موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


49- القصيدة التاسعة والأربعين وهي ثمانية أبيات من البحر البسيط المخلع

وقال رضي الله عنه:

1

مَنْ لِي بَمَخْضُوبَة الْبَنَانِ،

***

مَنْ لِي بِمَعْسُولَة الْلِّسَانِ

2

مِنْ كَاعِبَاتٍ ذَوَاتِ خِدْرٍ،

***

نَوَاعِمٍ خُرَّدٍ حِسَانِ

3

بُدُورُ تَمٍّ عَلَى غُصُونٍ

***

هُنَّ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمَانِ

4

بِرَوْضَة مِنْ دِيَارِ جِسْمِي،

***

حَمَامَة فَوْقَ غُصْنِ بَانِ

5

تَمُوتُ شَوْقاً، تَذُوبُ عِشْقاً،

***

لَـمَّا دَهَاهَا الَّذِي دَهَانِي

6

تَنْدُبُ إِلْفاً، تَذُمُّ دَهْراً،

***

رَمَاهَا قَصْداً بِمَا رَمَانِي

7

فِرَاقُ جَارٍ، وَنَأْيُ دَارٍ،

***

فَيَا زَمَانِي عَلَى زَمَانِي

8

مَنْ لِي بِمَنْ يَرْتَضِـي عَذَابِي،

***

مَا لِي بِمَا يَرْتَضِـي يَدَانِ

شرح البيتين الأول والثاني:

1

مَنْ لِي بَمَخْضُوبَة الْبَنَانِ،

***

مَنْ لِي بِمَعْسُولَة الْلِّسَانِ

2

مِنْ كَاعِبَاتٍ ذَوَاتِ خِدْرٍ،

***

نَوَاعِمٍ خُرَّدٍ حِسَانِ

يريد بـ"مخضوبة البنان": هو ما استترت به القدرة القديمة بالقدرة المحدثة على مذاهب أهل النظر واختلافهم في ذلك، فيقول: من لي بها، أي بتحصيل علم ما أحالوه من تحصيله، لأقف على حقيقة الأمر، وسبب طلبه لذلك: هل يصح فيها تجلّ أم لا؟ وأن أمنع، وجماعة من أصحابنا والمعتزلة لا تمنع، وصوفية الأشعرية متوقفة (في هذه المسألة).

وقوله: "من لي بمعسولة اللسان"، يريد طيب الكلام. وقوله: "من كاعبات"، أي محمل علومها ضيق،"ذوات خدر": يريد الحجب والستر، "نواعم": ما يعطونه من اللطافة، وهو مقام الحياء والجمال.

شرح البيتين الثالث والرابع:

ثم قال:

3

بُدُورُ تَمٍّ عَلَى غُصُونٍ

***

هُنَّ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمَانِ

4

بِرَوْضَة مِنْ دِيَارِ جِسْمِي،

***

حَمَامَة فَوْقَ غُصْنِ بَانِ

يقول: لهنَّ مقام الكمال والتمام، الذي لا يعتريه نقص ولا خرم، يريد إنهنّ بروضة منقطعة عن الروضات، لانفرادها في صفتها، وبها حمامة لطيفة روحانية نبوية ظهرت في القيومية المنزهة عن الاشتراك، وهو مذهب بعض أصحابنا أنّ القيومية ل يُتخلَّق بها [راجع شرح البيت الرابع في القصيدة الرابعة والعشرين].

شرح الأبيات من الخامس إلى الثامن:

ثم قال:

5

تَمُوتُ شَوْقاً، تَذُوبُ عِشْقاً،

***

لَـمَّا دَهَاهَا الَّذِي دَهَانِي

6

تَنْدُبُ إِلْفاً، تَذُمُّ دَهْراً،

***

رَمَاهَا قَصْداً بِمَا رَمَانِي

7

فِرَاقُ جَارٍ، وَنَأْيُ دَارٍ،

***

فَيَا زَمَانِي عَلَى زَمَانِي

8

مَنْ لِي بِمَنْ يَرْتَضِـي عَذَابِي،

***

مَا لِي بِمَا يَرْتَضِـي يَدَانِ

يقول: إنها في مقام الشّوق والعشق، ووَصَفها بالذوبان والموت، والمراد: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اَللهُ﴾ [آل عمران: 31]، و﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]، وذكرها "الإلف" يريد الصورة الجامعة، ولَمَّا كانت الصور من عالم التمثُّل كان لها التقييد بالزمان أيضا في ذلك العالَم، فعلَّق الذمَّ على الزمان (بقوله: "تَذُمُّ دَهْراً")، وجعل السهام الصوائب له لأنه محلها وبه ظهرت، ومفارقة الجار عارف الحجب بنفسه عن ربه، بعد أن كان بربه لربه، و"نأي دار"، يريد دار طبيعته إذا رجع إليها، فتحسَّر من هذ الزمان الذي وقع فيه البين، على الزمان الذي كان فيه انتظام الشمل.

وقوله: "من لي بمن ترتضي عذابي"، يقول: من لي بوصلها بعد هجرها، فإنّ فراق الطلاقأعظم من الفراق الأول، لأنه فراق عن خُبْر. وقوله: "ما لي بما يرتضي يدان"، يقول: سبق العلم بأمرٍ ما يمنع من وقوع غيره، وهذا بابٌ عظيم واجبٌ غلقه وسدُّه، لأنه مهلِكٌ، إلا للعارف المتمكن.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!