏:‏ يرفعه، ويُلقي بالقاف‏.‏ (5)

6/879 وروينا في موطأ الإِمام مالك وكتابي الترمذي وابن ماجه، عن بلال بن الحارث المزني رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما كَانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللَّهُ تَعالى بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ ‏(6)

7/880 وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه،عن سفيان بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ حدّثني بأمر أعتصم به، قال‏:‏ ‏"‏قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ ما أخوف ما يخاف عليّ‏؟‏ فأخذ بلسان نفسه ثم قال‏:‏ ‏"‏هَذَا‏"‏‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ ‏(7)

8/881 وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى قَسْوَةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ تَعالى القَلْبُ القَاسِي‏"‏‏.‏‏(8)

9/882 وروينا فيه، عن أبي هريرة قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ وَقاهُ اللّه تَعالى شَرَّ ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (9)

10/883 وروينا فيه، عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏قلتُ يا رسولَ اللّه، ما النجاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (10)

11/884 وروينا فيه، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ‏:‏ اتقِ اللَّهَ فِينا فإنما نَحْنُ مِنْكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا‏"‏‏.‏‏(11)

12/885 وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أُمِّ حبيبة رضي اللّه عنها،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كُلُّ كَلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ، إِلاَّ أمْراً بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ، أوْ ذِكْراً للّه تَعالى‏"‏‏.‏‏(12)

13/886 وروينا في كتاب الترمذي، عن معاذ رضي اللّه عنه قال‏:‏قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، قال‏:‏ لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ‏:‏ تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وَتَصًومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال‏:‏ ألا أدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ‏؟‏ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا ‏{‏تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجعِ‏}‏ حتى بلغ ‏{‏يَعْمَلُونَ‏}‏ ثم قال‏:‏ ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ‏؟‏ قلت‏:‏ بلى يا رسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال‏:‏ ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ‏؟‏ قلت‏:‏ بلى يا رسول اللّه‏!‏ فأخذ بلسانه ثم قال‏:‏ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به‏؟‏ فقال‏:‏ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ‏؟‏‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ قلت‏:‏ الذِّروة بكسر الذال المعجمة وضمّها‏:‏ وهي أعلاه‏.‏ (13)

14/887 وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ‏"‏ حديث حسن‏.‏ ‏(14)

15/888 وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ صَمَتَ نَجا‏" (15)‏إسناده ضعيف، وإنما ذكرته لأُبيِّنه لكونه مشهوراً، والأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرته كثيرة، وفيما أشرت به كفاية لمن وفّق، وسيأتي إن شاء اللّه في باب الغيبة جُمَل من ذلك، وباللّه التوفيق

وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبّه على عيونٍ (16) منها‏:‏

بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ كم وجدت في ابن آدم من العيوب‏؟‏ فقال‏:‏ هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال‏:‏ ما هي‏؟‏ قال‏:‏ حفظ اللسان‏.‏

وروينا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه قال‏:‏ مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه‏.‏

وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع‏:‏ يا ربيعُ‏!‏ لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها‏.‏

وروينا عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان‏.‏ وقال غيرُه‏:‏ مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك‏.‏

وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه اللّه في رسالته المشهورة قال‏:‏ الصمتُ سلامةٌ وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال؛ كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال، قال‏:‏ سمعت أبا عليّ الدقاق رضي اللّه عنه يقول‏:‏ مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانٌ أخرس‏.‏ قال‏:‏ فأما إيثار أصحاب المجاهدة السكوتَ فلِمَا علموا ما في الكلام من الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق، ومما أنشدوه في هذا الباب‏:‏

احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ * لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه * قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعانُ (17)

وقال الرِّيَاشِيُّ رحمه اللّه‏:‏

لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلاً * لِنَفْسِي عن ذنوب بني أُمَيَّه على ربِّي حِسَابُهمُ إليه * تَنَاهَى عِلمُ ذلكَ لا إِليَّهْ وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ * إذا ما اللَّه أصلحَ ما لديَّهْ

بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة

اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في الناس، حتى ما يسلمُ منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما بدأتُ بهما‏.‏

فأما الغيبة‏:‏ فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خَلقه أو خُلقه، أو ماله أو ولده أو والده، أو زوجه أو خادمه أو مملوكه، أو عمامته أو ثوبه، أو مشيته وحركته وبشاشته، وخلاعته وعبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك‏.‏ أما البدن فكقولك‏:‏ أعمى أعرج أعمش أقرع، قصير طويل أسود أصفر‏.‏ وأما الدِّيْنُ فكقولك‏:‏ فاسق سارق خائن، ظالم متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضعُ الزكاة مواضعَها، لا يجتنبُ الغيبة‏.‏ وأما الدنيا‏:‏ فقليلُ الأدب، يتهاونُ بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثيرُ الكلام، كثيرُ الأكل أو النوم، ينامُ في غير وقته، يجلسُ في غير موضعه، وأما المتعلِّق بوالده فكقوله‏:‏ أبوه فاسق، أو هندي أو نبطي أو زنجي، إسكاف بزاز نخاس نجار حداد حائك‏.‏ وأما الخُلُق فكقوله‏:‏ سيء الخلق، متكبّر مُرَاء، عجول جبَّار، عاجز ضعيفُ القلب، مُتهوِّر عبوس، خليع، ونحوه‏.‏ وأما الثوب‏:‏ فواسع الكمّ، طويل الذيل، وَسِخُ الثوب ونحو ذلك، ويُقاس الباقي بما ذكرناه‏.‏ وضابطُه‏:‏ ذكرُه بما يكره‏.‏

وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة‏:‏ ذكرُك غيرَك بما يكرَهُ، وسيأتي الحديث الصحيح المصرِّح بذلك‏.‏

وأما النميمة‏:‏ فهي نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد‏.‏ هذا بيانهما‏.‏

وأما حكمهما، فهما محرَّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏12‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ‏}‏ ‏[‏الهمزة‏:‏1‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏11‏]‏ (18)

1/889 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن حذيفة رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ‏"‏‏.‏(19)

2/890 وروينا في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أنَّ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مرّ بقبرين فقال‏:‏ ‏"‏إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير‏"‏ قال‏:‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏بلى إنَّه كَبيرٌ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ‏"‏‏.‏(20)

قلتُ‏:‏ قال العلماء‏:‏ معنى وما يُعذّبان في كبير‏:‏ أي في كبير في زعمهما أو كبير تركه عليهما‏.‏

3/891 وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال‏:‏ ‏"‏ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ‏"‏ قيل‏:‏ أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (21)

4/892 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بِمنىً في حجة الوداع‏:‏ ‏"‏إنَّ دِماءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وأعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ‏؟‏‏"‏‏.(22)

5/893 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عائشة رضي اللّه عنها قالتْ‏:‏قلتُ للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ حسبُك من صفيّة كذا وكذا قال بعضُ الرواة‏:‏ تعني قصيرة فقال‏:‏ ‏"‏لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ‏"‏ قالت‏:‏ وحكيتُ له إنساناً فقال‏:‏ ‏"‏ما أُحِبُّ أني حَكَيْتُ إنساناً وأنَّ لي كَذَا وكَذَا‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (23)

قلتُ‏:‏ مزجته‏:‏ أي خالطته مخالطة يتغيرُ بها طعمُه أو ريحُه لشدّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ ‏{‏وَمَا يَنْطقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏3‏]‏ نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية من كل مكروه‏.‏

6/894 وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ‏:‏ مَنْ هؤُلاءِ يا جِبْرِيلُ‏؟‏ قال‏:‏ هَؤُلاءِ الَّذينَ يأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ‏"‏‏.‏(24)

7/895 وروينا فيه، عن سعيد بن زيد رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ مِن أرْبَى الرّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ‏"‏‏.(25)

8/896 وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هنا، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ ‏(26)

قلتُ‏:‏ ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده، وباللّه التوفيق‏.‏

بابُ بيانِ مُهِمَّاتٍ تتعلّقُ بحدِّ الغِيبَة

قد ذكرنا في الباب السابق أن الغيبة‏:‏ ذكرك الإنِسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك أو في كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك‏.‏ وضابطُه‏:‏ كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجاً أو مُطَأْطِئاً أو على غير ذلك من الهيئات، مريداً حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتاب شخصاً بعينه في كتابه قائلاً‏:‏ قال فلان كذا مريداً تنقيصه (27)‏ والشناعةَ عليه، فهو حرام، فإن أرادَ بيانَ غلطه لئلا يُقلَّدَ أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة يُثاب عليها إذا أراد ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره‏:‏ قال قوم أو جماعة كذا، وهذا غلط أو خطأ أو جَهالة وغفلة، ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر الإِنسان بعينه أو جماعة معينين‏.‏

ومن الغيبة المحرّمة قولك‏:‏ فعل كذا بعضُ الناس أو بعض الفقهاء، أو بعضُ من يَدّعي العلم، أو بعضُ المفتين، أو بعض مَن يُنسب إلى الصلاح أو يَدّعي الزهدَ، أو بعض مَن مرّ بنا اليوم، أو بعضَ مَن رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه؛ لحصول التفهيم‏.‏

ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يعرضون بالغيبة تعريضاً يفهم به كما يفهم بالصريح، فيُقال لأحدهم‏:‏ كيف حال فلان‏؟‏ فيقول‏:‏ اللّه يُصلحنا، اللّه يغفر لنا، اللّه يُصلحه، نسأل اللّه العافية، نحمدُ اللّه الذي لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ باللّه من الشرّ، اللّه يُعافينا من قلّة الحياء، اللّه يتوبُ علينا وما أشبه ذلك مما يُفهم منه تنقُّصه، فكل ذلك غيبة محرّمة، وكذلك إذا قال‏:‏ فلان يُبتلى بما ابتلينا به كلُّنا، أو ماله حيلة في هذا، كلُّنا نفعلُه، وهذه أمثلة وإلا فضابط الغيبة‏:‏ تفهيمك المخاطب نقص إنسان كما سبق، وكلُّ هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن صحيح مسلم وغيره في حدّ الغيبة، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها فيجب على من سمع إنساناً يبتدىء بغيبة محرّمة أن ينهاه إن لم يَخَفْ ضرراً ظاهراً، فإن خافه وجب عليه الإِنكارُ بقلبه ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإِنكار بلسانه أو على قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه أسكتْ وهو يشتهي بقلبه استمرارُه، فقال أبو حامد الغزالي‏:‏ ذلك نفاقٌ لا يخرجُه عن الإِثم، ولا بدّ من كراهته بقلبه، ومتى اضطرّ إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإِنكار أو أنكر فلم يُقبل منه ولم يُمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإِصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكرَ اللّه تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرّه بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرّون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا رأيْتَ الَّذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتَّى يخوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏68‏]‏‏.‏

وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي اللّه عنه؛ أنه دُعي إلى وليمة، فحضرَ، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا‏:‏ إنه ثقيل، فقال إبراهيم‏:‏ أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعاً يُغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام‏.‏ ومما أنشدوه في هذا‏:‏

وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ * كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ * شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ

بابُ بَيانِ ما يَدْفَعُ به الغيبةَ عن نفسِه

اعلم أن هذا الباب له أدلةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، ولكني أقتصرُ منه على الإِشارة إلى أحرف، فمن كان موفَّقاً انزجرَ بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات‏.‏

وعمدة الباب أن يعرضَ على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏15‏]‏ وما ذكرناه من الحديث الصحيح ‏"‏إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ‏"(28)‏ وغير ذلك مما قدّمناه في باب حفظ اللسان وباب الغيبة، ويضمّ إلى ذلك قولهم‏:‏ اللّه معي، اللّه شاهدي، اللّه ناظر إليّ‏.‏

وعن الحسن البصري رحمه اللّه أن رجلاً قال له‏:‏ إنك تغتابني، فقال‏:‏ ما بلغَ قدرُك عندي أن أحكِّمَكَ في حسناتي‏.‏

وروينا عن ابن المبارك رحمه اللّه قال‏:‏ لو كنتُ مُغتاباً أحداً لاغتبتُ والديّ لأنهما أحقُّ بحسناتي‏.‏

بابُ بَيانِ ما يُبَاحُ مِن الغِيبَة

اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة فإنها تُباح في أحوال للمصلحة، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب‏:‏

الأوّل‏:‏ التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه فيذكرُ أن فلاناً ظلمني وفعل بي كذا وأخذ لي كذا، ونحو ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر‏:‏ فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوسل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراماً‏.‏

الثالث‏:‏ الاستفتاء، بأن يقولَ للمفتي‏:‏ ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا، فهل له ذلك أم لا‏؟‏ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقّي ودفع الظلم عني‏؟‏ ونحو ذلك‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ زوجتي تفعلُ معي كذا، أو زوجي يفعلُ كذا ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط أن يقول‏:‏ ما تقولُ في رجل كان من أمره كذا، أو في زوج أو زوجة تفعلُ كذا، ونحو ذلك، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند الذي سنذكره إن شاء اللّه تعالى وقولُها‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ إن أبا سفيانَ رجلٌ شحيح‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏ ولم ينهها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

الرابع‏:‏ تحذير المسلمين من الشرّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه‏:‏

منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة‏.‏

ومنها ما استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه أو الإِيداع عنده أو معاملته بغير ذلك وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فإن حصل الغرض بمجرّد قولك لا تصلحُ لك معاملتُه أو مصاهرُته أو لا تفعلْ هذا أو نحو ذلك لم تجز الزيادةُ بذكر المساوىء، وإن لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه‏.‏ ومنها إذا رأيتَ مَن يشتري عبداً معروفاً بالسرقة أو الزنا أو الشرب أو غيرها، فعليك أن تبيّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالماً به، ولا يختصّ بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيباً وجب عليه بيانه للمشتري إذا لم يعلمه‏.‏

