34. الموقف الرابع والثلاثون.

قال تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾[البقرة: 2/ 149]. [البقرة: 2/ 150].

اعلم أنه لا وجود إلاَّ الوجود الحق تعالى والمسمّى عالماً ومخلوقات مظاهره، من أول مخلوق إلى آخر مخلوق. فحق بلا خلق لا يظهر، وخلق بلاحق ل يوصف بالوجود. والوجود الحق واحد لا يتعدد ولا يتغير ولا ينحصر ولا يحد ولا تقيّده الأكوان والمظاهر. ومظاهره متعددة متغيرة منحصرة مقّيدة. فيظهر في مظهر بالعلم، لأنه حكم استعداد ذلك المظهر، فيسمى المظهر عالماً. ويظهر في مظهر بالجهل، فيسمى ذلك المظهر جاهلاً. ويظهر في مظهر بالقهر، فيسمى ذلك المظهر قاهراً، لأنه حكم استعداد ذلك المظهر. ويظهر في مظهر بالذل فيسمى ذلك المظهر ذليلاً مقهوراً، لأنه حكم استعداد ذلك المظهر، ويظهر في مظهر بالمعبود فيسمى معبوداً، لأنه حكم استعداد ذلك المظهر. ويظهر في مظهر بصورة العابد، فيسمى المظهر عابداً لكون ذلك حكم استعداد ذلك المظهر. والحق ما عرف إلاَّ بجمعه الأضداد، فكل المتضادات في العالم هو جامع لها. بل هو عين الأضداد كلّها. وإنما يظهر في كل صورة بحكم استعدادها، وبما هو من أحوال عينها الثابتة في العلم والعدم، وعليه فالحق تعالى ظهر في الصورة المسماة بالكعبة بصورة المعبودية، وهو المعبود وإن وقعت العبادة للكعبة في الحس. كما أنه ظهر في الصورة المسماة بمحمّد بصفة العابدية، وهو العابد، وإن ظهرت العبادة من الصورة المحمدية في الحس والعقل. فسمّى نفسه عابداً في مظهر لظهوره فيه بصفة العابد. وسمّى نفسه في مظهر معبوداً لظهوره فيه بصفة المعبود، إذ المسمّى مخلوقاً ليس هو إلاَّ أسماؤه تعالى ظهرت بذلك الشكل، وتلك الصورة. والأسماء أمور عدميه، فظهورها في التحقيق ظهور ذاته السارية في كل مخلوق من غير سريان. ولكن الذات باطنة هنا، لظهور التعدد في الأسماء ومقتضى الوحدة بظهور الأسماء، فهي باطنة حال ظهورها. وقد نقل عن الشيخ الأكبر أنه قال: مظهريّة الكعبة أفضل من مظهرية محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإن صح النقل عنه، فوجهه ما ذكرناه: من مظهريّة العابديّة والمعبوديّة لا غيره، ولا يلزم منه فضل الكعبة، ولا هو مذهب الشيخ ولا غيره من العارفين.