موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا ابن الذبيحين»

يريد إسماعيل وأباه عبد الله. فأما إسماعيل، فما ذكر الله من قصة إبراهيم عليه السلام في رؤياه في ذبح ولده على اختلاف بين إسحاق وإسماعيل، وما فداه الله به، على أنه يحتمل إذا صح قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه ابن الذبيحين، أنه يريد إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام. فإن وزن فعيل يكون للفاعل ويكون للمفعول، فذبيح بمعنى ذابح وهو إبراهيم، ومذبوح وهو إسماعيل. وقد يصح نسب النبوّة للعم كما تنسب للأب، على أن يكون الذبيح إسحاق. قال تعالى في قول بني يعقوب: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ .

وكان إسماعيل عم يعقوب ولم يكن أباه، وإنما أبوه إسحاق. فأما ما كان من خبر عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما رويناه من حديث ابن إسحاق، قال ابن إسحاق: كان عبد المطلب بن هاشم قد لقي من قريش شدّة عند حفر زمزم، فلما نصره الله عليهم نذر لئن ولد له عشرة أولاد ذكورا، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرن أحدهم لله عند الكعبة.

فلم توافى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوه، وقالوا: كيف ذلك تصنع؟ فقال: ليأخذ كل رجل منكم قدحا، ثم يكتب عليه اسمه، ثم ائتوني. ففعلوا، ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة، فقال لصاحب القداح: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره الذي نذره، فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه، فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها، قام عبد المطلب عند هبل يدعو الله، ثم ضرب صاحب القداح فخرج القدح على عبد الله، و كان أحب أولاده إليه، فأخذ شفرة ثم أقبل إلى أساف ونائلة ليذبحه.

فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا: ما تريد يا عبد المطلب؟ قال: اذبحه. قالت له قريش و بنوه: والله لا تذبحه أبدا حتى تعذّر فيه، ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه، فما بقي الناس على هذا. فقال له المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكان عبد الله بن أحب الناس إليه: والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه، فإن كان فداؤه

بأموالنا فديناه. وقالت له قريش وبنوه: لا تفعل، و انطلق إلى الحجاز، فإن بها عرّافة لها تابع، فاسألها، ثم أنت على رأس أمرك، إن أمرتك بذبحه ذبحته، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه فرج قبلته. فانطلقوا حتى قدمو المدينة، فوجدوها بخيبر، فركبوا حتى جاءوها، فقصّ عليها عبد المطلب خبره، والقصّة كما جرت. فقالت لهم: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله.

فرجعو من عندها وعبد المطلب يدعو الله، ثم غدوا عليها فقالت لهم: جاء في الخبر: كم الدّية فيكم؟ قالوا: عشرة من الإبل. قالت: ارجعوا إلى بلادكم وقرّبوا صاحبكم و قرّبوا عشرا من الإبل، ثم اضربوا عليها فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه. وقد رضي ربكم ونجا صاحبكم.

فخرجو حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا لذلك الأمر قام جانبا عبد المطلب يدعو الله، ثم قرّبوا عبد الله وعشرا من الإبل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادو عشرا من الإبل، فلم يزالوا يضربون عليها وعلى عبد الله فتخرج على عبد الله، فيزيدون عشرا، حتى بلغت مائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل، فقالت قريش ومن حضر: إنه رضي ربك يا عبد المطلب. فزعموا أن عبد المطلب قال: لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات، فضربوا على عبد الله وعلى الإبل ثلاثا، كل ذلك تخرج القداح على الإبل، فنحرت، ثم تركت لا يصدّ عنها إنسان ولا يمنع.

وانصرف عبد المطلب مسرورا آخذا بيد عبد الله، فمرّ به على امرأة من بني أسد بن عبد العزّى، وهي أخت ورقة بن نوفل، فنظرت إليه وهي عند الكعبة، فقالت له وهي تنظر في وجهه: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي. قالت: هل لك مثل الإبل التي نحرت عنك وتقع عليّ الآن؟ قال: أنا مع أبي، ولا أستطيع فراقه الآن. وانصرف، فأتى به عبد المطلب إلى وهب بن عبد مناف سيد بني زهرة يومئذ، فزوّجه آمنة بنت وهب، فدخل عليها حين أملكها مكانه، فوقع عليها، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم خرج من عندها، فأتى أخت ورقة التي عرضت عليه نفسها، فقال لها: ما لك لا تعرضين عليّ م كنت عرضت؟ قالت له: فارقك النور الذي كنت رأيته في وجهك، فليس لي بك اليوم حاجة.

