The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


59- القصيدة التاسعة والخمسين وهي خمسة عشر بيتاً من البحر المتقارب

وقال رضي الله عنه:

1

لِظَبْيَةِ طَيٍّ ظُبَا صَارِمٍ

***

تَجَرَّدَ مِنْ طَرْفِهَا السَّاحِرِ

2

وَفِي عَرَفَاتٍ عَرَفْتُ الَّذِي

***

تُريدُ فَلَمْ أَكُ بِالصَّابِرِ

3

وَلَيْلَة جَمْعٍ جَمَعْنَا بِهَ

***

كَمَا جَاءَ فِي الَمثَلِ السَّائِرِ

4

يَمِينُ الْفَتَاة يَمِينُ فَلَ

***

تَكُنْ تَطْمَئِنُّ إِلَى غَادِرِ

5

مُنىً بِمِنىً نِلْتُهَا لَيْتَهَ

***

تَدُومُ إِلَى الزَّمَنِ الْآخِرِ

6

تَوَلَّعْتُ فِي لَعْلَعٍ بِالَّتِي

***

تُرِيكَ سَنَا الْقَمَرِ الزَّاهِرِ

7

رَمَتْ رَامَة وَصَبَتْ بِالصَّبَ

***

وَحَجَّرَتِ الْحَجْرَ بِالْحَاجِرِ

8

وَشَامَتْ بَرِيقاً عَلَى بَارِقٍ

***

بِأَسْرَعَ مِنْ خَطْرَة الْخَاطِرِ

9

وَغَاضَتْ مِيَاهُ الْغَضَا مِنْ غَضًـى،

***

بِأَضْلُعِهِ مِنْ هَوًى سَاحِرِ

10

وَبَانَتْ بِبَانِ النَّقَا فَانْتَقَتْ

***

لَآلِئَ مَكْنُونِهِ الْفَاخِرِ

11

وَآضَتْ بِذَاتِ الْأَضَا الْقَهْقَرَى

***

حِذَاراً مِنَ الْأَسَدِ الْخَادِرِ

12

بِذِي سَلَمٍ أَسْلَمَتْ مُهْجَتِي

***

إِلَى لَحْظِهَا الْفَاتِكِ الْفَاتِرِ

13

حَمَتْ بِالْحِمَى وَلَوَتْ بِالْلِّوَى

***

كَعَطْفَة جَارِحِهَا الْكَاسِرِ

14

وَفِي عَالِجٍ عَالَجَتْ أَمْرَهَ

***

لِتُفْلِتَ مِنْ مِخْلَبِ الطَّائِرِ

15

خَوَرْنَقُهَا خَارِقٌ لِلسَّمَاءِ

***

يَسْمُو اعْتِلَاءً عَلَى النَّاظِرِ

شرح الأبيات الأول والثاني والثالث:

1

لِظَبْيَةِ طَيٍّ ظُبَصَارِمٍ

***

تَجَرَّدَ مِنْ طَرْفِهَا السَّاحِرِ

2

وَفِي عَرَفَاتٍ عَرَفْتُ الَّذِي

***

تُريدُ فَلَمْ أَكُ بِالصَّابِرِ

3

وَلَيْلَة جَمْعٍ جَمَعْنَا بِهَ

***

كَمَا جَاءَ فِي الَمثَلِ السَّائِرِ

قوله "لِظَبْيَةِ طَيٍّ": مرتبة محمدية، يقول: لها نظر صائب، "تجرَّد"، يقول: ظهر، "من طرفِها": من نظرها، "الساحر": الحاكم على عالم الامتزاج.

وقوله "في عرفات": مقام الجمعية في باب المعرفة، "عرفت الذي تريده مني فلم أك بالصابر"، يقول: استعجلت في قضاء ذلك.

وقوله: "وليلة جمعٍ"، يقول: أقمنا في مقام القربة، فجمعني عليّ، ولكن لفتة لحظة، لأنها ليلة - يعني ثم افترقنا - فقال: "كما جاء في المثل السائر"، وهو قولهم: "فم سلم حتى ودَّعا"، أي كان سلامه وداعا.

شرح الأبيات من الرابع إلى السادس:

ثم قال:

4

يَمِينُ الْفَتَاة يَمِينُ فَلَ

***

تَكُنْ تَطْمَئِنُّ إِلَى غَادِرِ

5

مُنىً بِمِنىً نِلْتُهَا لَيْتَهَ

***

تَدُومُ إِلَى الزَّمَنِ الْآخِرِ

6

تَوَلَّعْتُ فِي لَعْلَعٍ بِالَّتِي

***

تُرِيكَ سَنَا الْقَمَرِ الزَّاهِرِ

يقول: قَسَمُ الصفةِ التي لا قيام لها بنفسها (وهو ما أشار إليه بكلمة: "فتاة") - فهي مفتقرة إلى غيرها - لا يعوَّلُ عليه، لكونها محجوبة عن افتقارها، فقد لا يُساعدها فيما تريد مَن هي مفتقرة إليه، ولا تَظهر إلا به، فقد يكذب يمينها ول يصدِّقه، يقول: من هذه صفته لا يُعتمد على قوله، ولا يُطمئن إليه.

وقوله: "منىً"، يريد ما كان يتمنى، "بمنى": مقام الجمع، فليته "يدوم إلى الزمن الآخر"، وهو منقَطعالأنفاس.

وقوله: "تولَّعْتُ في لعلع"، أي: مقام الفرح بالحب بالتي تظهر في صورة القمر ليلة البدر، إشارة إلى صفة كمال في التجلي.

