موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


حكاية من لم يقيّد جوارحه أتعب قلبه

حدثن أبو محمد بن يحيى، ثنا المبارك بن علي بن محمد، عن عبد الملك بن بشران، عن أحمد بن إبراهيم الكندي، عن جعفر الخرائطي، عن أبي العباس المبرّد، عن هشام، عن معمر بن المثنى، قال: حجّ عبد الملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، وكان عظيم القدر، جليل المنزلة، مهيب المجلس، موقرا معظّما عند عبد الملك، فبينما هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام، فعشقها عشقا شديدا، وأخذت بجميع قلبه، وتغير عليه الحال، ولم يملك من أمره شيئا. فلما أراد عبد الملك القفول، همّ خالد بالتخلف عنه فبعث إليه فسأله عن أمره، فقال: يا أمير المؤمنين، رملة بنت الزبير، رأيتها تطوّف بالبيت فأذهلت عقلي، فو الله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، و السلو على قلبي فامتنع منه. فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال: ما كنت أقول إن الهوى يستأثر مثلك. فقال خالد: وإني لأشدّ تعجبا من تعجبك مني، فقد

كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس: الأعراب، والشعراء. أما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم إلى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى، فاستسلموا له منقادين. وأما الأعراب، فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها.

وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم، وحسن عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه. فتبسّم عبد الملك وقال: أوكل هذا بلغ بك؟ فقال: والله ما عرفت هذه البليّة قبل وقتي هذا. فوجّه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد، فذكروا ذلك، فقالت: لا والله أو يطلّق نساءه. فطلّق امرأتين كانتا عنده وتزوّجها وظعن بها إلى الشام.

وفيه يقول:

ليس يزيد الشوق في كل ليلة وفي كل يوم من حبيبتنا قربا

خليليّ ما من ساعة تذكرانها من الدهر إلا فرجت عني الكرب

أحبّ بني العوّام طرّا لحبّها ومن أجلها أحببت أخوالها كلب

تجول خلاخيل النساء ولا أرى لرملة خلخالا يجول ولا قلب

ومما وجد بخطّ الإمام العلاّمة القاضي بدر الدين بن شهبة رحمه الله تتمة هذه الحكاية. فلما وقف عبد الملك على الأبيات نظم بيتا ودسّه ليكيد به خالدا، لأنه كان يروم الخلافة كأبيه يزيد وجدّه معاوية، فقال عبد الملك: يا خالد، أأنت القائل:

فإن تسلمي أسلم وإن تتنصّري تحطّ رجال بين أعينهم صلبا؟

فقال خالد: لعن الله قائل هذا البيت، ولم يعلم خالد قائله. فخجل عبد الملك ولام نفسه.

كنت يوم أطوف وقد عراني حال أعرفه، فخرجت عن البلاط من أجل الناس، وطفت على الرمل فحضرتني أبيات فأنشدتها أسمع نفسي بها ومن يليني لو كان هناك أحد وأنا أقول و أبكي:

ليت شعري هل دروا أيّ قلب ملكوا؟

وفؤادي لو درى أيّ شعب سلكوا

تراهم سلموا أم تراهم هلكوا؟

حار أرباب الهوى في الهوى وارتبكوا

فلم أشعر إلا وضربة بين كتفيّ من كفّ ألين من الخزّ، فرددت وجهي فرأيت جارية من بنات الروم لم أر أحسن وجها، ولا أعذب منطقا، ولا أرقّ حاشية، ولا ألطف معنى،

و لا أظرف محاورة منها. قد فاقت النساء ظرفا، وأدبا، وجمالا، ومعرفة. فقالت: ي سيدي، كيف قلت؟ فقلت:

ليت شعري هل دروا أيّ قلب ملكوا؟

فقالت: عجبا منك وأنت عارف زمانك تقول مثل هذا؟ أليس كل مملوك معروف؟ وهل يصح الملك إلا بعد المعرفة؟ وتمني الشعور يؤذن بعدم المعرفة، والطريق لسان صدق، فكيف يتجوّز مثلك؟ قل: فما ذا قلت بعده؟ قلت:

وفؤادي لو درى أيّ شعب سلكوا

فقالت: الشعب الذي بين الشغاف والفؤاد، وهو المانع له من المعرفة به، فكيف يتمنى مثلك ما لا يمكن الوصول إلى معرفته؟ والطريق لسان صدق، فكيف يتجوّز مثلك يا سيدي؟ قل: فما ذا قلت بعده؟ قلت:

تراهم سلموا أم تراهم هلكوا؟

فقالت: أما هم فسلموا، ولكن عنك ينبغي أن تسأل نفسك، هل هلكت أم سلمت؟ يا سيدي قل: فما ذا فعلت بعده؟ قلت:

حار أرباب الهوى في الهوى وارتبكوا

فصاحت وقالت: يا عجبا كيف يبقى للمشغوف فضلة يجار بها؟ والهوى شأنه التعميم يخدّر الحواس، ويذهب بالعقول، ويدهش الخواطر، ويذهب بصاحبه في الذاهبين، فأين الحيرة هنا؟ ومن هنا باق فيحار؟ والطريق لسان صدق، والتجوّز على مثلك لا يليق. قلت: يا بنت الخالة، ما اسمك؟ قالت: قرة العين، قلت لها: لي. ومن شعري فيها م قلته:

ما رحلو يوم بانوا البزل العيسا إلا وقد حملوا فيها الطواويسا

من كل فاتكة الألحاظ مالكة تخالها فوق عرش الدّرّ بلقيس

إذا تمشت على صرح الزجاج ترى شمسا على فلك في حجر إدريس

تحيي إذا قتلت باللحظ منطقها كأنها عند ما تحيي بها عيس

توارتها لوح ساقيها سنى وأنا أتلو وأدرسها كأنني موسى

أسقفّة من بنات الروم راهبة ترى عليها من الأنوار ناموس

وحشية ما لها أنس قد اتخذت في بيت ناموسها للذكر ناووس

قد أعجزت كل علاّم بملّتنا وداوديا وحبرا ثم قسيسا

إن أومأت تطلب الإنجيل تحسبها أقسّة أو بطاريقا شماميس

ناديت إذ رحلت للبين ناقتها يا حادي العيس لا تحدو به العيسا

عيّيت أجياد صبري يوم بينهم على الطريق كراديسا كراديس

سألت إذ بلغت نفسي تراقيها ذاك الجمال وذاك اللطف تنفيس

فأسلمت ووقانا الله شرّتها وزحزح الملك المنصور إبليس

وكان لنا أهل تقرّ العين بها ففرّق الدهر بيني وبينها، فتذكرتها ومنزلها بالحلة من بغداد فقلت:

خليليّ عوجا بالكثيب وعرّجا على لعلع واطلب مياه يلملم

فإن بها من قد علمت ومن لهم صيامي وحجّي واعتماري وموسمي

فلا أنس يوما بالمحصّب من منى وبالمنحر الأعلى أمورا وزمزم

محصّبهم قلبي لرمي جمارهم ومنحرهم نفسي ومشربهم دمي

فيا حادي الأجمال إن جئت حاجرا فقف بالمطايا ساعة ثم سلّم

وناد القباب الحمر من جانب الحمى تحيّة مشتاق إليكم متيّم

فإن سلموا فأعد السلام مع الصبا وإن سكتوا فارحل بها وتقدّم

إلى نهر عيسى حيث حلّت ركابهم وحيث الخيام البيض من جانب الفم

وناد بوعد والرباب وزينب وهند وسلمى ثم لبنى وزمزم

وسلهنّ هل بالحلة الغادة التي تريك سنا البيضاء عند التبسّم


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!