موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


291. الموقف الواحد وا لتسعون بعد المائتين

سألني بعض الإخوان عن معنى ما ذكره سيدي عبد الوهاب الشعراني قدّس الله سره النوراني في طبقاته، عند ترجمة شيخه سيدي علي الخواص (رضي الله عنه) نقلاً عنه، فقال: وسأله أيضاً أي أخوه الشيخ أفضل الدين عن تفسير: ﴿إِذَ الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾[التكوير: 81/1].

فقال الشيخ: اللسان في هذا الوقت عاجز عن البيان باللسان المألوف فقال له أخي أفضل الدين: قولوا ما تيسّر. فقال له: اكتب في ورقة: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾.

بطنت الشمس، كناية عن الذات، وتكويرها كناية عن بطونها، وذلك عن فناء المظاهر.

﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾[غافر: 40/ 16].

قوله: و«باسمه الباطن ظهرت» يعني: ظهور الذات، إنما كان باسمه الباطن. وهو نفس الرحمن الذي هو باطن العلم، إذ النفس باطن المتنفّس وبه كانت الكلمات، فكان الظهور.

قوله: «ولم تظهر ولم تبطن إنك لعلى خلق عظيم» يعني: أن الظهور والبطون نسبتان، ولا ت كون نسبة إلاَّ باعتبار الغير، ولا غير حقيقي. فظهرت لمن؟ وبطنت عمّن؟ وليس إلاَّ هو؟! كان الله ولا شيء معه.

قوله: «وانقسمت بعد ما توحّدت» يعني: أنَّ الذات الأحدية، بسبب الحبّ والميل الإرادي الثابت بقوله: «فأحببت أن أعرف» انقسمت انقساماً اعتبارياً إلى طالب ومطلوب، ومحبّ ومحبوب، وشاهد ومشهود، وحاضر ومحضور. وبهذا الاعتبار صارت اثنين حقاً وخلقاً، رباً وعبداً، بعد الوحدة. وليس في الحقيقة إلاَّ واحد نظر نفسه في مرآته.

قوله: «ثم تعدّدت» يعني: صارت باعتبار الانقسام متعدّدة، أي متكثرة بكثرة تعيّناتها بلا نهاية، كالكثرة العددية، فإن العدد لا نهاية له.

قوله: «وانعدمت بظهور المعدود، والقمر إذا تلاها» يعني: أنّ الذات العلية أحدية الحقيقة، كالواحد في العدد، ثم لما ظهرت المظاهر انعدمت الأحدية، بمعنى بطنت. كالواحد في المعدود، فإنه لما ظهرت الأعداد بطن الواحد، بسبب تنقّله وتنزّله في مراتب الأعداد، من الاثنين إلى العشرات، إلى ما لا نهاية له، مع أنها ما قامت إلا َّ بالواحد، إذ هو الظاهر فيها، المتجلّي في مراتبها كلها.

قوله: «ثم تنّزلت بما عنه انفصلت، لما به اتصلت، واتحدت»، و«النجم إذ هوى»، يعني: أنَّ الذات العلّية تنّزلت بتجلياتها، في مراتب تعيّناتها وظهوراتها، متلبسة بما انفصلت عنه. والذي انفصلت عنه هو الأحديّة. وهي سارية في التنزلات والتجلّيات كلّها، باطنة فيها. والذي اتصلت واتحدت به هو ما تنّزلت به وإليه، وهو تعينّاته ومظاهرها. والاتصال والانفصال والاتحاد كلّها أمور اعتبارية مجازية.

قوله: «ثم تنوّعت بالأسماء»، يعني: «أنَّ الذات الأحدية»، بعد وحدته الحقيقية صارت ذات أنواع، بسبب تنوّع أسمائها من قابض وباسط، ومعزّ ومذل ومعط ومانع... وذلك لمَّا انقسمت الانقسام الاعتباري إلى حق وخلق، وواجب وممكن، وكلُّ متقابلين لابد أن يظهر بينهما أمر ثالث، يكون برزخاً بينهما، جامعاً لهما؛ فكانت مرتبة الصفات.

