موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


مثل

هو أحمق من هبنّقة، وله حكايات في هذا الفن عجيبة، فما بلغ من حمقه أنه ضلّ له بعير يوما، فجعل ينادي: من وجد بعيري فهو له، فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟ و من أخباره: أنه اختصمت إليه في رجل بنو طفاوة، وبنو راسب، فادّعى هؤلاء

فيه، و ادّعى هؤلاء فيه، فقالوا: رضينا بأول طالع علينا حكما، فطلع عليهم هبنّقة، فلم رأوه قالوا: بالله انظروا من طلع علينا، فلما دنا قصّوا عليه قصتهم، فقال هبنّقة: الحكم في هذا بيّن، اذهبوا به إلى نهر البصرة، فألقوه فيه، فإن كان من بني راسب رسب، وإن كان طفاويا طفا، فقال الرجل: لا أريد أن أكون من هذين الجنسين، ول حاجة إلى الديوان.

ومم يقرب من هذا الحكم ما اتفق في بلدنا بإشبيلية، كان عندنا رجل من سفلة الناس يقال له جمعة، يبيع الخبز، وكان يتحاكم إليه أطراف الناس، فجاء إليه رجلان يوما، فقال أحدهما: يا جمعة، إن هذا الرجل زنى بامرأتي، فقال: ومن أين علمت ذلك؟ قال: زعم أنه رأى امرأتي في نومه فنكحها، قال: كذلك كان؟ فقال الخصم: نعم، فقال جمعة: وجب الحدّ عليه، اذهبوا به إلى الشمس، فإذا امتد ظله في الأرض فاجلدوا ظلّه مائة جلدة، فقال الرجل: وما عليّ في ذلك؟ فقال له جمعة: وما على امرأة الرجل في ذلك إذا نكح خيالها في منامها، ما لك عندي حكم غير ذلك.

واختصم إليه مرة أخرى في إشبيلية هذا رجل طباخ يطلب حق أدامه من رجل آخر، فقال: كيف ترتب لك ما تدّعيه على هذا الرجل؟ فقال: إني رجل طباخ، أبيع في الدكان ما أطبخه، فجاء هذا الرجل وبيده قرصة من خبز، فجعل يأخذ اللقمة ويعرضها على بخار القدر الصاعد و يأكل حتى فرغت، فطلبت منه حق بخار القدر، فقال جمعة: وجب عليك يا هذا أعندك قطعة فضة؟ قال: نعم، فأخرج المدّعى عليه قطعة فضة، فقال جمعة للطباخ:

اصغ بأذنك، ورمى القطعة على الحجر، فسمع لها طنين، فقال: يا طباخ، خذ هذا الطنين في حق بخارك، وردّ القطعة الفضة لخصمك، فقال الطباخ: ما نقصه شيء. فقال جمعة:

ولا أخذ من قدرك شيئا.

افتخر الحسين عليه السلام يوما في مجلس معاوية في كلام جرى ضربنا عن ذكره، لأنّا قد عزمنا أن لا نذكر ما شجر بين الصحابة من قبيح القول والفعل، لما يحصل في القلوب الضعيفة من ذلك. قال الحسين: أنا ابن ماء السماء، وعروق الثرى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثاقب، والشرف الفائق، والقديم السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، ثم رد وجهه للخصم فقال له: هل لك أب كأبي أو قديم كقديمي؟ فإن قلت لا تغلب، وإن قلت نعم تكذب، فقال الخصم: لا تصديقا لقولك. فقال الحسين عليه السلام: الحق أبلج لا يزيغ سبيله، والحق يعرفه ذوو الألباب.

وقال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم: أخبروني بأكرم الناس أبا وأما، و عما وعمة، وخالا وخالة، وجدا وجدة. فقال مالك بن عجلان، وأومأ إلى

الحسن بن علي عليهما السلام فقال: ها هو ذا أبوه علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدته خديجة بنت خويلد، وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمه جعفر الطيار في الجنة، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب. فسكت القوم، ونهض الحسن، فقام رجل من بني سهم، وقال: أنت أمرت ابن عجلان على مقاتلته، فقال ابن عجلان: ما قلت إلاّ حقا، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق، إلا لم يعط أمنيته في دنياه، وختم له بالشقاء في آخرته، بنو هاشم أنضركم عودا، وأوراكم زندا، كذلك يا معاوية؟ فقال معاوية: اللهم نعم.