وفي رواية ابن إسحاق بن يسار، من حديث ابن إسحاق عنه: أنه حدث أو أخبر أن عبد الله لما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب وقد عمل في طين له، وله أثر من الطين، فدعاها إلى نفسها، فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين، فغسل ما كان به من الطين، ثم خرج عامدا إلى آمنة، فمرّ بها، فدعته إلى نفسها، فأبى عليها، ودخل على

آمنة، فأصابها، فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم مرّ بامرأته تلك، فقال لها: هل لك؟ قالت: لا، مررت بي وبين عينيك غرّة، ودعوتك فأبيت، ودخلت على آمنة فذهبت بها:

تخبّرك الله من آدم فما زلت منحدرا ترتقي

فقيل لآمنة: إنك حملت بسيد هذه الأمة يقول لك الملك، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، وقائم وقاعد، يأخذ بالمراصد، في طرق الموارد، و سميته محمدا.

وروين من حديث ابن جهضم، عن محمد بن القاسم، عن محمد بن عبيد، عن محمد بن صالح، قال: بينما أنا في الطواف، نظرت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة، وقد شخص ببصره نحو السماء، وهو يقول: يا من وفد العباد إليه، ذهبت أيامي، وضعفت قوتي، وقد فررت إليك إلى بيتك المعظم المكرم بذنوب كثيرة لا تسعها الأرض، ولا تغسلها البحار، مستجيرا بعفوك منها، وحططت رحلي بفنائك، وأنفقت مالي في رضاك.

فما الذي يكون من جزائك يا مولاي؟ ثم أقبل على الناس بوجهه، فقال: معاشر الناس، ادعوا لمن وكزته الخطايا، وعمرته البلايا، ارحموا أسير ضرّ، غريب فاقة، سائلكم:

بالذي قد عمتكم الرغبة إليه، ألا سألتم الله عز وجل أن يهب لي جرمي، ويغفر لي ذنوبي.

ثم عاد فتعلق بأستار الكعبة، وقال: إلهي وسيدي عظيم الذنب مكروب، وعن صالح الأعمال مطرود، ذا فاقة إلى رحمتك. قال محمد بن صالح: ثم رأيته بعرفات، وقد وضع يساره على أم رأسه، وهو يصرخ ويبكي ويشهق، ويقول: إلهي وسيدي ومولاي، أضحكت الأرض بالزهر، وأمطرت السماء بالرحمة، والذي أعطيت الموحدين إن نفسي لواثقة لي منك، و كيف لا يكون كذلك وأنت حبيب من تحبب إليك، وقرة عين من لاذ بك وانقطع إليك، حق حقا أقول: لقد أمرت بمكارم الأخلاق، فاجعل قرائي منك عتق رقبتي من النار.

وممن دعا فهتف بإجابته، ما كتب إلينا عبد الرحمن، عن أحمد بن ظفر، عن أحمد، عن الحسن، عن هلال بن محمد، عن عمر بن أحمد، عن عبيد الله، عن زكريا، عن الأصمعي، عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول:

السائل سائل انقضت أيامه، وبقيت آثامه، وانقضت شهواته، وبقيت تبعاته. ولكل ضعيف قرى، فاجعل قراي الجنة.

ثم كتب: و حدثنا أحمد، عن الحسن، عن عبد العزيز بن جعفر، عن حمزة بن محمد بن عيسى المدائني، قال: تعلّق شاب بأستار الكعبة، وقال: إلهي لا لك شريك

فيؤتى، ولا وزير فيرشى، إن أطعتك فبفضلك، ولك الحمد، و إن عصيتك، فبجهلي ولك الحجّة عليّ، فبإثبات حجتك عليّ، وبانقطاع حجتي لديك، إلا غفرت لي. فسمع هاتفا يقول: الفتى عتيقنا من النار.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!