موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الكبريت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


[الباب الموفي ستون وخمسمائة في وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء اللّٰه تعالى]

(قال) : واعلم أن محل النار وما تحت مقعر أرض الجنة الذي هو سقف النار وبهذه النار يكون صلاح ما في الجنة من المأكولات والفواكه كما تؤثر الشمس النضج في فواكه أهل الدنيا والشمس والقمر والنجوم كلها في النار تفعل في الأشياء هنالك النضج في العلو، كما كانت تفعل النضج هنا في السفل، وكما هو الأمر هنا كذلك ينتقل الأمر هناك بالمعنى وإن اختلفت الصور والأحكام. ألا ترى أن أرض الجنة مسك وهو حار بالطبع لما فيه من النارية وأشجار الجنة مغروسة في تلك التربة المسكية، فالمسك هناك بمثابة الزبل هنا في تعفين الأرض لتصيب الثمار كما ذكره الشيخ في الباب السادس والثمانين. قال: واعلم أن جميع الكواكب التي في جهنم مظلمة الأنوار لا نور لها فالقمر والشمس يطلعان ويغربان في النار لكن بلا نور فصورة الكواكب فيها كصورة الكسوف التام عندنا، فشمس جهنم شارقة لا مشرقة. قال: وإنما لم يكن أهل النار يشهدون نور الكواكب لما في الدخان من الكدورة، وكما كانوا في الدنيا عميا عن إدراك ما جاءت به الشرائع من الحق كذلك صاروا عميا في النار عن إدراك الأنوار، فليل أهل النار لا صباح له كما أن نهار أهل الجنة لا ليل له، قال: ولا يزال هذا الأمر للفريقين أبد الآبدين، ولذلك سمى اللّه تعالى يوم القيامة باليوم العقيم لأنه لا يوم بعده. قال: هو يوم السبت لأن القيامة تقوم يوم الجمعة وما يجيء وقت الضحى من يوم السبت حتى يقع جميع ما في يوم القيامة من الحساب وتعمر الداران بأهلهما من ذلك الوقت، وتغلق جهنم على أهلها غلقا لا فتح بعده وترى الخلق والشياطين فيها كقطع اللحم في القدر إذا أوقدت تحته نار قوية نسأل اللّه العافية. (قلت) : وتمام استقرار أهل كلّ من الدارين فيها قبل انتهاء ضحى ذلك اليوم على ما سيأتي في إنهاء الكتاب عند قول الشيخ وينقضي بيوم القيامة جميع ما فيه من المؤاخذات. قال: واعلم أن الفلك المكوكب مخلوق في جوف الفلك الأطلس وما بينهما من خلق الجنات بما فيها، فهذا الفلك أرضها والأطلس سماؤها قال: ومقعر فلك الكواكب هو الدار الدنيا ومن هناك إلى ما تحته يكون استحالة جميع ما تراه إلى الآخرة، فينتقل من ينتقل من الدنيا إلى الجنة من إنسان وغير إنسان وما بقي بعد ذلك فهو في النار. ذكره في الباب الحادي والسبعين وثلثمائة، فعلم أن حد النار من مقعر فلك الكواكب الثابتة إلى أسفل سافلين وذلك بعد فراغ الناس من الحساب. قال: واعلم أن أهل النار الذين لا يخرجون منها أربع طوائف: المتكبرون والمعطلة والمنافقون والمشركون ويجمعها كلها المجرمون قال: تعالى: واِمْتٰازُوا اَلْيَوْمَ أَيُّهَا اَلْمُجْرِمُونَ ( 59 ) [يس: 59] أي المستحقون لأن يكونوا أهلا لسكنى النار فهؤلاء الأربع طوائف هم الذين لا يخرجون من النار من إنس وجن. قال: