المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص
للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي
وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
النص الخامس عشر
![]() |
![]() |
قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ نص في بيان سر الكمال والأكملية ] : لما ذكر في النص السابق أن لكل مطلق وجها إلى التقييد أوهم أنه ينتقد بذلك ، لمنافاته بقية القيود حينئذ ، ويوهم أيضا أنه يكمل بذلك القيد إذ عدمه كان نقصا فيه ، فأشار إلى المسألة الأولى بسر الكمال ، وإلى الثانية بسر الأكملية مع تمهيد مقدمة أشار إليها بما ..
قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ اعلم أن للحق كمالا ذاتيّا وكمالا أسمائيّا يتوقف ظهوره على إيجاد العالم ، والكمالان معا من حيث التعين أسمائيات ؛ لأن الحكم من كل حاكم على كل أمر ما مسبوق بتعين المحكوم عليه في تعقل الحاكم ، فلو لا تعقل ذات الحق قبل إضافة الأسماء إليه ، وامتيازه بغناه في ثبوت وجوده له عما سواه ، لما حكم بأن له كمالا ذاتيّا ، ولا شك أن كل تعين يتعقل الحق هو اسم له ، فإن الأسماء ليست عند المحققين إلا تعينات الحق ، فإذن كل كمال يوصف به الحق ، فإنه يصدق عليه ، أنه كمال أسمائي من هذا الوجه .
وأما من حيث أن انتشاء أسماء الحق من حضرة وحدته ، هو من مقتضى ذاته ، فإن جميع الكمالات التي يوصف بها ، كمالات ذاتية ] .
أي : الكمال اللازم للحق له اعتباران : فإنه باعتبار ينقسم إلى ذاتي وأسمائي ، فالذاتي ما لا يتوقف وجوده ولا ظهوره على شيء ، بل هو ظاهر لذاته في ذاته أزلا وأبدا من غير توقف على التعينات والتقيدات ، وباعتبار الحق غني عن العالمين ، والكمال الأسمائي وإن لم
يتوقف وجوده على شيء ، يتوقف ظهوره وحصوله بالفعل على إيجاد العالم ؛ لأن الأسماء نسب بين الذات والأشياء ، فلا يتحقق إلا بالمنتسبين ، وليس ذلك استكمالا للذات ، بل لظهورها في المظاهر بعد كمال ظهورها لذاتها .
وباعتبار آخر ، وهو اعتبار ، أن الحكم بالكمال للحق ، يتوقف على تعينه ، فالكمالان معا أسمائيّا .
ما الذي جعلناه أسمائيّا في الاعتبار الأول ، فظاهر ، وأما ما جعلناه ذاتيّا هناك ؛ فلأنه إذا حكمنا على الذات بأنها كاملة ، فلا بدّ من تصور الذات الكاملة ، والنسبة بينها ، وتصور الذات إنما هو بتميزها عما عداها ولو بوجه ما ، فإذا عرف أنه كامل فقد تصور أنه متميزا ولو بعارض ، ككونه لم يضف إليه الأسماء بعد ، وأنه ممتاز بغناه في ثبوت وجود عما سواه ، وكل ما تتصور متميزا عن الغير ،
فهو متعين ولا شك أن كل تعين يتعقل للحق هو اسم له ؛ لأنه معقول بالنسبة إلى الغير ولو باعتبار التميز عنه ، ولهذا كانت الأسماء تعينات الحق عند المحققين ، إذ هي من حيث أنها نسب أمور معدومة ، ولا أثر للمعدوم في الوجود ، فالأسماء بالحقيقة تعينات الحق باعتبار تلك النسب ، فلما كان كل تعين اسما ولا حكم بالكمال على الحق قبل التعين ، فكل كمال اسمي ، وإن لم يتوقف ظهوره على إيجاد الغير
.