ومنها إذا رأيت متفقهاً يتردَّدُ إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم خِفْتَ أن يتضرَّرَ المتفقّه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويُشترط أن يقصدَ النصيحةَ، وهذا مما يُغلَطُ فيه، وقد يَحملُ المُتكلمَ بذلك الحسدُ، أو يُلَبِّسُ الشيطانُ عليه ذلك، ويُخيَّلُ إليه أنه نصيحةٌ وشفقةٌ، فليتفطَّنْ لذلك‏.‏

ومنها أن لا يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً أو مغفلاً ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيلَه ويُولِّي من يَصلحُ، أو يعلم ذلك منه لتعامله بمقتضة حاله ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثَّه على الاستقامة أو يستبدل به‏.‏

الخامس‏:‏ أن يكون مُجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، أو مصادرة الناس وأخذ المُكس، وجباية الأموال ظلماً، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه‏.‏

السادس‏:‏ التعريف، فإذا كان الإِنسان معروفاً بلقب كالأعمش والأعرج والأصمّ والأعمى والأحول والأفطس وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنيّة التعريف، ويحرمُ إطلاقُه على جهة النقص، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى‏.‏ فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تُباح بها الغيبة على ما ذكرناه‏.‏

وممّن نصّ عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء وآخرون من العلماء، ودلائلُها ظاهرة من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثرُ هذه الأسباب مجمع على جواز الغيبة بها‏.‏

1/897 روينا في صحيحي البخاري ومسلم،عن عائشة رضي اللّه عنها؛ أن رجلاً استأذنَ على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ‏"‏ احتجّ به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيَبِ‏.‏ (29)

2/898 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قسمَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار‏:‏ واللّه ما أرادَ محمدٌ بهذا وجهَ اللّه تعالى، فأتيتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه، فتغيَّرَ وجهُه وقال‏:‏ ‏"‏رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ‏"‏ وفي بعض رواياته‏:‏ قال ابن مسعود‏:‏ فقلتُ لا أرفعُ إليه بعد هذا حديثاً‏. (30)

قلتُ‏:‏ احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاه بما يُقال فيه‏.‏

3/899 وروينا في صحيح البخاري، عن عائشةَ رضي اللّه عنها قالت‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَا أظُنُّ فُلاناً وَفُلاناً يَعْرِفانِ مِنْ دِينِنا شَيْئاً‏"‏‏.‏(31)

قال الليث بن سعد أحد الرواة ـ‏:‏ كانا رجلين من المنافقين‏.‏

4/900 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن زيد بن أرقمَ رضي اللّه عنه قال‏:‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصابَ الناسَ فيه شدةٌ، فقال عبدُ اللّه بن أُبيّ‏:‏ لا تُنفقوا على مَن عند رسول اللّه حتى يَنْفَضُّوا من حوله، وقال‏:‏ لئن رجعنَا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيتُ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبرتُه بذلك، فأرسلَ إلى عبد اللّه بن أُبيّ‏.‏ وذكر الحديث، وأنزل اللّه تعالى تصديقه‏:‏ ‏{‏إذَا جَاءَكَ المُنافِقونَ‏} ‏[‏المنافقون‏:‏1‏]‏‏.‏ ‏(32)

وفي الصحيح حديث هند ‏(33) امرأة أبي سفيان وقولها للنبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إن أبا سفيان رجل شحيح‏"‏ إلى آخره‏.

وحديث فاطمة بنت قيس (34) وقول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لها‏:‏ ‏"‏أما معاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، وأمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَع العَصَا عَنْ عاتِقِهِ‏"‏‏.

بابُ أمرِ منْ سَمعَ غيبةَ شيخِهِ أو صاحبهِ أو غيرِهما

اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر‏.‏

1/901 روينا في كتاب الترمذي، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ ‏(35)

2/902 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، في حديث عِتبان بكسر العين على المشهور، وحُكِي بضمِّها رضي اللّه عنه في حديثه الطويل المشهور قال‏:‏قام النبيّ صلى اللّه عليه وسلم يُصلِّي، فقالوا‏:‏ أين مالك بن الدُّخْشُم‏؟‏ فقال رجل‏:‏ ذلك منافق لا يُحِبّ اللَّهَ ورسولَه، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَقُلْ ذلكَ، ألا تَرَاهُ قَدْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، يُرِيدُ بِذلكَ وَجْهَ اللَّهِ‏؟‏‏"‏‏.‏‏(36)

3/903 وروينا في صحيح مسلم، عن الحسن البصري رحمه اللّه‏:‏أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخلَ على عُبيد اللّه بن زياد فقال‏:‏‏"‏ أي بنيّ إني سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إنَّ شَرَّ الرِّعَاء الحُطَمَةُ، فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمُ، فقال له‏:‏ اجلسْ، فإنما أنتَ من نُخالة أصحابِ محمَّدٍ صلى اللّه عليه وسلم، فقال‏:‏ وهل كانتْ لهم نخالةٌ‏؟‏‏!‏ إنما كانت النُّخَالةُ بعدَهم وفي غيرِهم‏"‏‏.‏‏(37)

4/904 وروينا في صحيحيهما، عن كعب بن مالك رضي اللّه عنه في حديثه الطويل في قصة توبته قال‏:‏قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم وهو جالسٌ في القوم بتبوك ‏"‏ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ‏؟‏‏"‏ فقال رجلٌ من بني سَلِمة‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ حبسَه بُرداهُ والنظرُ في عِطْفَيْه، فقال له مُعاذُ بن جبل رضي اللّه عنه‏:‏ بئسَ ما قلتَ، واللّه يا رسولَ اللّه‏!‏ ما علمنا عليه إلا خيراً، فسكتَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ (38)

قلت‏:‏ سَلِمة بكسر اللام؛ وعِطْفاه‏:‏ جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه‏.‏

5/905 ورويناه في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد اللّه وأبي طلحة رضي اللّه عنهم قالا‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما مِن امْرىءٍ يَخْذُلُ امْرَأَ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضَهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، ومَا مِنْ امْرىِءٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَك فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلا نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِب نُصْرَتَهُ‏"‏‏.‏(39)

6/906 وروينا فيه، عن معاذ بن أنس،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِنْ مُنافِقٍ أُراه قال بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكاً يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ رَمَى مُسْلِماً بِشَيْءٍ يُريدُ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللَّهُ على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ‏"‏‏.‏‏(40)

بابُ الغِيْبَةِ بالقَلْبِ

اعلم أن سوء الظنّ حرام مثل القول‏:‏ فكما يحرم أن تحدّث غيرك بمساوىء إنسان، يحرم أن تحدّث نفسك بذلك وتسيء الظنّ به، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏12‏]‏‏.‏

1/907 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ‏"‏‏.(41)

والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقدُ القلب (42)‏ وحكمُهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ‏"‏ (43) قال العلماء‏:‏ المراد به الخواطر التي لا تستقرّ‏.‏ قالوا‏:‏ وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفراً أو غيرَه؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه‏.‏

وقد قدّمنا في باب الوسوسة في الحديث الصحيح أنهم قالوا‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلَّمَ به، قال‏:‏ ‏"‏ذلكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ‏" (44)‏ ‏"‏ وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه‏.‏

وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراماً‏.‏ ومهما عرضَ لك هذا الخاطرُ بالغيبة وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعُه بالإِعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره‏.‏

قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء ‏(45) ‏:‏ إذا وقع في قلبك ظنّ السوء فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا على ما فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏6‏]‏ فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظنّ؛ ومن علامة إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معه عمّا كان عليه، فتنفرُ منه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيّئته، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوىءَ الناس، ويُلقي إليه أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظر بنور اللّه تعالى، وإنما هو على التحقيق ناطقٌ بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تُكذِّبه لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ ويدفعُه عنك فلا يُلقي إليك مثلَه خِيفةً من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفتَ هفوةَ مسلم بحجّةٍ لا شكّ فيها فانصحْه في السرّ ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتَهُ فلا تعِظْه وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه فينظرُ إليك بعين التعظيم وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصَه من الإِثم وأنت حزينٌ كما تحزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكون تركُه لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركه بوعظك‏.‏ هذا كلام الغزالي‏.‏

قلت‏:‏ قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوء الظن أن يقطعَه، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكر في ذلك مصلحةٌ شرعية، فإذا دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته والتنقيب عنها كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في باب ما يُباح من الغيبة‏.‏

بابُ كَفَّارةِ الغيْبةِ والتَّوْبَةِ منها

اعلم أن كلّ من ارتكب معصيةً لزمه المبادرةُ إلى التوبة منها، والتوبةُ من حقوق اللّه تعالى يُشترط فيها ثلاثة أشياء‏:‏ أن يُقلع عن المعصية في الحال، وأن يندمَ على فعلها، وأن يَعزِمَ ألاّ يعود إليها‏.‏

والتوبةُ من حقوق الآدميين يُشترط فيها هذه الثلاثة، ورابع‏:‏ وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها والإِبراء منها؛ فيجبُ على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبة حقّ آدمي، ولا بدّ من استحلاله مَن اغتابَه، وهل يكفيه أن يقول‏:‏ قد اغتبتُك فاجعلني في حلّ، أم لا بُدَّ أن يبيّنَ ما اغتابه به‏؟‏ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم اللّه‏:‏ أحدهما يُشترط بيانُه، فإن أبرأه من غير بيانه لم يصحّ؛ كما لو أبرأه عن مال مجهول‏.‏ والثاني لا يُشترط، لأن هذا مما يُتسامحُ فيه فلا يُشترط علمه بخلاف المال‏.‏ والأوّل أظهرُ، لأن الإِنسانَ قد يسمحُ بالعفو عن غيبة دونَ غِيبة؛ فإن كان صاحبُ الغيبةِ ميّتاً أو غائباً فقد تعذّرَ تحصيلُ البراءة منها؛ لكن قال العلماء‏:‏ ينبغي أن يُكثرَ الاستغفار له والدعاء ويُكثر من الحسنات‏.‏

واعلم أنه يُستحبّ لصاحب الغِيبة أن يبرئه منها ولا يجبُ عليه ذلك لأنه تبرّعٌ وإسقاطُ حقّ، فكان إلى خِيرته، ولكن يُستحبّ له استحباباً متأكداً الإِبراء، ليخلِّصَ أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب اللّه تعالى في العفو ومحبة اللّه سبحانه وتعالى، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالكاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏ وطريقهُ في تطبيب نفسه بالعفو أن يذكِّرَ نفسَه أن هذا الأمر قد وقعَ، ولا سبيلَ إلى رفعه فلا ينبغي أن أُفوِّتَ ثوابَه وخلاصَ أخي المسلم، وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِن ذلكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏43‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏خُذِ العَفْوَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏199‏]‏‏.‏ والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة‏.‏

وفي الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخيهِ‏"‏ (46)‏ ‏.‏ وقد قال الشافعي رحمه اللّه‏:‏ من اسْتُرضي فلم يرضَ فهو شيطان‏.‏ وقد أنشد المتقدّمونَ (47)‏ ‏:‏

قيلَ لي قد أساءَ إليك فلانٌ * ومُقام الفَتَى على الذُّلِّ عَارُ قلتُ قدْ جاءَنَا وأحْدَثَ عُذْراً * دِيةُ الذنبِ عِندنَا الاعْتذَارُ

فهذا الذي ذكرناهُ من الحثَ على الإِبراء عن الغيبة هو الصواب‏.‏ وأما ما جاء عن سعيد بن المسيب أنه قال‏:‏ لا أُحَلِّلُ مَن ظلمني، وعن ابن سيرين‏:‏ لم أُحرّمها عليه فأُحلِّلُهَا له، لأن اللّه تعالى حرّم الغيبةَ عليه، وما كنتُ لأُحَلِّلَ ما حرّمه اللّه تعالى أبداً‏.‏ فهو ضعيفٌ أو غلطٌ، فإن المُبرىءَ لا يحلِّلُ محرّماً، وإنما يُسقط حقاً ثبتَ له، وقد تظاهرت نصوصُ الكتاب والسنّة على استحباب العفو وإسقاط الحقوق المختصّة بالمسقِط‏.‏ أو يُحمل كلامُ ابن سيرين على أني لا أُبيح غيبتي أبداً، وهذا صحيح، فإن الإِنسانَ لو قال‏:‏ أبحتُ عرضي لمن اغتابني لم يَصرْ مباحاً، بل يَحرمُ على كل أحد غِيبتُه كما يَحرم غيبة غيره‏.‏

وأما الحديث‏:‏ ‏"‏أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبي ضَمْضَمٍ، كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي على النَّاسِ‏"‏ (48) فمعناه‏:‏ لا أطلبُ مَظلمتي ممّن ظلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا يَنفعُ في إسقاط مَظلمة كانت موجودة قبل الإِبراء‏.‏ فأما يحدثُ بعدَه فلا بدّ من إبراء جديد بعدَها، وباللّه التوفيق‏.‏

بابٌ في النميمة

قد ذكرنا تحريمها ودلائلَها وما جاء في الوعيد عليها وذكرنَا بيانَ حقيقتها ولكنه مختصرٌ، ونزيدُ الآن في شرحه‏.‏ قال الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه اللّه‏:‏ النميمةُ إنما تُطلق في الغالب على مَن يَنمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله‏:‏ فلان يقولُ فيك كذا، وليست النميمةُ مخصوصةً بذلك، بل حدّها كشف ما يكره كشفُه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشفُ بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإِيماء أو نحوها، وسواء كان المنقولُ من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيباً أو غيره، فَحَقِيْقَةُ النميمة إفشاءُ السرّ وهتكُ الستر عمّا يُكره كشفُه، وينبغي للإِنسان أن يسكتَ عن كلِّ ما رآهُ من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدةٌ لمسلم أو دفعُ معصية، وإذا رآهُ يُخفي مالَ نفسه فذكره فهو نميمة‏.‏ قال‏:‏ وكلُّ مَنْ حُمِلت إليه نميمة وقيل له‏:‏ قال فيك فلان كذا، لزمه ستة أمور‏:

الأول‏:‏ أن لا يصدقه، لأن النَّمامَ فاسقٌ وهو مردود الخبر‏.‏

الثاني‏:‏ أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبّح فعله‏.