شرح الأبيات من السابع إلى التاسع:

7

رَمَتْ رَامَة وَصَبَتْ بِالصَّبَ

***

وَحَجَّرَتِ الْحَجْرَ بِالْحَاجِرِ

8

وَشَامَتْ بَرِيقاً عَلَى بَارِقٍ

***

بِأَسْرَعَ مِنْ خَطْرَة الْخَاطِرِ

9

وَغَاضَتْ مِيَاهُ الْغَضَا مِنْ غَضًـى،

***

بِأَضْلُعِهِ مِنْ هَوًى سَاحِرِ

يقول: "رَمَت" ما كانت ترومه، لأنها رأت الأمر على خلاف ما كانت تعتقده. وقوله: "وصبت بالصّبا"، أي مالت إلى جانب التجلي، و"حجرت": منعت، ("الحجّرَ":) المنع، ("بالحاجر":) بمقام العزة الأحمى، يقول: إنّ المراد حصل، فإنَّ المَنْعَ إذ مُنِع كان عطاءً، فإنّ عدم العدم وجود. و"شامت بريقا على بارق": الشَّيم النظر إلى البرق، يقول: أشهدت مشهدا ذاتيا، و"بارق" هنا: الكثيب، وما في معناه، يريد حيث التجلي فهو بارق. وقوله: "بأسرع من خطرة الخاطر"، يقول: لا يثبت لعزته.

وقوله: "غاضت"؛ أي نقصت، "مياه الغضا"، يقول: حياةنيران الهوى، "من غضى"، يعني نار قلبه التي أضرَمَها هوى هذه الفتاة، والماء من عادته تُجَفِّفه الحرارة، فلهذا قال: غاضت.

شرح الأبيات من العاشر إلى الثاني عشر:

ثم قال:

10

وَبَانَتْ بِبَانِ النَّقَا فَانْتَقَتْ

***

لَآلِئَ مَكْنُونِهِ الْفَاخِرِ

11

وَآضَتْبِذَاتِ الْأَضَا الْقَهْقَرَى

***

حِذَاراً مِنَ الْأَسَدِ الْخَادِرِ

12

بِذِي سَلَمٍ أَسْلَمَتْ مُهْجَتِي

***

إِلَى لَحْظِهَا الْفَاتِكِ الْفَاتِرِ

وقوله: "وبانت"، يقول: ظهرت، "ببان النّقا": روضة الكثيب الذي هو مشهد الرؤية. وقوله: "فانتقت لآلي مكنونه الفاخر"، يقول: أشهدت في أحسن صورة.

وقوله "وآضت": رجعت، "بذات الأضا": موضع تجلي الأنوار، "القهقرى": إلى خلف، يريد رجوعها إلى عالم طبيعتها لئلا تحرقها تلك الأنوار، فكان الرجوع حجابا عن ذلك النور المحرق حذرا من سطوته، وسماه "أسداً" لشدته، و"خادراً": لأنّ شدة غيره تتخدرعنده، كما سمي الشجاع بطلاً، أي يُبطل شجاعة غيره.

وقوله "بذي سلم": مقام الاستسلام، "أسلمت": تركت، "مهجتي": حقيقَةَ ذاتي، "إلى لحظها": يريد مشهدها في باب الرؤية، "الفاتك": يريد القاتل لأهل الخلوات خاصة. (و)"الفاتر": اللطيف بأهل الخلوات، فإنّ العارفين يهلكون بنظر الحق ويفنون، والعامة لا يطرأ عليهم شيء من ذلك مع نظرهم إلى الحق، وذلك لعدم المعرفة، وهنا سرٌّ: وهو هلاك نفسك على الحقيقة في مثل هذه المشاهدة منك، إلا أن يكون الأمر ذاتيًّا فحينئذ يكون منه، ومنك بحيث أنك مستعد للتأثير لا غير.

شرح الأبيات من الثالث عشر إلى الخامس عشر:

ثم قال:

13

حَمَتْ بِالْحِمَى وَلَوَتْ بِالْلِّوَى

***

كَعَطْفَة جَارِحِهَا الْكَاسِرِ

14

وَفِي عَالِجٍ عَالَجَتْ أَمْرَهَ

***

لِتُفْلِتَ مِنْ مِخْلَبِ الطَّائِرِ

15

خَوَرْنَقُهَا خَارِقٌ لِلسَّمَاءِ

***

يَسْمُو اعْتِلَاءً عَلَى النَّاظِرِ

يقول: ("حمت بالحمى"، أي) قامت في مقام العزة تخلُّقا، و"لوت": أي عطفت بالعطفات الإلهية تخلُّقاً أيضا. وقوله: "كعطفة جارحها"، يريد عزمها الماضي الكاسرِ كلَّ عزم، كما قلنا:

إذا فلّ سيفي لم تفل عزائمي

***

فلي عزمات شاحذات صوارمي

"وفي عالج": من المعالجة، "لتُفلِت من مخلب الطائر"، يقول: ما تحب الأخذ وهي في قبضة الأرواح، وإنما تحب أن تُؤخذ وهي في قبضة الحقِّ، ذوقا لا علما، فإنّ الأخذ من الحق قد يكون بوساطة الأرواح العلوية، وقد يكون بارتفاع الوسائط.

وقوله "خورنقها": موضع مملكتها، "خارق للسماء": له أثر في العلويات، "يسمو اعتلاء على الناظر"، يريد يفوق البصر، والإشارة إلى قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: 103].



 

 

البحث في نص الكتاب



Bazı içeriklerin Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!