وإنما جاء تقسيمهم إلى أربع طوائف من غير زيادة لأن اللّه تعالى ذكر عن إبليس أنه يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ولا يدخل أحد النار إلا بواسطته، فهو يأتي للمشرك من بين يديه ويأتي للمتكبر من عن يمينه ويأتي المنافق من عن شماله ويأتي للمعطل من خلفه. قال: وإنما جاء للمشرك من بين يديه لأن المشرك رأى بين يديه جهة غيبته فأثبت وجود اللّه ولم يقدر على إنكاره فجعله إبليس يشرك باللّه في ألوهيته شيئا يراه ويشاهده، وإنما جاء للمتكبر من جهة اليمين لأن اليمين محل القوة فلذلك تكبر لقوته التي أحس بها من نفسه، وإنما جاء للمنافق من جهة شماله الذي هو الجانب الأضعف لكون المنافق أضعف الطوائف كما أن الشمال أضعف من اليمين، ولذلك كان في الدرك الأسفل من النار ويعطى كتابه بشماله. قال: وإنما جاء للمعطل من خلفه لأن الخلف ما هو محل نظر، فقال له: ما ثم شيء، قال: فهذه أربع مراتب لأربع طوائف ولهم من كل باب من أبواب جهنم جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر: 44] ، قال: وهي منازل عذابهم، فإذا ضربت الأربعة التي هي المراتب في السبعة أبواب كان الخارج ثمانية وعشرين منزلا عدد منازل القمر وغيره من الكواكب السيارة. قال: وكان مما ظهر من تسيير هذه الكواكب السيارة وجود ثمانية وعشرين حرفا، منها ألف اللّه تعالى الكلمات وظهر بها الكفر والإيمان في العالم فترجم بها كل شخص عما في نفسه من إيمان وكفر وكذب وصدق لتقوم حجة اللّه على عباده ظاهرا بما تلفظوا به. قال: وإنما كان لجهنم سبعة أبواب لأن أبواب الجنة كذلك سبعة، وأما الباب الثامن فخاص بجنة الرؤية وهو الباب المغلق في النار، ويسمى باب الجحيم فلا يفتح أبدا، قال: وإنما كان الأمر كما ذكرنا لأن صورة هذه الأبواب صورة الباب الذي إذا انفتح انسد به موضع آخر فعين غلقه لمنزل فتحه منزلا آخر، فأبواب النار إذ غلقت عين فتح أبواب الجنة. (قلت) : وأهل كل باب مبينون، ففي القرآن فأهل جهنم هم الذين كفروا بربهم، وأهل السعير هم الشياطين وأهل لظى هم كل من أدبر وتولى وجمع فأوعى، وأهل سقر هم كل من لم يصل ولم يطعم المسكين وخاض مع الخائضين وكذب يوم الدين، وأهل الجحيم كل همّاز مشاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم إذا تتلى عليه آيات اللّه قال: أساطير الأولين، وأهل الحطمة هم كل هماز لماز جماع للمال يحسب أن ماله أخلده، وأهل الهاوية هم كل من خفت موازينه واللّه أعلم.

(قال) : وإذا دخل إبليس النار يكون ملأها، فإنه لا يعذب أحد فيها إلا وإبليس سبب تعذيبه ومشارك له فيه. قال صلى اللّه عليه وسلم: «و من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» فبهذا الاعتبار كان ملء النار بحقيقته فإنه ما دخل أحد النار إلا لموافقته له. قال: وهذا سر كون مستقره في النار في الطابقة الرابعة فليس هو تخفيفا عنه بالنسبة للدركات السفلية وإنما ذلك للإحاطة والشمول. قال: ويكون عذابه في النار تارة بالزمهرير المضاد لنشأته، وتارة بالنار.