قوله: «واتحدت بالمسمّى» يعني: أنَّ الأسماء وإن تنوّعت وتكثرت وتضادت، فهي متّحدة أي واحدة، بسبب أنَّ المسمّى بها واحد، فكثرتها ترجع إلى عين واحدة، لأن كلّ اسم له اعتباران: اعتبار من حيث الدلالة على الذات، فكلّ اسم عين الذات، وعين جميع الأسماء، بهذا الاعتبار.

قوله: «وظهرت من أعلى عليين إلى أسفل سافلين»، أعلى عليين هي الهوية الغيب المطلق. وأسفل سافلين هي الطبيعة المظلمة.

قوله: «ثم رجعت على نحو ما تنّزلت: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾[البقرة: 2/251]. وبالجبال سكن ميدها، وميدها هو فسادها».

يعني: أنَّ الذات الأحدية، بعد انقسامها وتعدُّدها، بحسب تعدد المظاهر والتعينات، رجعت إلى الأحدية، على الطريق التي عليها تنزّلت، بخلع تلك الملابس، ومفارقة تلك القيود، وذلك بنفخة الصعق العامة أو الخاصّة، عند الحصول على الفناء.

قوله: «ثمَّ اتصفت، وبعدت بما به وصفت، عمَّا به اتصفت»، يعني: أنَّ الذات حصل اتصافها بالصفات، بعد تنزّلها من أعلى عليين الأحدية، وهي وإن اتصفت بم به وصفت، فهي بعيدة عما وصفت به: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّ يَصِفُونَ﴾[الصافات: 37/180].

فصفاتها الحقيقية التي تعلمه، هي لنفسها بعيدة عمّا وصفها به غيرها من سائر الموجودات. فاتصافها بعيد عن وصفها، لأن كلّ من وصفها إنما وصفها بحسب م عنده، وعلى قياس صفاته، والأمر فوق ذلك. بل مباين له كلّ المباينة، ولا اجتماع له إلاَّ في الاسم.

قوله: «وما اتصفت إلاَّ لما خلقت»، يعني أنَّ الذات، ما عرفت صفاته إلاَّ حين خلقت. لأنَّ المخلوقات آثار، ولابدَّ لكل أثر من مؤثّر، ولا أثر للذات من حيث هي ذات فقط، بل لابدَّ للذات من حيث هي ذات فقط، بل لابدَّ للذات من مراتب، وهي الصفات، تكون الآثار لها. إذ الوجود المحض لا يخلق مثله ولا ضدّه.

قوله: «وانحرفت فحشرت»، يعني: أن الواصفين للذات فرق. وانحرفت أكثر الفرق عن الاستقامة والطريق المقامة في صفاته تعالى ؛ فحشرت وجمعت لأجل الجزاء على ماكانوا اعتقدوه في صفاته. فحشرها فرع انحرافها.

قوله: «وبأعمالها انحشرت» يعني: أن الأمم المحشورة تحشر مع أعمالها، أي متلبسة بها.

﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾[الإسراء: 17/13].

ليجازى كل بعقده وعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

قوله: وبوحوشها اتحدت «كل ميسر لما خلق له».

﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾[الإسراء: 17/84]..

يعني: أن الخلائق المحشورة تتحد بوحوشها، وذلك كناية عن أعماله الموحشة، إذ كلّ إنسان يحشر في صورة عمله، كما ورد: «أنَّ الذي يمزق أعراض الناس يحشر في صورة كلب، والذي يسخر من الناس يحشر في صورة قرد.....» ونحو ذلك.

قوله: «ثمَّ انعدم التقييد بوجود الإطلاق»، يعني: أن من قامت قيامته، على الخصوص أو العموم انعدم التقييد بالنسبة إليه، ووجد الإطلاق في حقّه.