الثالث‏:‏ أن يبغضَه في اللّه تعالى فإنه بغيض عند اللّه تعالى، والبغضُ في اللّه تعالى واجب‏.‏

الرابع‏:‏ أن لا يظنّ بالمنقول عنه السوء لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظنّ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏12‏]‏‏.‏

الخامس‏:‏ أن لا يحملَك ما حُكي لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تَجَسَّسُوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏12‏)‏‏.‏

السادس‏:‏ أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمّامَ عنه فلا يحكي نميمته‏.‏

وقد جاء أن رجلاً ذَكَرَ لعمرَ بن عبد العزيز رضي اللّه عنه رجلاً بشيء، فقال عمر‏:‏ إن شئتَ نظرنَا في أمرك، فإن كنتَ كاذباً فأنتَ من أهل هذه الآية‏:‏ ‏{‏إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبإ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏6‏]‏ وإن كنتَ صادقاً فأنتَ من أهل هذه الآية‏:‏ ‏{‏هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏11‏]‏ وإن شئتَ عفونا عنك، قال‏:‏ العفو يا أميرَ المؤمنين‏!‏ لا أعودُ إليه أبداً‏.‏

ورفع إنسانٌ رُقعةً إلى الصاحب بن عبّاد يحثُّه فيها على أخذ مال يتيم، وكان مالاً كثيراً، فكتبَ على ظهرها‏:‏ النميمةُ قبيحةٌ وإن كانت صحيحةً، والميّتُ رحمه اللّه، واليتيمُ جبرَه اللّه، والمالُ ثَمَّرَهُ اللّه، والساعي لعنه اللّه‏.‏

بابُ النهي عن نَقْلِ الحَديثِ إلى وُلاةِ الأُمور إذا لم تَدْعُ إليه ضرورةٌ لخوفِ مَفْسدةٍ ونحوِهَا

1/908 روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُبَلِّغْني أحَدٌ منْ أصْحابِي عَنْ أحَدٍ شَيْئاً، فإني أُحِبُّ أنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ‏"‏‏.‏‏(49)

بابُ النَّهي عن الطعن في الأَنْسَابِ الثَّابتةِ في ظاهِر الشَّرْعِ

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏[‏الإِسراء‏:‏36‏]‏‏.‏

1/909 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ ‏"‏اثْنَتانِ في النَّاسِ هُمَا بِهمْ كُفْرٌ‏:‏ الطَّعْنُ في النَّسَبِ، وَالنِّياحَةُ على المَيِّت‏"‏‏.‏‏(50)

بابُ النّهي عن الافْتِخَار

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏32‏]‏

1/910 وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما، عن عياض بن حِمار الصحابي رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَبْغيَ أحَدٌ على أحَدٍ، وَلا يَفْخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ‏"‏‏.‏‏(1)

بابُ النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم

1/911 روينا في كتاب الترمذي، عن واثلةَ بن الأسقع رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُظْهِرِ الشَّماتَةَ لأخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (2)

بابُ تَحريمِ احْتِقار المسلمينَ والسُّخْرِيةِ منهم

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ وَالَّذينَ لا يَجدُونَ إلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏79‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا يَسخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ وَلا تَابَزُوا بالألْقابِ‏}‏ الآية ‏[‏الحجرات‏:‏11‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ‏}‏ ‏[‏الهمزة‏:‏1‏]‏‏.‏

وأما الأحاديث الصحيحةُ في هذا الباب فأكثرُ من أن تُحصر، وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريم ذلك، واللّه أعلم‏.‏

1/912 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَ لاَ تَدَابَرُوا، وَ لا يَبْغِ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات بِحَسْبِ امْرىءٍ مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ‏:‏ دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ‏"‏‏.‏(3)

قلتُ‏:‏ ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده لمن تدبره‏.‏

2/913 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ‏:‏ إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً، قال‏:‏ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ‏"‏‏.(4)

قلتُ‏:‏ بَطر الحقّ بفتح الباء والطاء المهملة وهو دفعه وإبطاله، وغمطٌ بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم وآخره طاء مهملة، ويروى غمص بالصاد المهملة ومعناهما واحد وهو الاحتقار‏.‏

بابُ غِلَظِ تحريمِ شَهادةِ الزُّور

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏30‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏[‏الإِسراء‏:‏36‏]‏‏.‏

1/914 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة نُفيع بن الحارث رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائرِ‏؟‏ ثلاثاً قلنا‏:‏ بلى يا رسول اللّه‏!‏ قال‏:‏ الإِشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكان متكئاً فجلسَ فقال‏:‏ ألا وَقَوْلُ الزُّور وَشَهادَةُ الزُّورِ‏"‏ فما زال يُكرّرها حتى قلنا‏:‏ ليته سكت‏.‏ (5)

قلت‏:‏ والأحاديثُ في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرته كفاية، والإِجماع منعقد عليه‏.‏

بابُ النهي عن المَنِّ بالعَطِيَّةِ ونحوِها

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بالمَنِّ وَالأذَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏264‏]‏ قال المفسرون‏:‏ أي لا تُبطلوا ثوابَها‏.‏

1/915 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏"‏، قال‏:‏ فقرأها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاثَ مَرَّاتٍ، قال أبو ذرّ‏:‏ خابُوا وخَسِروا مَن هم يا رسولَ اللّه‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏المُسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالْحَلِفِ الكاذِبِ‏"‏‏.‏(6)

بابُ النَّهي عن اللَّعْن

1/916 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ثابت بن الضحَّاك رضي اللّه عنه، وكان من أصحاب الشجرة قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ‏"‏‏.‏‏(7)

2/917 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكُونَ لَعَّاناً‏"‏‏.‏(8)

3/918 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ‏"‏‏.‏‏(9)

4/919 وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سمرة بن جندب رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلا بِغَضَبِهِ وَلا بالنَّارِ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (10)

5/920 وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعّان وَلا الفاحِشِ وَلا البَذيء‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (11)

6/921 وروينا في سنن أبي داود، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إنَّ العَبْد إذَا لَعَنَ شَيْئاً صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إلى السَّماءِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثمَّ تَهْبِطُ إلى الأرْضِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُها دُونَها، ثُمَّ تأخُذُ يَمِيناً وَشِمالاً، فإذَا لَمْ تَجِدْ مَساغاً رَجَعَتْ إلى الَّذي لُعِنَ، فإن كان أهْلاً لِذَلِكَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها‏"‏‏.‏‏(12)

7/922 وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ لَعَنَ شَيْئاً لَيْسَ بأهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَة عَلَيْهِ‏"‏‏.‏‏(13)

8/923 وروينا في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنهما قال‏:‏بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فَضَجِرَتْ فلعنتها، فسمعَها رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏خُذُوا ما عَلَيْها وَدَعُوها فإنَّها مَلْعُونَةٌ‏"‏ قال عمران‏:‏ فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعرض لها أحد‏.‏ (14)

قلت‏:‏ اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح إسلامه وصحبته، فلهذا قلت رضي اللّه عنهما‏.‏

9/924 وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي برزة رضي اللّه عنه قال‏:‏بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاع القوم، إذ بصرتْ بالنبيّ صلى اللّه عليه وسلم وتضايقَ بهم الجبلُ فقالت‏:‏ حَلْ اللَّهمّ العنها، فقالَ النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ‏"‏ وفي رواية‏:‏ ‏"‏لا تُصَاحِبُنا رَاحِلَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى‏"‏‏.‏(15)

قلت‏:‏ حَلْ بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام، وهي كلمة تزجر بها الإِبل‏.‏

فصل‏:‏ في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين؛ ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة

أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ‏" (16)‏ الحديث، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرّبا‏" (17)‏ الحديث، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ المُصَوِّرِينَ‏"‏ ‏(18) وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنارَ الأرْضِ‏" (19)‏ وأنه قال ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ (20)‏ وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ‏"‏ (21)‏ وأنه قال ‏"‏مَنْ أحْدَثَ فِينا حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدِثاً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمَعِينَ‏"‏ ‏(22) وأنه قال‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللّه وَرَسُولَهُ‏"‏(23) وهذه ثلاث قبائل من العرب، وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فجمَلُوها فَباعُوها‏"‏ (24)‏ وأنه قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَسَاجِدَ‏"‏ (25)‏ وأنه ‏"‏لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال‏" (26)

وجميع هذه الألفاظ في صحيحي البخاري ومسلم بعضها فيهما وبعضها في أحدهما، وإنما أشرتُ إليها ولم أذكر طرقها للاختصار‏.‏

10/925 وروينا في صحيح مسلم، عن جابر‏:‏أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم رأى حِماراً قد وُسِمَ في وجهه فقال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ الَّذي وَسَمَهُ‏"‏‏.‏‏(27)

11/926 وفي الصحيحين، أن ابن عمر رضي اللّه عنهما مرَّ بفتيان من قُريش قد نَصبوا طيراً وهم يرمونه، فقال ابن عمر‏:‏ لعن اللّه من فعلَ هذا، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضاً‏"‏‏.‏‏(28)

فصل‏:‏ اعلم أن لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع المسلمين، ويجوزُ لعنُ أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك‏:‏ لعن اللّه الظالمين، لعن اللّه الكافرين، لعن اللّه اليهود والنصارى، ولعن اللّه الفاسقين، لعن اللّه المصوّرين، ونحو ذلك مما تقدَّم في الفصل السابق‏.‏

وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيءٍ من المعاصي؛ كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زانٍ أو مصوّرٍ أو سارقٍ أو آكلِ ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام‏.‏ وأشارَ الغزالي إلى تحريمه إلا في حقّ مَن عَلِمْنَا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل وفرعونَ وهامانَ وأشباههم، قال‏:‏ لأن اللعن هو الإِبعاد عن رحمة اللّه تعالى، وما ندري ما يُتم به لهذا الفاسق أو الكافر‏.‏ قال‏:‏ وأما الذين لعنَهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأعيانهم فيجوزُ أنه صلى اللّه عليه وسلم عَلِمَ موتَهم على الكفر‏.‏ قال‏:‏ ويقربُ من اللعن الدعاء على الإِنسان بالشرّ حتى الدعاء على الظالم؛ كقول الإِنسان‏:‏ لا أصحَّ اللّه جسمَه، ولا سلَّمه اللّه، وما جرى مجراه، وكلُّ ذلك مذمومٌ، وكذلك لعنُ جميع الحيوانات والجماد فكلُّه مذموم‏.‏

فصل‏:‏ حكى أبو جعفرُ النحاس عن بعض العلماء أنه قال‏:‏ إذا لعن الإِنسانُ ما لا يستحقّ اللعن، فليبادرْ بقوله‏:‏ إلاّ أن يكون لا يستحقّ‏.‏

فصل‏:‏ ويجوزُ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وكلّ مؤدِّب أن يقولَ لمن يخاطبه في ذلك الأمر‏:‏ ويلك، أو يا ضعيفَ الحال‏!‏ أو يا قليلَ النظر لنفسه‏!‏ أو يا ظالمَ نفسه‏!‏ وما أشبه ذلك بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظُ قذفٍ، صريحاً كان أو كنايةً أو تعريضاً، ولو كان صادقاً في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدَّمناه ويكون الغرضُ منه التأديب والزجر، وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس‏.‏

12/927 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنةً، فقال‏:‏ ‏"‏ارْكَبْها‏"‏، فقال‏:‏ إنها بدنة، قال‏:‏ ‏"‏ارْكَبْها‏"‏، قال‏:‏ إنها بدنة، قال في الثالثة‏:‏ ارْكَبْها وَيْلَك‏"‏‏.‏

13/928 وروينا في صحيحيهما، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏بينا نحن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يَقسم قَسْماً أتاه ذو الخويصرة، رجلٌ من بني تميم، فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏!‏ اعدل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أعْدِلْ‏"‏‏.‏‏(29)(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏"(‏ البخاري ‏(‏6163‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1064‏)‏

14/929 وروينا في صحيح مسلم، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه‏:‏أن رجلاً خطبَ عندَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ مَنْ يُطع اللّه ورسولَه فقد رشدَ، ومَنْ يعصهِمَا فقد غوى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، قُلْ‏:‏ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏"‏‏.‏(30)

15/930 وروينا في صحيح مسلم، أيضاً، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما‏:‏أن عبداً لحاطب رضي اللّه عنه جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشكو حاطباً فقال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ ليدخلنّ حاطبٌ النَّارَ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَذَبْتَ لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْراً وَالحُدَيْبِيَةَ‏"‏‏.(31)

16/931 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، قولَ أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده عشَّى أضيافه‏:‏ يا غنثر، وقد تقدم بيان هذا الحديث في كتاب الأسماء‏.‏ (32)

