موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

نظرية الجوهر الفرد:

مفهوم الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيّام

دراسة وتأليف: د. محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع باللغة الإنكليزية مخصص للدراسات حول نظرية الجوهر الفرد وازدواجية الزمان


الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية

الخصائص العامة لمفهوم الزّمن والأيّام عند ابن العربي


يقول ابن العربي في بداية الباب التاسع والخمسين من الفتوحات المكية الذي خصّصه لمعرفة الزّمن الموجود والمقدَّر:

إنّ الزّمان إذا حقّقتَ حاصله
مثل الطبيعة في التأثير قوّته
به تعيّنت الأشيا وليس له
العقلُ يعجز عن إدراك صورتِه
لولا التنَزّه ما سمّى الإله به
أصلُ الزّمان إذا أنصفت من أزلٍ
مثل الخلاءِ امتدادٌ ما له طرفٌ

محقّقٌ فهو بالأوهام معلومُ
والعينُ منها ومنه فيه معدومُ[81]
عينٌ يكون عليه منه تحكيمُ
لذا نقول بأنّ الدّهر موهومُ
وجودَه فله في القلب تعظيمُ
فحُكمُه أزليٌّ وهو محكومُ
في غير جسمٍ بوهمٍ فيه تجسيمُ[82]

فلقد رأينا في الفصل السابق أنّ الزّمن هو أحد أهم الموضوعات في الفيزياء والفلسفة وعلم الكون، لأنه المفتاح لفهم العالَم. ولنفس هذا السبب، نجدُ الشيخ محي الدين ابن العربي يعدّ أنَّ الفهم الحقيقي للزمن هو المفتاحُ الأساسي لإدراك العالَم المادّي والروحاني وفتح عين البصيرة على عالَم الغيب. يقول ابن العربي في الفتوحات المكية إنّ علم الزّمان هو علمٌ شريفٌ منه يُعرف الأزل ومنه ظهر قوله عليه السلام: "كان الله ولا شيء معه"،[83] وهذا علمٌ لا يعلمه إلا الأفراد من الرجال[84] وهو المعبّر عنه بالدّهر الأوّل ودهر الدهور، وعن هذا الأزل وُجد الزّمان وبه تَسمّى الله بالدّهر وهو قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تسبّوا الدّهر فإنّ الله هو الدّهر"[85].[86]

ففي هذا الفصل الذي نحن فيه سننظرُ إن شاء الله تعالى بشكلٍ عامٍّ إلى السِّمات الرئيسيّة المُختلفة لمفهوم ابن العربي للزمن والأيّام حتى نستطيع أن نركّز على القضايا المهمَّة في الفصول التالية؛ لهذا السبب سوف نجد هنا العديد من الإحالات إلى الفصول القادمة حيث نبحث بعض الأفكار الأساسية بمزيدٍ من التفصيل.

على الرغم من أن ابن العربي يُعلنُ بشكل صريح أنّ الزّمن شيء وهمي وخيالي، لكنه ما يزال يعدّه أحد المكونات الأربعة الرئيسية للوجود: الزّمان والمكان والعرَض والجوهر. ثمّ يفرّق ابن العربي بين نوعين من الزّمان: الزّمن الطبيعي والزّمن فوق الطبيعي أو الزّمن الروحاني أو النفساني، وهو يقول إنّ شعورنا بالزّمن ينشأُ من القوتين اللتين تتمتع بهما النفس: القوّة العمليّة والقوّة العلميّة.

من الناحية الأخرى، يصرّح ابن العربي بشكلٍ واضحٍ بأنّ هناك حدّا أدنى للزمن لا يمكن التقسيم بعده وبالتالي فهو يعدّ الزّمن كميّة منفصلة ولكن بطريقة فريدة لم تُناقش من قبلُ أبداً؛ فهو يعتبر أنّ الحدّ الأدنى للزمن هو اليوم على الرغم من أنّنا في الواقع نقسّمه إلى وحدات زمنيّة صغيرة كالساعات والدقائق والثواني وأقل من ذلك !

بالإضافة إلى ذلك فإنّ ابن العربي يتكلّمُ عن الزّمن الدائري والدوري ويعدّ الزّمن نسبيّاً وغير متجانسٍ كما يصرّح بتحدّب الزّمن وانحنائه سابقاً بذلك جميع النظريّات العلمية الحديثة التي عرضناها في الفصل السابق.

من الناحية الأخرى، بما أنه يعدّ اليوم هو الوحدة الحقيقية للزمن، يوجّه ابن العربي اهتمامه إلى المعاني المختلفة لليوم ويعطي تعريفاً دقيقاً لليوم والليل والنهار على الأرض ويُعمِّم ذلك في التطبيق على الأجرام السماوية الأخرى والأفلاك، وكذلك على الأيّام المعنوية للأسماء الإلهية، حيث إنّ كُلّ جرم سماوي أو اسم إلهي له يومُه المؤلف من نهارٍ وليلٍ خاصٍّ به؛ وهذه الأيّام تتراوح بين اليوم الفرد الأدنى والمحدود والذي يساوي اليوم العادي إلى يوم الدّهر الذي هو دورة واحدة لا نهاية لها ولا ابتداء. ولكن في الحقيقة هناك أنواع مختلفة من الأيّام منها أيّام أصلية وأيّام مشهودة وهي متوالجة مع بعضها ومسلوخة من بعضها البعض ومكوّرة على بعضها كما ذكر الله تعالى في القرآن، وسوف نخصّص الفصل الرابع لدراسة هذه العلاقات المختلفة بين الأيّام. وفي الفصل الثالث سوف ندرس أهميّة الأسبوع ومعنى الخلق في ستة أيّام.


[81] ولقد رأينا من قبل في الفصل الأوّل أنّ ابن العربي يعدّ مرتبة الطبيعة أي العناصر الأساسيّة الأربعة وهي الحرارة واليبوسة والبرودة والرطوبة ليس لها وجود فعلي رغم أنّها سارية في كلّ شيء.

[82] الفتوحات المكية: ج1ص291س1.

[83] رواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة عن بريدة، وفي رواية: ولا شيء غيره، وفي رواية ولم يكن شيء قبله. وفي صحيح البخاري (الجزء الثاني، الحديث رقم: 3019، والجزء الرابع، الحديث رقم 6982): كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.

[84] الأفراد فئة من رجال الله خارجين عن دائرة القطب، بل القطب واحد منهم، الفتوحات المكّيّة: ج1ص537. والأفراد هم الذين أفردهم الحق إليه واختصَّهم له وأرخى الحجاب حجاب العادة بينهم وبين الخلق فاستخلصهم لنفسه ورضي عنهم ورضوا عنه، الفتوحات المكّيّة: ج3ص1515. والأفراد بين البشر مثل الملائكة المهيَّمين [الفتوحات المكّيّة: ج2ص5318] الذي ذكرناهم في الفصل السابق.

[85] ورد في صحيح مسلم، الجزء الرابع، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، الحديث رقم: 2246.

[86] الفتوحات المكية: ج1ص156-157.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!