قوله: «وانخرق الحجاب، وتعطّلت الأسباب»، يعني: أن من انعدم التقييد في حقّه، وصار أمره إلى الإطلاق فقد انخرق حجابه. إذ الحجاب هو التقييد، وقد زال بوجود الإطلاق، وتعطلت الأسباب عنده، إذ من زال حجابه فقد تعطّلت عنده الأسباب، فل يبقى لها حكم، وأمَّا عينها فلا ترتفع، والأسباب من الحجب، وقد ارتفع الحجاب بانعدام التقييد، ووجود الإطلاق.

قوله: «وطلبت القلوب ظهورات المحبوب ليكون معها كما كان يوم يأتيهم الله في ظلل من الغمام. هذا أصل لما قبله، وما قبله فرع عنه»، يعني: أن القلوب والأرواح تطلب ظهور المحبوب، وظهوره إنما هو برفع حجب التعينات الاعتبارية، إذ المحبوب واحد وحدة حقيقية، والتعينات والتقيّدات تنافي وحدته لكثرتها سواء التعينات المعنوية الأسمائية، أو الحسيّة. وإذا ظهر المحبوب رجعت القلوب كما كانت من عدم الحجاب، إذ ما حجبتها إلاَّ مظاهرها.

قوله: «وإذا النفوس زوّجت، وبزوجها تعلّقت، ولحسبها تشوّقت، وبحقيقته اتصلت»، يعني: أنَّ النفوس الجزئية في ذلك الوقت المعروف تعلقت بزوجها، بمعنى طلبت الرجوع إلى أصلها، الذي منه تفرّعت، وعنصرها الذي منه نبعت، وهو النفس الكّلية. وتشوّقت لحسبها، وكرمها الذي لها بالأصالة وبالذات، لأنها لما تعلّقت بالأجسام عرضت لها عوارض من اشتغالها بتدبير الأجسام، فانحطت عن أوج كمالها وشرفها، إلى حضيض أسفل سافلين، بعد أن كانت في أحسن تقويم، واتصلت بحقيقتها لما تشوقت لحسبها. وحقيقته هو الروح الكلُّ الذي النفس خطرة من خطراته، ومنه انبعثت كانبعاث حواء من آدم.

«اليوم أرفع أنسابكم، وأضع نسبي».

الخبر الرباني، وتعلّق النفس بزوجها وتشوّقها لحسبها واتصالها بحقيقته قد يكون في الدنيا للخواص، وفي الآخرة للعموم.

قوله: «وبمظاهرها تعدّدت»، يريد أنَّ النفس حقيقة واحدة، لا تعدّد فيه ولا تجزئة لها. وإنما تعدّدت. بمظاهرها التي هي إضافات واعتبارات. وحقيقة النفس هي الروح، وحقيقة الروح هي الحق تعالى.

قوله وبها تنعمت: ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾[القيامة: 75/ 29-30].

يعني أنَّ النفس، من حيث هي مجردة، لا تدخل تحت مساحة ومقداره فل يتعلّق بها نعيم ولا عذاب، وإنما يحصل لها ويطلق عليها العذاب بواسطة المظهر، وهو الجسم.

قوله: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾[التكوير: 81/ 8-9].

«والروح لم تقتل، لأنها حيّة» يعني: أن الموؤودة التي هي النفس، هي المقتولة، فتسأل بأيّ ذنب قتلها من قتلها؟! وأمَّا الروح فلا يطلب أحد قتلها، لأنه لا تقبل القتل. فهي حيّة بالذات، بخلاف النفس، فإن كلّ عاقل يطلب قتلها، لكونه أعدى عدوّ.

قوله: «وإن قتلت فبه قتلت، وإن سئلت فبه سئلت»، يعني: أنَّ النفس إذ قتلها قاتل فإنما قتلها بأمره تعالى وبعونه وقوته. فهو عالم بقاتلها، وبالذنب الذي به قتلت، بل القاتل الفاعل هو تعالى.