17/932 وروينا في صحيحيهما‏:‏ أن جابراً صلَّى في ثوب واحد وثيابه موضوعة عنده، فقيل له‏:‏ فعلتَ هذا‏؟‏ فقال‏:‏ فعلته ليراني الجهّالُ مثلكُم، وفي رواية‏:‏ ليراني أحمق مثلك‏.‏ (33)

بابُ النَّهي عن انتهارِ الفُقَراءِ والضُّعَفاءِ واليتيم والسَّائلِ ونحوهم، وإلانةُ القوْل لهم والتواضعُ معهم

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وأمَّا السَّائلَ فَلا تَنْهَرْ‏}‏ ‏[‏الضحى‏:‏ 9ـ10‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ‏} ‏[‏الأنعام‏:‏52‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُريدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 28‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاخْفِضْ جَناحَكَ للِمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏88‏]‏‏.‏

1/933 وروينا في صحيح مسلم، عن عائذ بن عمرو بالذال المعجمة الصحابي رضي اللّه عنه؛أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا‏:‏ ما أخذتْ سيوفُ اللّه من عنق عدوّ اللّه مأخذها، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه‏:‏ أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدِهم، فأتى النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال‏:‏ ‏"‏يا أبا بَكْرٍ‏!‏ لَعَلَّكَ أغْضَبْتَهُمْ‏؟‏ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ‏"‏ فأتاهم فقال‏:‏ يا إخوتاه‏!‏ أغضبتُكم‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا‏.‏ ‏(34)

قلت‏:‏ قوله مأخذَها، بفتح الخاء‏:‏ أي لم تستوفِ حقها من عنقه لسوء فعاله‏.‏

بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها

1/934 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن حُنيف، وعن عائشة رضي اللّه عنهما، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي‏"‏‏.‏‏(35)

2/935 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن عائشة رضي اللّه عنها،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ جاشَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي‏"‏ ‏(36)‏قال العلماء‏:‏ معنى لَقِسَتْ وجاشت‏:‏ غثت؛ قالوا‏:‏ وإنما كُرِه خبثت للفظ الخبث والخبث‏.‏

قال الإِمام أبو سليمان الخطابي‏:‏ لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كُره خبث للفظ الخبث وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدب في استعمال الحسن منه وهجران القبيح، وجاشت بالجيم والشين المعجمة، ولقست بفتح اللام وكسر القاف‏.‏

فصل‏:‏

3/936 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يَقُولُونَ الكَرْمَ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المؤْمِنِ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏لا تُسَمُّوا العِنَب الكَرْمَ، فإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ‏"‏ وفي رواية ‏"‏فإنَّ الكَرْمَ قَلْب المُؤْمِنِ‏"‏‏.‏‏(37)

4/937 وروينا في صحيح مسلم، عن وائلَ بن حِجر رضي اللّه عنه عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا العِنَبَ والحَبَلَةَ‏"‏‏.‏(38)

قلت‏:‏ الحَبَلة بفتح الحاء والباء، ويُقال أيضاً بإسكان الباء قاله الجوهري وغيرُه، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرماً، وكانت الجاهليةُ تسمّيه كرماً، وبعضُ الناس اليوم تُسمّيه كذلك، ونهى النبيّ صلى اللّه عليه وسلم عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء‏:‏ أشفق النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم أن يدعوهم حسنُ اسمها إلى شربِ الخمر المتخذة من ثمرها فسلبَها هذا الاسم، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏

5/938 روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِذَا قالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ‏"‏‏.‏‏(39)

قلت‏:‏ روي أهلكُهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويُؤيِّده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء في ترجمة سفيان الثوري ‏"‏فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهمْ‏"‏ قال الإِمام الحافظ أبو عبد اللّه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الرواية الأولى، قال بعض الرواة‏:‏ لا أدري هو بالنصب أم بالرفع‏؟‏ قال الحميدي‏:‏ والأشهر الرفع‏:‏ أي أشدُّهم هلاكاً، قال‏:‏ وذلك إذا قال على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سرّ اللّه تعالى في خلقه، هكذا كان بعضُ علمائنا يقولُ، هذا كلام الحميدي‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ معناه‏:‏ لا يزالُ يعيبُ الناسَ ويذكرُ مساويهم ويقول‏:‏ فسدَ النَّاسُ وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم‏:‏ أي أسوأ حالاً فيما يَلحقُه من الإِثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدّاه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه ‏"‏معالم السنن‏"‏‏.‏

6/939 وروينا في سنن أبي داود رضي اللّه عنه قال‏:‏ حدّثنا القعنبي، عن مالك، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث، ثم قال‏:‏قال مالكٌ‏:‏ إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس قال‏:‏ يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي يُنهى عنه‏.‏ ‏(40)

قلتُ‏:‏ فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل في معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي اللّه عنه‏.‏

فصل‏:‏

7/940 روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الصحيح، عن حذيفةَ رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قولُوا ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ما شَاءَ فُلانٌ‏"‏‏.(41)

قال الخطابي وغيره‏:‏ هذا إرشادٌ إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدَهم صلى اللّه عليه وسلم إلى تقديم مشيئة اللّه تعالى على مشيئة مَن سواه‏.‏ وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكرهُ أن يقول الرجل‏:‏ أعوذ باللّه وبك؛ ويجوز أن يقول‏:‏ أعوذ باللّه ثم بك؛ قالوا‏:‏ ويقول‏:‏ لولا اللّه ثم فلان لفعلت كذا، ولا تقل‏:‏ لولا اللّه وفلان‏.‏

فصل‏:‏ ويُكره أن يقول‏:‏ مُطرنا بنوْءِ كذا، فإن قاله معتقداً أن الكوكب هو الفاعل فهو كفر، وإن قاله معتقداً أن اللّه تعالى هو الفاعل وأن النوْءَ المذكور علامة لنزول المطر لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهاً لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعملُه، مع أنه مشتركٌ بين إرادة الكفر وغيره، وقد قدَّمنا الحديث الصحيح المتعلق بهذا الفصل في باب ما يقول عند نزول المطر‏.‏

فصل‏:‏ يحرمُ أن يقولَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو بريءٌ من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأرادَ حقيقة تعليق خروجه عن الإِسلام بذلك صارَ كافراً في الحال وجرتْ عليه أحكامُ المرتدّين، وإن لم يُردْ ذلك لم يكفرْ، لكن ارتكبَ محرّماً، فيجبُ عليه التوبة، وهي أن يُقلعَ في الحال عن معصيته ويندمَ على ما فعل ويَعْزِمَ على أن لا يعودَ إليه أبداً ويستغفر اللّه تعالى ويقول‏:‏ لا إله إلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه‏.‏

فصل‏:‏ يحرم عليه تحريماً مغلّظاً أن يقولَ لمسلم‏:‏ يا كافر‏!

8/941 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ‏:‏ يا كافِرٌ‏!‏ فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما، فإن كانَ كما قال وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

9/942 وروينا في صحيحيهما، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏مَنْ دَعا رَجُلاً بالكُفْرِ أوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّه ـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلاَّ حارَ عَلَيْهِ‏"‏ وهذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حارَ‏:‏ رجع‏.‏ (42)

فصل‏:‏ لو دعا مسلم على مسلم فقال‏:‏ اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء‏؟‏ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى أصحُّهما لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول اللّه تعالى إخباراً عن موسى صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا‏}‏ الآية ‏[‏يونس‏:‏ 88‏]‏، وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا‏.‏

فصل‏:‏ لو أكرهَ الكفّار مسلماً على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئنّ بالإِيمان لم يكفر بنصّ القرآن ‏(‏قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏106‏]‏‏)‏ وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصونَ نفسَهُ من القتل‏؟‏ فيه خمسةُ أوجه لأصحابنا، الصحيحُ أن الأفضلَ أن يصبرَ للقتل ولا يتكلّم بالكفر، ودلائلُه من الأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضي اللّه عنهم مشهورة، والثاني الأفضلُ أن يتكلَّمَ ليصونَ نفسَه من القتل‏.‏ والثالث إن كان في بقائه مصلحةٌ للمسلمين بأن كان يرجو النكايةَ في العدوّ أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضلُ أن يتكلَّم بها، وإن لم يكن كذلك فالصبرُ على القتل أفضل‏.‏ والرابع إن كان من العلماء ونحوهم ممّن يُقتدى بهم فالأفضلُ الصبر لئلا يغترّ به العوامّ‏.‏ والخامسُ أنه يجبُ عليه التكلّم لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏195‏]‏ وهذا الوجه ضعيف جداً‏.‏

فصل‏:‏ لو أكره المسلمُ كافراً على الإِسلام فنطقَ بالشهادتين، فإن كان الكافرُ حربياً صحّ إسلامه، لأنه إكراه بحقّ؛ وإن كان ذميّاً لم يصِرْ مسلماً لأنّا التزمنا الكفّ عنه، فإكراهُه بغير حق، وفيه قولٌ ضعيفٌ أنه يصيرُ مسلماً لأنه أمره بالحقّ‏.‏

فصل‏:‏ إذا نطقَ الكافرُ بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية بأن قال‏:‏ سمعتُ زيداً يقول‏:‏ لا إِله إِلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه‏.‏ لم يُحكم بإسلامه، وإن نطقَ بهما بعد استدعاء مسلم بأن قال له مسلمٍ‏:‏ قل لا إِله إلاَّ اللّه محمدٌ رسولُ اللّه، فقالهما، صارَ مسلماً؛ وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاء، فالمذهبُ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصيرُ مسلماً، وقيل لا يصيرُ لاحتمال الحكاية‏.‏

فصل‏:‏ ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة اللّه، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأميرُ المؤمنين‏.‏

روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي اللّه عنه قال رحمه اللّه‏:‏ لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة، وإن كان مخالفاً لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له‏.‏ قال‏:‏ ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه‏.‏ قال‏:‏ ولا يُسمى أحدٌ خليفة اللّه تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏30‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏26‏]‏ وعن ابن أبي مُليكة أن رجلاً قال لأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه‏:‏ يا خليفة اللّه‏!‏ فقال‏:‏ أنا خليفة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك‏.‏

وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ يا خليفة اللّه‏!‏ فقال‏:‏ ويلَك لقد تناولتَ تناولاً بعيداً، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك‏.‏

وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه ‏"‏الأحكام السلطانية‏"‏ أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أُمته، قال‏:‏ فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز خليفة رسول اللّه‏.‏

قال‏:‏ واختلفوا في جواز قولنا خليفة اللّه، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ‏} ‏[‏فاطر‏:‏39‏]‏ وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي‏.‏

قلتُ‏:‏ وأوّلُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم‏.‏ وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في مسيلمة فخطأٌ صريح وجهلٌ قبيح مخالف لإِجماع العلماء، وكُتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏.‏

وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه ‏"‏الاستيعاب‏"‏ في أسماء الصحابة رضي اللّه عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أوّلاً، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يُقال في أبي بكر رضي اللّه عنه خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏

فصل‏:‏ يحرمُ تحريماً غليظاً أن يقولَ للسلطان وغيره من الخلق شاهان شاه، لأن معناه ملك الملوك، ولا يُوصف بذلك غير اللّه سبحانه وتعالى‏.‏

10/943 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه عن النبيّ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ‏"‏ وقد قدّمنا بيان هذا في كتاب الأسماء، وأن سفيانَ بن عيينة قال‏:‏ ملك الأملاك مثل شاهان شاه‏.‏ (43)

فصل‏:‏ في لفظ السيد‏.‏ اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل‏.‏

11/944 فمن ذلك ما رويناه في صحيح البخاري، عن أبي بكرةَ رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم صَعِدَ بالحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما المنبرَ فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللّه تعالى أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ‏"‏‏.‏‏(44)

12/945 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ‏"‏ أو ‏"‏خَيْرِكُمْ‏"‏ كذا في بعض الروايات ‏"‏سيّدكم أو خيرِكم‏"‏ وفي بعضها ‏"‏سيّدكم‏"‏ بغير شك‏.‏ (45)

13/946 وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن سعدَ بن عبادة رضي اللّه عنه قال‏:‏ يا رسولَ اللّه‏!‏ أرأيتَ الرجلَ يجدُ مع امرأته رجلاً أيقتله‏؟‏ الحديث، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيِّدُكُمْ‏"‏‏.(46)‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏ ‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏ "‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏ ‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏"‏‏(‏ مسلم ‏(‏1498‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏"‏اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم‏"‏، قال ابن علاّن‏:‏ وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود‏.‏‏)‏

وأما ما وردَ في النهي‏:‏

14/947 فما رويناه بالإِسناد الصحيح في سنن أبي دَاود، عن بريدة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّداً فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ‏"‏‏.‏‏(47)

قلت‏:‏ والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلاً خيّراً، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك؛ وإن كان فاسقاً، أو متهماً في دينه، أو نحو ذلك كُره له أن يقال سيّد‏.‏ وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في معالم السنن في الجمع بينهما نحو ذلك‏.‏

فصل‏:‏ يُكره أن يقول المملوك لمالكه‏:‏ ربي، بل يقول، سيدي، وإن شاء قال‏:‏ مولاي‏.‏ ويُكره للمالك أن يقول‏:‏ عبدي وأمتي، ولكن يقول‏:‏ فتايَ وفتاتي أو غلامي‏.‏

15/948 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُلْ أحَدُكُمْ أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضّىءْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ‏:‏ سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ؛ وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ عبْدِي أمَتِي، وَلْيَقُلْ‏:‏ فَتايَ وَفَتاتِي وَغُلامي‏"‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏"‏وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِدي وَمَوْلايَ‏"‏ وفي رواية له‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُلِ العَبْدُ رَبي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي‏"‏ وفي رواية له‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلامي وَجارِيَتِي وَفَتايَ وَفَتاتِي‏"‏‏.‏