وروين من حديث ابن عباس قال: قدمت على معاوية وقد قعد على سريره وجمع بنو أمية ووفود العرب عنده، فدخلت وسلّمت وقعدت، فقال: يا ابن عباس، من الناس؟ قلت: نحن، قال: فإذا غبتم، قلت: فلا أحد، قال: فكأنك ترى أني قعدت هذا المقعد بكم، قلت: نعم، فبمن قعدت؟ قال: بمن كان مثل حرب بن أمية، يعني جده، قلت: من انكفأ عليه إناؤه، وأجاره بردائه، أراد بذلك ابن عباس، ما اتفق لحرب بن أمية جد معاوية مع عبد المطلب لم استجار به حرب حين أراد قتله الزبير بن عبد المطلب من أجل التميمي، وذلك أن حرب بن أمية لم يلق أحدا من رؤساء قريش في عقبة، ولا مضيق إلا تقدمه حرب حتى يجوزه، فلقيه يوما رجل من بني تميم في عقبة، فتقدمه التميمي، فقال حرب: أنا حرب بن أمية، فلم يلتفت التميمي وجاوزه، وقال: موعدك مكة، فخاف التميمي.

ثم أراد التميمي دخول مكة فقال: من يجيرني من حرب بن أمية؟ فقيل له: عبد المطلب، فقال: عبد المطلب أقل قدرا من أن يجيرني على حرب بن أمية، فأتى ليلا دار الزبير بن عبد المطلب، فدق بابه، فقال الزبير لعبده: قد جاءنا رجل إما طالب حاجة، وإما طالب قرى، وإما مستجير، وقد أجبناه إلى ما يريد، ثم خرج الزبير إليه، فقال التميمي:

لاقيت حربا في الثنية مقبلا والصبح أبلج ضوأه للساري

فدعا بصوت واكتنى ليريعني وسما عليّ سموّ ليث ضاري

فتركته كالكلب ينبح ظله وأتيت قوم معالم وفخار

ليثا هزبرا يستجار بعزّه رحب المياه ومكرما للجار

ولقد حلفت بمكة وبزمزم والبيت ذي الأحجار والأستار

أن الزبير لما نعى من خوفه ما كبّر الحجاج في الأمصار

فقدّمه الزبير وأجاره، ودخل به المسجد، فرآه حرب، فقام إليه ولطمه، فحمل عليه

الزبير بالسيف، فولى حرب يعدو هاربا حتى دخل دار عبد المطلب، فقال: أجرني من الزبير، فألقى عليه عبد المطلب جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس، فبقي تحتها، ثم قال له: اخرج، فقال: وكيف أخرج وعلى بابك تسعة من ولدك قد اجتذبوا السيوف؟ فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن له طرّتان خضراوتان، فخرج عليهم، فعلموا أنه قد أجاره، فتفرقوا عنه.

روينا من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ل تفخروا بآبائكم في الجاهلية، فو الذي نفسي بيده لما يدحرج العجل برجله خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية» ، أخذها القطب المطهّر واعظ العجم، وكان بليغ في اللسان الفارسي، فوعظ الناس يوما، فقام إليه بعض الناس فقال: أيها الواعظ، أنت خير أم الكلب؟ قال:

فأطرق ساعة واستعبر، وكان صالحا فقال: يا أخي، أما إني إن فزت بالجنة ونجوت من النار فأنا خير من الكلب، وإن كان غير ذلك فالكلب خير مني. أخبرني بهذه الحكاية تلميذه صاحبنا مجد الدين أبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي.

وكان الحسن بن أبي إسحاق البصري يقول: يا ابن آدم، لم تفتخر وإنما خرجت من سبيل البول نطفة تنسحب بأقذار؟ قال بعض الحكماء، وكان من الصالحين لرجل آخر يفتخر: أيفتخر من أوّله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو فيما بينهما وعاء عذرة؟ وأنشدنا ابن البطين لعليّ بن أبي طالب القيرواني، وقيل: لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه:

الناس من جهة التمثل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء

وكان أبي كثيرا ما ينشد:

الحمد لله ليس الرزق بالطلب ولا العطايا على فهم ولا أدب

إن قدّر الله شيئا كنت نائله وليس ينفعني حرصي ولا نصيبي

وخطب بعض الخلفاء وقد خطر له حسن الظن بالله تعالى فقال: الحمد لله الذي أنقذني من ناره بخلافته.

ومن حسن كلام الحجاج أن كان ينفعه ذلك وقد أشاع موته بعض من يكرهه، قال الناس يوم مات الحجاج: مات الحجاج، فقال: مه، ما أرجو الخير كله إلا بعد الموت، والله ما رضي البقاء إلا لأهون الخلق عليه إبليس، إذ قال: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ

قالَ فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ اَلْوَقْتِ اَلْمَعْلُومِ أطمع الحجاج في ربه حسن ظنه به واتساع عفوه وكرمه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!