وباعتبار ثالث أن الكمالين ذاتيان : أما الذي جعله ذاتيّا في الاعتبار الأول فظاهر ، وأما الذي جعلناه اسميّا هناك ؛ فلأن جميع الأسماء من حضرة وحدته الذي اشتق منها الأحدية والواحدية ، والأسماء منتشية من الواحدية ، والمنتشيء من المنتشيء من شيء منتش من ذلك الشيء مع أن الانتشاء مقتضي ذاته ، إذ كانت كامنة فيه ، فالكل متقضي الذات ، ومنتش منها فينسب إليها ، فجميع الكمالات التي يوصف بها الحق كمالات ذاتية من هذا الاعتبار ، فافهم .
قال الشيخ الصدر رضي اللّه عنه : [ وإذا تقرر هذا ، فنقول : من كان له هذا الكمال من ذاته ، فإنه لا ينقص بالعوارض واللوازم الخارجية في بعض المراتب معنى أنها تقدح في كماله ] .
إشارة إلى المسألة الأولى أي من ثبت له الكمال من ذاته ، فهو له أزلا وأبدا ، فلا ينقص كماله إذا تقيد باعتبار مرتبة أو مظهر بقيود هي من العوارض الزائلة ، أو اللوازم الخارجية ، وإذا كانت تلك القيود تقابل أضدادها وما يناقضها ، لكنه لا تفيده نقصا بمعنى
قدحها في كماله المطلق ؛ لأن القيد إنما يلحقه باعتبار مرتبة ، لا باعتبار غيرها ، فهو على إطلاقه ، وإذا كان على إطلاقه فهو على كماله .
أما باعتبار انقسام الكمال الذاتي والأسمائي ؛ فلأن الذات لا تتغير بتغيرات الأسماء ، كما أنها لا تتكثر بتكثرها ، فالنقص من جهة عدم اعتبار بعض الأسماء في تلك المرتبة ، لا تضره باعتبار الإطلاق .
وأما باعتبار كون الكل اسميّا ؛ فلأنه لا يفتقر شيء ، منها باعتبار مرتبة التعين الأول ، وإن فقد البعض باعتبار سائر المراتب ، وإن فقد مرتبة ، لم يفقد في أخرى .
وأما على اعتبار كون الأول ذاتيّا ؛ فلأن الذات منشأ جميع المراتب ، فهو كما أنه منشأ الأول فهو منشأ منشأ الأولى ، فهو منشأ جميع الكمالات ، فافهم “ .
قال رضي اللّه عنه : [ ولا جائز أن يتوهم في كماله نقص أيضا بحيث يكمل بها بل قد يظهر بالعوارض واللوازم في بعض المراتب ، وصف أكمليته ، ومن جملتها معرفة أن هذا شأنه ] .
إشارة إلى أن الثانية ، أي : ولا يجوز أيضا أن يتوهم أن المطلق يكمل بالقيد بحيث يكون ناقصا بذاته كاملا به ، بل كماله الذاتي بحاله ويظهر بالعوارض واللوازم في بعض المراتب ، كمرتبة الإنسان الكامل وصف أكمليته بالأسماء هذا على اعتبار انقسام الكمال إلى الذاتي والأسمائي ظاهر .
وأما على اعتبار كون الكل اسميّا ؛ فلأن الكمال بحسب التعين الأول بحاله ، وإنما زاد وصف الأكملية بحسب التعينات الباقية . وأما على اعتبار كون الكل ذاتيّا ، فلأن الذي بلا واسطة شيء بحاله ، وإنما زاد ما هو بالواسطة ، ثم استشعر سؤالا ، بأن فيه استكمال الذات بالكمال ، ظهر وصف الأكملية بظهوره في شؤونه ، فهي داخلة في الذات مشهودة فيها موجودة ثمة ، فما حصل لها من الأكملية شيء لم يكن ، بل إنما زاد نسبة الظهور بها في المظاهر ، والنسبة أمر عدمي ، وإنما اعتبر المعرفة ؛ لأن في مرتبة الإطلاق لا تتميز الشؤون أصلا ، بل هي بالقوة ، ولا كمال لما هي بالقوة من كل وجه .
![]() |
![]() |