قلتُ‏:‏ قال العلماء‏:‏ لا يُطلق الربُّ بالألف واللام إلاّ على اللّه تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال‏:‏ ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك‏.‏ ومنه قول النبيّ صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالّة الإِبل ‏"‏دَعْها حتَّى يَلْقاها رَبُّها‏"‏ (48) ‏:‏ ربّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة، ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة‏.‏

وأما استعمال حملة الشرع ذلك فأمر مشهور معروف‏.‏ قال العلماء‏:‏ وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه‏:‏ ربي، لأن في لفظه مشاركة للّه تعالى في الربوبية‏.‏ وأما حديث ‏"‏حتى يلقاها ربُّها‏"‏ و‏"‏ربّ الصريمة‏"‏ وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول ربّ الدار وربّ المال‏.‏ وأما قول يوسف صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏اذكرني عند ربك‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏42‏]‏ فعنه جوابان‏:‏ أحدهما أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى اللّه عليه وسلم للسامري‏:‏ ‏{‏وَانْظُرْ إلى إلهك‏}‏ ‏[‏طه‏:‏97‏]‏ أي الذي اتخذته إلهاً‏.‏ والجواب الثاني أن هذا شرعُ مَنْ قَبْلنَا، وشرعُ من قبلنا لا يكون شرعاً لنا إذا ورد شرعُنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه‏.‏ وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يردْ شرعُنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعاً لنا أم لا‏؟‏‏.‏

فصل‏:‏ قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه ‏"‏صناعة الكتاب‏"‏‏:‏ أما المولى فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين‏:‏ مولاي‏.‏ قلت‏:‏ وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس‏:‏ يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد بالألف واللام لغير اللّه تعالى؛ والأظهر أنه لا بأس بقوله المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق‏.‏

فصل‏:‏ في النهي عن سبّ الريح‏.‏ وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبّها وبيانهما في باب ما يقول إذا هاجت الريح (49).‏

فصل‏:‏ يُكره سبّ الحمى‏.‏

16/949 روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي اللّه عنه‏:‏أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخلَ على أُمّ السائب أو أُمّ المسيب فقال‏:‏ ‏"‏ما لَكِ يا أُمّ السَّائِبِ‏!‏ أو يا أُمّ المسيِّب تُزَفْزِفِينَ‏؟‏‏"‏ قالت‏:‏ الحمّى لا باركَ اللّه فيها، فقال‏:‏ ‏"‏لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ‏"‏‏.‏(50)

قلتُ‏:‏ تزفزفين‏:‏ أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه‏:‏ ترتعد، وهو بضم التاء وبالزاي المكرّرة، وروي أيضاً بالراء المكرّرة، والزاي أشهر؛ وممّن حكاهما ابن الأثير؛ وحكى صاحب المطالع الزاي، وحُكي الراء مع القاف؛ والمشهور أنه بالفاء سواء بالزاي أو بالراء‏.‏

فصل‏:‏ في النهي عن سبّ الديك‏.‏

17/950 روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن زيد بن خالد الجهني رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَسُبُّوا الدّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ‏"‏‏.‏‏(51)

فصل‏:‏ في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم‏.‏

18/951 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدعا بِدَعْوى الجَاهِليَّةِ‏"‏ وفي رواية ‏"‏أوْ شَقَّ أوْ دعا‏"‏ بأو‏. (52)

فصل‏:‏ ويُكره أن يُسمَّى المحرَّمُ صفراً، لأن ذلك من عادة الجاهلية‏.‏

فصل‏:‏ يحرمُ أن يُدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافراً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ما كانَ لِلنَّبيّ والَّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحابُ الجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏113‏]‏ وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه‏.‏

فصل‏:‏ يحرم سبّ المسلم من غير سبب شرعي يجوّز ذلك‏.‏

19/952 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه،عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ‏"‏‏.‏

ورويناه في صحيح مسلم، وكتابي أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‏.‏ وصحّ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏المُسْتَبَّانِ ما قالا، فَعَلى البادِىءِ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (53)

فصل‏:‏ ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه، يا حمار‏!‏ يا تيس‏!‏ يا كلب‏!‏ ونحو ذلك؛ فهذا قبيح لوجهين‏:‏ أحدهما أنه كذب، والآخر أنه إيذاء؛ وهذا بخلاف قوله‏:‏ يا ظالم‏!‏ ونحوه، فإن ذلك يُسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالباً، فقلّ إنسانٌ إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها‏.‏

فصل‏:‏ قال النحاس‏:‏ كرهَ بعضُ العلماء أن يُقال‏:‏ ما كان معي خَلْقٌ إلاّ اللَّه‏.‏ قلت‏:‏ سبب الكراهة بشاعةُ اللفظ من حيث أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً وهو هنا مُحال، وإنما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديرُه ولكن كان اللّه معي، مأخوذ من قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ مَعَكُمْ‏}‏ وَيَنْبغي أن يُقال بدلَ هذا‏:‏ ما كان معي أحدٌ إلاَّ اللّه سبحانه وتعالى، قال‏:‏ وكره أن يُقال‏:‏ اجلس على اسم اللّه، وليقلْ اجلس باسم اللّه‏.‏

فصل‏:‏ حكى النحّاسُ عن بعض السلف أنه يُكره أن يقولَ الصائمُ‏:‏ وحقِّ هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجّ له بأنه إنما يُختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وإنما حجته أنه حلفٌ بغير اللّه سبحانه وتعالى، وسيأتي النهي عن ذلك إن شاء اللّه تعالى قريباً، فهذا مكروهٌ لما ذكرنا، ولما فيه من إظهار صومه لغير حاجة، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏

20/953 روينا في سنن أبي داود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أو غيره،عن عمران بن الحصين رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كنّا نقول في الجاهلية‏:‏ أنعم اللّه بك عيناً، وأنعم صباحاً، فلما كان الإِسلام نُهينا عن ذلك‏.‏ قال عبد الرزاق‏:‏ قال معمر‏:‏ يُكره أن يقول الرجل‏:‏ أنعم اللّه بك عيناً، ولا بأس أن يقول‏:‏ أنعم اللّه عينَك‏.‏ قلتُ‏:‏ هكذا رواه أبو داود عن قتادة أو غيره، ومثل هذا الحديث قال أهل العلم‏:‏ لا يُحكم له بالصحة، لأن قتادة ثقة وغيرُه مجهول، وهو محتمل أن يكون عن المجهول فلا يثبتُ به حكم شرعي، ولكن الاحتياط للإِنسان اجتناب هذا اللفظ لاحتمال صحته، ولأن بعض العلماء يحتجّ بالمجهول، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده‏.‏

21/954 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلكَ يُحْزنُهُ‏"‏‏.‏‏(54)

22/955 وروينا في صحيحيهما، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إِذَا كانُوا ثَلاَثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الثَّالِثِ‏"‏ (55)‏ورويناه في سنن أبي داود، وزاد قال أبو صالح الراوي عن ابن عمر‏:‏ قلتُ لابن عمر‏:‏ فأربعة‏؟‏ قال‏:‏ لا يضرّك‏.‏

فصل‏:‏ في نهي المرأة أن تخبرَ زوجَها أو غيرَه بحسنِ بدنِ امرأةٍ أخرى إذا لم تدعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك‏.

23/956 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تُباشِرِ المرأةُ المَرأةَ فَتَصِفُها لزَوْجِها كأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا‏"‏‏.‏ (56)

فصل‏:‏ يُكره أن يُقال للمتزوّج‏:‏ بالرِّفاءِ والبنينَ، وإنما يُقال له‏:‏ باركَ اللّه لك وباركَ عليك، كما ذكرناه في كتاب النكاح‏.‏

فصل‏:‏ روى النَّحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى وكان أحدَ الفقهاء الأدباء أنه قال‏:‏ يُكره أن يُقال لأحدٍ عند الغضب‏:‏ اذكر اللّه تعالى؛ خوفاً من أن يحملَه الغضبُ على الكفر، قال‏:‏ وكذا لا يُقال له‏:‏ صلّ على النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، خوفاً من هذا‏.‏

فصل‏:‏ من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يَعتادُه كثيرون من الناس إذا أرادَ أن يَحلِفَ على شيءٍ فيتورّع عن قوله‏:‏ واللّه، كراهيةَ الحنث أو إجلالاً للّه تعالى وتصوّناً عن الحلف، ثم يقول‏:‏ اللّه يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوه، وهذه العبارةُ فيها خطرٌ، فإن كان صاحبُها متيقناً أن الأمر كما قال فلا بأس بها، وإن كان تشكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح لأنه تعرّضَ للكذب على اللّه تعالى، فإنه أخبرَ أن اللّه تعالى يعلمُ شيئاً لا يتيقنُ كيف هو‏.‏ وفيه دقيقة أخرى أقبحُ من هذا، وهو أنه تعرّض لوصف اللّه تعالى بأنه يعلمُ الأمرَ على خلاف ما هو، وذلك لو تحقَّقَ كان كافراً، فينبغي للإنِسان اجتنابُ هذه العبارة‏.‏

فصل‏:‏ ويُكره أن يقولَ في الدّعاء‏:‏ اللَّهم اغفر لي إن شئت، أو إن أردتَ، بل يجزمُ بالمسألة‏.‏

24/957 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ‏:‏ اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسألةَ فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ‏"‏‏.‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ولَكنْ ليَعْزِمْ وَلْيُعظِمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ اللّه لا يَتَعاظَمُهُ شَيْءٌ أعْطاهُ‏"‏‏.‏‏(57)

25/958 وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏إذَا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسألةَ وَلا يَقُولَنَّ اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ‏"‏‏.(58)

فصل‏:‏ ويُكره الحلفُ بغير أسماء اللّه تعالى وصفاته، سواءٌ في ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، والكعبة، والملائكة، والأمانة، والحياة، والروح، وغير ذلك‏.‏ ومن أشدِّها كراهة‏:‏ الحلف بالأمانة‏.‏

26/959 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما،عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بأبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ باللّه أوْ لِيَصمُت‏"‏ وفي رواية في الصحيح ‏"‏فَمَنْ كانَ حالِفاً فَلا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أوْ لِيَسْكُتْ‏"‏‏.(59)

وروينا في النهي عن الحلف بالأمانة تشديداً كثيراً، فمن ذلك‏:‏

27/960 ما رويناه في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن بُريدة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا‏"‏‏.‏‏(60)

فصل‏:‏ يُكره إكثارُ الحلف في البيع ونحوه وإن كان صادقاً‏.‏

28/961 روينا في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي اللّه عنه أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ فإنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ‏"‏‏.‏‏(61)

فصل‏:‏ يُكره أن يُقال قوسُ قزح لهذه التي في السماء‏.‏

29/962 روينا في حلية الأولياء لأبي نعيم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما،أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تَقُولُوا قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شَيْطانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا قَوْسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ‏" (62)‏قلت‏:‏ قُزح بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري وغيره‏:‏ هي غير مصروفة وتقولُه العوامّ قدح بالدال وهو تصحيف‏.‏

فصل‏:‏ يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى اللّه تعالى فيقلعَ عنها في الحال ويندمَ على ما فعل ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبداً؛ فهذه الثلاثة هي أركان التوبة لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه ممّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجاً من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له أو نحوَ ذلك فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ، وإنما يُكره إذا انتفتْ هذه المصلحةُ‏.‏

30/963 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏كُلُّ أُمّتِي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُل باللَّيْلِ عَمَلاً ثًمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ‏:‏ يا فُلانُ‏!‏ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏‏(63)

فصل‏:‏يَحرمُ على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان أو زوجته أو ابنه أو غلامَه ونحوَهم بما يُفسدهم به عليه، إذا لم يكنْ ما يُحدِّثهم به أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنوا على البِرّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏2‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏18‏]‏‏.‏

31/964 وروينا في كتابي أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِىءٍ أوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا‏"‏‏.‏(64)

قلتُ‏:‏ خبَّبَ بخاء معجمة ثم باء موحدة مكرّرة ومعناه‏:‏ أفسده وخدعه‏.‏

فصل‏:‏ ينبغي أن يُقال في المال المخرج في طاعة اللّه تعالى‏:‏ أنفقتُ وشبهُه، فيقال‏:‏ أنفقتُ في حجتي ألفاً، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي خِتان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك‏:‏ ولا يقولُ ما يقوله كثيرون من العوامّ‏:‏ غَرِمْتُ في ضيافتي، وخسرتُ في حجتي، وضيّعت في سفري‏.‏ وحاصلهُ أن أنفقتَ وشبهه يكونُ في الطاعات‏.‏ وخسرتُ وغرِمتُ وضيّعت ونحوها يكونُ في المعاصي والمكروهات، ولا تُستعمل في الطاعات‏.‏

فصل‏:‏ مما يُنهى عنه ما يقولُه كثيرون من الناس في الصلاة إذا قال الإِمام ‏(‏إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعينُ‏)‏ فيقول المأموم‏:‏ إياك نعبد وإياك نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب ‏"‏البيان‏"‏ من أصحابنا‏:‏ إنَّ هذا يُبطل الصلاة إلا أن يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وإن كان فيه نظرٌ، والظاهرُ أنه لا يُوَافق عليه، فينبغي أن يُجتنبَ، فإنه وإن لم يُبطلِ الصلاةَ فهو مكروهٌ في هذا الموضع، واللّه أعلم‏.‏

