موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


58- القصيدة الثامنة والخمسين وهي تسعة أبيات من البحر الطويل

وقال رضي الله عنه:

1

أَلَا هَلْ إِلَى الزُّهْرِ الْحِسَانِ سَبِيلُ،

***

وَهَلْ لِي عَلَى آثَارِهِنَّ دَلِيلُ

2

وَهَلْ لِي بِخَيْمَاتِ اللِّوَى مِنْ مُعَرَّسٍ

***

وَهَلْ لِيَ فِي ظِلِّ الْأَرَاكِ مَقِيلُ

3

فَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ يُخبِرُ أَنَّهَ

***

تَقُولُ: تَمَنَّ، مَا إِليْهِ سَبِيلُ

4

وِدَادِي صَحِيحٌ فِيكِ يَا غَايَة المُنَى،

***

وَقَلْبِيَ مِنْ ذَاكَ الْوِدَادِ عَلِيلُ

5

تَعَالَيْتِ مِنْ بَدْرٍ عَلَى الْقَلْبِ طَالِعٍ،

***

وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الطُّلُوعِ أُفُولُ

6

فَدَيْتُكَ يَا مَنْ عَزَّ حُسَناً وَنَخْوَة

***

فَلَيْسَ لَهُ بَيْنَ الْحِسَانِ عَدِيلُ

7

فَرَوْضُكَ مَطْلُولٌ، وَوَرْدُكَ يَانِعٌ،

***

وَحُسْنُكَ مَعْشُوٌقُ عَلَيْهِ قُبُولُ

8

وَزَهْرُكَ بَسَّامٌ وَغُصْنُكَ نَاعِمٌ،

***

تَمِيلُ لَهُ الْأرْوَاحُ حَيْثُ يَمِيلُ

9

وَظَرْفُكَ فَتَّانٌ، وَطَرْفُكَ صَارِمٌ

***

بِهِ فَارِسُ الْبَلْوَى عَلَيَّ يَصُولُ

شرح البيتين الأول والثاني:

1

أَلَا هَلْ إِلَى الزُّهْرِ الْحِسَانِ سَبِيلُ،

***

وَهَلْ لِي عَلَى آثَارِهِنَّ دَلِيلُ

2

وَهَلْ لِي بِخَيْمَاتِ اللِّوَى مِنْ مُعَرَّسٍ

***

وَهَلْ لِيَ فِي ظِلِّ الْأَرَاكِ مَقِيلُ

يقول: ألا هل لي إلى هذه المعارف الحاصلة من التجليات الذوقية - من اسمه "الجميل" - طريق إلى نيلها؟ وهل لي دليل على الطريق الموصل إليها؟ وهل لي بمقامات العطف الإلهي من إقامة وتعريس؟ وهل لي في نعيم المشاهدة في حضرة التقديس والتطهير نصيب؟

شرح البيت الثالث:

ثم قال:

3

فَقَالَ لِسَانُ الْحَالِ يُخبِرُ أَنَّهَ

***

تَقُولُ: تَمَنَّ، مَا إِليْهِ سَبِيلُ

يقول: "فقال لسان الحال"، يشهد بأنّ ذلك لا يكون، وإنَّ هذا المقام ل يحصل إلا لأهل الجدِّ والاجتهاد، والتوجُّه والصدق، لا يحصل بالتمنِّي، اسلُك تصل!

شرح البيتين الرابع والخامس:

ثم قال:

4

وِدَادِي صَحِيحٌ فِيكِ يَا غَايَة المُنَى،

***

وَقَلْبِيَ مِنْ ذَاكَ الْوِدَادِ عَلِيلُ

5

تَعَالَيْتِ مِنْ بَدْرٍ عَلَى الْقَلْبِ طَالِعٍ،

***

وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ الطُّلُوعِ أُفُولُ

يقول: ما هو تمنِّي! بل هو وُدٌّ صحيح يحملني على ارتكاب الشدائد في رضى المطلوب، رجاءً أن يحصل منه ما يمتَنُّ به عليَّ، وجعله ("غاية المنى"، أي) منتهى أمله، ووصف قلبه بالعلة، حين وصف وداده بالصحة، يريد ما أثَّرَ الهوى فيه من الشدة والكرب.

وقوله "تعاليتِ من بدر": إشارة إلى حصول صفة الكمال لها. وقوله "وليس له بعد الطّلوع أفول": نبَّهَ على أنّ الحق ما تجلَّى لشيء ثم انحجب عنه بعد ذلك، هكذ تُعطي الحقائق.

شرح الأبيات من السادس إلى التاسع:

ثم قال:

6

فَدَيْتُكَ يَا مَنْ عَزَّ حُسَناً وَنَخْوَة

***

فَلَيْسَ لَهُ بَيْنَ الْحِسَانِ عَدِيلُ

7

فَرَوْضُكَ مَطْلُولٌ، وَوَرْدُكَ يَانِعٌ،

***

وَحُسْنُكَ مَعْشُوٌقُ عَلَيْهِ قُبُولُ

8

وَزَهْرُكَ بَسَّامٌ وَغُصْنُكَ نَاعِمٌ،

***

تَمِيلُ لَهُ الْأرْوَاحُ حَيْثُ يَمِيلُ

9

وَظَرْفُكَ فَتَّانٌ، وَطَرْفُكَ صَارِمٌ

***

بِهِ فَارِسُ الْبَلْوَى عَلَيَّ يَصُولُ

كنّى بـ"الروضة" عن مجموع خُلُقه، وبـ"الطلّ" عن مكارمها واستمدادها بظهور الأخلاق الإلهية عليها، وبـ"الورد اليانع": مشهد مخصوص يُهلك كلَّ صفة مذمومة، وبـ"الحسن المعشوق" عن العلاقة التي بينك وبينه، وقوله (عن هذا الحسن أنه): "عليه قبول"، يريد أنه محبوب لذاته. وقوله: "زهرك بسام"، يريد قبول المعارف التي على القلب. وقوله: "وغصنك ناعم"، يريد حاملاتها منك. وقوله "تميل له الأرواح حيث يميل": لارتباطها به ارتباط الظلّ بالشخص، يسكن بسكونه، ويتحرك بحركته.

وقوله: "وظرفك فتان"، يريد مقام الأدب، و"فتّان": محل الاختبار، و"طرفك صارم": مشهور قاطع. وقوله: "به فارس البلوى عليّ يصول"؛ يقول: باعث الحق في العبد اختباراً من الحق له.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!