المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص
للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي
وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
النص السابع عشر
![]() |
![]() |
قال الشيخ قدس سره : [ نص شريف جدّا ] لما ذكر في النص السابق ، أن تعين الحق في المظاهر بحسبها أو هم ذلك ؛ لأنه يكون حينئذ منزها من الصفات الحقيقية ، مع أن النص والإجماع والعقل يدل على خلافه ، فاحتاج إلى بيان التنزيه على المذاهب كلها ، مع بيان حقيقة بعضها دون بعض ، وشرفه باعتبار الجمع بين التنزيهات والتشبيهات فيه ، مع إثبات الكمالات كلها له من غير شرك فيها مع تنزه عن الكل ، ولذا كان شرفه جدّا إذ تفيد المعرفة الحقيقية فوق طور العقل وظاهر الشرع .
قال رضي اللّه عنه : [ اعلم أن ثمرة التنزيه العقلي ، هي تميز الحق عما يسمى سواه بالصفات السلبية حذرا من نقائص مفروضة في الأذهان غير واقعة في الوجود ، والتنزيهات الشرعية ثمرتها ، نفي التعدد الوجودي والاشتراك في المرتبة الألوهية ، وهي ثابتة أيضا شرعا مع تقرير الاشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية لنفى المشابهة والمساواة ] .
وإليه الإشارة بقوله تعالى :وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ الجمعة : 11 ] ،أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ المؤمنون : 14 ] ،أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[ الأعراف : 151 ] واللَّهِ أَكْبَرُ
[ التوبة : 72 ] ، ونحو ذلك .
اعلم أن الحق منزه عقلا وشرعا وكشفا ، لكن الفرق بين كل تنزيه ، فإن العقل ينزهه عن بعض الصفات لنقصانها ، فتتمكن له صفات سلبية تقابلها ؛ لأن الشيئين لا يجتمعان ولا يرتفعان . فثمرة تمييز الحق عما يسمى سواه بوصفه بهذه الصفات ، والشيخ رضي اللّه عنه لم يرتض هذا التنزيه ؛ لأن النقصان أمور عدمية لا تقع في الوجود من حيث هو موجود أصلا ، فما في الوجود إلا كامل ، وإنما هي أمور فرضتها الأذهان بالنظر إلى ظهوره في بعض المظاهر دون بعض ، على أنه لا تناقض لشيء في نفس الوجود ، وإنما تتناقض الأشياء بالنسبة إلى المراتب .
وإنما قال : ثمرتها ؛ لأنه لم يرتض هذه الثمرة أيضا ؛ لأن الحق لا يتميز عما سواه إلا باعتبارات ، لا بأن توجد في السوى صفات لا توجد في الحق ، وإلا لم يكن الحق جامعا لكلها ، فلم يثبت التوحيد .
وأما التنزيهات الشرعية ، أي : المفهوم من ظاهر الكتاب والسنة والأقوال الظاهرة من العلماء ، وإنما أورد بلفظ الجمع لتعدد هذه الأمور ، فتنزيهه عن الشريك في المرتبة الألوهية ، والمثل والمساوي منها ، ثمرتها نفي التعدد الوجودي لإله العالم .
وإنما قيد بذلك ؛ لأنه لا ينفيه بحسب الذهن بل بحسب الخارج ، وبذا لا يحتاج لنفسه إلا الأدلة ، ولم يرتضه الشيخ القونوي رضي اللّه عنه ، إذ الشركة في صفات الألوهية من السمع والبصر والحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام أيضا ثابتة شرعا لغير اللّه تعالى ؛ لأن الشرع إنما نفى المشابهة والمساواة في هذه الصفات ، ومفهومه تقرير الاشتراك مع الحق في الصفات الثبوتية المذكورة ، لا على وجه المساواة والمشابهة ؛ وذلك لأن ظاهر القرآن ناطق بأن اللّه خير الرازقين ، فأثبت جمعا مع الرازقين ، وكذا الغافرين والخالقين والراحمين ، فلم ينفه أصلا الاشتراك في هذه الصفات ، فلم يثبت ما فهمه أهل الظاهر بحسب ظاهر الشرع أيضا ، بل لا بد من تأويله بما يجمع بين النصوص وذلك في التنزيه الكشفي ،
وهو الذي فيه قال الشيخ الأعظم : [ وأما تنزيه أهل الكشف ، فهو بإثبات الجمعية للحق مع عدم الحصر ، وتمييز أحكام الأسماء بعضها عن بعض ، فإنه ليس كل حكم يصح إضافته إلى كل اسم ، بل من الأسماء
ما يستحيل إضافة بعض الأحكام إليها ، وإن كانت ثابتة لأسماء أخرى ، وهكذا الأمر في الصفات ، ومن ثمرات التنزيه الكشفي نفي السوي مع بقاء الحكم العددي ، دون فرض نقص يسلب أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت ، والسلام ] .
إنما ذكر التنزيه هنا من غير اقتصار على الثمرة كما فعل فيما مضى ؛ إشعارا باعتباره من أول الأمر دون ما مضى إلى التنزيه الكشفي تنزيه الحق عن خروج شيء منه ، فهو لإثبات جمعية الحق مع عدم الحصر في الجمعية ، حتى إنه يوجد في التفرقة ، فله أحدية الجمع والفرق معا وفرادى ، وهذا الأمر في تنزيه الذات .
وأما الاسمي ، فهو تنزيه بعض الأسماء عن إضافة بعض الأحكام إليها فهو تمييز أحكام الأسماء بعضها عن بعض ، إذ من الأسماء ما يستحيل إضافة بعض الأحكام إليها من حيث هي تلك الأسماء ، وإن كانت مضافة إلى أسماء أخرى .
والذات تشمل الكل ؛ فأحكام المذل لا تنسب إلى المعز وبالعكس ، فقد أشار هاهنا إلى المثمر والثمرة جميعا ، ثم ذكر من ثمراته نفي السوي لاقتضاء الجمعية ، نفيه مع بقاء الحكم العددي بحيث صار من وجه آخر سواه ، وإلا لم يكن للفرق مدخل أصلا ، وكان مقيدا بالجمعية ؛ وإذا انتفى السوى ، دخل الكل فيه دون فرض نقص في الذات دون سلب ذلك النقص بدخوله ؛ لشمولها على الكل بالقوة ، فلا نقص فيها ، ولا حدوث يحلها أو تعقل كمال يضاف إلى الحق بإثبات مثبت من هذه الأشياء ؛ لأنه كامل بالذات ، وكمالها من الحق ؛ لأنها صفاته بالحقيقة ظهرت بالمقيدات ، والسلام على أهل الكشف إذ لم يحيطوا في تنزيههم بخلاف الأولين ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [ الصافات : 180 ] ،
أي : عن تنزيههم وتشبيههم ؛ لأن عزته مانعة أن يصل إليه إدراكهم وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [ الصافات : 181 ] إذ أصابوا في تنزيههم الكشفي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ الصافات : 182 ] ؛ لشموله الكل بلا نقص وتغيير فيه ، فله الكمالات كلها ، فافهم .
...............................................................
( 1 ) يعني كالصفات المتضادة ، مثل الحافظية والدافعية ، والمعزية والمذلية والمنعية والعطائية .
![]() |
![]() |