فصل‏:‏ مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ مما يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون‏:‏ هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات وأشنع المستحدثات، حتى قال بعضُ العلماء‏:‏ من سمَّى هذا حقاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام، والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقده حقاً مع علمه بأنه ظلم؛ فالصوابُ أن يُقال فيه المكسُ أو ضريبةُ السلطان أو نحو ذلك من العبارات، وباللّه التوفيق‏.‏

فصل‏:‏ يكره أن يسألُ بوجه اللّه تعالى غير الجنة‏.‏

32/965 روينا في سنن أبي داود، عن جابر رضي اللّه عنه، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا يُسألُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلاَّ الجَنَّةُ‏"‏‏.‏(1)

فصل‏:‏ يُكره منعُ من سألَ باللّه تعالى وتشفَّع به‏.‏

33/966 روينا في سنن أبي داود والنسائي، بأسانيد الصحيحين، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ اسْتَعاذَ باللَّهِ فأعِيذُوهُ، وَمَنْ سألَ باللَّهِ تَعالى فأعْطُوهُ، وَمَنْ دَعاكُمْ فأجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ‏"‏‏.‏‏(2)

فصل‏:‏الأشهرُ أنه يُكره أن يُقال‏:‏ أطالَ اللّه بقاءَك‏.‏ قال أبو جعفر النحّاس في كتابه ‏"‏صناعة الكتاب‏"‏‏:‏ كَرِهَ بعضُ العلماء قولهم‏:‏ أطالَ اللّه بقاءك، ورخَّصَ فيه بعضُهم‏.‏ قال إسماعيل بن إسحاق‏:‏ أوَّلُ مَن كتب أطالَ اللّه بقاءَك الزنادقة‏.‏ وروي عن حماد بن سلمة رضي اللّه عنه أن مكاتبة المسلمين كانت من فلان إلى فلان، أما بعد‏:‏ سلامٌ عليك، فإني أحمدُ اللّه الذي لا إِله إِلاَّ هو، وأسألُه أن يصلِّيَ على محمد وعلى آل محمد‏.‏ ثم أحدثتِ الزنادقةُ هذه المكاتبات التي أوّلُها‏:‏ أطالَ اللَّه بقاءَك‏.‏

فصل‏:‏ المذهبُ الصحيحُ المختار أنه لا يُكره قول الإِنسان لغيره‏:‏ فِداكَ أبي وأُمي، أو جعلني اللّه فداك، وقد تظاهرتْ على جواز ذلك الأحاديثُ المشهورة التي في الصحيحين وغيرهما، وسواءٌ كانَ الأبوان مسلمين أو كافرين، وكَرِهَ ذلك بعضُ العلماء إذا كانا مسلمين‏.‏ قال النحاس‏:‏ وكرهَ مالكُ بن أنس‏:‏ جعلني اللّه فداك، وأجازَه بعضُهم‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ ذهبَ جمهورُ العلماء إلى جواز ذلك، سواءٌ كان المفديُّ به مسلماً أو كافراً‏.‏ قلت‏:‏ وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك مالا يحصى وقد نبهت على جمل منها في صحيح مسلم

فصل‏:‏ ومما يُذمّ من الألفاظ‏:‏ المِراء والجِدال والخُصومة‏.‏ قال الإِمام أبو حامد الغزالي‏:‏ المراء‏:‏ طعنُك في كلام الغير لإِظهار خَلل فيه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيَّتِك عليه؛ قال‏:‏ وأما الجدالُ فعبارةٌ عن أمر يتعلّقُ بإظهار المذاهب وتقريرها‏.‏

قال‏:‏ وأما الخصومةُ فلِجَاجٌ في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مال أو غيره، وتارة يكون ابتداءً وتارة يكون اعتراضاً؛ والمِراء لا يكون إلا اعتراضاً‏.‏ هذا كلام الغزالي‏.‏

واعلم أن الجدال قد يكون بحقّ، وقد يكون بباطل، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إِلاَّ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏41‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏} ‏[‏النحل‏:‏125‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلاَّ الَّذِينَ كَفَروا‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏4‏]‏ فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقّ أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطاً في تهذيب الأسماء واللغات‏.‏

قال بعضُهم‏:‏ ما رأيتُ شيئاً أذهبَ للدين ولا أنقصَ للمروءة ولا أضيعَ للذة ولا أشغلَ للقلب من الخصومة‏.‏ فإن قلتَ‏:‏ لا بُدَّ للإِنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه‏.‏ فالجوابُ ما أجابَ به الإِمامُ الغزالي أن الذمَّ المتأكّدَ إنما هو لمن خاصمَ بالباطل أو غير علمٍ كوكيل القاضي، فإنه يتوكَّلُ في الخصومة قبل أن يعرفَ أن الحقّ في أيّ جانب هو فيخاصمُ بغير علم‏.‏ ويدخلُ في الذمّ أيضاً مَن يطلبُ حَقَّه لكنه لا يقتصرُ على قدرِ الحاجة، بل يظهرُ اللددَ والكذبَ للإِيذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خَلَطَ بالخصومة، كلماتٍ تُؤذي، وليس له إليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك مَن يحملُه على الخصومة محضُ العِناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلومُ الذي ينصرُ حجَّتَه بطريق الشرع من غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادةِ لجاجٍ على الحاجة من غير قصدِ عنادٍ ولا إيذاء، ففعلُه هذا ليس حراماً، ولكن الأولى تركُه ما وجد إليه سبيلاً، لأنَّ ضبطَ اللسان في الخصومة على حدّ الاعتدال متعذّر، والخصومةُ تُوغرُ الصدورَ وتهيجُ الغضبَ، وإذا هاجَ الغضبُ حصلَ الحقدُ بينهما حتى يفرح كل واحد بمساءةِ الآخر، ويحزنُ بمسرّته ويُطلق اللسانَ في عرضه، فمن خاصمَ فقد تعرّضَ لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغالُ القلب حتى أنه يكون في صلاته وخاطره معلقٌ بالمحاجّة والخصومة فلا يَبقى حالُه على الاستقامة؛ والخصومةُ مبدأ الشرّ، وكذا الجِدال والمِراء‏.‏ فينبغي أن لا يفتحَ عليه بابَ الخصومة إلا لضرورة لا بُدَّ منها، وعند ذلك يُحفظُ لسانَه وقلبَه عن آفات الخصومة‏.‏

34/967 روينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَفَى بِكَ إثْماً أنْ لا تَزَالَ مُخَاصِماً‏"‏‏.‏‏(‏ الترمذي ‏(‏1995‏)‏ وقال‏:‏ إنه حديث غريب؛ أي ضعيف‏.‏‏)‏

‏.‏ قلتُ‏:‏ القُحَم بضم القاف وفتح الحاء المهملة‏:‏ هي المهالك‏.‏

فصل‏:‏ يُكره التقعيرُ في الكلام بالتشدّق وتكلّف السجع والفَصاحة والتصنّع بالمقدمات التي يَعتادُها المتفاصحون وزخارف القول، فكلُّ ذلك من التكلُّف المذموم، وكذلك تكلّف السجع، وكذلك التحريّ في دقائق الإِعراب ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوامّ؛ بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظاً يفهمُه صاحبُه فهماً جليّاً ولا يستثقلُه‏.‏

35/968 روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الَّذي يَتَخَلَّل بِلِسانِهِ كما تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (3)

36/969 وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ‏"‏ قالها ثلاثاً‏.‏ ‏(4) قال العلماء‏:‏ يعني بالمتنطعين‏:‏ المبالغين في الأمور‏.‏

37/970 وروينا في كتاب الترمذي عن جابر رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ أحاسِنُكُمْ أخْلاقاً، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْقِهُونَ، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيقهون‏؟‏ قال‏:‏ المُتَكَبِّرُون‏"‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏ قال‏:‏ والثرثار‏:‏ هو الكثير الكلام؛ والمتشدّقُ‏:‏ مَن يتطاولُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم‏.‏ ‏(5) ، وقال‏:‏ هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي هريرة‏.‏

فصل‏:‏ ويُكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدَّثَ بالحديث المباح في غير هذا الوقت وأعني بالمُباح الذي استوى فعله وتركه‏.‏ فأما الحديث المحرّم في غير هذا الوقت أو المكروه فهو في هذا الوقت أشدّ تحريماً وكراهة‏.‏ وأما الحديثُ في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف فلا كراهةَ فيه، بل هو مستحبّ، وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحةُ به، وكذلك الحديثُ للغدر والأمور العارضة لا بأس به، وقد اشتهرت الأحاديثُ بكل ما ذكرتُه، وأنا أُشيرُ إلى بعضها مختصراً، وأرمزُ إلى كثير منها‏.‏‏)‏

واعلم أنه لا يدخلُ في الذمّ تحسين ألفاظ الخطب والمواعظ إذا لم يكن فيها إفراط وإغراب لأن المقصودَ منها تهييج القلوب إلى طاعة اللّه عزّ وجلّ، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر‏.‏

38/971 روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بَرزةَ رضي اللّه عنه؛أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكرهُ النومَ قبل العِشاء والحديثَ بعدَها‏.‏ (6)

وأما الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قدّمتُها فكثيرةٌ‏.‏

39/972 فمن ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين‏:‏أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلَّى العشاءَ في آخر حياته، فلما سلَّم قال‏:‏ ‏"‏أرأيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإنَّ على رأسِ مِئَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ على ظَهْرِ الأرْضِ اليَوْمَ أحَدٌ‏"‏‏.‏(7)

40/973 ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه، في صحيحيهما؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليلُ، ثم خرجَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فصلَّى بهم، فلما قضَى صلاته قال لمن حضره‏:‏ ‏"‏على رِسْلِكُمْ أُعَلِّمْكُمْ، وأبْشِرُوا أنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّه عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ‏"‏ أو قال‏:‏ ‏"‏ما صَلَّى أحَدٌ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ‏"‏‏.(8)

41/974 ومنها حديث أنس في صحيح البخاري؛أنهم انتظروا النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فجاءَهم قريباً من شطر الليل، فصلَّى بهم‏:‏ يعني العشاء قال‏:‏ ثم خطبَنا فقال‏:‏ ‏"‏ ألا إنَّ النَّاسَ قَدْ صَلُّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا في صَلاةٍ ما انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ‏"‏‏.‏

ومنها حديث ابن عباس (9) "‏ رضي اللّه عنهما، في مبيته في بيت خالته ميمونة قوله‏:‏ إن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم صلَّى العشاءَ، ثم دخلَ فحدّثَ أهلَه، وقوله‏:‏ ‏"‏نَامَ الغُلَيْم‏؟‏‏"‏‏.‏(10)

ومنها حديث عبد الرحمن ‏(‏البخاري ‏(‏602‏)‏ ، ومسلم ‏(‏2057‏)‏ ‏.‏ وتقدم برقم 2/733‏) "‏ بن أبي بكر رضي اللّه عنهما في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلّى العشاء، ثم جاء وكلَّمهم، وكلَّم امرأتَه وابنه وتكرّر كلامُهم، وهذان الحديثان في الصحيحين، ونظائرُ هذا كثيرة لا تنحصرُ، وفيما ذكرناه أبلغُ كفاية، وللّه الحمد‏.‏

فصل‏:‏ يُكره أن تُسمَّى العشاء الآخرة العتمة، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ويُكره أيضاً أن تُسمَّى المغرب عشاء‏.‏

42/975 روينا في صحيح البخاري، عن عبد اللّه بن مُغَفّل المزني رضي اللّه عنه وهو بالغين المعجمة قال‏:‏قال رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ على اسمِ صَلاتِكُمُ المَغْرِبِ‏"‏ قال‏:‏ وتقول الأعرابُ‏:‏ هي العشاء‏. (11)

وأما الأحاديث الواردة بتسمية عَتَمَةً كحديث‏:‏ ‏"‏لو يَعْلَمُونَ ما في الصُّبْحِ وَالعَتَمَةِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً‏"‏ ‏(12) عنها من وجهين‏:‏ أحدهما أنها وقعتْ بياناً لكون النهي ليس للتحريم بل للتنزيه‏.‏ والثاني أنه خُوطبَ بها مَن يخافُ أنه يلتبس عليه المراد لو سمَّاها عشاءً‏.‏

وأما تسمية الصبح غداةً فلا كراهة فيه على المذهب الصحيح، وقد كثرتِ الأحاديثُ الصحيحةُ في استعمال غداة، وذكر جماعة من أصحابنا كراهة ذلك، وليس بشيء، ولا بأسَ بتسمية المغرب والعشاء عشاءين، ولا بأس بقول العشاء الآخرة‏.‏ وما نُقل عن الأصمعي أنه قال‏:‏ لا يُقال العشاء الآخرة فغلط ظاهر، فقد ثبتَ في صحيح مسلم ‏(13)‏ ؛ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أيُّمَا امْرأةٍ أصَابَتْ بَخُوراً فَلا تَشْهَدْ مَعَنا العِشاءَ الآخِرَةَ‏"‏‏.

