موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


274. الموقف الرابع والسبعون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾[الزمر: 39/7].

أمّا ما قاله المتكلمون في الآية فمشهور. وكذا ما قاله إمام الحرمين في الإرشاد، ممّا يخالف فيه الجمهور. وأمَّا طريق أهل الاعتبار والإشارة فاعلم أن قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ﴾.

الخطاب لجميع المخلوقات، وذلك من حيث حضرة أحديّته ووحدته وإطلاقه، فإنه لا مناسبة بينه وبين الممكنات، ولا ارتباط بوجه من الوجوه، لا بأمر ولا نهي ول رضى ولا سخط. وقوله: ﴿ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾.

هو من حيث مرتبة ألوهته الجامعة لجميع الأسماء، التي تقتضي العبودية والخضوع، ومنها انبعث الأمر والنهي، واقتضت انقسام العالم إلى شقيّ وسعيد، كم قال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾[التغابن: 64/2].

وقال: ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[البقرة 2/283]. بعد خلقكم وتكليفكم ﴿عليم﴾ قبل إيجادكم وتكليفكم، حيث أنتم أعيان ثابتة معدومة، فل يجريكم إلاَّ على ما علمه منكم، وقال: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾[هود: 11/ 105].

وإنما كان الأمر هكذا، لأنه مقتضى الألوهة، فإنَّ أسماءها منقسمة إلى أسماء جلال، وهي التي اقتضت الشقاوة، وإلى أسماء جمال، وهي التي اقتضت السعادة. ثم اعلم: أن الرضا ضد السخط، وهو غير الحب من وجه، إذ الحبّ لا يتعلق إلاَّ بمعدوم في الحال، أو يخشى عدمه في المآل. والرضا يتعلق بالموجود وبالمعدوم، من وجه أنّه خصوص إرادة، فلا مشاركة بين الرضا والحبّ إلاَّ من جهة أن كلاً منهما خصوص تعلّق للإرادة، ولذا قال: ﴿ وَلَا يَرْضَى﴾، وقال: ﴿ولا يُحبُّ‌﴾ وإضافة العباد إلى الضمير للاستغراق. وإن نقل عن ابن عباس (رضي الله عنه) أنها للتخصيص، فإنه تعالى لا يرضى الكفر لجميع عباده لأن َّ رحمته بهم سابقة غضبه عليهم، و«ال» في «الكفر» لاستغراق جميع أنواع الكفر، فإنَّ الأمر كفرٌ دون كفر كما في صحيح البخاري، ولذ قابل تعالى الكفر هنا بالشكر، فإن الشكر أنواع، فهو تعالى لا يرضى لعباده، ول يريد لهم الكفر، لولا أنَّ من عباده من تطلبه حقائقهم، وتقتضيه استعداداتهم، فيريده لهم إجابة لطلب حقائقهم له، كارهاً له، فهو المجبور، يفعل تعالى كلّما يفعل بإرادته التابعة لعلمه،  التابع لمعلومه. ومعلومه لا ينقلب ولا يتغير. ولذا ورد في صحيح البخاري: ((ما تردّدت في شيء أن فاعله تردّدي في قبض نسمة عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له من لقائي)).

يقول تعالى: لابدَّ أن أميته على كره منّي، وهو المعلوم الذي جعلني في هذا، لأنه علمت منه وقوع هذا. فلولا حصول العلم عنده من الممكنات، كما هي في أنفسها عليه ما تردّد ولا فعل ما فعله أو بعض ما فعله على كره. فهكذا هو الأمر، ل يقال كيف يأمر تعالى بالشيء ويريد ضدّه؟! لأنا نقول: الحكم للعلم، كما قدمنا ل للأمر. ولا تناقض بين الأمر والإرادة، فإنَّ الأمر بالإيمان، والمشي على صراط السعادة من حضرة الرحمة، والإرادة لضدّ ذلك من حضرة الحكمة و العلم و العدل، فهو تعالى يأمر جميع عباده بما يسعدهم رحمة بهم، وإن علم أن منهم القابل لذلك وغير القابل، والكافر و الشاكر كما قال: ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[يونس: /25].

وإنما التناقض بين الأمر، وما أعطاه العلم التابع للمعلوم، فلذا إذ كشفنا الغطاء وقربنا الخطى، نقول: ليس هناك شيء يعطي شيئاً غيره أو يمدّه بسعادة أو شقاوة أو خير أو شرّ. وإنما الأشياء من حيث بواطنه تعطي ظواهرها ما هو حاصل لها، أو يحصل إلى أبد الآبدين.

زيادة إيضاح، الأمر والنهي العامين الواردين من الحق تعالى على المكلفين، إنما ورد عليهم أن يفعلوا أو يتركوا من حيث هم، فإنه ليس لهم من الأمر الإلهي أو النهي إلاَّ صيغة الأمر أو النهي، وذلك من جملة المخلوقات في لفظ الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم يأتي الأمر الإلهي لكلّ مكلّف حسب استعداده وما تقتضيه حقيقته بلا واسطة بالتكوين، أي تكوين المأمور به في المأمور، أو ترك المنهي عنه. فلهذا فرق بعض سادات القوم رضوان الله عليهم بين أمره وأمر به، وأراد منه وأراد به، فلينظر المأمور، فإن وجد القبول لما أمر به فيعلم أنه معتنى به، وإن وَجَدَ «لاّ» بآية تكونت في قلبه فليعلم أنه مخذول، وخذلاته منه، فإنه على ذلك علمه الله تعالى في حضرة ثبوته، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد شّراً فل يلومن إلاَّ نفسه، فإنه مافي تلك الحضرة العلية شر، فالكلّ خير، وإنما الشرّ من جهة القوابل. ومن هذا ت سميته تعالى بالمانع، مع أن المانع إنما هو من جهة عدم قبول المسمّى ممنوعاً، وإلاَّ فالحق تعالى متجلّ با لعطاء لكلّ قابل، لا يتصور في حقّه منع أصلاً، فاعرف هذا الموقف، فإنك إن عرفته حصلت على الراحة الأبديّة. وقد سمّى القوم من ذاق هذا بالمستريح. فاشكر الله على ما علّمك، وادع للواسطة. قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾[لقمان: 31/14].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!