قوله: «فقاتلها هو م حييها بقتلها ومماتها»، يعني: أن قاتل النفس بالرياضات والمجاهدات الشرعيّة، على الطريق المألوف هو الذي أحياها بالعلم والمشاهدة، لأنه طهرّها ونجاها:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾[الشمس: 91/9]. بقتله وإماتتها.

قوله: «والموت عدم العلم، و العلم عند الله، لأنه هو العالم بالقاتل وما يستحقه، فجزاؤه عليه ورجوعه إليه.»

﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[التوبة: 9/14].

يعني: كما أنَّ العلم حياة أو: ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً﴾[الأنعام: 6/122].

فالموت عدم العلم، فبينهما تقابل العدم والملكة.

وقوله: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾[التكوير: 81/10].

الصحف هي الحاوية للأعمال، والأعمال بعلوم القلب المفاضة على الجوارح»، يعني: أنَّ الأعمال الجوارح، وهي ثمرات العلوم المفاضة على القلب، لولا وارد لم يكن ورود.

قوله: «فالعمل صورتها، كما أنَّ روحها» يعني: أن العلوم معانٍ وأرواح، والعمل صورة تلك الروح، كما أنه أي العلم روح تلك الصورة.

قوله: «ومن لا روح لصورته فلا نشر لصحفه».

﴿وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ﴾[التوبة: 9/94]. ﴿ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾[التوبة: 9/105].

«فرسوله يرى عملكم لأنه هو العلم والله يرى عملكم لأنه العامل حقيقة».

يريد أنَّ العمل، إذا كان بلا علم كان صورة بلا روح. و الصورة بلا روح لا تكون لها صحف،  إذ الصحف إنما كانت للجزاء، والعمل بها علم لا جزاء له.

قوله: «وقد تنزّه تعالى عن الرؤية بالأبصار، أو القلوب المقيّدة بغيره، يحشر المرء على دين خليله»، يعني: أنه لا يرى الله إلاَّ الله فلا يراه البصر المقيّد، ولا يراه إلاَّ من كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه:

وقوله: ﴿وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ﴾[التكوير: 81/11].

لا أطيق التعبير عن معناه.

﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾[التكوير: 81/12].

«نار الخلاف اشتعلت»، يعني: أن نار الآخرة إنما هي أعمال بني آدم، ظهرت متصوّرة بصورة النار. وأعظم أعمالها المضرّة هي الخلاف، أي مخالفة الأمر و النهي.

قوله: «والأعمال المظلمة عذبت، إنما يريد الله أن يعذّبهم ببعض ذنوبهم»، يعني: أنه ما عذّب أحداً إلاَّ عمله، فإنَّ الأعمال البشرّية المظلمة تتجسد إما بصورة نار،  أو شجاع أقرع له زبيبتان، أو صورة كلوب،  أو نهر دم، أو حجارة يشدخ بها رأسه... أو نحو ذلك. كما ورد في الخبر.

قوله: «فما عذبهم إلاَّ بهم. وما رحمهم إلاَّ به». يعني: أن تعذيب الحقّ لعباده ليس إلاَّ بأعمالهم السيّئة، تجزي كل نفس بما تسعى: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾[الكهف: 18/49].

فلابدَّ للغضب الإلهي من سبب من العبد. وأما رحمته فلا سبب لها إلاَّ رحمته، سواء الرحمة من غير تقدّم غضب أو بعده.

قوله: «والواحد ليس من العدد، لأنَّ الواحد موجد مستور، والعدد معدوم مشهود».

يعني: أن العدد، وإن تركّب من الواحد فليس الواحد من العدد، لأن العدد ما انقسم بمتساويين، وليس العدد إلاَّ الواحد مستقلاً في مراتبه، فالواحد موجود في المراتب مستور، لأن المراتب تسمّى اثنان وثلاثة وعشرة ومئة وألف إلى ما لا نهاية له. وليس إلاَّ الواحد متكرراً في مراتبه، فهو موجود لأنها ما قامت إلاَّ به. وهو مستور لأن المراتب ما تسمى بالواحد، وإنما تسمّى بأسماء أخر. وكذلك الوجود الحقُّ، ما قامت الأشياء إلاَّ به، وليس هو من الأشياء، فهو موجود مستور، فهو موجود بالأشياء من غير ظرفيّة ولا حلول. وهو مستور بصورها وأسمائها، لأنها تسمّى بأسماء غير الوجود الحق تعالى.