وثبت في ذلك كلامُ خلائقَ لا يُحصون من الصحابة في الصحيحين وغيرهما، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه بشواهده في تهذيب الأسماء واللغات، وباللّه التوفيق‏.‏

فصل‏:‏ ومما يُنهى عنه إفشاءُ السرّ، والأحاديثُ فيه كثيرة، وهو حرامٌ إذا كان فيه ضررٌ أو إيذاء‏.‏

43/976 روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن جابر رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بالحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أمانَةٌ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (14)

فصل‏:‏ يُكره أن يُسألَ الرجلُ‏:‏ فيم ضربَ امرأتَه‏؟‏ من غير حاجة‏.‏

قد روينا في أوّل هذا الكتاب في حفظ اللسان والأحاديث الصحيحة في السكوت عمّا لا تظهر فيه المصلحة، وذكرنا الحديث الصحيح ‏"‏منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيه‏" (15)

44/977 وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا يُسألُ الرَّجُلُ‏:‏ فيمَ ضَرَبَ امْرأتَهُ‏"‏‏.‏‏(16)

فصل‏:‏ أما الشعر فقدروينا في مسند أبي يعلى الموصلي (17)‏ ، بإسناد حسن،

عن عائشة رضي اللّه عنهما، قالت‏:‏ سُئل رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الشعر فقال‏:‏ ‏"‏هُوَ كلامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ‏"‏ قال العلماء‏:‏ معناه‏:‏ أنَّ الشعرَ كالنثر، لكن التجرّدَ له والاقتصارَ عليه مذمومٌ‏.‏ وقد ثبتَت الأحاديثُ الصحيحةُ بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع الشعرَ، وأمرَ حسان بن ثابت بهجاء الكفّار‏.‏ وثبتَ أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً‏"‏ ‏(18) وكل ذلك على حسب ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ومما يُنهى عنه الفحشُ، وبذاءةُ اللسان؛ والأحاديثُ الصحيحة فيه كثيرة معروفة‏.‏ ومعناه‏:‏ التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانتْ صحيحةً والمتكلّمُ بها صادق، ويقعُ ذلك كثيراً في ألفاظ الوقاع ونحوها‏.‏ وينبغي أن يستعملَ في ذلك الكنايات ويعبّر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرضُ، وبهذا جاءَ القرآن العزيز والسنة الصحيحة المكرّمة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏187‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏21‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 237‏]‏ والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة‏.‏

قال العلماء‏:‏ فينبغي أن يستعملَ في هذا وما أشبهَه من العبارات التي يُستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيُكنّي عن جماع المرأة بالإِفضاءِ والدخولِ والمعاشرةِ والوِقاع ونحوها، ولا يُصرّح بالنّيل والجماع ونحوهما، وكذلك يُكنّي عن البول والتغوّط بقضاء الحاجة والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرّحُ بالخِرَاءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكرُ العيوب كالبرص والبَخَر والصُّنان وغيرها، يعبّر عنها بعبارات جميلة يُفهم منها الغرض، ويُلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه‏.‏

واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعتْ حاجةٌ لغرض البيان والتعليم وخِيفَ أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو يفهمُ غيرَ المراد صرّح حينئذ باسمه الصريح ليحصلَ الإِفهامُ الحقيقي ‏,‏وعلى هذا يحمل ما جاء من التصريح في الأحاديث بمثل هذا فإن ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا‏,‏ فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرّد الأدب، وباللّه التوفيق‏.‏

45/978 روينا في كتاب الترمذي، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفاحِشِ وَلا البَذِيء‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (19)

46/979 وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما كان الفُحْشُ في شَيْءٍ إلاَّ شانَهُ، وَما كانَ الحَياءُ في شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن‏.‏ (20)

فصل‏:‏ يحرمُ انتهارُ الوالد والوالدة وشبههما تحريماً غليظاً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إيَّاهُ وبالْوَالِدَيْنِ إحْسَاناً إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَريماً‏.‏ وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كما رَبَّيَاني صَغِيراً‏}‏ الآية‏[‏الإِسراء‏:‏23ـ 25‏]‏‏.‏

47/980 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مِنَ الكَبائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، وهل يشتُم الرجلُ والديه‏؟‏ قال‏:‏ نَعَمْ، يَسُبّ أبَا الرَّجُلِ ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ‏"‏‏.‏‏(21)

48/981 وروينا في سنن أبي داود والترمذي،عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان تحتي امرأةٌ وكنتُ أُحبها، وكان عمرُ يكرهُها، فقال لي‏:‏ طلّقْها، فأبيتُ، فأتى عمرُ رضي اللّه عنه النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏طَلِّقْها‏"‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ (22)

بابُ النهي عن الكَذبِ وبيان أقسامهِ

قد تظاهرتْ نصوصُ الكتاب والسنّة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب‏.‏ وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمّ بيان ما يُستثنى منه والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته‏:‏

1/982 وهو ما رويناه في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ‏:‏ إذا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمن خَانَ‏"‏‏.‏‏(23)

2/983 وروينا في صحيحيهما عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما؛أن النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقاً خالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حتَّى يَدَعَها‏:‏ إِذَا اؤتُمِن خانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خاصَمَ فَجَرَ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏إذا وعدَ أخلفَ‏"‏ بدل ‏"‏وإذا اؤتُمِن خان‏"‏‏.‏‏(24)

وأما المستثنى منه‏:‏

3/984 فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُمّ كلثوم رضي اللّه عنها؛أنها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِّي خَيْراً أوْ يَقُولُ خَيْراً‏"‏ هذا القدر في صحيحيهما‏.‏ وزاد مسلم في رواية له‏:‏ قالت أُمّ كلثوم‏:‏ ولم أسمعه يُرخِّصُ في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث يعني‏:‏ الحرب، والإِصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها‏.‏ ‏(25)‏فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماءُ ما يُباح منه‏.‏

وأحسنُ ما رأيتُه في ضبطه، ما ذكرَه الإِمامُ أبو حامد الغزالي فقال‏:‏ الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يُمكن التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذبُ فيه حرامٌ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجبٌ إن كان المقصود واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه‏:‏ وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندَه أو عندَ غيره وديعة وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه فأخذَها الظالمُ قهراً، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفَه عليها، لزمَه أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورّ، حنثَ على الأصحّ، وقيل لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حَرْبٍ أو إصلاحِ ذاتِ البين أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلّه أن يورّي؛ ومعنى التورية أن يقصدَ بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارةَ الكذب فليس بحرام في هذا الموضع‏.‏ قال أبو حامد الغزالي‏:‏ وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي له مثلُ أن يأخذَه ظالمٌ ويسألَه عن ماله ليأخذَه فله أن ينكرَه، أو يسألَه السلطانُ عن فاحشةٍ بينَه وبينَ اللّه تعالى ارتكبَها فله أن ينكرَها ويقول ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلاً‏.‏

وقد اشتهرتِ الأحاديث بتلقين الذين أقرّوا بالحدود الرجوع عن الإِقرار‏.‏ وأما غرضُ غيره، فمثل أن يُسأَلَ عن سرّ أخيه فينكرَهُ ونحو ذلك، وينبغي أن يُقابِلَ بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدق؛ فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدّ ضرراً فله الكذبُ، وإن كان عكسُه، أو شكّ، حَرُمَ عليه الكذبُ؛ ومتى جازَ الكذبُ فإن كان المبيحُ غرضاً يتعلّقُ بنفسه فيستحبّ أن لا يكذبَ، ومتى كان متعلقاً بغيره لم تجز المسامحةُ بحقّ غيره؛ والحزمُ تركه في كل موضعٍ أُبيحَ إلا إذا كان واجباً‏.‏

واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإِخبار عن الشيء، بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل وإنما يأثمُ في العمد، ودليلُ أصحابنا تقييد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ‏"‏ ‏(26)

بابُ الحثِّ على التثّبت فيما يحكيهِ الإِنسانُ والنهي عن التحديث بكلِّ ما سمعَ إذا لم يظنّ صحته

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولاً‏}‏ ‏[‏الإِسراء‏:‏36‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 18‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏14‏]‏‏.‏

1/985 وروينا في صحيح مسلم، عن حفص بن عاصم التابعي الجليل عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ‏"‏ (27)‏ورواه مسلم من طريقين‏:‏ أحدهما هكذا‏.‏ والثاني عن حفص بن عاصم، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم مرسلاً لم يذكر أبا هريرة، فتُقدَّمُ روايةُ مَن أثبت أبا هريرة، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، وهذا هو المذهب الصحيحُ المختارُ الذي عليه أهلُ الفقه والأصول والمحقّقون من المحدّثين، أن الحديث إذا روي من طريقين أحدهما مرسلٌ والآخر متصلٌ، قدّم المتصل وحكم بصحة الحديث، وجاز الاحتجاج به في كل شيء من الأحكام وغيرها‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

2/986 وروينا في صحيح مسلم،عن عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه قال‏:‏ بحسبِ المرءِ من الكذبِ أن يحدّثِ بكلّ ما سمعَ‏.‏ وروينا في صحيح مسلم، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه مثله‏. (28)

والآثارُ في هذا الباب كثيرة‏.‏

3/987 وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن أبي مسعود، أو حذيفة بن اليمان، قال‏:‏سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا‏"‏‏.‏‏(29)

قال الإِمام أبو سليمان الخطابي فيما رويناه عنه في معالم السنن‏:‏ أصلُ هذا الحديث أن الرجلَ إذا أرادَ الظعن في حاجة والسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته، فشبّهَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ما يقدِّمُ الرجلُ أمامَ كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم‏:‏ ‏(‏زعموا‏)‏ بالمطيّة، وإنما يُقال‏:‏ ‏(‏زعموا‏)‏ في حديث لا سند له ولا ثبت، إنما هو شيء يُحكى على سبيل البلاغ، فذمّ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيلُه، وأمر بالتوثق فيما يحكيه والتثبت فيه، فلا يَرويه حتى يكون معزوّاً إلى ثبت، هذا كلامُ الخطابي، واللّه أعلم‏.‏

بابُ التعريض والتورية

اعلم أن هذا الباب من أهمّ الأبواب، فإنه مما يكثرُ استعمالُه وتعمُّ به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأملَه ويعملَ به، وقد قدَّمنا في الكذب من التحريم الغليظ، وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريقٌ إلى السلامة من ذلك‏.‏ واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهما‏:‏ أن تُطلقَ لفظاً هو ظاهرٌ في معنى وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع‏.‏ قال العلماء‏:‏ فإن دعتِ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخااطب أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ وليس بحرام، إلا أن يُتوصَل به إلى أخذ باطل أو دفع حقّ، فيصيرُ حينئذ حراماً، هذا ضابطُ الباب‏.‏

فأما الآثار الواردةُ فيه، فقد جاء من الآثار ما يُبيحه وما لا يُبيحه، وهي محمولةٌ على هذا التفصيل الذي ذكرناه‏.‏ فمما جاء في المنع‏:‏

1/988 ما رويناه في سنن أبي داود، بإسناد فيه ضعفٌ لكن لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسناً عنده كما سبق بيانه، عن سفيان بن أسد بفتح الهمزة رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعتُ رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏كَبُرَتْ خِيانَةً أنْ تُحَدِّثَ أخاكَ حَدِيثاً هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وأنْتَ بِهِ كاذِبٌ‏"‏‏.‏(30)

وروينا عن ابن سيرين رحمه اللّه أنه قال‏:‏ الكلامُ أوسعُ من أن يكذب ظريفٌ‏.‏ مثال التعريض المباح ما قاله النخعي رحمه اللّه‏:‏ إذا بلغ الرجلَ عنك شيءٌ قلتَه فقل‏:‏ اللّه يعلم ما قلتُ من ذلك من شيء، فيتوهم السامعُ النفيَ ومقصودُك اللّه يعلم الذي قلتُه‏.‏ وقال النخعيُّ أيضاً‏:‏ لا تقلْ لابنك‏:‏ أشتري لك سكراً، بل قل‏:‏ أرأيتَ لو اشتريت لك سكراً‏؟‏ وكان النخعي إذا طلبه رجلٌ قال للجارية‏:‏ قولي له اطلبه في المسجد‏.‏ وقال غيره‏:‏ خرج أبي في وقت قبل هذا‏.‏ وكان الشعبي يخطّ دائرة ويقول للجارية‏:‏ ضعي أصبعك فيها وقولي‏:‏ ليس هو هاهنا‏.‏ ومثل هذا قول الناس في العادة لمن دعاهُ لطعام أنا على نيّة؛ موهماً أنه صائم ومقصودُه على نيّة ترك الأكل؛ ومثلُه‏:‏ أبصرتَ فلاناً‏؟‏ فيقول ما رأيتُه‏:‏ أي ما ضربتُ رئته‏.‏ ونظائرُ هذا كثيرة‏.‏ ولو حلف على شيء من هذا وورَّى في يمينه لم يحنثْ، سواء حلفَ باللّه تعالى أو حلفَ بالطلاق أو بغيره، فلا يقعُ عليه الطلاق ولا غيره، وهذا إذا لم يحلّفه القاضي في دعوى؛ فإن حلَّفَه القاضي في دعوى فالاعتبار بنيّة القاضي إذا حلَّفه باللّه تعالى، فإن حلّفه بالطلاق بالاعتبار بنيّة الحالف، لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق فهو كغيره من الناس، واللّه أعلم‏.‏

قال الغزالي‏:‏ ومن الكذب المحرّم الذي يُوجب الفسقَ ما جرتْ به العادةُ في المبالغة كقوله‏:‏ قلتُ لك مِئة مرّة، وطلبتُك مِئةَ مرّة ونحوه بأنه لا يُراد به تفهيم المرات بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبَه إلا مرّة واحدة كان كاذباً، وإن طلبه مرّات لا يُعتاد مثلُها في الكثرة لم يأثم، وإن لم يبلغْ مئة مرّة وبينهما درجات يتعرّضُ المبالغُ للكذب فيها‏.‏