قال: ونظير ذلك الجسم الحساس يكون حياته بخروج النفس، فإذا منع بالشنق والخنق انعكس راجعا إلى القلب فأحرقه فمات، وأهل النار من الجن هم الكفار لا غير لأنه ليس في الجن مشرك ولا معطل ولا منافق ولهذا قال اللّه تعالى: كَمَثَلِ اَلشَّيْطٰانِ إِذْ قٰالَ لِلْإِنْسٰانِ اُكْفُرْ فَلَمّٰا كَفَرَ قٰالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ [الحشر: 16] الآية. فألحق اللّه تعالى الشيطان بالكفار ولم يلحقه بالمشركين، وإن كان هو الذي يوسوس للإنس بالشرك حتى يشركوا، فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركا، أما كفر المشرك فلعدوله عن أحدية الإله الحق ليسترها عن النظر في الأدلة والآيات وتعيينها في عيسى مثلا وأما شركه فباتخاذه مع اللّه إلها آخر ويلحق به من آمن ببعض وكفر ببعض وتأمل قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ اَلَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْمَسِيحُ اِبْنُ مَرْيَمَ [المائدة: 72] ما قال: لقد أشرك لأنه لم يجعل مع اللّه إلها آخر انتهى، فليحرر هذا المحل فإنه دقيق. قال: واعلم أن أهل النار يتزاورون لكن على حالة مخصوصة وهي أن لا يتزاور إلا أهل كل طبقة مع طبقته كالمحرور يزور المحرورين والمقرور يزور المقرورين فلا يزور مقرور محرورا وعكسه بخلاف أهل الجنة للإطلاق والسراح الذي لأهلها المشاكل للنعيم ضد ما لأهل النار من الضيق والتقييد. وقال: اعلم أنه ليس في النار من دركة اختصاص كما في الجنة لأن الناس إنما يعذبون في النار بأعمالهم لا غير وما أخبرنا الحق تعالى قط أنه يختص بنقمته من يشاء أبدا فما نزل من نزل النار إلا بأعماله فقط. قال: ولهذا يبقى فيها أماكن خالية فيخلق اللّه تعالى لها خلقا يعمرونها وهو قوله تعالى: فيضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط أي حسبي حسبي. قال: وإنما دخل زيادة العذاب على الطائفة التي قال اللّه تعالى فيهم: زِدْنٰاهُمْ عَذٰاباً فَوْقَ اَلْعَذٰابِ [النحل: 88] من جهة أنهم أضلوا غيرهم وأدخلوا عليهم الشبه فالزيادة المذكورة خاصة بالأئمة المضلين وإضلالهم من أعمالهم حقيقة فما ثم زيادة إلا من هذه الحيثية فافهم. قال: وأشد العذاب على أهل النار ما يقع في بواطنهم من التوهمات، فإنهم لا يتوهمون قط عذابا أشد مما هم فيه إلا تكون في نفوسهم لوقته وإليه الإشارة بقوله تعالى: نٰارُ اَللّٰهِ اَلْمُوقَدَةُ ( 6 )اَلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى اَلْأَفْئِدَةِ ( 7 ) [الهمزة: 6 - 7] . قال: واعلم أن أطول الناس مكثا في جهنم من عصاة الموحدين هو من يمكث فيها نحوا من خمسين ألف سنة ثم يخرج منها بالشفاعة، قال: وإنما قلنا نحوا من خمسين ولم نقل خمسين لأنا لسنا من كمال الخمسين على يقين وإنما استروحنا إلى ما قلناه من قوله تعالى: فِي يَوْمٍ كٰانَ مِقْدٰارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 677  4] والمقدار إنما يكون تقريبا ولا يقطع بتحديده. قال: وينقضي بيوم القيامة جميع ما فيه من المؤاخذات لعصاة الموحدين فلا يبقى في النار بعد ذلك اليوم أحد ممن وحد اللّه تعالى ولو مرة في عمره ومات على ذلك فيوم القيامة متصل بيوم الدنيا وليس بينهما إلا ليل البرزخ وفي فجر هذه الليلة تكون نفخة البعث وفي طلوع شمس يومه يكون إتيان الحق تعالى للفصل والقضاء كما يليق بجلاله وفي قدر ركعتي الإشراق ينقضي الحكم وتعمر الداران بأهلهما كما مر فكل منهم خالد فيما هو فيه. قال: وليس عند أهل النار الذين هم أهلها نوم وإنما يكون النوم فيها لعصاة الموحدين فقط وهذا القدر الذي يتنعمون به في النار ويستريحون فمنهم من ينام الألف سنة ومنهم من ينام الأحد عشر ألفا ومنهم إلى قريب الخمسين ألف سنة على ما مر، قال: وذلك من رحمة اللّه بعصاة الموحدين، قال: فعلم أن أهل النار الذين هم أهلها لا ينامون لقوله تعالى: لاٰ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ( 75 ) [الزخرف: 75] يعني العذاب: وهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف: 75] . ذكره في الباب العشرين من «الفتوحات» ، قال: وإذا نام عصاة الموحدين يكون نعيمهم في منامهم بالرؤية الحسنة فيرى نفسه مثلا أنه خرج من النار وصار في فرح وسرور وأكل وشرب وجماع، ثم إذا استيقظ لا يرى شيئا كما يرى أهل الدنيا ذلك في منامهم سواء. قال: ومنهم والعياذ باللّه من يرى نفسه في منامه ذلك في بؤس وضر وعقوبات وفراش من شوك ونحو ذلك نسأل اللّه العافية.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!