قوله: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾[التكوير: 81/13].الآيات. لا أستطيع النطق بمعناها: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾[التكوير: 81/19].

«لأنه مستو بنبوّته على عرش ولايته، وهم العيون الأربعة، تسقى بماء واحد»، يعني: والله أعلم بال عيون الأربعة: الولاية، ونبوة الولاية، ونبوة التشريع، والرسالة. لأن من لم ينظر بأحد هذه العيون فهو أعمى. فالولاية اسم للوجه الخاص الذي بين الله وبين عبده. ونبوّته التشريع اسم لوجه الاستقلال في متعبداته بنفسه، من غير احتياج إلى أحد. والرسالة اسم للوجه الذي بين العبد وبين سائر الخلق. وهذه كلّها ترجع إلى أصل واحد، وهي الدائرة الكبرى، التي هي الولاية، فهي تسقى بماء واحد، وإن اختلفت أسماؤها.

قوله: «لأنَّ الحكم في ذلك اليوم لله، باسمه الله، لا باسمه الرب. لأنَّ حكم الله يعمّ. وحكم الربّ يخصّ»، يعني: لأن الله اسم لمرتبة شاملة جميع المراتب الإلهية والكونية، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه من مرتبة الوجود. فلهذا كان حكم الله يعمُّ. والربُّ اسم للمرتبة المقتضية للأسماء التي تطلب الموجودات، سواء أكانت مشتركة بينه وبين المخلوقات، أو مختصة بالمخلوقات، كالأسماء الفعلية.

قوله: «ثم إلى ربّهم يرجعون» يعني أن الوجوه الخاصة بكلّ مخلوق من الحقّ، التي هي أرباب المخلوقات ومدبراتها، والواسطة في وصول الإمداد لها من المرتبة الربّية الجامعة ترجع كلّها إلى المرتبة الشاملة لها ، التي هي أمره، كم قال: ﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾[الشورى: 42/53]. ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ﴾[هود: 11/123].

فهو أمر واحد، وأمور كثيرة، فقوله: لا وجود لصفة مع ذاتها؛ يعني: أنَّ الأمور الكثيرة، وهي صفات الله وأسماؤه، إذا ظهرت الذات ترجع الصفات كلّها، وتستتر تحت حيطتها، كاستتار الكواكب عند ظهور الشمس.

قوله: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾[التكوير: 81/20].

المراد به العرش المطلق، لذلك اليوم المطلق بتجلّي الوجود المطلق على العابد المطلق الذي هو إطلاق المقيّدات.

﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾[الأنبياء: 21/104]. ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾[التكوير: 81/21].

إلى آخر السورة، صفات ونعوت وأسماء للموصوف المنعوت بالأسماء أ هـ. قلت هذا لسان لا أعرف له معنى على مراد قائله، وإنما ذكرته تبركاً و الله أعلم أ هـ». العرش المطلق هو الفلك الجامع لجميع الأفلاك المعنويّة والحسية، وإذا قيّد بالعظيم أو المجيد أو الكريم فهو اسمه، لوجه من وجوه هذا العرش المطلق. واليوم المطلق هو الذي لا يتقيّد بطلوع ولا غروب ولا ليل بعده. والمعبود المطلق هو مطلق الوجود، الذي هو نفس هويّة العرش المطلق، والعابد المطلق هو الإنسان الكامل، الذي خرج عن التقييد بالأسماء والصفات، وصار ذاتاً ساذجاً لا اسم له ولا صفة، فهو مطلق عن جميع القيود. والله أعلم بمراد الشيخ. وهذا الذي ذكرناه قشور، واللبّ من ورائه،  اللّهم زدنا علماً.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!