قلت‏:‏ ودليل جواز المبالغة وأنه لا يُعدّ كذباً‏:‏

2/989 ما رويناه في الصحيحين،أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أمَّا أبُو الجَهْمِ فَلا يَضَعُ العَصَا عَنْ عاتِقِهِ، وأمَّا مُعاويَةُ فَلا مالَ لَهُ‏"‏‏(31)(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏ "(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏"(‏ البخاري ‏(‏5321‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1480‏)‏ ، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529‏.‏‏)‏ ومعلوم أنه كان له ثوب يلبسه‏.‏ وأنه كان يضعُ العصا في وقت النوم وغيره، وباللّه التوفيق‏.‏

بابُ ما يقولُه ويفعلُه مَنْ تكلَّمَ بكلامٍ قبيح

قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَ إمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ‏}‏ ‏[‏فصّلت‏:‏36‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فإذَا هُمْ مُبْصِرونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 201‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏.‏ أُولَئِكَ جَزَاؤُهم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها وَنعْمَ أجْرُ العامِلِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 135ـ136‏]‏‏.‏

1/990 وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حَلِفِهِ باللاَّتِ والعُزَّى فَلْيَقُلْ‏:‏ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قالَ لِصَاحِبِهِ‏:‏ تَعالَ أُقامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ‏"‏‏.‏‏(‏ البخاري ‏(‏4860‏)‏ ، ومسلم ‏(‏1647‏)‏ ، ويُفيد الحديث‏:‏

أـ حرمة الحلف بالأصنام، فإن مَن حلف بها معظِّماً لها كان كافراً ويجب عليه تجديد إيمانه‏.‏

ب حرمة الدعوة إلى القمار، وأن كفارة ذلك التوبة منها، والإِسراع إلى التصدّق بما تيسر له‏.‏‏)">‏

واعلم أن مَن تكلم بحرام أو فعله وجب عليه المبادرة إلى التوبة، ولها ثلاثة أركان‏:‏ أن يقلع في الحال عن المعصية، وأن يندمَ على ما فعل، وأن يعزمَ أن لا يعود إليها أبداً، فإن تعلَّق بالمعصية حق آدمي وجب عليه مع الثلاثة رابع، وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منها، وقد تقدم بيان هذا، وإذا تابَ مِنْ ذنبٍ فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب؛ فلو اقتصرَ على التوبة من ذنب صحَّت توبتُه منه؛ وإذا تابَ من ذنب توبةً صحيحةً كما ذكرنا ثم عاد إليه في وقت أثم بالثاني ووجب عليه التوبة منه، ولم تبطلْ توبتُه من الأوّل؛ هذا مذهبُ أهل السنّة خلافاً للمعتزلة في المسألتين، وباللّه التوفيق‏.‏

بابٌ في ألفاظٍ حُكي عن جماعةٍ من العلماء كراهتُها وليستْ مكروهةً

اعلم أن هذا البابَ مما تدعو الحاجةُ إليه لئلا يغترّ بقولٍ باطلٍ ويعوّل عليه‏.‏

واعلم أن أحكامَ الشرع الخمسة، وهي‏:‏ الإِيجابُ، والندبُ، والتحريمُ، والكراهةُ، والإِباحة، لا يثبتُ شيء منها إلا بدليل، وأدلة الشرع معروفة، فما لا دليلَ عليه لا يُلتفتُ إليه ولا يحتاج إلى جواب، لأنه ليس بحجة ولا يُشتغل بجوابه؛ ومع هذا فقد تبرعَ العلماءُ في مثل هذا بذكر دليلٍ على إبطاله، ومقصودي بهذه المقدمة أنّ ما ذكرتُ أن قائلاً كرهَه ثم قلت‏:‏ ليس مكروهاً، أو هذا باطلٌ أو نحو ذلك، فلا حاجةً إلى دليل على إبطاله وإن ذكرتُه كنتُ متبرّعاً به، وإنما عقدتُ هذا الباب لأُبيِّن الخطأَ فيه من الصواب لئلا يُغترّ بجلالة مَن يُضاف إليه هذا القول الباطل‏.‏

واعلم أني لا أُسمّي القائلين بكراهة هذه الألفاظ لئلا تسقطَ جلالتُهم ويُساء الظنّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نُقلت عنهم، سواء أصحّتْ عنهم أم لم تصحّ، فإن صحَّتْ لم تقدحْ في جلالتهم كما عرف، وقد أُضيف بعضُها لغرض صحيح بأن يكونَ ما قاله محتملاً فينظر غيري فيه، فلعلّ نظره يُخالف نظري فيعتضدُ نظرُه بقول هذا الإِمام السابق إلى هذا الحكم، وباللّه التوفيق‏.‏

فمن ذلك ما حكاهُ الإِمامُ أبو جعفر النحاس في كتابه ‏"‏شرح أسماء اللّه تعالى سبحانه‏"‏ عن بعض العلماء أنه كره أن يُقال‏:‏ تصدّق اللّه عليكَ، قال‏:‏ لأن المتصدّقَ يرجو الثواب‏.‏ قلتُ‏:‏ هذا الحكم خطأ صريح وجهلٌ قبيح، والاستدلال أشدُّ فساداً‏.‏

وقد ثبت في صحيح مسلم ‏(32)عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في قصر الصلاة‏:‏ ‏"‏صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ‏"‏‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ أيضاً عن هذا القائل المتقدّم أنه كره أن يُقال‏:‏ اللَّهمّ أعتقني من النار، قال‏:‏ لأنه لا يعتق إلا مَن يطلب الثواب‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرّحة بإعتاق اللّه تعالى مَن شاء من خلقه لطال الكتاب طولاً مُمِلاًّ، وذلك كحديث ‏"‏مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ اللَّهُ تَعالى بِكُلِّ عُضْو مِنْها عُضْواً مِنْهُ مِنَ النَّارِ‏"‏ (33)‏ وحديث ‏"‏ما مِنْ يَوْمٍ أكْثَرُ أنْ يُعْتِقَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ عَبْداً مِنَ النّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة‏"‏ (34)

فصل‏:‏ ومن ذلك قولُ بعضهم‏:‏ يُكره أن يقولَ افعلْ كذا على اسم اللّه، لأن اسمَه سبحانه على كلِّ شيءٍ‏.‏ قال القاضي عياض وغيرُه‏:‏ هذا القول غلط، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة‏:‏ أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه في الأضحية‏:‏ ‏"‏اذْبَحُوا على اسْمِ اللّه‏" (35) أي قائلين باسم اللّه‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما رواه النحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى قال‏:‏ وكان من الفقهاء الأدباء العلماء، قال‏:‏ لا تقلْ‏:‏ جمعَ اللّه بيننا في مستقرُ رحمته، فرحمةُ اللّه أوسعُ من أن يكون لها قرار؛ قال‏:‏ لا تقلْ‏:‏ ارحمنا برحمتك‏.‏ قلت‏:‏ لا نعلمُ لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليلَ له فيما ذكره، فإن مرادَ القائل بمستقرّ الرحمة‏:‏ الجنة، ومعناه‏:‏ جمعَ بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة اللّه تعالى، ثم من دخلَها استقرّ فيها أبداً، وأمِنَ الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة اللّه تعالى، فكأنه يقول‏:‏ اجمع بيننا في مستقرّ نناله برحمتك‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ عن هذا المذكور، قال‏:‏ لا تقل‏:‏ توكّلتُ على ربي الربّ الكريم، وقل‏:‏ توكلت على ربي الكريم‏.‏ قلتُ‏:‏ لا أصلَ لما قال‏.‏

فصل‏:‏ روى النحّاسُ عن أبي بكر المتقدم قال‏:‏ لا يقلْ‏:‏ اللهمَّ أجِرْنا من النار ولا يقل‏:‏ اللهمْ ارزقنا شفاعةَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فإنما يُشفعُ لمن استوجبَ النار‏.‏ قلتُ‏:‏ هذا خطأ فاحش وجَهالة بيّنة، ولولا خوفُ الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكرَ في كتب مصنفه لما تجاسرتُ على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبيّ صلى اللّه عليه وسلم، لقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتي‏"‏ (36)‏ وغير ذلك‏.‏

ولقد أحسن الإِمام الحافظُ الفقيه أبو الفضل عِياض رحمه اللّه في قوله‏:‏ قد عُرف بالنقل المستفيض سؤالُ السلف الصالح رضي اللّه عنهم شفاعةَ نبيِّنا صلى اللّه عليه وسلم ورغبتهم فيها قال‏:‏ وعلى هذا لا يُلتفت إلى كراهة مَن كَرِهَ ذلك لكونها لا تكونُ إلا للمذنبين، لأنه ثبتَ في الأحاديث في صحيح مسلم (37)‏ وغيره إثبات الشفاعة لأقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة؛ قال‏:‏ ثمّ كل عاقل معترف بالتقصير، محتاجٌ إلى العفو، مشفقٌ من كونه من الهالكين؛ ويلزمُ هذا القائل أَنْ لا يدعوَ بالمغفرة والرحمة، لأنهما لأصحاب الذنوب، وكلُّ هذا خلافُ ما عُرف من دعاء السلف والخلف‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما حُكي عن جماعة من العلماء أنهم كرهوا أن يُسمَّى الطوافُ بالبيت شوطاً أو دوراً، قالوا‏:‏ بل يُقال للمرّة الواحدة طوفة، وللمرتين طوفتان، وللثلاث طوفات، وللسبع طواف‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذا الذي قالوه لا نعلمُ له أصلاً، ولعلَّهم كرهوه لكونه من ألفاظ الجاهلية، والصوابُ المختار أنه لا كراهةَ فيه‏.‏

2/991 فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ أمرهم رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يرملوا ثلاثةَ أشواط ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرملوا الأشواطَ كلَّها إلا الإِبقاء عليهم‏.‏ (38)

فصل‏:‏ ومن ذلك‏:‏ صُمنا رمضانَ، وجاء رمضانُ، وما أشبه ذلك إذا أُريد به الشهر‏.‏ واختلف في كراهته؛ فقال جماعة من المتقدمين‏:‏ يُكره أن يُقال رمضان من غير إضافة إلى الشهر، رُوي ذلك عن الحسن البصري ومجاهد‏.‏ قال البيهقي‏:‏ الطريق إليهما ضعيف؛ ومذهبُ أصحابنا أنه يُكره أن يُقال‏:‏ جاء رمضانُ، ودخل رمضانُ، وحضر رمضانُ، وما أشبه ذلك مما لا قرينة تدلّ على أن المرادَ الشهرُ، ولا يُكره إذا ذُكر معه قرينة تدلّ على الشهر، كقوله‏:‏ صمتُ رمضانَ، وقمتُ رمضانَ، ويجبُ صومُ رمضان،، وحضرَ رمضانُ الشهر المبارك، وشبه ذلك، هكذا قاله أصحابنا ونقله الإِمامان‏:‏ أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه ‏"‏الحاوي‏"‏ وأبو نصر الصباغ في كتابه ‏"‏الشامل‏"‏ عن أصحابنا، وكذا نقله غيرُهما من أصحابنا عن الأصحاب مطلقاً، واحتجُّوا بحديث‏:‏

3/992 رويناه في سنن البيهقي، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا تَقُولُوا رَمَضَانُ، فإنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، وَلَكِنْ قُولُوا‏:‏ شَهْرُ رَمَضَانَ‏"‏ وهذا الحديث ضعيف ضعَّفه البيهقيُّ والضعف عليه ظاهر، ولم يذكرْ أحدٌ رمضانَ في أسماء اللّه تعالى مع كثرة مَنْ صنَّف فيها‏.‏ والصوابُ واللّه أعلم، ما ذهب إليه الإِمام أبو عبد اللّه البخاري في صحيحه وغير واحد من العلماء المحقِّقين أنه لا كراهةَ مطلقاً كيفما قال، لأن الكراهةَ لا تثبتُ إلا بالشرع، ولم يثبتْ في كراهته شيء، بل ثبتَ في الأحاديث جواز ذلك، والأحاديث فيه من الصحيحين وغيرهما أكثر من أن تُحصر‏.‏

ولو تفرَّغتُ لجمع ذلك رجوتُ أن يبلغ أحاديثه مئين، لكن الغرضَ يحصل بحديث واحد، ويكفي من ذلك كله‏:‏

4/993 ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه؛أن رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ ‏" (39)‏ منها صوم رمضان، وأشباهُ هذا كثيرةٌ معروفة‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما نُقل عن بعض المتقدمين أنه يُكره أن يقولَ‏:‏ سورة البقرة، وسورة الدخان، والعنكبوت، والروم، والأحزاب، وشبه ذلك؛ قالوا‏:‏ وإنما يُقال السورة التي يُذكر فيها البقرة، والسورة التي يُذكر فيها النساء وشبه ذلك‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذا خطأ مخالف للسنّة، فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك فيما لا يُحصى من المواضع كقوله صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرأهُما في لَيْلَةٍ كَفَتَاه‏" (40) وهذا الحديث في الصحيحين وأشباهُه كثيرة لا تنحصر‏.‏

فصل‏:‏ ومن ذلك ما جاء عن مُطرف رحمه اللّه أنه كره أن يقول‏:‏ إن اللّه تعالى يقول في كتابه؛ قال‏:‏ وإنما يُقال‏:‏ إن اللّه تعالى قال‏:‏ كأنه كره ذلك لكونه لفظاً مضارعاً، ومقتضاهُ الحالُ أو الاستقبالُ، وقول اللّه تعالى هو كلامُه، وهو قديم‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذا ليس بمقبول، وقد ثبتَ في الأحاديث الصحيحة استعمالُ ذلك من جهات كثيرة، وقد نبَّهتُ على ذلك في شرح صحيح مسلم، وفي كتاب آداب القرّاء، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يقول الحقّ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏4‏]‏‏.‏

وفي صحيح مسلم ‏(41) ، عن أبي ذرّ قال‏:‏ قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏160‏]‏‏.‏



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!